مقالات

قضايا تقرير المصير والقانون الدولي الانساني

المحامية سحر الياسري

 كانت ولازالت قضية حق الشعوب في تقرير مصيرها من أخطر القضايا بعد الحرب العالمية الثانية إذ لم يعد مقبولا أن يستمر الاستعمار في مناطق شتى من العالم بينما يعلن ميثاق الأمم المتحدة عن مبادئ وأهداف تمج الاستعمار وتدعو إلى تصفيته وإفساح المجال أمام الشعوب لتقرير مصيرها واختيار أنظمة الحكم التي ترتضيها.

وحق تقرير المصير يعني :حق كل الشعوب في أن يختار بإرادته الحرة نظام الحكم الذي يناسبه,وأن تكون للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي أو الأقاليم الخاضعة لنظام الوصاية,حرية تقرير مستقبلها السياسي, وأن يجرى استفتاء سكان الأقاليم التي يتم فصلها من دولة ما وضمها إلى دولة أخرى,وحق كل شعب في السيادة على ثرواته وموارده الطبيعية.

وقد نصت المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على ما يلي :-

  1. للشعوب كافة الحق في تقرير مصيرها ولها استنادا لهذا الحق أن تقرر بحرية نموها الاقتصادي, والاجتماعي, والثقافي.

  2. ولجميع الشعوب تحقيقا- لغاياتها خاصة- أن تتصرف بحرية في ثرواتها,ومواردها الطبيعية دون إخلال بأي من الالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة,والقانون الدولي ولا يجوز –بأي حال من الأحوال – حرمان شعب من الشعوب من وسائله المعيشية الخاصة.

  3. على جميع الدول الإطراف في الاتفاقية الحالية,بما فيها المسئولة عن أدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها أو الموضوعة تحت الحماية,وان تعمل من أجل تحقيق حق المصير,وان تحترم ذلك الحق مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة .

وتؤكد البنود الواردة أعلاه على حق الشعوب إن تقرر بحرية كيانها السياسي,وان تواصل بحرية نموها الاجتماعي,والثقافي,والاقتصادي.فالإشارة إلى حرية الكيان السياسي هي نتيجة منطقية لحق تقرير المصير .

كما أكدت هذه المادة على التزام جميع الإطراف الموقعة على العهد بالعمل من أجل تحقيق حق تقرير المصير بأن تساعد وتعاون على سيادة مبدأ تقرير المصير, وإفساح الطريق أمام الشعوب المستعمرة والمحتلة, والخاضعة لنظام الوصاية للحصول على استقلاليتها,واختيار نظم الحكم الوطنية التي تحكم بأسم الشعب فيما يطلق عليه الحكم الوطني.

ومن أهم ملامح هذا الحق كما حددته قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية ما يلي:-

· ينظر إلى حق تقرير المصير باعتباره من الأسس الديمقراطية في العلاقات الدولية, لأنه يرتكز على القاعدة التي تقضي بأن الدولة, وحدود إقليمها, ونظامها السياسي والدستوري, يجب أن تبنى على الإرادة الحرة للشعوب.

· حق تقرير المصير مبدأ قانوني من المبادئ الأساسية التي يستند إليها القانون الدولي المعاصر, وهو أحد الحقوق الأساسية للشعوب.

· يستند حق تقرير المصير إلى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة والمواثيق الدولية العديدة التي تبنتها الأمم المتحدة والممارسة العملية والفعالة من شعوب العالم المختلفة خلال ما يزيد عن أربعين عاما من عمر الأمم المتحدة.

· ممارسة حق تقرير المصير في إطار التنظيم الدولي المعاصر تتم بأحد طريقين كليهما قانوني ومشروع:

أ - الوسائل السلمية كالاستفتاء :وقد جرى العمل الدولي على أن يكون الإشراف على عمليات الاستفتاء للأمم المتحدة ضمانا لسلامة أجراءتها وصحة نتائجها.

ب- استخدام القوة بواسطة حركات التحرير الوطني: أو بمعنى أدق حق الشعوب في المقاومة المسلحة - فرادى وجماعات – دفاعا هن حقوقها المسلوبة, وعملا على استرداد سيطرتها على ثرواتها, وأقاليمها.

· أن خضوع الشعوب للاستعباد الأجنبي,أو سيطرته أو استغلاله يعتبر إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويهدد قضية السلام والتعاون بين الشعوب,وللشعوب الواقعة تحت سيطرة الاستعمار,أو ماشابه ذلك,الحق في تقرير المصير الخارجي,بمعنى أن تتمتع بالسيادة والاستقلال,أو أي وضع دولي أخر يتخذ بمعرفة هذه الشعوب .

· للشعوب التي تعاني من النظم العنصرية, الحق في تقرير المصير الداخلي, وتقرير المصير الخارجي بمعنى أن تحرر نفسها من نظمها بتحقيق الحكم الذاتي, أو تنفصل عن الدولة العنصرية.

· على الدول المسيطرة على شعوب اخرىواجب احترام هذا الحق,وتنفيذه وعليها بوجه خاص الامتناع عن استخدام القوة لحرمان الشعوب المستعـّمرة من حقها في تقرير المصير.

· للدول الأخرى الحق في تقديم التأييد المادي والمعنوي للشعوب المناضلة في سبيل تقرير مصيرها.

· حروب التحرير الوطنية حروب مشروعة ,عادلة.

· حروب التحرير الوطني حروب دولية تطبق بشأنها القواعد كافة التي أقرها القانون الدولي في شأن قوانين الحرب.

· حركات التحرير الوطني كيانات محاربة ذات صفة دولية, وهي تعد من قبيل الدول التي ما زالت في طور التكوين.

مازال حق تقرير المصير كحق إنساني للشعوب يجد مقاومة ومعاندة وطغيان عسكري في إنحاء مختلفة من العالم, وتثور مشاكل إنسانية عديدة وخطيرة هل يعتبر المقاوم أسيرا أم إرهابيا عند ألقاء القبض عليه؟؟وعن حقوق المدنيين في الأراضي المحتلة ؟ وما واجبات سلطات الاحتلال في مواجهة الأشخاص والأملاك بما لا يهدر إنسانية الإنسان؟

ففي هذه الحروب تقع تجاوزات خطيرة مع زحف القوة العسكرية الطاغية,وتظهر الحاجة قوية لمبادئ وقواعد إنسانية يعتبر الخروج عليها جريمة حرب يمكن أن تعرض مرتكبيها للمحاكمة الجنائية الدولية.

وسواء أكان هناك استعمار أو احتلال أو غزو أو حرب أهلية أو دولية, فإن قواعد حقوق الإنسان في القانون الدولي متوفرة لبيان ما هو حق للإنسان والشعب.وما هو واجب على سلطات الاستعمار,أو القوات الغازية والمتحاربة. فمبدأ حق تقرير المصير منصوص عليه, فضلا عن العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية للأمم المتحدة, كما أن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال أصبحت له معايير تميز بينه وبين الإرهابي الدولي.

وتقليلا من معاناة الإنسان في الحروب الدولية والأهلية,فقد تكفل القانون الدولي والإنساني بوضع المبادئ والقواعد المفصلة في اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1948 والبروتوكوليين الملحقين لعام 1977 بتنظيم التعامل أو الجندي أو الأسير أو الجريح أو المدني في ساحة المعارك أو الأرض المحتلة,كذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية باتفاق روما لسنة 1998.

رغم الكم الهائل من القواعد المنظمة لحقوق الإنسان,فإنها تنتهك ويعصف بها بقسوة في عصرنا الحالي على أيدي قوات الاحتلال أو الغزو,أو المتحاربين دوليا,وأهليا,ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى غياب الإحساس ,بإنسانية البشر ضحايا الاحتلال والغزو والحرب .لقد حاولت اتفاقيات جنيف أن ترسخ في الضمير,واليقين معنى إنسانية الفرد الضحية بقدر لا يختلف عن إنسانية المحتل أو الغازي,أو المتحارب وتجسد ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهذا المعنى في فقرتيها الأولى والثانية,وهي تدعو إلى الإيمان بالكرامة المتأصلة في البشر, والاعتراف بما تعنيه هذه الكرامة من تكريم الإنسان أيا كان,كأساس لا غنى عنه لتجنب الإعمال البربرية التي أثارت الضمير الانساني.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com