مقالات

متى يستعيد أطفال العراق طفولتهم

من وحي اتفاقية حقوق الطفل

سناء صالح / هولندا

في هذه الأيام تشهد هولندا احتفالات تقليدية لها جذر ديني، وهي قدوم ( السنت كلاس ) مع مرافقه الأسود ( بيت ) من بلاد بعيدة قاطعا الجبال والوديان على حصانه الأبيض ليحط في هولندا محملا بالهدايا للأطفال الحالمين السعداء. المحلات تعج بكل أنواع الهدايا والحلويات، أكياس من الخيش بسكويت خاص بالمناسبة يدور بها رجال ونساء في محطات القطار أو مراكز التسوق مصبوغي الوجوه بملابس ملونة وبيريات عليها ريشة طائر مصبوغة, كل المؤسسات والمنظمات والمدارس وعلى مختلف المستويات وحتى الأحزاب تهتم بهذا الحدث, وكأنه من أهم الأحداث أما الطفل فيضع جزرة في حذائه مخبئا إياه في المدخنة حيث سيكون حصان السنت كلاس الأبيض جائعا وبديلا عن الجزرة التي وضعها الطفل، ستكون هدية يستقبلها الأطفال بفرح غامر مصدقا أنها من هذا القديس الذي يقطع المسافات الطويلة من أجل عيون الأطفال. وكالعادة تنقلني هذه الأجواء البهيجة الى جو من المقارنة بأطفال العراق الذين عاشوا ظروفا قاسية جردتهم من طفولتهم وأضفت على كاهلهم وعلى أعوادهم الغضة أثقالا، محت براءتهم، وقضت على مرحلة كاملة من مراحل حياتهم (الطفولة ) وجففت خيالاتهم، وقلصت مفرداتهم فاقتصرت على كلمات الحرب والقتل والسلاح، يحضرني خبر نقلته إحدى قريباتي عن حفيدتها التي لم تبلغ العامين من أن الطفلة حينما تسمع صوت انفجار تصفق يدا بيد كالكبار مرددة تفجير، وأتذكر أيضا حينما زرت كربلاء وقتها كان هجوم القوات المتعددة الجنسية على جماعة الصرخي, كان أزيز الطائرات القريبة من السطوح وأصوات مختلف الأسلحة يرج منزلنا، ما أثار عجبي أنني كنت الخائفة الوحيدة، خرج الناس كبارا وصغارا من البيوت الى الشارع ليروا ما يحدث كان ابن أخي الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره يحدد لي نوع السلاح المستخدم، فأية طفولة يعيشها أطفال رضعوا الحرب والموت والدمار، ترى هل يصدق أطفال العراق كما صدق أقرانهم في هولندا حكاية القديس العجوز وخادمه والجزرة والحصان.

الكثير منا يعتبر أن من المفاخر هو النضوج المبكر للطفل وتخطي مرحلة طفولته تحت وطأة الظروف الاستثنائية الصعبة من قبيل ( مفتح باللبن ) متجاهلين أن حرق مرحلة الطفولة سيولد خللا سيظل الطفل يعاني منه مدى الحياة فالطفولة المريحة تخلق شخصا متوازنا سويا وكل الصفات والمهارات والعواطف تتكون في هذه المرحلة.

إن الحكاية الهولندية لها جذر ديني استخدمها الهولنديون لترسيخ مفاهيم الخير والحب في نفوس الأطفال، وجعلوها مناسبة للفرح وعيدا ولدينا من تلك الحكايات في وطننا الكثير فالعراق ثري متنوع بأديانه وأعراقه فلماذا لانختار إحدى هذه الحكايات التي يعج بها تاريخنا نعطيها دما ولحما وننفخ الروح فيها، ونجعلها أساسا لعودة الطفولة البريئة الى أطفال استبيحت طفولتهم، أن نخلق لهم يوما واحدا للفرح.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com