مقالات

الإعلام والتنمية وحقوق المرأة في العراق.. ترابط الأهداف

"يؤدي الإعلام دورا هاما في التنمية والتوعية السياسية والثقافية، فهو من أكثر الوسائل التي ابتكرها الإنسان قوة وتأثيرا في التعبير عن أوضاعه وطموحاته،فالوعي السياسي يضع الإنسان أمام مصالحه،و الوعي الثقافي يضع الإنسان أمام إنسانيته"

الدكتور عدنان بهية / مركز البحوث والدراسات / معهد أكد الثقافي

 حققت المرأة في عدد من الدول النامية تقدما نسبيا في معدلات التعليم والصحة والعمالة، وتحجيم بعض مظاهر التمييز ضدها، ونيلها حقوقاً كانت لزمن قريب ضرب من الخيال، وذلك بفضل جهود المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتعليمية، الحكومية وغير الحكومية،وبعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري الناشطة في مجال التنشئة الاجتماعية وتنمية الموارد البشرية. إن الهدف العام من هذا التقدم المنشود هو إحداث التغيير النوعي الذي ينبغي أن يتجسد فعليا وعمليا بصنع المشاركة المتوازنة وبأسلوب تكاملي بين ادوار نصفي المجتمع لتلبية متطلبات التنمية الشاملة.

 هناك العديد من العقبات المرتبطة بالواقع المجتمعي للمرأة في العراق، والتي تضعف من عملية التقدم باتجاه المشاركة في عملية التنمية الشاملة، قد تشمل هذه العقبات ما هو وارد في بعض التشريعات والقوانين الوضعية، المناخ الاقتصادي، نمطية الإعالة الذكورية للعائلة العراقية، الأعراف والتقاليد ذات التأثير السلبي, تجاهل ألدور الإنتاجي الفعال للمراة في برامج التنمية.

 

قوة العمل الضائعة

 لو نظرنا إلى التركيب السكاني في العراق لوجدنا ثلاث فئات رئيسة: الأولى، صغار السن (الأطفال والمراهقون) أقل من 15 سنة، ونسبتها نحو46.2%. أما الثانية فهم متوسطي العمر (البالغون) ما بين 15سنة إلى 64 سنة، وهي الأهم في المجتمع لكونها تمثل سن العمل وتتحمل إعالة الفئتين الأولى والثالثة، ونسبتها 50.3%. بينما الفئة الثالثة وهي كبار السن من الإناث والذكور، وتبلغ نسبتهم 3.5%. ويقودنا التركيب العمري إلى نسبة الإعالة العالية جداً،التي تضم صغار السن أقل من 15 سنة وكبار السن والإناث غير العاملات. إذا علمنا إن نسبة الإناث حسب إحصاء 1997م حوالي 50.16%، وحاولنا إقصاء هذه النسبة الكبيرة من السكان من قوة العمل، فأننا نكون قد حرمنا مجتمعنا من موارد بشرية كبيرة تشكل رقماً هائلاً في قوة العمل، وهو وضع كارثي في القياسات الاقتصادية والتخطيط التنموي، يحمل الذكور ما لا يطيقون، من خلال إعالتهم لأعداد كبيرة من الأفواه، مما يؤدي الى خسارة كبيرة في الطاقات البشرية. يزداد هذا الوضع سوءاً، مع التزايد المستمر في مواليد العراق من الإناث، وتزايد البطالة وهجرة قوة العمل من الذكور خارج البلاد بسبب الظروف الراهنة.

أمام هذا نتساءل؟ ماذا تبقى من قوة العمل؟ هناك علاقة وطيدة بين علم ( الجندر) النوع الاجتماعي والاقتصاد، وما يمكن أن يقدمه للاقتصاد وتوزيع قوة العمل، كونه يمثل ثقافة تخدم خطط التغيير الاجتماعي. ولما كانت بعض سياسات التنمية ليس لديها الوعي الكامل بضرورة العمل من خلال رؤية تبحث في النوع الاجتماعي، فانه يغيب عنها فكرة مراعاة كل نوع ويتم طرح قضايا التنمية بشكل لا ينتج عنه تأثيرا حقيقيا على المراة والرجل على حد سواء.

 

التنمية.. الهدف

 على عكس أسلوب " المرأة في التنمية " الذي يتعامل مع المرأة بمعزل عن العوامل الاجتماعية الأخرى، فان دخول النوع الاجتماعي، كعنصر أساسي في التنمية البشرية والمستدامة، يركز على الأهمية الخاصة في التعامل مع قضايا المرأة في إطار علاقات المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل. إن رؤية النوع الاجتماعي تسعى إلى تحقيق مشاركة النساء والرجال في برامج التنمية، وتحقيق المساواة في الوصول إلى الموارد.

 إن المجتمع المثالي هو مجتمع يوفر ادوار وفرص متساوية للبشر بغض النظر عن متغير الجنس ( ذكر وأنثى)، فالإنسان لا يملك القوة المطلقة، لأنها تقع خارجه، وهذا ما يفصح عنه الواقع من خلال امتلاك وسائل الإنتاج.بذلك نقف أمام مصطلح آخر بديلاً للقوة هو مصطلح ( التمكين ) و( القدرة ).وهذه مسألة نسبية، فالمرأة في بعض الأحيان أكثر تمكيناً وقدرة من الرجل فيما لو امتلكت المؤهلات المطلوبة عن طريق التمرين مثلاً، لكن الفرصة في هذا المجال كانت على الأغلب حكراً على الرجل، وبقيت الأنثى محرومة من الوصول إلى ( التمكين) أو( القدرة )، وهو أمر ليس لصالح الرجل على طول الخط.
إن وضع مفاهيم علم النوع الاجتماعي في التطبيق العملي مهم لمجتمع يريد أن ينتقل إلى مرحلة المجتمع لمدني، حيث تحترم حقوق الإنسان وتتساوي الفرص في ظل مواطنة لا تفرق ولا تميز بين الأفراد على أساس الدين والعرق والجنس، فكيف تتحدث عن ديمقراطية وأكثر من نصف المجتمع لم يأخذ دوره الاجتماعي؟ قد تعطى المرأة دوراً كما حدث في حصولها على نسبة 25% في الجمعية الوطنية، ولكن كيف يرفع المجتمع من مستواها ومقدرتها وكفاءتها لأداء هذا الدور، وباقي الأدوار الاجتماعية!

 

أساليب دمج الجندر في السياسات التطبيقية

 من اجل ضمان مشاركة المراة في التنمية فلا بد أن لا يقتصر دورها على كونها مجرد متلقية للخدمات في المجتمع، بل يجب أن تلعب دورا نشيطا كشريك فعلي في مراحل التنمية المختلفة، بدءا من تصميم البرامج والمدخلات وتنفيذها حتى مراحل تقييمها. وهناك العديد من الوسائل التي يمكن إتباعها للقيام ببرامج تنموية ذات رؤية خاصة بالنوع الاجتماعي (الجندر)، مما يساعد على إدماج هذا المفهوم في جميع الأنشطة, ومنها ؛

1- الاهتمام بتشجيع مشاركة المراة والرجل معا في تصميم وتنفيذ وإدارة الأنشطة المختلفة.

2- تطبيق سياسة توظيف وتدريب متوازنة داخل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

3- إتاحة الفرص المتساوية للوصول إلى الموارد والمعلومات وتنمية المهارات.

4- إتاحة الفرصة لتبادل وتدوير السلطة وتفويض المسؤوليات بين الرجال والنساء داخل الجمعيات والمؤسسات وفي المواقع المهمة ومجالس الإدارة واللجان المهمة.

5- توفير معلومات دقيقة ومصنفة طبقا للنوع الاجتماعي، للإطلاع على مدى تمكن الإطراف المختلفة من الوصول إلى الموارد والخدمات.

6- المتابعة وقياس الأثر لمشاريع وبرامج الحكومة، خاصة فيما يتعلق بمدى تأثير البرامج التنموية على المراة عند قيامها بأدوارها : الإنجابية والإنتاجية والتنظيمية.

 

التدريب والتمكين والدور الاجتماعي

 تسعى المجتمعات إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال توظيف الموارد البشرية وتدريبها وتطوير قدراتها ورفع مستوى كفاءتها الإنتاجية، ولتحقيق أقصى درجات الاستفادة من الموارد البشرية لابد من إشراك المرأة وإدماجها في مسار التنمية من خلال إدراج النوع الاجتماعي في نشاطات البرامج المنظمة للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية، ويتعلق دمج النوع الاجتماعي (الجندر) في برامج التنمية بالاستراتيجيات والعمليات والسياسات والمشروعات والخدمات.

 تواجه المرأة تحديات ومعوقات تقلل من فرصتها في العمل والتوظيف والترقي على سلم الوظائف ومن أهم هذه التحديات :

1- ضعف مخرجات تعليم المرأة وعدم توافقها مع متطلبات سوق العمل.

2- تفضيل الذكور على الإناث في التوظيف.

3- ضعف التدريب المهني نظراً لعدم توفر برامج تدريب وتأهيل تخصصية للمرأة خاصة في مجال استخدام التقنيات الحديثة.

4- ضعف توفير التعليم المهني للفتيات.

5- تدني مستوى وعي المرأة بأهمية دورها في التنمية.

6- عدم استمرار المرأة في العمل والانقطاع المتكرر مما يقلل من كفاءتها الإنتاجية.

7- قلة توفر التسهيلات التي تساعد المرأة على التوفيق بين مسئولياتها الوظيفية والأسرية.

8- عدم ثقة البعض في قدرات المرأة العقلية والمهنية.

 لقد أحرزت المرأة في بعض المجتمعات نفوذاً ومركزاً اجتماعياً، وقد تتمتع بحقوق تفوق في بعض الأحيان حقوق الرجل، ولكن تبقى مشكلة المرأة أعمق من أن تكون مشكلتها مع الرجل، إن جوهر المشكلة قائم في العلاقات الاجتماعية التي تحكم المجتمع وفي الوعي الاجتماعي.وبالرغم من التغير الذي حدث في عدد كبير من دول العالم من تشريعات عمل يتساوى فيها الجنسان، فما زالت الممارسات اليومية في دنيا العمل مرتكزة على أساس عدم التكافؤ بين المرأة والرجل. إن التمييز بين الجنسين والتفاوت بينهما في الفرص المتاحة على جميع المستويات التعليمية والتدريبية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها يمثل تحدياً تنموياً خطيراً.إن تمكين المرأة بهدف إدماجها في التيار الرئيسي للتنمية يتحقق من خلال آليات بناء محددة، هي ؛ الوعي، القدرات، القاعدة المعرفية، الاتجاهات والأهداف المحددة.

 يكتسب التمكين أهمية كبيرة في مقاربة النوع الاجتماعي والتنمية، إذ يقوم على ثلاثة مظاهر مترابطة، وهي:

1ـ مظهر( القدرة على) :(power to) الذي يمكن النساء من المشاركة بنشاط وبتساو في صنع القرارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

2ـ مظهر( القدرة مع ) :(power with) الذي يمكن النساء من تنظيم أنفسهن مع غيرهن من النساء من اجل تحقيق أهداف مشتركة.

3ـ مظهر( القدرة في) :( power within) الذي يمكن النساء من أن يصبحن أكثر وعياً وثقةً بالنفس.

 

الإعلام والنوع الاجتماعي (الجندر)

يستطيع الإعلام أن يؤدي دورا هاما في التنمية والتوعية الثقافية، لان الثقافة والفنون والإعلام هي أرقى ثمار الحضارة الإنسانية ومن أكثر الوسائل التي ابتكرها الإنسان قوة وتأثيرا في التعبير عن أوضاعه وطموحاته وتطلعاته، وهي غذائه الروحي، وذلك لأن :

1. الوعي السياسي هو الذي يضع الإنسان أمام مصالحه.

2. الوعي الثقافي هو الذي يضع الإنسان أمام إنسانيته.

 يعكس الإعلام الفكر السياسي والاجتماعي السائد ومحاولة التأثير على الجمهور وحملة على تغيير السلوك بطريقة معينة. إن عملية التغير الجذري التي حدثت عام 2003 أدخلت العراق مرحلة تاريخية حاسمة هيئت له الفرصة لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يمكن أن يجعله نموذجاً لدول المنطقة وشعوبها. الوصول إلى هذا الهدف يعتمد على وجود ثقافة ديمقراطية حقيقية في مجتمع مبني على التعددية. ولتحقيق ذلك يتطلب وعي إعلامي جديد يتناسب مع تأكيد وترسيخ وتنمية القيم الديمقراطية ونشرها لإحداث التغيير المطلوب وخلق جيل إعلامي يكون منطلقا لتحقيق ذلك الهدف. في هذا التصور ترتبط التنمية الثقافية بنواحي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل الإعلام " أداة رئيسية لنقل الثقافة إلى مختلف قطاعات المجتمع بطريقة يفهمها الجميع أميين ومثقفين وأينما كانوا وأينما ارتحلوا، وفي مجال تطبيقات النوع الاجتماعي ينبغي التركيز على النقاط التالية :

1. المساواة التامة وفي جميع المجالات. كما أقرتها الاتفاقيات والمؤتمرات العالمية.

2. إلغاء القوانين والتشريعات المخلة بحرية وحقوق المرأة ودورها في الحياة.

3. تكريس حق المرأة في إشغال 25% المقاعد البرلمانية والمناصب الحكومية.

4. نشر البيانات الحقيقية عن أوضاع المرأة ومستويات مشاركتها في العمل والتنمية.

5. دعم جهود محو الأمية بين النساء ودعم منظمات تطوير دور المرأة الثقافي والاجتماعي.

6. تدريس مبادئ حقوق الإنسان والمرأة ومناهضة التمييز وتحريم العنف ضدها.

7. الدعوة لمنح المرأة حريتها في التخلص من قيود الحجاب المبالغ فيها والتي تتجاوز المنصوص عليه في القرآن والسنة كثيراً.

8. تأمين برامج إعلامية لطرح مشكلات تطبيق الجندر وتعبئة النساء حول أهداف نضالها.

9. متابعة مبدأ تكافؤ الفرص وتطبيقه في المؤسسات الحكومية والعمل من أجل مكافحة البطالة المنتشرة بينهن.

10.التأكيد على إشراك المرأة في الدورات التأهيلية والتدريبية لتطوير مهاراتها وقابلياتها.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org