مقالات

الفلسفة السياسة عند ميشيل فوكو:قراءة لبعض الطروحات السياسية

الدكتور باسم علي خريسان

المقدمة

ميشل فوكو الفيلسوف الفرنسي المثير للجدل، فيلسوف الهوامش،البنيوي-التفكيكي،هذه الأوصاف وغيرها تطلق على هذا المفكر والفيلسوف، حيث كان لأفكاره وقعاً مؤثر في المجتمعات الغربية،حيث عمد فوكو من خلال دراساته المتنوعة الى التوسيع الفكري للحضارة الغربية، والى إزالة الكثير من الانسدادات في المشروع الحداثوي الغربي،فمقابل العقل والعقلانية جاء الجنون وللاعقلانية، ومقابل المركز جاءت الهوامش،مقابل موت الله جاء موت الإنسان...الخ، وفي هذه الدراسة نسعى جاهدين من اجل دراسة هذا المفكر للاستنطاق نصوصه الفكرية في محاولة لبناء معمارية هندسية سياسية تكشف لنا نظريته السياسية،وبالأخص موضع السلطة الذي اخذ حيزاً كبير من دراسات فوكو في سعيه الابستمولوجي للبحث عن اصل السلطة وأشكالها ومكوناته.

حيث تتميز قراءة فوكو للسلطة من حيث مصدريتها وشرعيتها ونطاق تأثيرها وفاعليتها،مقيداتها بكثير من العمق حيث يهدف فوكو الى تقديم قراءة اركولوجية-جينالوجية للسلطة وليس قراءة سطحية او قراءة قانونية –نظمية وانما قراءة تبحث في العمق بحثاً عن جذر السلطة بكل تفاصيلها ومعطيتها فهي قد تكون في السجون او في المستشفيات او في العقاب او في الخطاب او في التهميش،او الجنون...الخ.

بل اكثر من ذلك السعي نحو قلب الكثير من المفاهيم التي اعتقلت العقل الغربي في قراءته لنفسه والأخر،لا بل الغوص عميقاً في الحضارة الغربية لإجراء عملية تشريح للجسد هذه الحضارة،للكشف عن أمراضها التي رافقت نشأتها، ومن جهة أخرى يثير الكثير من الإشكاليات والتناقضات،ويطرح في ذات الوقت إشكاليات ومفاهيم جديدة تحمل الكثير من التعقيدات والإشكاليات المفاهيمية والفكرية.

 وفوكو كنتشة في قراءته للمشروع الثقافي الغربي، لايسلم له، وانما يهجمه، ويرى به ولوج للمتناهي من طرق أخرى،فتقديس للعقل والعلم والانسان....الخ، ماهو الا أحلال مقدس دنيوي محل مقدس أخروي،حيث يرى بان المشروع الثقافي الغربي الذي هجر المقدس قبل أكثر من أربعة قرون قد تلبس به من جديد، ولتسود الأيديولوجيات الوضعية اليمينية واليسارية، التي توظف حجج علمية العلوم الإنسانية لتمارس هيمنها على الإنسان والمجتمع من جديد.

هنا يتلمس فوكو هذه الإشكالية في المشروع الغربي، ليعمل عليها ادواته المعرفية في التفكيك،والبحث عميقاً من خلال الاركولوجيا الفوكوية والاركولوجيا النيتشوية،التي لاتقبل التسليم لاي مرجعية تفرض نفسها كأيديولوجية اطلاقية.

 وفوكو من خلال ذلك، نجده يأخذ بأيدينا نحو البحث عن ابرز الإشكاليات تلك، فهو لايقراء التاريخ من خلال تسلسل الأحداث زمانياً ولاينظر له من خلال الحدث المكاني، وانما يوظف أداته البحثية (الاركولوجيا) ليقدم قراءة أخرى لتفسير الحركة التاريخية، فهو يرى بان التاريخ محكوم،بسلسلة من التحولات المعرفية، والتي هي بمثابة انقطاعات معرفية،حيث لكل مرحلة أنساقها الفكرية والمعرفية التي تشكل أطرها العامة وتمارس سطوتها،بحيث لايمكن لانتقال الى مرحلة اخرى دون حدوث تحول في تلك الأنساق المعرفية.

 ومن جهة أخرى، يقدم فوكو قراءات لموضوع القوة، فهو من الباحثين عميقاً عن أشكالها وميادينها، حيث لايرها في شكلها البارز في أجهزة الدولة،كشرطة والجيش فقط، وانما يبحث عنها في ثنايا المجتمع، حيث تتوزع في مختلف مجالاته، يمارس كل جزء من أجزاه، بحيث نجد السلطة الطبية والقانونية والإدارية والاقتصادية والدينية...الخ.

 وفوكو يسعى من جهة أخرى،لمعالجة إشكالية الإقصاء والتهميش التي تمارس،تحت مسميات مختلفة، هذا التهميش للأخر عند فوكو، يهدف في الأساس، لتحقيق أهداف سلطوية، وذلك من خلال تبني ثنائية التي تقوم على منطق الأبيض والأسود، فكل طرف يسعى جاهداً من اجل نفي الأخر، بهدف تثبيت نفسه و والحصول على الشرعية. معالجة فوكو لموضع الشرعية، من خلال النفي نجده يتلمسها في معالجته لموضوع الجنون، فهو يرى بان الحضارة الغربية،كانت قد ثبتت العقل مقابل الجنون، الذي لم تنظر له كمرض، وانما كعقاب الإلهي، وهي بذلك قد أعطت العقل القدسية المطلقة في الفعل،مما خلق طبقة العقل او قوى العقل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي أخذت تفرض على المجتمع أرائها ومفاهيمها في بناء المجتمع بالشكل الذي يخدم مصالحها.

وفوكو يذهب باحثاً عن السلطة في ميدان اخرى،الا وهو الخطاب،حيث يجد فوكو،بان الخطاب بذاته هو سلطة، فالخطاب منظومة متكاملة من التاثير والفعل،هو يمنح صاحبه،السلطة-القوة،لذلك تبرز مسالة سعي الهيئات الحاكمة الى احتكار الخطاب، واذا كان للخطاب هذا التأثير ففوكو يرى بان جميع قوى ومفاصل المجتمع تسعى الى محاولة احتكار الخطاب،واذا كانت الهيئات الحاكمة تحتكر الخطاب لكونها تعتبر نفسها من يمتلك شرعية في ذلك،فان فوكو يرى بان الجهات الأخرى كذلك تسعى الى احتكار الخطاب لكونها هي الأخرى تمتلك شرعية خاصة بها.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com