مقالات

الكاتب الأمريكي (يوجين أونيل) ثورة على السائد من الخطاب والأفكار

سعد السعدون

يرى كثيرون أن إنعطافة التحول نحو التطور في المسرح الأمريكي جاءت على يد الكاتب الأمريكي المعروف (يوجين أونيل) الذي يعد من المؤسسين لإتجاهات جديدة في المسرح الأمريكي وقد إستقطبت أعماله شرائح كبيرة من الجمهور ونخبا ً مختلفة من النقاد، وما تميز به ذلك الكاتب أنه قدم للمسرح جملة من الأساليب والموضوعات الجديدة، ويمكن القول أن كل مسرحية من مسرحياته تمثل إبتكارا ً وسبرا ً لمفردات إنسانية مختلفة، تميز الكاتب بالجدية العميقة وذلك ما يمكن إستنتاجه من خلال سجله الأدبي والفني الذي يشير إلى أنه كتب نصا ً مسرحيا ً كوميديا ً واحدا ً بعنوان (آه أيتها البراري) الذي صدر في العام 1933، وكما هو معروف أن الكاتب المذكور نال جائزة نوبل للآداب عام 1936 ويبدو من خلال مسيرته الحياتية والأدبية أن ثمة تأثير إنعكس على الكاتب وتوجهاته نتج عن نشاط والده الذي كان ممثلا ً مشهورا ً حيث قضى الأخير كامل حياته الفنية وهو يجسد دوراً ً وهو الشخصية الرئيسية في (الكونت مونت كريستو) وفي هذا السياق كتب (أونيل) مستذكرا ً مراحل طفولته المبكرة حيث ذكر أن بواكير تجربته المسرحية جاءت من خلال والده، بيد أنه ومن خلال التجارب التي كانت سائدة وقتذاك والتي كان يغلفها الطابع الرومانسي، ثار على تلك القوالب التي رأى فيها نوعا ً من التدليس والزيف، من حيث أنها إبتعدت عن ملامسة قضايا المجتمع الذي كان يعاني من مشكلات عدة، الأمر الذي ولد لديه نوعا ً من الإمتعاض حيال المسرح ونتيجة ذلك تمرد الكاتب على واقعه الأسري، ووصل الأمر به إلى ترك أسرته، والتوجه صوب أمواج البحر ليعمل بحارا ً لبضعة سنوات أدمن خلالها على الخمرة حتى أصبح سكيرا ً، لكن أقلع فيما بعد عن هذا الإدمان فيما بعد، وتعد الفترة التي قضاها في البحر والتي عايش خلالها الكثيرين من الذين ينتمون للطبقات الوسطى والفقيرة أولئك الذين كان يلتقيهم في الفنادق، وحانات البحارة الرخيصة، وعندما بدأ رحلته الجديدة مع عالم الكتابة كانت تلك التجارب الحياتية هي مصدره الأول الذي نهل واستقى منه الكاتب موضوعاته التي استخدمها وساعدته في تحويل الشخصيات القديمة للميلودراما إلى شخصيات واقعية، وقد اتسمت أعمال (أونيل) بالجودة فكانت بحق أعمالا ً ممتازة منذ البدايات الأولى لإصدارها حيث كانت مسرحية (مسافرون شرقا ً إلى كاروليف) التي صدرت في العالم 1916 والتي تصوٌر حياة بحار يموت على على ظهر السفينة وفي مسرحيات أخرى حاول الكاتب إظهار القوى الخفية التي لها دور في مصير الإنسان ما يعني أن الكاتب كان يشير إلى سطوة القدر في مواضع معينة من حياتنا، ومن خلال دراسة نصوص (أونيل) نجد أنه كان يوظف شيئا ً من مفاهيم علم من أجل تعميق أو تكريس معنى معين عبر بناء الشخصيات والجو النفسي العام وطبيعة بناء الحدث، كما أن الكاتب اهتم كثيرا ً بموضوعة الصراع بمختلف عناوينه (الصراع الداخلي للشخصية)، (الصراع القائم بين شخصيتن)، (الصراع القائم بين الإنسان والطبيعة) لذلك فهو كان يذهب دائما ً لدراسة مفهوم الصراع وفق معايير نفسية يتعرض خلالها للبواعث الشعورية، والحاجات، وبالرغم من أن أعماله تنحو منحا ً واقعيا ً وتبدو من حيث الشكل والمعمار الفني واقعية المذهب، لكنها تعكس في زوايا معينة شكلا ً آخر من التعبير ذلك لأنه ظل يخوض في تجريب تقنيات اللا واقعية فهو يعمد أحيانا ً إلى تشويه الواقع لأجل التعبير عن حالة معينة تتحرك على أرض الواقع وتمثل مسرحيتا (الامبراطور جونز)، (القرد الأشقر) مثالين واضحين على التحولات الفنية التي تبناها الكاتب للإنطلاق نحو التعبيرية والرمزية وقد عبر عن مظاهر عصره حينما صور الإنسان بوصفه ضحية لعصر الآلة، وفي نصوص أخرى حاول الكاتب التعبير عن ما أسماه فشل الاجتماعية المثالية، وفي مسرحية أخرى وصفت بالتفاؤلية وهي بعنوان (إستيقظ وغن) حاول (أونيل) التعرض لعصر الكساد السائد آنذاك وعلى الرغم من ذلك فإن أعماله يتم التحدث عنها الآن على أنها أعمال فكرية رفيعة المستوى لأنها كانت تعبر عن وجهات النظر السياسية التي كانت قائمة في الثلاثينات وفي هذا الاتجاه يذكر النقاد أنه على الرغم من أهمية (يوجين أونيل) ككاتب أثرى المكتبة الأمريكية بالكثير من النتاجات الأدبية المسرحية وبرغم نجاح ثورته المسرحية إلا أنها لم تنل موافقة النقاد لأسباب قد ترتبط في مجملها بالخطاب السياسي الأمريكي الذي كان سائدا ً في ذلك الزمن.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com