مقالات

الإرهاب وحقوق الإنسان

المحامية سحر الياسري

الوصول إلى تعريف محدد للإرهاب أمر صعب, فهناك مشاكل كثيرة متنوعة تحول دون الوصول إلى تعريف محدد, واهم هذه المشاكل أنه ليس لهذا الاصطلاح محتوى قانوني محدد. فقد تعرض مصطلح الإرهاب إلى تطور وتغيير معناها منذ بدء استخدامه من أواخر القرن الثامن عشر.فقد كان يقصد به في البداية الإعمال والسياسات الحكومية التي تستهدف أثارة الرعب بين المواطنين وصولا لتأمين خضوعهم وانصياعهم لرغبات الحكومة ,وبتطوره في الوقت الحاضر يستخدم هذا الاصطلاح للتعبير على الاستخدام المنظم للعنف وأعماله المختلفة التي تقوم بها منظمة سياسية بممارستها على المواطنين وخلق جو من الرعب والفزع وعدم الأمان.

ولاشك أن الإرهاب باعتباره عملا من الإعمال التي تمس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أو تهدد هذه الحقوق والحريات بالضرر إنما يدخل في علاقة عكسية مع حقوق الإنسان.

يثار التأثير بين حقوق الإنسان والإرهاب من خلال الاعتراف بالوثائق الدولية والإقليمية والشريعة الإسلامية بجملة حقوق الإنسان مع أقرانها في الوقت نفسه ببعض القيود والتحديات التي يقدرها النظام القانوني لكل دولة وفق الضرورة ولحاجات تتصل بالصالح العام والأمن العام,محاربة الإرهاب قد تبرر إلى حد ما فرض قيود أو حتى الاعتداء على حقوق الإنسان,لكن لابد من التوفيق بين متطلبات الدفاع عن المجتمع وحماية حقوق الإنسان الفردية,فالإرهاب ينتج عنه من إزهاق للأرواح ومساس بالسلامة الجسدية وفرض فكر معين يمثل اعتداء عل حق الإنسان في الحياة,وسلامة جسده,وحقه في التفكير,وحرية التعبير.ولكن القوانين التي تفرض القيود على حقوق الإنسان يجب أن تكون ديمقراطية, كما هذه القوانين يجب إن لا تلغي الحقوق أو تصادرها.

إن المواثيق والمؤتمرات والندوات عالجت الإرهاب على أنه انتهاك لحقوق الإنسان,كذلك فعلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تقريرها لعام 1992 وفي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993 إذ أكدت وثيقته على إن الإرهاب,وأعماله وأساليبه,وممارساته بجميع أشكالها ومظاهرها تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية,كما أنها تهديد للسلامة الوطنية للدول وتزعزع استقرار الحكومات,فالإرهاب في كل هذه الوثائق عد انتهاكا مباشرا لحقوق الإنسان,ولايمكن تبريره تحت أي ظرف,باستثناء مباشرته للحصول على حق تقرير المصير,وهو من الحقوق السياسية للإنسان.

لاشك أن الإرهاب يبث الخوف,والرعب في النفوس وينشد جوا من الرهبة والفزع والترقب,ومن هنا يتعارض مع حق الإنسان في الأمن,والعيش في سلام,كما انه قد يدفع الدولة إلى تحويل بعض الموارد إلى مكافحته بما يعطل جهود التنمية التي تؤثر على مختلف الحياة الاجتماعية,والاقتصادية,والثقافية,وتهدد الحقوق الإنسانية المتعلقة بهذه الجوانب.وبذلك يصبح الإرهاب متعارضا مع حقوق الإنسان من حيث أهدافه,وأساليبه,وطرقه وأشكاله,فهو يمثل تدميرا لهذه الحقوق وإلغاء وقضاء فوري عليها,فخطف الرهائن واحتجازهم يمثل اعتداء على حق الإنسان في الأمن والحرية الشخصية,والتنقل,والاغتيال يمثل اعتداء على حق الإنسان في الحياة الذي هو حق طبيعي أصيل ومصدر لباقي الحقوق,والتفجيرات تمثل اعتداء على حق الإنسان في الأمن,وفي سلامة جسده,وقد تسلبه حقه في الحياة وهو هبة من الله لا يجوز حتى للدولة أن تتصرف فيه إلا استنادا إلى أسباب شرعية.

عادة ما تتذرع الدول بخطورة العمليات الإرهابية من اجل اتخاذ إجراءات تعسفية تعتبر اعتداء على حقوق الإنسان الأساسية مثل ,حقه في التنقل,والتفكير,والاعتقاد إلى غير ذلك من الحقوق,والفرد لا يجد مناصا من الخضوع لمثل هذه الإجراءات تحت دعوى مكافحة الإرهاب,الذي يعتبر في كثير من الأحيان تقويضا لحقوق الإنسان ,أذا كان الإرهاب يهدد وينتهك ,بوضوح حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والحرية وأمن الأشخاص المنصوص عليها في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تدين الاستخفاف,أو الاحتقار لهذه الحقوق,التي تنتج عن الأفعال الوحشية والهمجية التي يأباها الضمير الإنساني ,فأن حماية هذه الحقوق تتطلب هي الأخرى-إجراءات غير عادية- ولكن هذه الإجراءات لا تتضمن بأي حال من الأحوال مصادرة حقوق الإنسان.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com