مقالات

الإسلاموية والحضارة الغربية صدام أم وئام

مقدمة لبحث سيوسيولوجي حول أسباب نشوء الإرهاب الإسلاموي من وجهة نظر غربية

 

د. جواد بشارة / باريس

المواجهة أم التعايش

إتسم القرن العشرين بظهور التيار السياسي الإسلاموي منذ أواخر الربع الأول منه وذلك بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد الداعية حسن البنا ، ونهاية نظام الخلافة الإسلامية على يد كمال أتاتورك ، بتأثير وضغط مباشر من الغرب الذي كان يصبو للانقضاض على مخلفات الإمبراطورية  العثمانية الإسلامية . ومابرح هذا التيار الإسلاموي ـ السياسي  يتنامى على نحو لا مكن مقاومته أو الحد من انتشاره في أجواء من العنف والقسوة والبطش السياسي  الذي رافق نشوء حركات التحرر من الاستعمار الحديث أيضاً. لقد وجد التيار الإسلاموي التربة الخصبة والملائمة لانتعاشه بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية التي كانت سائدة لعدة عقود والتي تسود اليوم متمثلة بطغيان العولمة والأحادية القطبية والأزمة الشرق أوسطية المستعصية على الحل وتفاقم الأوضاع المعيشية البائسة في العالم الإسلامي وارتفاع معدلات الفقر والأمية  والتمايز الاجتماعي والطبقي بين أقلية غنية محتكرة للثروة ومستأثرة بالسلطة، وأقلية مسحوقة وضعيفة ومهمشة تترنح تحت ضغط الأمر الواقع المفروض عليها . لذلك اعتقد بعض المحللين والمراقبين الدوليين أنه بمجرد وصول الحركات الإسلاموية ـ السياسية إلى سدة الحكم وسيطرتها على أجهزة الدولة ، لاسيما القمعية منها، في العالمين العربي والإسلامي، فإن القادة الإسلامويين المتشددين والمتطرفين والمتعصبين سوف يستخدمون وبلا تردد ما بحوزتهم من ترسانات وأسلحة تدمير شامل وأسلحة تقليدية متطورة وفتاكة وأسلحة نووية وبيولوجية أو جرثومية وكيمياوية كلما شعروا أن الظروف الدولية تتيح أو تبرر لهم ذلك حسب قراءتهم للوضع الدولي الاستراتيجي وحالة توازن القوى وحساباتهم الداخلية . ولو وقعت المواجهة المرتقبة التي يتمنونها بين الغرب  والعالم الإسلامي فسوف يتسع مداها وتنتشر كالنار في الهشيم وفق مبدأ ظاهرة الدومينو وستجر وراءها العالم بأسره إذ من المحتمل أو المتوقع أن تضطر الصين للدخول في حرب ضد الغرب متحالفة ولو تكتيكياً مع العالم الإسلامي بينما ستصطف دولة كالهند إلى جانب الغرب بالرغم من وجود أقلية إسلامية بين صفوف شعبها تعد بالملايين وذلك بسبب تجربتها التاريخية المريرة مع الإسلام ومعداتها لهذا الدين الذي غزاها وأخضعها لقرون طويلة. وبسبب الخصومة التاريخية القائمة بين الصين واليابان حليفة الغرب  المخلصة . هذه هي اللوحة الكارثية التي رسمها زبيغنيو بريجينسكي في كتابه الاختيار . أما موقف روسيا فمازال غامضاً نظراً لمجاورتها لعدد كبير من الدول الإسلامية كما أن لديها أقليات إسلامية نشطة لم تنجح في ترويضها  كما توجد لديها معضلة الشيشان التي ستجبرها شاءت أم أبت على الإنزلاق في أتون الحرب العالمية القادمة .

من هنا فإن العالم يعيش اليوم، في مطلع القرن الواحد والعشرين، تحولاً جذرياً تحكمه اعتبارات اقتصادية وتجارية وعسكرية وتكنولوجية  وصناعية ومالية عديدة، وتسييره قوانين العولمة واقتصاد السوق  والليبرالية بوجهيها المعتدل والمتوحش ، وطغيان الرأسمالية، وأفول الاشتراكية، وعودة الدين أو ما سمي بالصحوة الدينية، وهيمنة وسائل الاتصال  الحديثة ووسائل الإعلام المتطورة ( أقمار صناعية، ستلايت، محطات تلفزة فضائية،إنترنيت، الهاتف المحمول الخ ...) .

الأحداث تتسارع يومياً والعالم يغلي بالحوادث والكوارث والحروب الإقليمية والمحلية والمآسي  والمجاعات والمذابح وعمليات التطهير العرقي والإثني والديني والمذهبي لم تتوقف أو تنخفض،إلا أن الحدث الأهم وبلا جدال، والذي يعتبر نقطة الانطلاق لأي تحليل استراتيجي هو ما حدث في الحادي عشر من أيلول  سنة 2001 داخل الولايات المتحدة الأمريكية من هجمات إرهابية على نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا وراح ضحيتها أكثر من 3000 ضحية، وما ترتب على ذلك الحدث المأساوي من أحداث خطيرة كحربي أفغانستان والعراق وما تلاهما من كوارث وضحايا أبرياء ، وممارسة الضغوط والتهديدات المسلطة على إيران وسورية ولبنان وكوريا الشمالية وما نجم عنها من تهديدات مضادة من جانب خصوم القوة الأعظم  الذين تسميهم الإدارة الأمريكية بالإرهابيين وما ارتكبوه من هجمات في لندن ومدريد وعمان  ومصر والعربية السعودية  والرباط ، وما يقومون به من عمليات إرهاب وتدمير وتخريب وقتل في العراق والصومال والسودان ، وما يدور حاليا من مواجهات مسلحة في الشيشان وكشمير وغيرها من بؤر التوتر  الساخنة . إن ما يجري لا يختلف عن كونه حرباً عالمية ولكن بأشكال غير تقليدية بدأت بوادرها منذ نهاية القرن الماضي إثر انتهاء الحرب العالمية الثالثة المسماة بالحرب الباردة في أعقاب حربين عالميتين ساخنتين 1914-1918 و 1939-1945 ، والتساؤل الذي يطرحه المرء اليوم هل نحن في حرب دائمة على سطح الكوكب؟ ومن هو العدو اليوم؟ وكيف وصلنا إلى هذه الحال؟ وما هي الرهانات  والمخاطر والتداعيات التي ترتبت على ذلك المنعطف التاريخي الذي حدث عام 2001 ؟ ومن الذي يمكن أن ينتصر أو يهزم ولماذا؟

كانت الحرب غير النظامية سابقاً من شأن المرتزقة الذين يغيرون ولاءاتهم ومعسكراتهم وتحالفاتهم وفق مصالحهم الشخصية. ولكن، ومنذ نشأة الدولة ـ الأمة التي كرستها الثورة الفرنسية ، امتزجت  الصراعات بالمسألة القومية والوطنية والتي أفلحت بحشد وتعبئة شعوباً بأكملها  لخوضها. وكان قائد الثورة الفرنسية روبسبير قد صرح وهو محاطاً  بمقاتليه المسلحين سنة 1793 :" إن أعداؤنا يخوضون حرب الجيش وأنتم تخوضون حرب الشعب ". وقد شهد القرن التاسع عشر والقرن العشرون حروب الجيوش الضخمة والأساطيل حيث كان الرجال يتوجهون إلى جبهات القتال والنساء يقمن بأدوار الرجال لإسناد الجهد الحربي. وكانت الحروب تدور بين دول  ومعارك على الحدود . هكذا كان حال الحروب العالمية التقليدية التي وقعت في الماضي. وعندما استدعى الأمر التعبئة العالمية لمحاربة ألمانيا النازية كان الجانب الأيديولوجي يأتي في المقام الثاني من حيث الأهمية . وإذا كان العالم لم يشهد سلاماً حقيقياً منذ سنة 1945، أو أنه كان سلاماً مسلحاً  بأسلحة الردع النووي وفق معادلة توازن الرعب، إلا أن الحرب بين الدول الكبرى أصبحت أمراً نادراً عدا استثناءات هنا وهناك، كحرب المالوين بين الأرجنتين وبريطانيا، والحرب الهندية الباكستانية ، والحرب بين اليونان وتركيا، وبالطبع الحروب المتتالية بين العرب وإسرائيل ، وهناك أيضاً الحرب بين العراق وإيران ، والحرب بين المجموعة الدولية والعراق بسبب أزمة غزو الكويت من قبل قوات صدام حسين، وكانت كلها حروب محدودة جداً والتي وسمت أغلبها النصف الثاني من القرن المنصرم حيث يمكن القول أن المواجهة الأيديولوجية بين  الشرق والغرب ، بين الرأسمالية والشيوعية، بين الكتلة الاشتراكية  والكتلة الغربية ، هي التي تركت بصماتها ووسمت بطابعها تلك الحقبة المتميزة من تاريخ البشرية الحديث.

كان للحرب الباردة حدودها المتمثلة بالستار الحديدي مع الدول التي كانت مستعدة للمواجهة العسكرية لحماية هذا الجدار ومن تهاويه مما سيتيح لمعسكر الغرب التغلغل داخل أراضي المعسكر  الخصم. كانت سياسة "الاحتواء" في الصراع الذي كان قائماً بين الشيوعية والرأسمالية أساسية لحماية المواقع مما يعني أن الحرب لم تغير طبيعتها جوهرياً في ذلك الوقت ، بيد أن واقع الحال تغير جوهرياً اليوم في ما بات يعرف بالحرب ضد " الإرهاب" العالمي الذي ليس له مواقع ثابتة أو أرض محدودة  إذ أن وسيلة الإرهاب الوحيدة هي العنف المسلح من دون صلة بدولة ما بالضرورة فالإرهاب بلا هوية ولا  وجه لذلك لا توجد مظاهر الحرب الكلاسيكية  كالتعبئة العامة  وتهيئة اقتصاد الحرب  وإعلان حالة الطوارئ أو غير ذلك من المظاهر الملموسة على أرض الواقع هناك فقط عناصر مسلحة تجوب الشوارع والأحياء السكنية والأماكن العامة مقابل ذلك وجود جنود مسلحين أو رجال أمن ونقاط سيطرة وتفتيش وحواجز ثابتة أو متنقلة تابعة للأنظمة القائمة

وإخضاع وسائل النقل البرية والبحرية والجوية  لرقابة مشددة ومصادرة بعض الحريات العامة لكن مثل هذه الإجراءات لا تكفي  لإشاعة الشعور بالأمان والحماية في حالة الحرب الإرهابية التي تجري على غرار حرب العصابات أو الكفاح المسلح والتي  أصبحت بديلاً  لهما حيث عرف البعض الإرهاب بأنه بمثابة سلاح الفقراء، المحرومين، الضعفاء أو المستضعفين، ووسيلة  لمقارعة الدول العظمى.

أطاحت حرب أفغانستان بنظام طالبان وأرغمت القاعدة على العمل السري والأختباء تحت الأرض واعتقال وقتل الالاف من اتباعها في مختلف أنحاء العالم  كما تم تفكيك خلايا سرية نائمة وإبطال مفعول عبوات ناسفة وسيارات مفخخة وتفجيرات كانت معدة ضد أهداف حيوية واستراتيجية ضد سفن  راسية في مضيق جبل طارق ومحاولات استخدام مواد سامة في بريطانيا وفرنسا واسبانيا وإطلاق صاروخ أرض ـ جو من طراز ستينغر ضد طائرة مدنية في مطار هيثرو البريطاني واسقاط طائرة على مبنى القنصلية الأمريكية في كراتشي وتفجيرات متعددة ضد سفارات غربية في بانكوك وبيروت وسينغافورة .كما تدعي واشنطن بأنها تمكنت من قتل واعتقال حوالي ثلثي من قادة القاعدة في أكبر عملية مطاردة الإنسان في تاريخ البشرية وأشهر هؤلاء القادة رمزي بن الشيبه الذي اعتقل في أيلول  وعبد الرحيم النشيري الذي قتل في اكتوبر  وأبو زبيدة في نوفمبر  وخالد شيخ محمد في آذار ورضوان اسماعيل الدين المعروف بالحلبي في آب  بينما قتل آخرون كقائد سنان الحارثي في اليمن في نوفمبر في افغانستان في ديسمبر  .

قدر بروس هوفمان الخبير بالإرهاب من مؤسسة راند الأمريكية للبحوث عدد قتلى القاعدة بـ 4000 عنصر  لكنه أشار إلى أنه تم استبدالهم بسرعة بمجرد تعرض البعض منهم للقتل أو الاعتقال فالقاعدة تعيد تنظيم نفسها باستمرار وبالرغم من تعرض المنظمة للإرهاق والضعف إلا أنها قادرة دوما على تجنيد عدد كبير من الأتباع والمتعاطفبن ومواصلة استراتيجيتها .

منذ ايلول 2001 غيرت القاعدة من تكتيكها وتبعثرت في أوسع مساحة ممكنة من الأرض وشجعت المجموعات المحلية على التحرك المستقل باسمها ونشر أيديولوجيتها وتكنيكها عبر الانترنيت فقد تم استبدال قادة ميدانيين وكوادر قيادية اختفت بكوادر وسيطة من الدرجة الأدنى أقبل خبرة ومراساً بيد أنهم قادرون على أخذ زمام المبادرة وقيادة العمليات كما صرح نائب الأميرال لويل جاكوبي  في نهاية 2004 بصفته مديرا لوكالة الاستخبارات العسكرية  التابعة للبنتاغون . بينما علق مختتما الخبير بالإرهاب  والعميل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أيه مارك ساغمان والذي درس باسهاب وتمعن أساليب القاعدة كخبير نفسي ودرس خلايا القاعدة في أوروبا عقب في سلسلة من المحاضرات في عدد من الوكالات الحكومية الأمريكية قائلا: قد لاتحدث في الأمد القريب هجمات استعراضية هائلة من طراز هجمات أيلول 2001 بل المزيد من الهجمات من نوع ما حدث في مدريد في ولندن وشرم الشيخ وبالأخص في أماكن أخرى في أوروبا. لاينبغي أن يغيب عن أبصارنا أن القاعدة تعمل بسرعتين فمن جهة تقدم الدعم التقني  والمالي للجماعات الإسلاموية المتطرفة لمهاجمة الغربيين وحكومات الدول الإسلامية التي يعتبرونها عميلة وخائنة ، وفي نفس الوقت التحضير سرا وبتأني وبطء لعمليات كبرى استعراضية تحدث دويا إعلاميا كبيرا وتوقع الكثير من الضحايا ضد الولايات المتحدة الأمريكية أساسا تفصل بينها بضعة سنوات لازمة للإعداد الدقيق والتنظيم المتقن كما يشير دانيل بينجامان المسؤول عن مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ويعمل اليوم كباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية .منذ أربعة أعوام والتهديد الإرهابي لم ينخفض بل تفاقم حسب تقديرات مركز مكافحة الإرهاب الحديث العهد  في الولايات المتحدة الأمريكية الذي  أشار ألى أن العمليات الإرهابية تضاعفت ثلاث مرات سنة 2004 ووصلت إلى 655 عملية مقابل 175 عملية سنة 2003 أدت إلى قتل 1907 وجرح أكثر من 7000 ضحية، وأيضاً  وقع  198 اعتداء إرهابي في العراق سنة 2004 أي تسع مرات أكثر مما وقع سنة 2003  لذلك حاولت الإدارة الأمريكية إخفاء هذه الحقائق والمعطيات الجديدة لأنها سوف تولد لدى المواطن شعورا بالهزيمة في معركة الإرهاب كما يؤكد لاري جونسون نائب مدير سابق في شعبة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية.

مازال للقاعدة نفس الأهداف السياسية التي تتلخص بتوسيع رقعة الصراع ونشر الجهاد ضد الغرب وطرد الكفار من الشرق الأوسط وإصابة الهدف الحقيقي الذي هو في نهاية المطاف الأنظمة العربية والإسلامية الموالية للغرب التي تنوي إطاحتها في الباكستان والعربية السعودية ومصر والنظام العراقي الحالي الذي جاء في أعقاب سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري . فغزو العراق قدم فرصة لاتقدر بثمن للإرهاب الدولي ونفس جديدا لتنظيم القاعدة الذي تعرض لضربات موجعة في أفغانستان وذلك لسببين : فلقد اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية في  أوقات حاسمة وحساسة إلى سحب جزء كبير من إمكاناتها ووسائلها العسكرية من جنوب شرق آسيا سنة 2002 مما أتاح  للقاعدة فرصة تكوين ملاذات جديدة في المناطق المتاخمة لباكستان . فلقد تم نقل وسحب 70 إلى 80 بالمائة من التجهيزات والقوات الخاصة والمخابرات إلى العراق لإطاحة صدام حسين وكان ذلك من الأسباب التي مكنت أسامة بن لادن البقاء على الحياة والمكوث في المنطقة وإعادة تنظيم وتجميع قوى منظمته القاعدة كما تعتقد جولييت كاييم العضوة في اللجنة القومية للإرهاب  وعملت في وزارة العدل في عهد كلينتون ودرست  مادة مكافحة الإرهاب في جامعة هارفرد.

وبالتالي فإن عملية غزو العراق وفرت للقاعدة إمكانية تحشيد وتجنيد وكسب عناصر جديدة متحمسة ومندفعة لم تكن تأمل بها قبل  الغزو إلى جانب توفير أرض للتدريب وقاعدة جديدة للانطلاق . نشرت دراسة في شهر آذار 2005 من قبل مركز الأبحاث الشاملة للشؤون الدولية الإسرائيلي الذي تابع مسار 154 عربيا وأجنبيا قتلوا في العراق منهم 33 قتلوا في عمليات انتحارية تقول أن الغالبية الساحقة من هؤلاء لم يسبق له أن اشترك قبل ذلك في أي نشاط إرهابي قبل وصولهم إلى العراق .

ومن هنا، وعلى عكس ما أشيع بأن القاعدة تنظيم شبحي حلت محله مجموعة من الخلايا الإرهابية الطوعية فهذا التنظيم مازال يسيطر وينظم وينسق العمليات ولديه دور عملياتي ويقدم مساعدة تقنية كما أثبتت التحقيقات تورط هذا التنظيم بجميع العمليات الإرهابية الكبرى في السنتين الماضيتين في العربية السعودية وقطر ومصر واسبانيا وبريطانيا بالرغم  من كونه أقل تنظيما ومركزية بعد أن فقد ملاذه الأفغاني ودعم نظام طلبان المنهار وبالتالي تغيير وسائل الاتصال إلا أن أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري مازالا يقودان التنظيم ويوصلان الرسائل والتوجيهات والأوامر لأتباعهما في كل مكان لاسيما في العراق وفي أوروبا.

نشر المدعو أبو مصعب الزرقاوي في بداية عام 2004 نصا من 17 صفحة يصفته الرجل الأول لتنظيم القاعدة والجهاد في بلاد الرافدين في العراق موجها لأسامة بن لادن يطلب منه دعم ومساندة المتمردين والعناصر المسلحة وتم العثور على هذا النص مسجلا عل الدسك الصلب لجهاز كومبيوتر محمول تابع للزرقاوي وتم إرساله عبر البريد الالكتروني . يقول ميكائيل سويتنام من معهد بوتوماك للأبحاث الإستراتجية : هناك خبرة إرهابية قدمت للخلايا المحلية من قبل أشخاص تدربوا واكتسبوا خبرات قتالية وعملياتية في معسكرات متوزعة في كل مكان وتوجد بصماتهم على جميع العمليات والهجمات التي نفذت في السنوات الأخيرة فهذا القلب التنظيمي والنواة المركزية لهذا التنظيم العالمي قدم التكنيك والتنسيق والنصح والتوجيه ومن الصعب اختراقه حيث سهلت تكنولوجيا الانترنيت على نحو كبير نشاطات الشبكات المرتبطة به وإعطاء الضوء لتنفيذ عمليات كانت معدة منذ زمن طويل ومبرمجة مسبقا.

إن شيوع واتساع نطاق العمليات الانتحارية وتزايد عدد المرشحين للشهادة في الشرق الأوسط وأوروبا يعزز مخاوف وقلق خبراء الإرهاب بالضد مما تبديه الأنظمة الرسمية من تطمينات في هذا المجال. منذ الحادي عشر من أيلول 2001 وكرد على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها تشن إدارة بوش حربا لاهوادة فيها ضد ما تسميه بالإرهاب العالمي دون أن تنجح في تقديم تعريف علمي واضح ودقيق لمفهوم الإرهاب . فليس مصادفة  يعد سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في لندن  وشرم الشيخ  أن ترد الإدارة الأمريكية في هذه المعركة بسلاح المصطلحات والمفاهيم وقامت بتغيير تسمية استراتيجيتها إلى " المعركة العالمية ضد  التطرف العنيف" وهي تسمية فضفاضة وأشمل من التسمية السابقة  التي كانت تعرف " بالحرب  الشاملة لمكافحة الإرهاب" فهل هذا يدل على عجز  أم تغيير في التوجه الاستراتيجي الأمريكي بغية عدم تجاهل البعد السياسي والأيديولوجي للصراع القائم ؟ يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت واعية لكافة أبعاد هذه المواجهة المدمرة والخطيرة فالرد العسكري الذي أعلنته أمريكا على هجمات الحادي عشر من ايلول 2001 قد أعطى نتيجة محدودة توجت بنصر عسكري تقليدي تجسد بإطاحة نظامي طالبان في افغانستان والبعث في العراق لكن الرد العسكري لم يؤد إلى إضعاف أنصار الحرب المقدسة ضد الوجود العسكري الأمريكي في العالمين العربي والإسلامي .فحرب أفغانستان أزاحت طالبان من الحكم بيد أن زعيمي القاعدة وطالبان الملا عمر وأسامة بن لادن فرا إلى المناطق المتاخمة للحدود الباكستانية في وزير ستان حيث القبائل الموالية والمخلصة لهما جاهزة لحمايتهما ومواصلة نشاطهما الإرهابي من هناك بإسم الإسلام . ولكن أي إسلام؟

الإسلام بنظر الإستراتيجيين الغربيين ليس سوى ثيوقراطية توتاليتارية شمولية ، وهو دين  سماوي وتوحيدي بنظر أتباعه إلا أنه لايفرق بين الزمني أو الدنيوي والروحي  أو  بين اللاهوتي والناسوتي ، ويعتقد الغربيون أن زعماء هذا الدين يريدون تطبيق القانون الإسلامي أو الشريعة الإسلامية على الجميع وفي جميع نواحي الحياة  بلا استثناء علاوة على أن الإسلام دين تبشيري جاء لكل الناس في الأرض ومن مهماته الجوهرية الانتشار بكل السبل  والسعي لإقناع الإنسانية جمعاء بصحة طروحاته ومحاول إقناع البشرية باعتناق الإسلام سواء بالنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن أو بالقوة إن لزم الأمر بالرغم من وجود آية لا إكراه في الدين . وقد أشار المفكر الأمريكي  المعروف وصاحب كتاب " صدام الحضارات" الشهير صاموئيل هينتنغتون إلى أن ": هناك بعض الغربيين يؤيدون فكرة أنه لاتوجد للغرب مشكلة مع الإسلام بل فقط مع المتعصبين والمتشددين والمتطرفين الإسلامويين  من سلفيين وأصوليين ممن يتبنون العنف والإرهاب في تعاملهم مع الآخر، والحال أن تجربة ما يزيد على الأربعة عشر قرناً من التاريخ المشترك أظهرت وأثبتت عكس هذا التصور . فالعلاقات بين الإسلام من جهة والمسيحية بكافة أشكالها، الأورثوذكسية الشرقية  والكاثوليكية والبروتيستانتية الغربية، كانت دائماً متأزمة ومضطربة وكل طرف يعتبر هذا الآخر المغاير والخصم بالنسبة له . إن تفاقم هذا الاستقطاب والاحتقان الديني وتصاعد ظاهرة التصادم بين الأديان لاسيما في بؤر متوترة وقابلة للانفجار كما في الهند والباكستان وأندونيسيا والعراق ومصر ولبنان وغيرها قد يقود في حالات معينة من الجنون البشري إلى تفجير  الحرب العالمية الثالثة  أو الرابعة إذا اعتبرنا الحرب الباردة هي الحرب العالمية الثالثة ، وحيث سيكون ثقل الإسلام كبيراً إذ يتواجد أكثر من مليار ومائتي ألف مسلم موزعين في كافة قارات الأرض وأغلبهم مستعدون للذود عن دينهم ومعتقداتهم إذا شعروا وتأكدوا أنهم معرضون مع دينهم لخطر الإبادة.

الإسلام كما هو معروف دين سماوي وتوحيدي  يستند إلى القرآن الذي يعتبره المسلمون كتاب الله الذي أنزله على محمد الذي اختاره كرسول ونبي للبشرية جمعاء  وليس فقط لبني قومه العرب وبالتالي فهم يقدسون كتاب الله الذي نزل على نبيهم عبر  الملاك جبرائيل . كما يستند الدين الإسلامي إلى جانب القرآن، على السنة النبوية التي تضم كلام وأحاديث وأفعال وسيرة النبي محمد بيد أنها غير منزلة من السماء . وقد تناقل الصحابة  والتابعين ومن جاء من بعدهم عبر قرون طويلة، تلك الأحاديث شفوياً أول الأمر وبعد ذلك جمعت في كتب الصحاح  السنية وكتب الحديث الشيعية المعروفة وكان الجمع والتدوين قد تم بعد مرور 150 عاماً على وفاة صاحب الرسالة لذلك نجد أن هناك أحاديث ضعيفة وأخرى أحادية المصدر وكثير منها مختلق وموضوع على لسان الرسول لغايات سياسية ينظمها ما عرف بعلم الحديث  وبالرغم من ذلك أعتبرت  السنة النبوية ثاني مصادر التشريع بعد القرآن في الشريعة الإسلامية . الدين الإسلامي كما يفهمه الغربيون ليس آلة للعقائد والشعائر والعبادات الدينية فحسب ولايكتفي بالجانب الروحي  بل يتدخل  في كافة شؤون الحياة للمؤمنين به وينظم الحقوق والواجبات  في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية  والصحية والأخلاقية والأحوال المدنية حيث حددت الشريعة وصاغت كافة التفاصيل بدقة متناهية وتحولت إلى قوانين ودستور يقود الحياة بحكم كونها قوانين مستمدة من القرآن والسنة . يشير مفكرون ومستشرقون غربيون متخصصون بالإسلام مثل مكسيم رودنسون ومنتغمري وات وإرنست رينان وجيل كيبيل وبيرنارد لويس إلى  أن هذا التشخيص قد يكون صحيحاً ودقيقاً في السنوات الأولى من عمر الرسالة المحمدية ولكن ، وعلى مدى الغزوات أو الفتوحات الإسلامية، برزت مشكلة تأقلم وتكيف  الشريعة الإسلامية مع تقاليد وثقافات شعوب وحضارات مختلفة  ومتنوعة تختلف جذرياً مع عادات وتقاليد ومثل القبائل البدوية القاطنة في شبه الجزيرة العربية التي كانت مهد الديانة الإسلامية ونقطة انطلاقها إلى العالم الخارجي.

كان لابد من إعادة تنظيم وتأطير وتنقيح وتعديل التعليم  الديني والتربية الدينية والممارسات العملية ولكن دائماً بما يتوافق مع القرآن والسنة فتصدى علماء الدين والفقهاء لهذه المهمة وأسسوا مدارس فقهية وفكرية إسلامية متنوعة اتخذت شكل المذاهب والطوائف وأعدوا القضاة  الذين كلفوا بتطبيق قوانين الشريعة وتبلور ما عرف فيما بعد بالفقه الإسلامي الثيولوجيا وهو علم بشري وليس رباني أو سماوي أوجده العلماء  لإكمال وتوضيح النصوص الأساسية حتى تداخلت مفاهيم  الفقه والشريعة مما أدى إلى ظهور مسألة التفسير والتأويل للنصوص التأسيسية وبالتالي نشوء الحاجة إلى الاجتهاد . ومرة أخرى فرض رجال الدين والعلماء أنفسهم باعتبارهم الوحيدين المؤهلين للقيام بهذه المهمة وتقديم التفسير والتأويل " الرسمي" للنصوص المقدسة التي يمنع الخروج عنها أو تجاوزها ولم يعد يسمح بأية تفسيرات أو تاويلات غيرها وأعتبروا أن إجماع الأمة يرسو عليها ومنحوا لأنفسهم حق التصرف والتعريف واختيار المنهج الملائم لهم لإجراء عمليات التفسير والتأويل وإصدار الفتاوي . ومن هنا أصبحت قضية الاجتهاد العصب الحي والحساس الذي يتحكم بقابلية أو عدم قابلية الإسلام على التأقلم والتكيف مع متطلبات العصر ومعطيات الحداثة والعصرنة  والتقدم التقني أو التكنولوجي  والعلمي  المتسارع في أيامنا هذه مع نشوء نظريات علمية في التطور والبيولوجيا والفيزياء النظرية والفلكية والكونية والكيمياء والهندسة الوراثية وعلم الجينات والاستنساخ الحيواني والنباتي والبشري والانفورماتيك أو علم الحاسوب وعلم الفضاء الخ ... وبما أن الدين الإسلامي هو آخر الأديان السماوية ومحمد هو آخر الأنبياء والرسل ضمن سلسلة طويلة من الرسل والأنبياء تبدأ بآدم وتمر بنوح وإبراهيم وأيوب ويعقوب ويوسف وداود وسليمان وموسى وعيسى المسيح وتنتهي بمحمد بن عبد الله فإن لهذا الدين مشتركات  عقائدية أهمها التوحيد وعبادة نفس الإله الواحد والاعتراف بما سبق من الأنبياء والرسل وكتبهم المرسلة كالتورات والإنجيل ومزامير داود ومع ذلك أدخل الدين الإسلامي بعض الاختلافات الجوهرية مقارنة باليهودية والمسيحية . فالإسلام لايعترف بالخطيئة الأولى التي ارتكبها آدم وحواء وانحطاط الجنس البشري بسببها وهبوط منزلته كنتيجة منطقية لها  مقارنة بالملائكة  الذين حافظوا على مكانتهم عن الله وسموا على البشر بعد أن طلب منهم السجود لآدم أبو البشر كما تقول الأسطورة الدينية . كما لايعترف الإسلام بعقيدة التثليث المسيحية ويعتبرها شركاً بالله الواحد وعدم اعترافه بالطبيعية الإلهية للمسيح  ويعتبر القول بإلوهية المسيح كفراً وركز على التوحيد المطلق والتسامي الرباني ورفض الإسلام بشدة عقيدة كون المسيح إبن الله ويعتبرها شركاً بالله الذي لم يلد ولم يولد رغم التفسيرات والتأويلات الفلسفية والكلامية التي قدمها المسيحيون لهذه العقيدة  واعتبر الإسلام عيسى إبن مريم مجرد نبي ورسول كباقي الأنبياء والرسل . ويقلل الإسلام من أهمية مبدأ الاختيار الحر وعلاقة ذلك بمبدأ القدر والاختيار  والجبر والمصير المحتوم للإنسان منذ ولادته وحتى وفاته مما خلق انقسامات واختلافات جوهرية حتى بين علماء المسلمين أنفسهم فيما يتعلق بهذه الأطروحات والمسائل والمفاهيم عبر القرون.

من هنا يعتبر المسلمون دينهم بأنه هو الدين الأسمى  والأكمل والأنقى والأفضل والأرقى الذي لم يتعرض لأي تحريف وبالتالي فهو الموحد للأديان كلها وخاتمها حيث يعتقد المسلمون أن باقي الأديان وكتبها المقدسة تعرضت للتحريف وأن الأمة الإسلامية هي أفضل أمة أخرجت للناس وهذه بحد ذاتها نظرة عنصرية متعالية خلقت الكثير من المشاكل في تاريخ الإسلام وعلاقته بالأمم والحضارات الأخرى.

كان الإسلام موحداً في الظاهر في حياة مؤسسه ولم تبرز الخلافات بين أقطابه إلى السطح إلا بعد وفاة قائده الأعلى . وبعد وفاة النبي محمد إنقسم الإسلام إلى طائفتين كبيرتين رئيسيتين لكل منها تفرعاتها وفرقها المتفرعة عنها وهما الطائفة السنية ذات الأغلبية ويصل تعدادها في أيامنا هذه حوالي الـ 900 مليون شخص يعتقدون ويصدقون أن النبي لم يوصي من بعده لأحد بخلافته  واعتبروا أن هذا الأمر يسوى بطرقة الشورى لذلك فهم يحترمون ويقدسون الخلفاء الراشدين الأربعة حسب تسلسلهم وتعاقبهم على الخلافة وهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب وهم متساوون في نظر أهل السنة في القدر والمنزلة والأهمية . الطائفة الثانية هم الشيعة أو أتباع علي إبن ابي طالب إبن عم النبي وربيبه وزوج ابنته المفضلة فاطمة ووالد حفيديه الذين حافظا عل نسله . القسم الأكبر والأشهر من الشيعة يسمون بالشيعة الإمامية أو الإثني عشرية ويعتقدون بالأئمة المعصومين الإثني عشر من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب وهناك شيعة آخرين يعرفون بإسم الإسماعيلية أو السبعية  والزيدية وغيرهم وهم أقلية . ظهرت هذه الطائفة منذ القرن السابع الميلادي إثر تفاقم حالة الخصام والنزاع والاعتراض بشأن مسألة الخلافة إذ يعتقد أتباع أو شيعة الإمام علي بأن هذا الأخير هو الأحق والأولى بالخلافة من الثلاثة الذين سبقوه إليها في ظروف بالغة التعقيد والغموض وفي أجواء الترقب والرهبة كالتي تعقب وترافق أجواء الانقلاب العسكري في الدول الحديثة. فالخلافة  بنظر أنصار الإمام كان يجب أن تؤول إليه بديهياً وبلا جدال أو تردد بموجب أدلة وبراهين فقهية كثيرة وأحاديث وأحداث وشهود يتواردونها عبر الأجيال ويثقفون أجيالهم جيلاً بعد جيلاً بها تقول لهم أن الله أمر النبي باختيار علي لهذا المنصب الديني والدنيوي في آن واحد لأنه الأعلم  والأتقى والأشجع والأفضل والذي لم يسجد لصنم قط ولم يعبد غير الله الواحد الأحد ولأنه تخلق بأخلاق النبي وتربى في بيته وبالقرب منه وحفظ عنه مالم يحفظه أحد غيره ولا أكثر منه . ويعتقد الشيعة أن أعداء علي وخصومه من الأمويين والخوارج هم الذين تآمروا عليه وخلقوا له الحروب والمتاعب والاضطرابات المسلحة التي تتوجت باغتياله هو يصلي فور وصوله إلى سدة الخلافة التي تخللتها حروب وتمردات عسكرية كثيرة كحرب الجمل التي قادتها زوجة النبي محمد الشابة وإبنة الخليفة الأول عائشة بنت أبي بكر  التي يقدسها أهل السنة ولايحبها أهل الشيعة لأنها تبغض الإمام علي بغضاً شديداً . ولقد نجح خصوم الإمام علي في قتله سنة 661 ميلادية كما تمت إزاحة إبنه الحسن عن الخلافة بالقوة لصالح معاوية إبن أبي سفيان  الذي كان أبوه الخصم والعدو اللدود للنبي محمد وألد أعداء الإسلام حتى تاريخ فتح مكة حيث عفى عنه النبي وكان من الطلقاء ومنذ تولي معاوية الخلافة حولها إلى ملك وراثي محصور ببني أمية على حساب بني هاشم عشيرة النبي صاحب الرسالة. وبعد وفاة معاوية تولى إبنه يزيد الخلافة ودشن حكمه بقتل الإبن الثاني للإمام علي وهو الإمام الحسين إبن علي إبن أبي طالب في كربلاء هو وعائلته وأصحابه القلائل الذين كانوا معه وذلك سنة 680 ميلادية وقد دام الحكم الأموي حوالي القرن من 661 إلى 750 ميلادية . وتعمقت الخلافات الأيديولوجية والعقائدية والفقهية والسياسية بين السنة والشيعة منذ ذلك الوقت إلى يوم الناس هذا واتخذ أشكالاً وصوراً وأساليب متنوعة غلب عليها العنف والبطش والإرهاب والقتل الجماعي والمذابح والاغتيالات . وأهم مايميز الشيعة عن باقي المسلمين هو إيمانهم بعقيدة المهدي المنتظر  وهو إمامهم الثاني عشر  الذي يجمل نفس إسم النبي  أي محمد المهدي  والذي أختفى عن الأنظار بإرادة ربانية لإنقاذه من الموت المحتوم وسوف يظهر في آخر الزمان ليملآ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن ملئت ظلماً وجوراً كما تقول الأطروحة الشيعية بينما يعتقد أهل السنة أن المهدي المنتظر حقيقة قال بها النبي في أحاديث كثيرة لكنه لم يولد بعد والحال أن الغوص في التفاصيل والخلافات بين الرؤيتين يحتاج لمجلدات كثيرة لامجال للبحث فيها الآن وهكذا أمسك السنة بالحكم  وتصدى الشيعة  لهم بالمعارضة  وسالت بينهما أنهر من الدماء  والأحقاد.

هذه هي الخلفية التاريخية التي ظهر فيها الإسلام وتطور وانتشر واتسع في الآفاق خلال فترات الحكم الأموي والعباس والعثماني حتى تاريخ انتهاء الخلافة سنة 1924 ميلادية.

في معرض دراستهم المعمقة لجذور الإرهاب الإسلاموي عاد الخبراء والمتخصصون بالإسلام إلى التاريخ البعيد  وعثروا على ظاهرة نشأت في حقبة مجهولة من التاريخ الإسلامي حتى عند الكثير من المسلمين وهي تتعلق بجماعة " الحشاشين" من أتباع شيخ الجبل حسن الصباح وهم فرع من الطائفة الإسماعيلية الذين تحصنوا بقلعة العلمين المحصنة في الجبال الوعرة وكانوا يمارسون أسلوب الاغتيالات السياسية ضد الوزراء والخلفاء وقادة الشرطة ويقومون بعمليات انتحارية بعد تناولهم نوع من المخدرات التي تفقدهم ملكة التفكير والتركيز وتكريس أنفسهم لهدف واحد وغاية واحدة ألا وهي إصابة الهدف مهما كان الثمن.

بيد أن الرأي العام الغربي بغالبيته الساحقة  وعدد لايستهان به من الأقليات الإسلامية المقيمة في الغرب ، خاصة الأجيال الشابة التي ولدت وترعرعت وتربت ودرست وتعلمت في الغرب ، تجهل هذه التفاصيل والخصوصيات المتعلقة بالإسلام وتاريخه وصراعاته وانقساماته الداخلية والأيديولوجية بل إن الغرب كان يجهل ويتجاهل وجود الإسلام والمسلمين بالقرب من حدوده القريبة منه في أوروبا والبعيدة عنه في أمريكا واليابان.

استيقظ الغرب فجأة من سبات عميق على هول الصدمة التي أحدثتها تفجيرات الحادي عشر من أيلول سنة 2001 وذلك بفضل الآلة الإعلامية الجبارة التي إتقن استخدامها وتطويعها لأغراضه وخططه الاستراتيجية وحروبه النفسية  والحقيقية الميدانية . لقد برز أمام العالم الغربي مارد أسود كالإعصار المدمر الذي يجرف كل شيء أمامه أطلقوا عليه إسم " الإسلام" وقدمته وسائل الإعلام على أنه العدو الجديد والأخطر الذي حل محل الشيوعية العدو السابق " للعالم الحر" . فلا يكاد يمر يوم دون أن تتعرض الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والكتب ودور النشر ومراكز الأبحاث والتحليل إلى أعمال عنف واضطرابات ومواجهات مسلحة وعمليات انتحارية وتفجيرات في العالم الإسلامي وفي مدن الغرب الرئيسية وكذلك في الضواحي البائسة والمهملة المحيطة بمدن وعواصم الغرب ، ثم تلقي مسؤولية وتبعات تلك النشاطات الإرهابية العنيفة على عاتق الإسلام والأقليات الإسلامية المكدسة في تلك الضواحي الخطيرة والحساسة التي لايتجرأ رجال البوليس على دخولها والتي تسير وفق أوامر وتوجيهات أئمة إسلامويين أجانب يحثون على الجهاد في مواعظهم وخطبهم النارية داخل الأقبية التي حولت إلى مساجد لبث الحقد والكراهية ضد الغرب والمجتمعات الغربية الكافرة والمتحللة من القيم والأخلاق كما يقول أئمة المساجد  ويحثون الشباب الفرنسي من أصل مسلم خاصة من الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين على الانخراط في الحرب المقدسة ضد الكفر وتأدية مناسك الحج ثم استثمار هذه الخطوة لإرسالهم من هناك أي من مكة إلى معسكرات للتدريب على العمليات الإرهابية وصنع المتفجرات والتدرب على كافة أنواع الأسلحة في أفغانستان والعراق والصومال والشيشان والكوسوفو ، وأيضاً تثقيفهم وتعبئتهم ضد النساء وإرغامهن على ارتداء الحجاب بكافة أنواعه ( من الفولار البسيط أو غطاء الرأس إلى الخمار والبركة الأفغانية مروراً بالعباءة السوداء والتشادور الإيراني ) . استغل الإسلامويون حالة الاحتقان والتوتر ودفعوا باتجاه إشعال أول مواجهة  جادة عملية على أرض الواقع  سميت بـ " معركة الفولار" في فرنسا سنة 1989 ووضعت المجتمع الفرنسي برمته على حافة الإنقسام والانشقاق الداخلي بين مؤيد ومعارض لقرار منع لبس الحجاب في المدارس الفرنسية العامة العلمانية التابعة للدولة وليس مدارس القطاع الخاص باعتبار الحجاب علامة دينية بارزة وملموسة وعيانية اعتبر خصوم هذا القرار أنه يجسد ممارسة  عنصرية مخالفة للقانون والدستور الفرنسيين ضد العرب والمسلمين وتمييزاً بحقهم لصالح اليهود والمسيحيين الذين لم يمنعهم قرار مماثل آنذاك من لبس الكيبا اليهودية أو غطاء الرأس أو الصليب ووصموا ذلك بأنه تعصب وتزمت أو تشدد علماني بغيض لايقل خطورة وتخلفاً أو تقهقراً من مثيله التطرف والتعصب والتزمت أو التشدد الديني . بعد مضي مالا يقل عن الخمسة عشر عاماً على ذلك الحدث الذي استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام، ظهرت على السطح ما يشبه التجمعات القومية ـ العرقية ـ الإثنية ـ الدينية  المنطوية على نفسها والمنفصلة عن المجتمع الفرنسي وتقاوم الاندماج به والتكيف معه ناهيك عن الانصهار به، وتعيش في ما يشبه الغيتوهات التي كان يقطنها اليهود في سنوات ماقبل وأثناء الحرب العالمية الثانية . وفي نفس الوقت تفاقمت الممارسات العنصرية ضد هذه التجمعات السكنية وأبناؤها وتهميش وإقصاء الآخر " العربي ـ المسلم" وعدم الثقة به ومنعه من الحصول على العمل والسكن اللائق . وتنامى الخوف من الإسلام أو ما عرف بـ " رهاب الإسلام"  باعتبار أن الإسلام يمثل تهديداً خطيراً على الحضارة  والقيم الغربيين وأن أتباع هذا الدين يشنون حرباً " صليبية مضادة" وعالمية ضد الديموقراطية وقيم التسامح والانفتاح والحريات الشخصية وحريات الاعتقاد وضد انعتاق وتحرر المرأة. ناورت وسائل الإعلام لإظهار العالم الغربي وكأنه محاصر  بالإسلام والمسلمين ومهدداً من الداخل بطابور خامس من المسلمين الذي يمنحون ولائهم للعالم الإسلامي على حساب الدول التي يقيمون ويعيشون فيها في الغرب . وقد استغلت نفس وسائل الإعلام أحداثاً وقعت في أنحاء متفرقة من العالم لتكريس هذا الشعور بالتطويق والحصار الإسلامي وهي أحداث أتسمت بدرجة كبيرة من العنف والدموية والقتل الجماعي  والتفجيرات المنظمة بدم بارد ضد المدنيين  الأبرياء في الأماكن العامة كمحطات القطار والسكك الحديد وقطارات الأنفاق الميترو تحت الأرض والساحات العامة والفنادق والحانات والبارات والنوادي الليلية والمطاعم والحافلات وقد ألصقت كل تلك الحوادث الإرهابية بالإسلام  ونفذت بإسمه علاوة على مجازر وحشية ارتكبها الإسلامويون التكفيريون والسلفيون الجزائريون  الذين عرفوا بـ " الأفغان العرب" ضد أبناء شعبهم على مدى أكثر من عقد من الزمن منذ العام 1992 وعمليات الإعدام البشعة التي تمت بإسم الشريعة في السودان وأفغانستان وإيران في بدايات الثورة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي وقمع واضطهاد وقتل النساء عل يد الطالبان في أفغانستان وتفجيرات بالي والباكستان ونيروبي والرياض  والرباط  وشرم الشيخ ومدريد ولندن  وخطف وقتل الصحفيين والأجانب أو أخذهم رهائن على يد العصابات وقطاع الطرق الذين يقومون بتلك الأعمال المشينة بإسم الإسلام  وفوق كل ذلك أحداث الحادي عشر من أيلول والتوترات القائمة مع بعض الدول في العالم الإسلامي كإيران وسورية  والعراق والباكستان والسودان . شعر الغربيون من جراء ذلك بأنه يتعين عليهم أن يصمدوا ويستعدوا ضد هجمة إرهابية دولية ذات صبغة إسلاموية تحاك ضدهم في الخفاء  بعد أن ظهرت طلائعها التي ذكرناها أعلاه ، وتنطلق تلك الهجمة من تلك البلدان التي تحوم حولها الاتهامات والشبهات بأنها ترعى الإرهاب الإسلاموي وتأوي الإرهابيين وتسلحهم وتدربهم وتمولهم  وتشك الدول الغربية بأنظمة تلك الدول " الإسلامية" بأنها تحتضن مجموعات جهنمية متوحشة وعنيفة جداً من أمثال القاعدة والجهاد الإسلامي والجماعات الإسلامية المسلحة  بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي وأمثالهم من زعماء القوى والحركات الظلامية التكفيرية التي تحقد على الغرب وقيمه الأخلاقية وأنظمته وقوانينه . ولدى تلك القوى الظلامية رؤية سوداوية للعالم كما لديها مشروعها السياسي ذي النزعة التوتاليتارية  الشمولية التي أطلق عليها المفكر الأمريكي المعادي للإسلام برنارد لويس صفة  " الفاشية الخضراء".

والحال أن التطرف  والتزمت  والتشدد والتعصب ليس حكراً على الإسلام بل هو موجود في كافة الأديان السماوية وغير السماوية وسنعرض للفكر الأصولي أو المتعصب والمتزمت عند باقي الأديان في دراسة لاحقة ، ولكن لماذا التركيز على الإسلام فقط هل لأنه غير محمي ولايملك جماعتا ضغط ونفوذ " لوبيات" مثل التي تدعم اليهود والمسيحيين؟ مع الإسلام بات من السهل ترهيب أو إرعاب الناس بالإرهاب الإسلاموي بفضل عدة شواهد وأمثلة ملموسة تناقلتها وسائل الإعلام وركزت عليها ولاتحتاج لإثبات وغير قابلة للدحض كما تبدو لأول وهلة في الظاهر لأن وسائل الإعلام عزتها بديهياً للإسلام واعتبرته المسؤول عنها فلولا الإسلام لما كان هناك إسلامويون ولولا الإسلامويين لما كان هناك الإرهاب الإسلاموي هذه هي المعادلة التي يستند إليها مروجو هذه النزعة. المتزمتون والمتعصبون في الطرف الآخر يغذون فكرة المواجهة الحتمية التي لايمكن تفاديها بين الإسلام والغرب وبالتالي من صميم مصلحتهم تحويل هذا الدين إلى مصدر للرعب والتدمير على نطاق الكوكب كأنه الوباء الذي ينتشر مع الهواء أو بالاتصال  والتماس كما هو حال الأوبئة  كالطاعون والكوليرا والإيدز أو السيدا والسرطان والملاريا  والتيفوئيد وغيرها من الأمراض الفتاكة التي عانت منها البشرية لقرون طويلة . المشكلة تكمن في أن الغربيين متيقنين من أن المتعصبين والمتشددين أو المتزمتين الإسلامويين التكفيريين الذين يستلهمون أيديولوجيتهم ومنهاجهم ونظرياتهم وفتاويهم من الفكر السلفي المتزمت ، لايترددون في بث الرعب والدمار في حال إمتلاكهم أسلحة فتاكة كيمياوية أو جرثومية أو نووية وأن هؤلاء التكفيريين متغلغلون في أوساطهم وكل مسلم هو مشروع ممكن لانتحاري إسلاموي متخفي كما كان حال منفذي عمليات الحادي عشر من أيلول 2001 وبالتالي تقع الشبهات على كل مسلم يعيش في الغرب بأنه يمكن أن يكون أحد الانتحاريين في الخلايا النائمة التابعة لمنظمة القاعدة وهم يجهلون حقيقة هي أن واحد من خمسة من المسلمين المقيمين في الغرب متدين أو يطبق بعض الشعائر الدينية كالصلاة والصوم والزكاة والحج. وأن هناك نسبة ضئيلة جداً من المسلمين المقيمين في الغرب ممن يملكون وعياً وثقافة ومعرفة بدينهم وتاريخه وتعاليمه وفلسفته وأغلبهم لايبالي بتعاليم الدين وبممنوعاته وبالحلال والحرام ولايقيدون أنفسهم بأي تحريم في أي مجال من مجالات الحياة بما في ذلك تناول الكحول ولحم الخنزير وممارسة الجنس خارج دائرة الزواج المقدسة بالحلال والتعامل بالربا وغيرها من المحرمات الدينية . ومع ذلك فإن الحملة الإعلامية الشرسة على الإسلام تجعل الغرببين يعطون الأولوية لمحاربة النزعة الإسلاموية أو حتى محاربة الإسلام كدين منافس وشل حركته ومنعه من الانتشار وتقييد أو منع حركة التبشير لإقناع الناس في الغرب باعتناق الإسلام وعكس الحركة  أي تشجيع المسلمين الضعفاء أو الجاهلين بدينهم بالارتداد عنه ، وذلك بكل الوسائل والسبل المشروعة وغير المشروعة ومهما كان الثمن حتى لو كان المواجهة المسلحة . إذاً فإن محاربة الإسلام  بات ضرورة قصوى تأتي في مقدمة الضرورات والأولويات الأخرى العاجلة . وهذه هي التيمة المفضلة لدى اليمين المتطرف الأمريكي  والمحافظين الأمريكيين الجدد والمسيحيين الأنجليكيين الصهاينة  الذين يبثون ويروجون لأفكارهم الرافضة للإسلام وتبغض المسلمين وقد وجدت هذه النزعة صدى في أوروبا لدى بعض الكتاب الحاقدين والمبتذلين كالروائية  والكاتبة الإيطالية أوريانا فالاتشي التي وصفت المسلمين بـ " الجرذان الحاملة والناقلة للطاعون" في حين تنبأت  الكاتبة الفرنسية الحاقدة آني لورنت  بأن المسيحيين في العالم الإسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الإسلاموي المتطرف عليهم حيث تكهنت هذه الكاتبة في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 طغيان النزعة الإسلاموية المتطرفة والمتشددة سياسياً ودينياً على العالم الإسلامي وفرض الرؤية التكفيرية ضد غير المسلمين وضد المسلمين المعتدلين  حيث ستسود  الرؤية الظلامية التكفيرية محل الأيديولوجية الإلحادية أو المادية التي سادت القرن العشرين المنصرم وإن الملايين من المسيحيين سيموتون بعنف وبوحشية  بسبب إيمانهم بالمسيح ومعتقداتهم المسيحية  خلال سنوات القرن الواحد والعشرين القادمة " . إن هذا الرهاب الأعمى بات ينتشر بزخم متزايد من خلال العديد من مواقع الانترنيت  والفضائيات الدينية المسيحية المتعصبة وحلقات النقاش والندوات  والكتب والمجلات التي لاتعد ولاتحصى والبرامج التلفزيونية عبر الفضائيات التي تملكها مؤسسات مسيحية في الغرب . فكيف وصل الغرب إلى هذا المنحدر الوضيع الذي يناقض مبادئه في التسامح والحرية وحقوق الإنسان وخضع إلى خطاب يهيمن عليه الحقد والخوف حيث تنازل العقل والمنطق السليم والتأمل النقدي في دروس التاريخ  والتفكير الفلسفي الجريء  والحر وفكر النهضة والتنوير والنزعة التعددية والنقدية  والنقد السياسي ونقد النصوص اللاهوتية بحرية أمام الرؤية الأحادية والمسلمات الجامدة والبديهيات الماضوية ونزعة الحقد والاحتقار والتعالي  والهيمنة والعجرفة والعنصرية  والتفوق العنصري الغربي على العرب والمسلمين  المتخلفين كما عبر عنها بزلة لسان صريحة ومباشرة وبلا مواربة رئيس الوزراء الإيطالي السابق برليسكوني وعودة شبح المقولة القديمة التي تعود إلى أجواء الحروب الصليبية والقائلة بأن الغرب اليهو ـ مسيحي مهدد بقيمه ووجوده بالزحف الإسلامي . لبقد صدرت قوانين صارمة في الغرب تعاقب بشدة  الأعمال المعادية للسامية واليهود ولاتعاقب أو حتى تندد بالأعمال العنيفة والعنصرية التي يتعرض لها العرب والمسلمون على يد عناصر اليمين المتطرف في بلدان الغرب وحرق دور العبادة الإسلامية وممارسة التمييز العنصري ضدهم في حياتهم اليومية حيث يتعرضون للتنغيصات والإهانات ولايحصلون على العمل والسكن اللائق  عندما يحملون أسماء مثل محمد وعلي وكريم وليلى وفاطمة وعائشة؟

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com