مقالات

تنمية المجتمع المدني العراقي.. أهم ضرورات المرحلة القادمة من البناء الديمقراطي

" تعتبر منظمات المجتمع المدني مدارس أولية لتعليم الديمقراطية وممارستها ضمن أدوارها في تنمية الوعي السياسي والاجتماعي الذي يساهم في خلق وعي جمعي بين المجتمع، حيث ينطلق المجتمع المدني في فعل إرادي تطوعي منظم، يقبل التنوع والاختلاف وعدم السعي للوصول إلى السلطة"

الدكتور عدنان بهية / مركز البحوث والدراسات / معهد أكد الثقافي

 

مع انهيار نظم الحكم الشمولية في أواخر الثمانينات وتزايد الاتجاه نحو الديمقراطية، برزت الدعوة إلى المجتمع المدني كمصطلح جديد لم يكن متداولا من قبل، وكان له كثير من المؤيدين ينطلقون من مبدأ إن التطور الديمقراطي للمجتمعات وتحديثها يتطلب قيام تنظيمات غير حكومية تمارس نشاطا يكمل دور الدولة، ويساعد على إشاعة قيم المبادرة والجماعية والاعتماد على النفس، مما يهيئ فرصا أفضل لتتجاوز مرحلة الاعتماد على الدولة، وتصفية أوضاع اجتماعية بالية موروثة من العصور الوسطى.

نشأ مفهوم المجتمع المدني لأول مرة في الفكر اليوناني الإغريقي، حيث أشار إليه أرسطو باعتباره مجموعة سياسية تخضع للقانون، فالدولة في التفكير السياسي الأوروبي القديم يقصد بها مجتمعاً مدنياً يمثل تجمعا سياسيا أعضاؤه من المواطنين الذين يعترفون بقوانين الدولة.تطور المفهوم في القرن الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الرأسمالي، حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدني من خلال مركزية السلطة السياسية والحركة النقابية كنسق آخر للدفاع ضد الاستبداد السياسي وضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني الذي يجب أن يدير أموره الذاتية بنفسه. في القرن العشرين ظهرت مسألة المجتمع المدني في أطار مفهوم جديد فكرته هي أن المجتمع المدني ليس ساحة للتنافس الاقتصادي بل ساحة للتنافس الأيديولوجي. قامت في مجتمعنا بعض مؤسسات المجتمع المدني مع تأسيس الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية.

يعرف المجتمع، بأنه ؛الإطار الأشمل الذي يحتوي البشر وينظم العلاقة بينهم في إطار اقتصادي واجتماعي محدد. ويمكن تقسيمه إلى الأنواع الآتية :

1- المجتمع السياسي: هو مجتمع الدولة الذي يتكون من الحكومة وأجهزتها والتنظيمات والأحزاب السياسية التي تسعى للسيطرة عليها والضغط عليها.

2- المجتمع المدني: هو الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة في معظم المجالات التربوية والاقتصادية والعائلية والصحية والثقافية والخيرية وغيره. وهو مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة،وتنشأ لتحقيق مصالح أفرادها ولتقديم خدمات للمواطنين ولممارسة أنشطة إنسانية متنوعة وتلتزم معايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السليمة للتنوع. و تتصف بكونها غير حكومية وغير أرثيه ولا تهدف إلى الربح في بنيتها وتكوينها.

والمنظمات غير الحكومية هي من ظواهر المجتمع المدني الحديث، ومن سمات هذه المنظمات إنها تهتم بقضايا محدودة ذات أثر كبير بالنسبة لعامة الناس قد يكون من الناحية الاقتصادية والسياسية وغيرها، وهي ليست أمنا للأنظمة وإنما أمن للناس وتأمين احتياجاتهم الاجتماعية في بحر هائل من الطاقات المتوفرة لدى الناس وفي شتى أنحاء العالم،عابرة للحدود السياسية، فالمنظمات غير الحكومية المتوفرة ومقدار انتشارها وحريتها الدليل الأكبر للحرية السياسية.

 

تربية المجتمع المدني

هي عملية تثقيفية توعوية تهدف إلى إكساب الأفراد ثقافة حديثة تتمحور حول طبيعة المواطنة المرتكزة على منظومة الحقوق المدنية والسياسية، تشكل البعد الرئيسي في ترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني.، وتهدف إلى رفع مستوى وعي الأفراد وإكسابهم قيماً وأفكاراً واتجاهات وقناعات قيمية وثقافية حديثة، مثل؛ العمل الجماعي والمساواة، التسامح واحترام تعدد الآراء والأفكار وتعدد الانتماء السياسي والاجتماعي، إدارة الاختلافات بطرق سلمية ونبذ ثقافة العنف والعصبية الموروثة، حق المرأة في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية،المرونة وسعة الأفق والوعي بحق المواطنة والمشاركة.

 

دور التربية المدنية في ترسيخ بناء الديمقراطية والدولة

الديمقراطية بمفهومها العام تتضمن احترام حقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني وترسيخ مقوماتها وضروراتها، مما يتطلب قوة وإرادة لتأهيلها في الفكر والثقافة والسلوك. تعتبر منظمات المجتمع المدني مدارس أولية لتعليم الديمقراطية وممارستها، حيث يشترك الفرد في عمليات انتخاب ومناقشات وحوارات وتثقيف وتدريب. فالديمقراطية هنا أصبحت واقعا يمارسه الفرد مع آخرين في مجتمعه المحلي. يتميز المجتمع المدني بكونه مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، كم يتميز بالتنظيم التلقائي وروح المبادرة والعمل التطوعي، وتزداد أهميته عند تنفيذه الأدوار الآتية؛

1- تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم.

2- مواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من فقرهم.

3- نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية واحترام المؤسسات وإعلاء شأن الوطن.

4- التأكيد على إرادة المواطنين ومشاركتهم في تحقيق التحولات الكبرى.

 

دور التربية المدنية في تجسيد ودعم قضايا المواطنة

إن تجاوز التعصب القبلي والعشائري إلى ثقافة التسامح والمواطنة، يعبر عنه بدولة المؤسسات والقانون الناطق الرسمي لمختلف التكوينات التقليدية في إطار مفهوم الوطن، وحامية الحريات والحقوق. ولما كان أهم مرتكزات الدولة الحديثة هو مفهوم المواطنة، فإن التربية المدنية من أهم آليات اكتساب الأفراد لمواطنتهم من حيث الوعي بالحقوق والواجبات وفقاً للأطر الدستورية والقانونية. إن توعية الأفراد بحقوق الإنسان كمنظومة متكاملة من الحقوق والحريات لا تقتصر على الحقوق المدنية والسياسية، بل تتضمن أيضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. تأخذ منظمات المجتمع المدني شكل نقابات وجمعيات وأندية ومراكز بحوث ووسائل إعلام ومؤسسات تعليمة وثقافية، لكل منها أدوارها في تنمية الوعي السياسي والاجتماعي الذي يساهم في خلق وعي جمعي بين المجتمع. إن المقومات التي ينطلق منها المجتمع المدني تتجسد في الفعل الإرادي التطوعي المنظم، وقبول التنوع والاختلاف وعدم السعي للوصول إلى السلطة.

 

وظائف المجتمع المدني

تتبلور خمس وظائف أساسية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أدوارها، هي:

1- وظيفة تجميع المصالح: حيث يتم بلورة مواقف جماعية من القضايا والتحديات التي تواجه أعضاءها وتمكنهم من التحرك لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم.

2- وظيفة حسم وحل الصراعات :حيث يتم حل معظم النزاعات الداخلية بوسائل ودية دون اللجوء إلى الدولة وبذلك تسهم في توفير أسس التضامن الجماعي فيما بينهم.

3- زيادة الثروة وتحسين الأوضاع : بمعنى القدرة على توفير الفرص وزيادة الدخل.

4- إفراز قيادات جديدة : بتطور المجتمع وتنظيم حركته وأنشطته ستتوفر الفرصة لخلق قيادات مؤهلة جديدة،حيث يعتبر المجتمع المدني المعين الذي لا ينضب للقيادات الجديدة ومصدر متجدد لإمداد المجتمع بمضامين تجذب المواطنين وتمكنهم من اكتشاف قدراتهم من خلال النشاط الجماعي، وتوفير سبل ممارسة القيادة وتحمل المسؤولية.

5- إشاعة ثقافة مدنية؛ ترسي في المجتمع احترام قيم النزوع للعمل الطوعي، وقبول الاختلاف والتنوع في ضوء قيم الاحترام والتسامح مع الالتزام بالمحاسبة والشفافية.

 

أسس التحولات الديمقراطية.. التســامح

تقوم التحولات الديمقراطية على أساس الثقافة الديمقراطية وقيم المجتمع المدني التي توفر قنوات واسعة من الحرية للفرد والمجتمع وبناء المؤسسات ووضع السياسات ومراقبة تنفيذها، والمساواة أمام القانون بغض النظر عن متغير الدين والقومية والجنس. إن التنوع لا يقتصر على العراق، بل يعم الكثير من الأمم، التي حافظت على وحدتها، لم تصل حالة الاحتراب الذي وصله العراق،بعدما إستوعبت التناقضات الدينية والقومية، واستجابت لطموحات الجميع بشكل متساوي. ولعل الصيغة الفضلى هي المجتمع المدني الذي يتصف بقدرته الاستيعابية واستجابته للضرورات الاجتماعية والسياسية والدينية،وحفاظه على خصوصيات المكونات العراقية، فالتسامح قيمة عليا يعتمدها المجتمع المدني للخروج من أزمات الصراع الديني والقومي، على أسس التكافؤ في الحقوق بعيدا عن الإقصاء والتهميش.

ورد في إعلان اليونسكو حول التسامح الصادر في أكتوبر 1995 بباريس أن " التسامح قيمة أخلاقية وسياسية ودينية وقانونية أساسها المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها التعددية واحترام المعتقد وحرية الرأي والعدالة،وهي تهدف إلى تحقيق السلم والأمن والتقدم الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والشعوب".

 

التعددية

تعني التعددية تعايش المعتقدات المختلفة في ظل مميزاتها وخصائصها. يعود ظهور مفهوم التعددية إلى جملة أسباب، منها اختلاف الأديان وتصور الإله ووظيفة الدين، واعتقاد أتباع كل دين بالأفضلية والاختيار الإلهي، ولا يكاد دين يخلو من ذلك، أما التعصب والتطرف فهو آت من اعتقاد الفرد والجماعة بأنها المالكة الوحيدة للحقيقة، وإلغاء ما لدى الآخرين من حقائق، وهذا يشكل خطرا كبيرا، لان الإنسان الذي يعتقد انه يمتلك الحقيقة المطلقة هو إنسان شديد الخطر، فهو يرفض الحوار ويسفه حقائق وعقائد الآخرين.إن الحق غير مختص بفئة، وهو حصيلة مشاركة الجميع الجدية في الأمور العامة وإظهار الرأي، دون للآخرين، تأخذ الدعوة للمشاركة جانبان ؛

1- الأول : إننا ندعو الآخرين للمشاركة بسبب احتياجنا لهم.

2- الثاني : الدعوة لمشاركة الآخرين من موقع الإيمان بحقهم المشروع في ذلك.

 وبذلك تأتي التعددية لإقرار ما يأتي:

1- حق الوجود: أي حق التمايزات الاجتماعية والسياسية في الوجود.

2- حق التعبير:أي حق هذه المجموعات في التعبير عن مصالحها والدفاع عن نفسها.

3- حق المشاركة: أي حق التمايزات الاجتماعية والسياسية بالمشاركة في إدارة الشؤون العامة وفي اتخاذ القرارات السياسية داخل المجتمع السياسي.

 

المشاركة

نجد في معظم المجتمعات بعض الجماعات المهمشة، من حيث فرصها في المشاركة، وتضم هذه الجماعات على الأغلب الفقراء والنساء والأقليات الدينية والاثنية، وسكان الريف، وهذه الجماعات هي الأقل تمكينا في المجتمعات. ويقدّر تقرير التنمية البشرية لعام 1993، أن أكثر من90% من سكان العالم يعجزون عن فرض أي تأثير حقيقي على الأداء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات التي يعيشون فيها. ولهذا السبب فإن إعطاء حق التعبير للناس عبر زيادة مستويات مشاركتهم يشكل تحديا رئيسيا يواجه عملية التنمية.

تعتبرالمساواة أهم عامل لتحسين الوضع الإنساني، وتسعى المنظمات لإقامة هياكل تنظيمية تقوم على المشاركة. فالمجتمع المدني هو جزء أساسي من المجتمع يربط الأفراد بالمجال العام والدولة، ومنظمات المجتمع المدني تعمل على توجيه مشاركة الناس في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وتجعلهم أكثر قوة في التأثير على السياسات العامة، والوصول إلى الموارد. يؤيد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اللامركزية الإدارية، لمساعدة الحكومة المركزية في المستوى الوطني وفي الأقاليم والمدن والبلديات والمناطق الريفية، حيث يمكّن الناس من المشاركة في عمليات الإدارة بشكل مباشر، ويساعد في عملية صنع القرار، ويشجع التواصل بين المسؤولين والمنظمات المدنية على تبادل المعلومات وصياغة برامج تنمية مبنية وفق الحاجات والأولويات المحلية.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org