مقالات

رِحلة ٌ كندية ٌ برَقم IAD – TA3-06158

 

هاجر قاسم محمد / كربلاء المقدسة - العراق

من الصعبِ جدّا أن أنقلَ هنا الصورَة الحقيقية َ للأيّام الصعبةِ والقاسية التي عشناها أنا وأخوتي في حقبة لا تغادرها الذاكرة، وتعجَزُ عن وَصفِها. تلك الأيام التي كان فيها عناصرُ عصاباتِ النظام البائد تحاسبُنا نحن الأطفال بالأستفسار عن أبي باعتبار أننا ورقة ضغط ٍعليهِ ابتغاءَ عودتهِ الى العراق ومن َثمَّ مُحاسَبَته. والحقبة ِالأخرى هي العَوزُ والفاقة خَلّفتها أسبابٌ عديدة مرّت على الوطن والشعبِ العراقي. وحتى ما بعد سقوط النظام المُستبد كنا وما زلنا نعيشُ مخاطرَ الأعمال الوحشيةِ التي يقوم بها الأرهابُ القادم علينا من الخارج، أو الأرهابُ الذي خلفهُ العهدُ البائد. المخاطرُ تكررت وباتت مشكلتنُا كيف نحفظ أنفسَنا من كل ما يُحيط بنا، وكنتُ أرى الأحداث المأساوية بعَين ٍ واحدةٍ والعين ِ الأخرى على وزارة الهجرة الكندية طيلة العشرة أعوام تلك، عسى أن يَردَنا الفرجُ غدا أو بعد غَد. هكذا نعيشُ أيامَنا والى اليوم. نعم عشرة ُ أعوام مَضت على مَلفِنا المرقم IAD File No – TA3-06158 ولم يتحرك فيه ساكن بل تغيّرت صورة ُ العالم وتغيّرت معالمُه. ففي يوم 15 june 2007 كانت قد جَرَت آخرُ مُرافعةٍ في محكمة دائرة الهجرة لمدينة تورونتو وقد هاتفني أبي وطلب مني الأستعدادَ للردَّ على أسئلة السيد قاضي المحكمة الذي سيتصل بي بواسطة الهاتف أثناء المُرافعة. رَحّبتُ بالرأي وبقيتُ أنتظرُ في ذلك اليوم لأكثر من سبعةِ ساعاتٍ على الهاتِف. بعدها أعادَ الأتصالَ عندَ خروجهِ من قاعة المحكمة في فترات الأستراحة وَطمأنَني برغبة السيد القاضي لتحقيق هذا الأتصال. ثم بقيتُ أنتظرُ والوقتُ حانَ ما بعدَ مُنتصَفِ الليل بتوقيت العراق. لما انتهت الجلسة كرَّرَ أبي الأتصالَ بي وتحدثتُ أيضا مع السيدة المحامية وأخبراني أن الوقت غيرُ كافٍ للتحدث معي، لذا قرّرَ السيد القاضي أن يكون الأتصال بعد يومين، أي في 17 june. ليسَ عنديَ حَلّ سوى الأمتثال لأمر القاضي عسى أن ينظر الينا بعين الرعاية والحرص. على الموعد انتظرتُ ساعاتٍ دون جدوى ليخبرني أبي فيما بعد أن موعدَ المرافعة القادمة سيكون يوم 25 jan 2008. عسى أن لا يعرف السيد القاضي والسيد ممثل وزير الهجرة الذي حضر الجلسة ما حلَّ بي من عِلل نفسية وصِحيّة بسبب إجراءاتِهم تلك. لكن السيد ممثل وزير الهجرة حرّضَ خلال مشاركتهِ في المُرافعة الأخيرة على تقسيم ملفنا الى ملفاتٍ حسب الأسماء على أن تكون مستقلة عن بعضِها البعض. كذلك السيد القاضي طرح على أبي أسئلة عرفتها فيما بعد ليس لها صِلة بواقع مَلفنا ولا تمُت الى مبادىء حقوق الأنسان بشيىء، أو حقِنا في اختيار الحياة. أسئلة خطيرة لها عَلاقة بواقعِنا العراقي المَرير المستورَد من الخارج والذي دمّرَ بلدَنا وفرّق شعبَنا، وجعلَ دمَ الأنسان العراقي رخيصا على مبدأ (هذا سني وذاكَ شيعي). سؤالان مُحيَّران للسيد القاضي الذي تمنينا منه المبادرة بسرعة مساعدتنا للحاق بأبي الذي لم أرَهُ على الأطلاق، ولم أرَ أخوتي الكنديين الذين وُلدوا في كندا ويعيشون فيها وهم: (أرجوان، مكارم، وجُمانة). أول السؤالين هو: هل أنت سني أم شيعي، والآخر: هل عائلتك مُحافظة؟ (أي متدينه أم لا). هذان السؤالان اللذان طرحَهُما السيد القاضي (نأمل حضوره هوَ في المرافعة القادمة) لا يمنحان ملفنا القوّة بل يُعقِدانَه، ونحسب لهما حساباتٍ أخرى تتعلق بتفاصيل حياة أبي وهو يعيش في كندا. رسالتي هذه وبالتأكيد أزعَجَت المعنيين لتصبح بمثابة القِشة التي قطعَت ظهورَنا، أو بمثابة النار المُشتعِلة في أوراق ملفنا لِتحَولهُ الى رَماد. قد ينزعجون منّا عندما نطلق كلماتٍ قليلة هادفة كوننا ضحايا ممارسات خاطئة أثقل من جبال الأرض وضعوها على رؤوسِنا وما زالنا مُعَذبّين ما بين برائتِنا نحن وبين خفايا الأهداف. فبخُلق ِأهل العراق وأنا إبنتهُم، أقول لهم أيها السادة المعنيون، الظاهر منكم والمخفي أن للحِكمة العربية الهادفِة عملا مؤثرا في السلوك الأنساني. فعندما يعترض إنسانٌ على عمل الأنسان الآخر بسبب القبح، أو الأنانية، أو تعطيل حياة الآخر يردُّ ذلك الأنسان الضحيّة بالقول الحكيم، (ما هكذا تورَدُ الأبل). وأنا أكررها عليكم سادتي.... (ما هكذا تورَدُ الأبل).

لِذا أقولُ كلمتي المتواضِعة اليكم، أن الذي جرى علينا بسبب تخرّصاتٍ ليس لها علاقة بمدأ حق الأنسان في العَيش طيلة الأعوام العشرة المنصرمة من مِحَن ٍ وويلات لو جرى على غيرِنا لتعطلت فيهم الحياة، أنتم أدرى بواقع الحال والى الله ترجعُ الأمور. نأمل أن ترَونَ أمرَنا بقلوبٍ رحومة خصوصا أنكم تعرفون محنة الشعب العراقي بتفاصيلها. ونأملُ منكم أن نرى أبي وأخوتي الكنديين في أقرب وقت، وهو ممكن ٌ في حالة صفاء القلوب والعقول. كفانا تعب، ألا يكفيكمُ ما جَرى علينا وعلى أبي فوقَ أرضِكم؟

من مدينة كربلاء المُقدسة، وبروح السَماحة والمَحبَّة أنقل اليكم بمناسبة أعيادِ الميلاد وعيدِ رأس السنة، أنا هاجر، وأخوتي: منتظر، وارث، زيد، نور الهدى كلَّ احترامي، والى كندا وشعبها أحلى الأماني بالتقدم الدائم والحياة الكريمة. كلّ عام أنتم وكندا بألف خير.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org