مقالات

بطاقة محبة الى كاظم السماوي

 خلدون جاويد

مساء ً، في الصومعة الادبية لصديقي الشاعر ضياء جمال الدين ، في كوبنهاغن ، راح الشوق يتململ في قلبينا الى عناق شاعر واستاذ ومربي ، عناق ولو عبر الاسلاك الباردة للهاتف... انه صديق جميل يعيش في ستوكهولم ، انه الشاعر الكبير كاظم السماوي..

تذكرنا وألحف الشوق علينا ، فتشبثت اصابع السيد أبو مهيار بالرقم السحري .

رن جرس التلفون ، وانداح من هناك صوت دافئ القرار وواضحه... انه صديق الناس وشاعرهم وحبيبهم ، ونصير السلام وعاشق العراق بكل اطيافه الطيبة النبيلة ، انه صوت من اصوات التاريخ النضالي للفكر الثوري والانساني .

 كم حنونا كان وهو يستقبل توق محبيه ومهاتفيه . ها هو ابو مهيار يفتح السماعة الجانبية للتلفون فيملأ الصوت الصومعة الصغيرة .

 حقا انه كاظم السماوي ، انه نجم من نجوم الدنيا يفخر به العراق مولدا (1919) وتصفق لأغانيه الصين وتعشقه بغداد وكردستان وتمتلئ به البشرية وهجا والتماعا .

 تذكرت التلقائية العذبة للقائنا مرة في مجمع اسواق في ستوكهولم حيث جاء الشاعر السماوي من بعيد متكئا على عكاز ، وثقل جسمه يحني قليلا من قامته ، لكنه رغم شيخوخة واضحة ، فانه ذلك الغضر الروح . جلسنا لساعة او أقل وافترقنا على فرح ومحبة ، وغادر ورحت أتأمل مشيته التي تصفها الكاميرا بدقة قد تكون أصدق مما وصفتها في قصيدة عنه لولا المشاعر التي لاتقوى عليها المادة التصويرية وصندوق العدسات التقني .

 قدمت بوقتها استهلالا للقاء ومن ثم ادرجت القصيدة ونشرت ذلك قبل سنتين او اكثر في موقع الحوار المتمدن مع مواضيع اخرى تحت عنوان تجربة سفر وحب . وقد جاء فيما كتبت:

 ها اني ارى شاعرا ذا اسم مرموق في الذاكرة العراقية وقد كان لقاؤنا صدفة ، وأية صدفة !

 منذ الشباب الأول وأنا اسمع باسمه مناضلا مضطهدا ، شاعرا رقيقا ومشاركا الناس همومهم والوطن افراحه واتراحه ، ارى صورته في الصحافة وانتهل من معانيه وقوافيه . وكنت رأيت ديوانا كاملا له بيد بعض الاصدقاء ، فرأيت صورته مطبوعة على غلاف الديوان وقرأت نماذج من شعره ، ومنيت النفس بالالتقاء به مادام هو في السويد . وحقا فقد أهديت له كتابين لي الأول " لماذا هجوت الجواهري ورثيته " والثاني " قم ياعراق"، وارسلتهما بيد صديق يوصلهما له . لكني وصلت الى شاعري في صدفة اللقاء قبل وصول الهدية وقد كانت في الطريق اليه بعد ان يقوم بعض الاصدقاء بقراءتها ... المهم كان اللقاء في مجمع للسوبرماركت ضخم جدا وفاخر وأنيق ،لامع ومضاء ومتلألئ ، عدا وجه الحبيب الشاحب ، وجه الأديب الشاعر الكبير كاظم السماوي الذي ذكرني محياه بقصيدة البردوني الذي قال فيها:

 " كذا اذ اسود ايناع الحياة على

وجه الأديب أضاء الفن والأدب " ...

  كان اللون الممتزج بتلاوين السنين المتقدمة يرين على وجه الأديب .

تصافحنا ، جلسنا على مصطبة ، راح هو يتحدث بصوت متهدج . الحياة قاسية ، الموت الذي ألم ببعض اعزائه الغالين ، والمرض الذي ذكرني بقصيدة الزهاوي :

 " لقد كنت في درب ببغداد ماشيا

وبغداد فيها للمشاة دروب "

  عدت الى حجرتي في بيت صديقي بعد ان استمعت بألم للشاعر الاديب وانجازاته ونجاحاته وخسرانه هنا وهناك ، رحت اعيد على نفسي كيفية سير خطواته على الدرب ، سيماءه ، طريقة كلامه ... الخ ، ان لحظة لقاء واحدة به تلهمني بقصيدة وسنوات طوال مع آخر لا تحفر في قلب الا الاورام :

 

قصيدة الى الشاعر الكبير كاظم السماوي

 

ذاك العتاب بمقلتيك اُحبّهُ

رانت عليه كآبة الفنان ِ

الوجه أصفر شاحب متقهقر

كابي الجبين وباهت الألوان ِ

والصدر منهوك الجوانح منطو ٍ

والظهر منهتك كسير حان

والجسم ذاو والظلال أسيفة

ضاو كهولي الخطى متواني

وعصاك في يمناك مُستندٌ ، اذا

طاحت ، تطيح بقية البنيان

يتناثر الجسد المهول كأنه

خشب السفين ودفة القبطان ِ

والريح لو عصفت عليك بهبة

سقط الخريف بهيبة البستان ِ

ياعاشق الدنيا وراسم فجرها

يامن تهدم وهو اروع بان ِ

هوّن عليك فما الطريق مفازة

مادمت زارع مجدها المتفاني

" كل الأنام الى الذهاب " وما سما

الاّ العطير الوهج والروحاني

ها أنت حبة تربها ومياهها

وظلالها وشجيرة الريحان

ها أنت تحيينا بكونك شاعرا

وبكم تشاد كرامة الانسان ِ

( كاظم سماوي ) أنت نبع دافق ٌ

وروى تفوح وأنجم ومعان ِ

يتحطم القيثار لكن نبضه

باق بسبع ملاحن وأغان ِ

وشبيه قرص الشمس في كبد السما

هو وجهك المرسوم في الديوان

طوبى يراعك كالعبير بخاطري

وكريشة الطاووس في القرآن

سلمت خطاك على الطريق ، وان هوَ ت ْ

تهوي للثم ترابها أجفاني .

 

 

 راح الصديق الحنون ضياء جمال الدين يدعوه ، عبر الهاتف بحرقة ولهفة متناهية الى القدوم لزيارتنا او العيش بقربنا فهنا قلوب عامرة ، مثلما هي قرب تواجده ، بحبه ، واشواق مفروشة بالرياحين لخطاه او لوئيد عجلات كرسيه المجهد بتثاقل السنين ، وهناك خوف عليه من ان تتكرر الجلطة القلبية التي ألمت به قبل فترة ، وهو وحيد ، وسيعمل لاحدى عينيه عملية جراحية . ياالهي!

 قلوبنا معه ... وحبنا كبير له كحب العراق والعراقيين ...

رحت اسعد بسماع صوته أنا الآخر واعدا ايها باعادة نشر القصيدة أعلاه ... متمنيا اطيب الأوقات لاستاذي الكريم واتم الصحة والراحة والعمر المديد والرغيد . متمنيا له ولكل عراقي على الأرض موعدا قريبا مع الوطن ونهاية حاسمة للغربة .

 

********

 

* توق أخير : قال الزهاوي في شطر وامرؤ القيس في عجز :

 فقلت له انّا غريبان ههنا ... " وكل غريب للغريب نسيبُ ".

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com