مقالات

القواسم البنيوية لفن العمارة الإٍسلامية

نضير الخزرجي / إعلامي وباحث عراقي

الرأي الآخر للدراسات – لندن

تشتهر كل امة بفن من الفنون، تأخذ به شخصيتها ويأخذ الفن من الأمة شخصيته، فيلتصق كل منهما بالآخر، ويشار بالفن الى الأمة وبالأمة الى الفن، فاشتهر اليونان والرومان بفن النحت واشتهر الإيطاليون بفن الرسم، واشتهر قدماء المصريين بفن المينا وصناعته، واشتهر العرب بالخط وفنونه، واشتهر الإيرانيون بالعمارة وفنونها، وهلم جرا.

وفي عدد غير قليل من الفنون يأخذ الدين حيزا من الوجود في تثبيتها او تشذيبها وتنقيتها مما لا يليق بها، ويترك بصماته عليها، فعلى سبيل المثال، يكثر في الكنائس رؤية المجسمات والصور الزيتية وبخاصة على الزجاج، لكن المجسمات تنعدم في المساجد وتقل فيها الصور، فالكنيسة اعتمدت المجسمات والصور لتقريب العابد الى المعبود، فيما اعتمد الإسلام البساطة وإزالة الواسطات المادية الى الرب، ليحلق المؤمن في فضاء مفتوح بخاصة عند الدعاء، وإذا ما سقطت عيناه فإنما تسقط على محراب اُطّر بآيات من الذكر الحكيم ونوافذ شفافة تبعد بمديات بصره وفؤاده الى اللامحدود.

وفي مجال فن العمارة يسهل معرفة تاريخ امة او شعب من خلال دراسة فن عمارتها لانحصار مثل هذا الفن بهذه الأمة او تلك، ولذلك يستدل علماء الآثار على أية أمة من الأمم عبر التاريخ الطويل وفي المكان الواحد من خلال ما تركته تلك الأمة من فنون في باطن الأرض وفي الكهوف، فعلى سبيل المثال لا يعدم الخبير من إرجاع تحفة مكتشفة في العراق الى السومريين او الآشوريين أو البابليين، فلا يكفي ان يقول ان الأثر المكتشف سابق على العهد الاسلامي في العراق، بل يرجعه الى مصدره، لان كل امة تنطبع بفنها وكل فن ينطبع بصانعه. لكن مثل هذه المعادلة قد يصعب تحققها في فن العمارة الاسلامية، صحيح ان هذا الفن يملك هوية وشخصية متكاملة، لكنه أشبه بلوحة فسيفساء، فلكل امة التي دخلت في الإسلام قطعة داخل هذه اللوحة، وتتكون من مجموع هذه الأمم والشعوب وعلى مر التاريخ بتعدد لغاتها وأجناسها ومعارفها وفنونها لوحة الفن المعماري، الفن الذي اكتسب هوية عليا اسمها الهوية الاسلامية.

الهوية الاسلامية لفن العمارة بجزئياتها، وغيرها من الفنون اللصيقة بالفن المعماري، يبحثها المحقق الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي في الجزء الرابع من سلسلة كتاب "تاريخ المراقد.. الحسين وأهل بيته وأنصاره" الصادر العام 2007 عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 496 صفحة من القطع الوزيري، مفصلا القول في كل مفردة فنية تدخل في الفن المعماري، من خلال التعرض الى الفن المعماري في المرقد الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة، وملاحظة تأثيرات وتداخل فنون الشعوب الاسلامية وإسهاماتها.

 

مواد الفن المعماري

لكل فن عناصره، يتحدد بها، وفي الفن المعماري تدخل عناصر كثيرة أصيلة وثانوية، بخاصة وان العمارة لا تتوقف على الحجارة فهناك الكاشي والزجاج والأخشاب، والبناء الذي يدخل تحت جناح الفن المعماري تزينه الصخور بأنواعها والأحجار الكريمة بأنواعها والزخارف والزجاج وغير ذلك، ولذلك فان أثرا معماريا واحداً ينطوي على فنون عدة.

وفي الفصل الأول يتقصى البحاثة الكرباسي المواد التي دخلت في بناء المرقد الحسيني الشريف منذ العام 61 هـ وحتى الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري، ولان العمارة الاسلامية مرت بمراحل وصاحبها التأثير المتبادل بين الأقوام المسلمة، بل وحتى التأثير المتبادل بين الفنون الاسلامية وغير الاسلامية، فان الكتاب نحى نحو معاينة العناصر الداخلة في عمارة المرقد الحسيني الشريف عبر القرون، حيث يتوقف عند كل قرن لمعرفة عناصر العمارة بأدق تفاصيلها.

ومن خلال التدرج نقف على ملامح ومعالم الفن المعماري في كل قرن، كما نقف في الوقت نفسه على معالم الأسر السلطانية التي توالت على حكم العراق، وما تركته من آثار معمارية تجلت في اهتمامها بالحرم الحسيني الشريف باعتبار ان التقرب اليه هو تقرب الى رسول الله (ص). ويرشدنا البحث في هذا الموضوع الى مراحل التطور الزمني في استعمال العناصر الداخلة في البناء وفي الزينة والزخرفة، والتطورات الحاصلة في استخدامات التربة والأخشاب والصخور، فعلى سبيل نكتشف من خلال دراسة الفن المعماري ان قطع الكاشاني وهي اللبنة المطبوخة بشكل لطيف والمطلية بمواد لعابية زجاجية ذات ألوان مختلفة، استخدمت في الحرم الحسيني الشريف ولأول مرة في القرن الرابع الهجري في عهد الدولة البويهية، أي ان مصدره ايران ومنها انتشر الى العراق وغيره. أو الفسيفساء (الكاشي المعرّق) استخدم في الحرم الحسيني الشريف ولأول مرة في القرن الثامن الهجري. أو الذهب الذي دخل لأول مرة في تذهيب ضريح الامام الحسين (ع) في القرن العاشر الهجري في عهد إسماعيل الأول الصفوي (ت 930 هـ)، وما الى ذلك.

 

كريم وأحجار كريمة

دخلت الأحجار الكريمة وشبه الكريمة البناء لتضفي على الفن المعماري بهاءا وزينة، فالأحجار الكريمة بشكل عام هي أحجار كاربونية نادرة الوجود أو انه يصعب اكتشافها واستخراجها من قبيل الألماس والزمرد، ولذلك سميت كريمة فضلا عن كونها ذات فائدة لحاملها او المتختم بها، تعالجه من أمراض جسدية ونفسية، ولبعضها قابلية دفع الضرر وجلب المنفعة لما فيها من خواص نادرة، وقد أشارت نصوص القرآن والسنة الى بعضها، وتركت السنة نصوصا قيّمة في بيان فائدة كل حجر كريم أو شبه كريم واستخداماته من حيث المكان والزمان، ويقال ان الطبيب أبو زكريا يحيى بن ماسويه الخوزي (ت 243 هـ) الذي خدم في البلاط العباسي في العراق كان من أوائل من ألف التصانيف في الأحجار الكريمة وبيان مواضع استخراجها وصفات كل حجر في كتابه الشهير (الجواهر وصفاتها).

والى جانب الذهب والفضة، فان المرقد الحسيني الشريف زين وعبر القرون بأحجار كريمة وشبه كريمة، فقد تبارى الملوك والرؤساء والوزراء وغيرهم من محبي أهل البيت (ع) بتقديم الهدايا من الأحجار الكريمة ولدواع كثيرة. ويستظهر المحقق الكرباسي ان الأحجار المستخدمة هي: الألماس والدر والزبرجد والزمرد والعقيق والفيرزوج واللؤلؤ والمرجان والياقوت.

فالألماس معدن صلد كربوني شفاف اللون، والدر حجر شبه كريم يتولد في الأراضي الرملية ذات الحصاة شفاف اللون، وأفضله در النجف في العراق، والزبرجد حجر معدني كريم من فصيلة الزمرد شفاف أخضر ضارب الى الزرقة، والزمرد حجر معدني كريم شفاف شديد الخضرة، والعقيق حجر معدني نصف شفاف ونصف كريم، والفيرزوج او ما يُعرف عند العراقيين بالشذرة معدن حجري شبه كريم لونه أزرق سماوي أو أزرق مخضر، واللؤلؤ جسم كروي أملس يتكون في أصداف بعض القشريات، والمرجان وهو في الأساس اسم لحيوان بحري من الزهريات الشعاعية يعيش في قاع البحار، والياقوت حجر معدني كريم صلب رزين شفاف.

 

فنون وأقوام

يتابع الدكتور الكرباسي في الفصل الثاني معالم الفنون في العالم وعبر التاريخ، ليستقل في بيان معالم الفن المعماري الاسلامي وعناصره، وبخاصة عناصر الفن المعماري للمرقد الحسيني الشريف.

فالبشرية حفلت بفنون معمارية كثيرة وأهمها:

- الفن الفرعوني (المصري القديم) وقد امتازت به المعابد المصرية القديمة.

- فن بلاد ما بين النهرين (العراق القديم) واشتهرت به الحضارة السومرية والبابلية والآشورية.

- الفن الإغريقي القديم وكان قد تجسد بشكل كبير في بلاد الشام.

- الفن الروماني (ايطاليا القديمة) وهو استمرار للفن الإغريقي.

- الفن البيزنطي (تركيا القديمة) وقد حمل سمات ومميزات الفنون الإغريقية والرومانية مع فنون بلاد الشام وفارس ومصر.

- الفن الساساني (الفارسي القديم) حيث تميزت الفنون المعمارية بالعمائر والأبنية الضخمة ذات الأعمدة الرخامية والحجرية.

أما الفن الاسلامي وبلحاظ انفتاح الإسلام على البشرية وثقافاتها، فانه استوعب جميع فنون العالم، ولذلك توزعت الفنون الاسلامية الى العناوين المعمارية التالية:

- الطراز والزخرفة الشامية في العهد الأموي، وفيه كان استخدام الخشب ملموسا جدا بخاصة وحسب تأكيد المصنف: "إن الشام كانت دائما مصدرا أساسيا للأخشاب التي استعملت في حضارات الشرق الأوسط القديمة".

- الطراز والزخرفة العراقية في العهد العباسي، ومن مميزاته أنهم استعملوا الآجر بدلا من الحجر.

- الطراز والزخرفة المصرية في العهد الفاطمي، وفيه استحدثوا الأروقة الى جانب القاعات الكبيرة الواسعة.

- الطراز والزخرفة المراكشية، وقد ترسخ الفن المعماري في شمال أفريقا بأصوله الفاطمية.

- الطراز والزخرفة الأوروبية في أسبانيا، حيث تداخلت الفنون الغربية بالفنون الاسلامية.

- الطراز والزخرفة الإيرانية في عهود البويهيين والصفويين والقاجاريين، وكان للحضارة الساسانية القديمة أثرها في الفن الإيراني بخاصة والإسلامي بعامة.

- الطراز والزخرفة التركمانية في العهد السلجوقي، حيث: "اتسعوا في البناء وضخموا في المداخل وتوسعوا في استخدام الزخارف البارزة كالنحت والحفر واستخدام رسوم الحيوانات".

- الطراز والزخرفة الصينية في العهد المغولي، وقد تأثرت فنونهم بالفنين الصيني والفارسي، واستخدموا الرسوم الحيوانية في الزخرفة.

- الطراز والزخرفة التركية في العهد العثماني، إذ تأثر فنهم بالطراز السلجوقي وبالعمارة البيزنطية، واستقلوا بفن خاص بهم.

- الطراز والزخرفة الهندية، والذي استمد جذور فنه من الفن الهندي القديم مع تأثره بالفن الإيراني ولاسيما الفن الصفوي.

كل هذه الطرز والزخارف لهذه المدنيات والحضارات والأقوام والشعوب تشكل منها الفن الاسلامي، لأن الإسلام: "أعطى الحرية لكل إقليم وقوم: أن يغلبوا عليها بعض رغباتهم التي تتناسب مع مناخهم الطبيعي وإرثهم الحضاري، فأًصبح مجموع هذه الطرز المعمارية طرازا اسلاميا لا غبار عليه"، بل ان الفن المعماري في العهد الصفوي شكل قفزة نوعية في الطراز الاسلامي وبخاصة على المساجد والمراقد في العراق من سنية وشيعية، فقد: "جاء الصفويون ليعطوا زخما كبيرا في هذا التوجه، ويبتكروا طرازا خاصا لهذه المقامات الشريفة، ما دفع بالآخرين من أتباع المذاهب الأخرى أن تتبع هذا الطراز على مقامات أئمتهم، كما نشاهد ذلك في مرقدي أبي حنيفة وعبد القادر الكيلاني في بغداد".

بل ان الفن المعماري كان واحدا من وسائل التعريف بالإسلام للعالمين الشرقي والغربي، ويرى المحقق الكرباسي: "ان الإسلام غزا بفنونه الغرب قبل أن يغزوها بالعقيدة، وذلك لأنها تمتلك مقومات فن الإبداع والجمال من خلال الذوق الذي صرفه المعماريون والفنيون الإٍسلاميون طوال تاريخهم".

 

الهندسة المعمارية

في الواقع ان أي بناء يأخذ قيمته من هندسته، والمنشأة الفاخرة في عمارتها هي التي يلاحظ فيها المهندس أو الفنان المعماري: الفكرة والغرض وخصوصيات الأرض وخصوصيات الطقس والجمالية والكلفة والآلية وخصوصيات المواد الداخلة في البناء. وهذه المفاصل الثمانية في هندسة البناء يتناولها المؤلف في الفصل الثالث بشيء من التفصيل.

ولاشك ان انفتاحية الإسلام ساعد المهندسين على التجديد في العمارة الاسلامية ولهذا: "اخذ المعماريون بالمضي قدما في استخدام مخيلاتهم للإبداع في الهندسة والطراز بما يناسب استخداماتها، وساعدها على ذلك عطاء السلاطين الذين أخذوا يتباهون فيما بينهم بالمنشآت الاسلامية، فكان لهذا التنافس دور كبير في هذا التطور السريع والبروز البديع".

ويمكن ملاحظة تأثير الطبيعة والتربة والمناخ في الهندسة المعمارية من خلال اختلاف المآذن والمحاريب والأبواب والمشربيات والفضاءات، كما يمكن ملاحظة تباين استخدامات النقوش والزخارف من بناء الى آخر، فالنقوش النباتية استخدمت في المساجد واستخدمت اللوحات الفنية في جدران وسقوف القصور، ولهذا يصح القول ان الفن الاسلامي ذات طابع متميز يتصف: "في وحدة الروح الاسلامية الكامنة وراء التكوينات المعمارية والتشكيلات الزخرفية التي أصبحت تقليدا معماريا".

ويمتاز الفن الاسلامي كما يذهب البحاثة الكرباسي بأنه ذات معايير أهمها:

أولا: استبعد تصوير المخلوقات الحية لاعتبارات دينية، ولاسيما في الأماكن المقدسة.

ثانيا: استبعد المجسمات والمنحوتات، وبدلا من ذلك: "توجه نحو النباتات والخطوط والأشكال الهندسية".

ثالثا: العزوف عن الاستغراق في مباهج الحياة في المنشآت الدينية.

 

جمالية الألوان

ومن جماليات الفن الاسلامي في العمارة استخدام الألوان بشكل منسق وجميل لكون اللون: "عنصر أساس في تلقين المشاهد وتحسيسه بتقريب فكرة أو أبعادها حسب اللون المستخدم على أرضية أخرى"، هذه الجمالية نجد تفاصيلها في الفصل الرابع، باعتبار ان اللون احد أضلاع مثلث جمالية الزخرفة الى جانب ضلعي النقشة والتركيب، والزخرفة لا تقتصر على المجال المادي بل تتعداه الى ما وراء المادة، فهي: "تشمل المعنويات فان الزخرفة الكلامية تكفلها علم البلاغة والأدب والذي في الواقع يخضع للمعايير المادية نفسها، ويمكن تطبيقها في كل الأمور".

فاللوحة الفنية لا تسمى فنية إلا بتحقق وحدة الألوان والرسوم والتناسق، لان اللون له تأثير كبير على العين والنفس معا، له أن يدخل البهجة في الصدور وله أن يسدل على النفس ستار الشؤم، وقيل ان جسرا في إحدى المدن الأوربية كان يشهد حالات انتحار متكررة في العام الواحد، وقد اقترح احد الأطباء النفسيين ان يتم تغيير لون الجسر من البني الى الأخضر ولاحظوا بعدها انحسار حالة الانتحار مما تأكد لهم تأثير اللون على النفس البشرية في الفرحة والترحة، فاللون الأخضر له قابلية توليد البهجة في النفس و:"يستخدمه الأطباء في معالجة المصابين بالكآبة والأمراض النفسية".

وللألوان استخدامات عدة، منها: طرد الجراثيم والميكروبات او جلبها، ومنها أنها تساعد الإنسان في خلق إيحاءات معينة، ولها دور كبير في صفاء الرؤية.

ومن خواص الزخارف الاسلامية الصميمة هي: "تراص الألوان المتعاكسة وتجانسها في المساحات الكبيرة بحيث تتشابك بتناغم مع المساحات البارزة والمنفرة لتخلق انطباعات لونية أخاذة"، وحسب الخبير بالفن الاسلامي الألماني الجنسية الدكتور ريتشارد إتينغوسين (Richard Ettinghausen) (1906-1979م) ان استعمال اللون في العمارة الاسلامية يمثل: "إنجازا اسلاميا محضا". ووقف الفنان التشكيلي خريج الأكاديمية الملكية البريطانية اوين جونس (Owen Jones) (1809-1874م) خاشعا أمام الألوان المستخدمة في تزيين قصر الحمراء في غرناطة، معتبرا ان الألوان المستخدمة: "رتبت بذوق حاذق".

 

صياغة الخطوط والزخرفة

كما يجيد الصائغ في صياغة الذهب والفضة وترصيعها بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة ويجد في الوقت نفسه متعة ما بعدها متعة، فان الخطاط يصيغ حروفه بما يعطي للوحة المرسومة او المنقوشة او المرصعة جمالية ما بعدها جمالية.

هذا الفن الراقي واستخداماته في المرقد الحسيني الشريف بخاصة والعمارة الاسلامية بعامة يبحثها المحقق الكرباسي في الفصل الخامس، بلحاظ الحضور الواسع للخط في العمارة الاسلامية: "حتى لم تكد تتطلع على أي فن معماري إسلامي إلا وتجد الخطوط قد تعانقت مع النقوش النباتية أو الرسوم الهندسية، بل وتجاوزتها حتى أصبحت جزءاً من الزخرفة ومن نسيج واحد مع الطيور والزهور فأخذوا يرسمون الطيور والأزهار بالخطوط".

ويكثر استعمال خط الثلث: "كونه مركبا متراكبا ومتداخلا يستوعب كلمات كثيرة على مساحات محدودة"، وفي المباني الاسلامية يتصدر الخط الكوفي لما يمتلك من زوايا، ومنه تشكلت معظم النقوش المرتبطة بالخط.

ويشار ان أول كتيبة سجلت في المرقد الحسيني، هي ما كتبه الامام علي بن الحسين السجاد (ت 95 هـ) على قبر أبيه في 13/1/61 هـ، وبإصبعه: (هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا).

وتبرز الى جانب الخط، الزخرفة، والتي يبحثها الكرباسي في الفصل السادس، بوصف الزخرفة عملية جمالية يأنس لها الكبير والصغير وهي: "من الفنون التي تعلمها الانسان من البيئة والطبيعة التي يعايشها، وبعد أن استوعبها أخذ يطورها تماشيا مع سنن الحياة التي أخضعت كل شيء الى التطور والتطوير". وفي العمارة الاسلامية تتشكل الزخرفة من النقوش النباتية والحيوانية والخط، وتقام على أرضية الخشب او المعدن او الجص او القاشاني، وغيرها: "وكان للروضة الحسينية السبق في استخدام جميع أنواع الزخرفة الخشبية".

والزخارف على أنواع أربعة:

أولا: الزخارف الكتابية: ولعبت دورا أساسيا في زخرفة المساجد والمراقد والدواوين.

ثانيا: الزخارف النباتية: واستخدمت الزخارف المورقة (الأرابيسك) في تزيين القاشاني والأبواب والأضرحة والشبابيك والمنابر وغيرها.

ثالثا: الزخارف الهندسية: وانتشرت على مداخل الأبواب وواجهات الأواوين وعند تلاقي الجدران.

رابعا: الزخارف التصويرية: ويقل استخدامها في المساجد والمراقد، ويستخدم في أكثرها زخرفة صور الطيور.

 

قبلة العلم

ولما كان ديدن الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي البحث عن المعلومة وتدارك ما فات، فان الثلث الأول من الكتاب ضم إستدراكات على ما فات من تقييد وذكر التطور الحاصل في المرقد الحسيني الشريف خلال القرون الخمسة عشر. وفي نهاية الكتاب ضمنه مبحثا خاصاً عن تطوير المرقد الشريف من ثلاث خطط، الأولى تتضمن تطوير المرقدين الحسيني والعباسي، والثاني تطوير مدينة كربلاء وتوسعتها، والثالث ربط المدينة بالمدن الأخرى بشبكة طرق واسعة وسريعة ومنها الى دول الجوار، وفي هذا المجال اقترح المؤلف ومنذ عقدين من الزمن بناء مطار دولي بين مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف يستوعب ملايين الزائرين التواقين الى زيارة مراقد أئمة أهل البيت، ويبدو ان هذه الأمنية في طريقها الى التنفيذ بعدما وقع الخيار على مدينة كربلاء لبناء مطار دولي، واستحصلت المحافظة على الموافقات الدولية والفنية من وزارة النقل والمواصلات ومؤسسة الطيران المدني، وبتأكيد رئيس مجلس محافظة كربلاء المقدسة السيد عبد العال الياسري في العشرين من تشرين الأول أكتوبر 2007، فان المطار خصص له مساحة 200 دونم ويقع على بعد 22 كيلو مترا من المدينة باتجاه مدينة النجف الأشرف، حيث سيتم العمل ببنائه في العام 2008 ولمدة ثلاث سنوات وبقيمة 3 مليار دولار على ان يستوعب ثلاثة ملايين مسافر سنويا.

 والاقتراح الثاني ان يتم بناء مدينة للعلم تقع منتصف الطريق بين مدينة كربلاء المقدسة والنجف الأشرف من جهة نهر الفرات تتوطن فيها الحوزة العلمية ومراجع التقليد العظام، لتكون قبلة علم لكل المسلمين في المعمورة.

كما ان المؤلف لا يستغني في كل مجلدات دائرة المعارف الحسينية التي صدر منها حتى يومنا هذا 37 مجلدا، عن الفهارس العامة والخاصة في عشرات الحقول، وعن قراءة نقدية لعلم من الأعلام.

وعندما تأتي القراءة من رجل لصيق بالمرقد الحسيني الشريف تولى سدانته والإشراف عليه نحو نصف قرن وهو السيد عبد الصالح بن عبد الحسين آل طعمة (ت 2005م)، فإنها ستأخذ بعدا كبيرا قائما على الحس المادي والمناظرة بين ما هو مكتوب وما هو واقع، ولذلك فان الفقيد اطلع على أجزاء من الموسوعة: "فوجدتها كنزا ثميناً، وكيف لا تكون كذلك وقد حاول سماحة الشيخ المحترم محمد صادق الكرباسي جاهدا فيها أن يجلو كل ما يمت الى شخصية الامام الحسين (ع) الفذة وثورته الخالدة بصلة"، وعندما اطلع على هذا الجزء والأجزاء السابقة من سلسلة "تاريخ المراقد" فانه حسب قوله: "وجدت بغيتي وضالّتي المنشودة.. فألفيتها وافية من حيث الشكل والمضمون، بديعة في وضعها، وموضوعية في تناسق موضوعاتها، حيث جاءت موثقة بكل صغيرة وكبيرة، معتمدة على أوثق المصادر وأدقها"، واكتشف الفقيد آل طعمة من خلال المقارنة أن البحاثة الكرباسي في تعامله مع المرقد الحسيني: "لم يترك شيئا من خصوصياته إلا أحصاها وأرخها ووثقها بما لا يمكن المزيد عليها، وهذا ينبئ عن قدرة مؤلفها وجلده وصبره، صاحب السماحة آية الله الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي الحائري حفظه الله ورعاه، وقد وجدت فيه الكفاءة والقدرة والحزم".

وأضم صوتي الى صوت المرحوم السيد آل طعمة بان: هذه الأجزاء ستكون مرجعا مهما لكل من يريد الإطلاع على تاريخ هذه الروضة المقدسة التي هي مهبط الملائكة المقربين، ومأوى العلماء والسلاطين، ومهد الحضارة والرقي.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org