مقالات

الثقافي في ما هو حلاّجي – قرمِطي

 خلدون جاويد

ولد الحلاج الحسين بن المنصور في مدينة البيضاء من مقاطعة فارس حوالي سنة 244هجرية/ 858ميلادية وصلب في 309 /922.

 أهميته نموذجا إلهاميا وثقافيا، بما يتصل ويمتد بمستقبله التاريخي اسما ومنارا، أنه وائمَ مابين الصوفية والقرمطة أي في صلة بين الباطنية والحركة الاصلاحية ضد الفساد الاجتماعي.

 كان من المفرطين في العشق!!! وقد برر الغزالي ذلك بالقول " وكلام العشاق في حالة السكر يطوى ولايحكى، فلما خف عنهم سكرهم ورُدّوا الى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في ارضه عرفوا ان ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتحاد ".

 الغزالي هنا يؤكد اعظم شهادة في التاريخ البشري تضع السكر الصوفي والانتشاء الروحاني وحتى الاوهام والخرافة وادعاء مشاهدة الله يضعها الغزالي في اطار التصور والشبه ليس الاّ ، أي بماتلخصه عبارة " يتراءى له او يتخايل له او انه يحلم او يهلوس "!!!.

 واذا نزّهنا الحلاج من هذه الحقيقة في محاولة لتقليم شجرة الصوفية من اوراق الوهم الذابلة نأتي الى عظمة زهديته من جهة وروعة دفاعه عن الاصلاح... ان هكذا خاصة يتميز بها المرء في زمن جامح نحو الاثراء والوجاهة هي بمثابة الانتماء الى اجواء الروح – الضوء في ظلمة جسد آفل.

 من جهة اخرى ذات اهمية قصوى، تغلق الباب على المتدروشين والمترهبنين حد الادعاء بالملائكية او الإلوهية، ان الحلاج نفى عنه الشعوذة والكرامات، واذا صح ذلك، أي انه لايأتي بالخوارق، فان هذا يقربه الى العصر الحديث ويجعل منه كائنا مطلوبا قطباه الزهدية والنزاهة، والحركة السياسية في الوسط الاجتماعي.

 والسؤآل هل ستجد روح الحلاج الزاهدة التحررية جذرا او ظهيرا ثقافيا – اخلاقيا في كيان اجتماعي ينتهج البعدين المثالي – المادي الذي هو لاصوفية منقطعة عن الارض، ولامادية زاكمة لاتعنى بروح المحبة الانسانية في "مصاحف الأديان" والاحساس بالغيرية " السارترية " والدفع بالحركة الاجتماعية العالمية الى شيوع العطاء والحرية المتجددة " الماركسية ".

 ان تجاوز الحلاج للضوابط الاسلامية الملتزمة بقدسية الخالق تمثلَ في ادعاء الرؤية او في الهوى " العذري – الجنوني " وبما يشي بالتنزيل!!! والتزيل لايحدث وفق الدين الاّ في حالة " الذكر الحكيم " او سواه من العلاقات الربانية والرسل. ان هذا التجاوز قد جلب عليه الاتهام بالكفر والزندقة وادى الى شنقه. واذ لا يرى البعض بصدقية هذا سببا للقتل بل يرون ان السياسي الاصلاحي الثوري في شخصية الحلاج هو الذي ادى الى اعدامه.

 ومهما يكن فان الحلاج ماضويّاً قد يكون او كان مرجعية محدِّدة لسلوك ما في طريق الحياة الفسيحة، ولكنه حاضرا فبإمكان وهْجه التاريخي ان يكون نقطة بدء اخلاقية لتوجه روحاني – مادي قائم على الجرأة في الطرح الثقافي حتى لو ادى ذلك الى المحرقة او المشنقة.

 والروحاني هنا ليس الديني بالضرورة! بل موطن النفس والعقل والحس بعناق البشرية بأقيام الرحمة والمحبة وشيوع العدالة والتساوي التي يقصّر عنها الكثير من دعاة الدين. الحلاج زاهد وروحاني وهؤلاء حلويون كنّازو اموال ٍ وتجارٌ ضالعون بالارصدة عشاقُ ثراء ٍ اذا دخلت بيوتهم ترى قصر شعشوع والخورنق والسدير والسجود وفرساي وأحلى بينما ينتظر الوضع البشري منا ترقية الروح الى مصاف الاحساس بالغيرية على حد تعبير سارتر، والاقتصاد الماركسي في ضرورة تطبيق " كلٌ حسب قدرته كلٌ حسب حاجته". وباختصار هناك جوع وفقر وحرمانات وهذا وذاك من الادعياء متخم وتقي!!! ولم يدر ِ ان تقواه تكمن في شيوعية ثروته ونشرها بين الناس وسعاداتهم!!!!

لكنه يحارب الشيوعية لأنها تهدد فحشه اللذائذي! واقتصاده المتراكم. كما يحارب السارترية لأنها تعنى ( في تيارها غير الديني ) بحرية انطلاق المرء والابتعاد عن الدين وتطالب حق الانفصال من الايديولوجيا والحزبوية ومن الميليشيا والمافيا والخ من التكتلات الذاتوية.

 هناك من يغلب كون الحلاج في صلته مع القرامطه واتصاله حتى بزعيمهم أبي سعيد الجنّابي هو سبب انهائه. ان التهديد لك ولي ولنا يكمن في كوننا نقف ضد المفرطين بالثروة والمسفين بالبذخ بينما العالم تختل موازينه فطبقة محرومة واخرى متخومة وهذا هو الدافع البطولي لشبيبة - اليوم في ضرورة تنكّب قيم النبل والفداء من اجل السلام والعدالة الاجتماعية.

 لقد صُلب الحلاج بأمر من وزير المقتدر علي بن عيسى القنائي وبتحريض وشاة، والجميع ماتوا تاريخيا أما الحلاج فهو الممتد في الذاكرة الانسانية باعتماده رمزا لحرية التعبير ودعامة حق مدافعة عن فقراء الناس ويافطة جمعت وراءها مساحات اجتماعية واسعة مثلت الخطر ازاء السلطة وهم في الامس : نقابات الصناع الصغيرة التي هاجمت المحتكرين ودهمت المخازن وفتحت السجون في بغداد سنة 306 هجرية 919 ميلادية. انهم احباء الحلاج الذين ننتظرهم – حاضرا ومستقبلا - ومرة اخرى في تحشدهم ضد اختلال الموازين وضد ظاهرة الثراء على حساب ظاهرة العوز. ونحن بحاجة الى رجال اشداء من امثال احمد بن سهل بن عطاء الصوفي صديق الحلاج وتلميذه من الذين رفضوا ان يشهدوا بأن الحلاج قد ادعى الالوهية فقتلوه هو الآخر.

 المجد للمتحلجين المتقرمطين المجد لإبن عطاء الصوفي ولحركة الملايين من ابناء الفقراء والكادحين والكسبة والعمال والفلاحين والمظلومات والمظلومين وكل نساء الأرض في دفاعهن عن حق التساوي. المجد لشعراء وعشاق يصعدون الى الحتف من اجل عناق الصدق وتحقيق الحلم البرئ لكرامة الانسان وحفظ نوعه.

*******

 

* توق أخير: العبرة ليس بالوعي الثقافي الحلاجي بل بربطه بمتراس قرمطي بطولي محارب للفساد والتناقض الطبقي.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com