مقالات

الغباوة!

د. مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

الغباوة أو الغباء  stupidity  من غبي stupid أي قليل الفطنة, وغبيت عن الخبر إذا جهلته, ونقول غبيَ الشيء وغبيَ عنه غباَ وغباوة: لم يفطن له. وغباوة هي مصدر غبي. فنقول فلان ذو غباوة أي تخفي عليه الأمور. وتغابى عنه أي تغافل. وفيه غبوَة وغباوة أي غفلة. والغبي على وزن فعيل : الغافل القليل الفطنة. "إلا الشياطين وأغبياء بني آدم", الأغبياء جمع غبي.

والغباوة تعني فقدان الذكاء الاعتيادي, أو الخبل واللامنطق, وترتبط بها كلمات مثل بلا عقل وإحساس, سذاجة, جهل, ضحالة, تسطح, سخف, وعمى وغير مترابط أو متلازم وضيق الأفق وطفولي وغيرها من الكلمات الدالة على ضعف البصيرة وخمول العقل.

وهناك مقاييس للغباء مثلما هي مقاييس الذكاء ولهذه الاختبارات معاييرها.

والغباء هو نقصان الذكاء والجهل وعدم الثقافة ويرتبط بالفرد وأفعاله وكلماته ومعتقداته, وهو لا يعني التخلف العقلي. بل الجهل المتعمد والإهمال وعدم الاكتراث وضعف الحكمة والتقدير وعدم وعي ما يجري من حوله. ونحن قد نفترض الغباوة ونبحث عنها ونمعن في التغابي الذي يدفع إلى الويلات, والأفعال الغبية الصادرة من مدعين الثقافة والذكاء تكون مدمرة ومرعبة النتائج. ولا يوجد من هو ذكي لدرجة يكون فيها قادرا على وعي غبائه فالغباء قد يكون عنصرا فعالا في بناء الحضارة البشرية, كما أن تدمير الذات والموضوع سلوك متغابي أو ممعن في الغباء.

والغباء أيضا هو القدرة على العمل والفعل ضد لا شيء وهذا اللاشيء هو الذات أو النفس التي يراد تحطيمها والوطن الذي يمكن تدميره. والحكومات التي تسلك سلوكا غبيا تدمر ذاتها وموضوعها وهو الوطن. والأبله هو الغبي الذي يتصرف وكأن لديه خبرة في الحياة.

والغباوة تتناسب عكسيا مع التقدم فكلما تقدمت المجتمعات قلت نسبة الغباوة فيها وكلما تأخرت ازدادت نسبة الغباوة فيها وبهذا تكون المجتمعات المتأخرة هدفا سهلا للمجتمعات المتقدمة, لتفاوت نسبة الغباوة ما بين الحالتين.

وفي عالمنا المعقد قد تكون ذكيا, لكنك تصبح غبيا عندما يتم تسخير ذكائك بأسلوب أذكى منك, لكي تنتمي إلى عالم الأغبياء وتسلك سلوكا يؤدي إلى نتائج غبية وخاسرة . والغباوة رغبة دفينة مسعورة تسعى إلى تدمير الذات والموضوع, وهذه الرغبة تستحوذ على مدارك العقل وتوظفه لتوفير المسوغات اللازمة لتحقيق فعل الدمار الشامل. ولا تعني قلة الذكاء بل ضعف مهارات التفاعل مع الدوافع الذاتية والمؤثرات المحيطة, والغبي من امتلك أدوات وآليات التفاعل الخاسر والمدمر مع الظروف المستجدة في داخله ومن حوله. والغباوة لا ترتبط بالثقافة ومقاييس الذكاء لأن غباء الأذكياء يكون ذات نتائج وخيمة ومروعة وتداعيات هائلة وذلك لأن الذكي يسخر كل قدرات عقله للقيام بالفعل الغبي الذي سيكون متميزا في درجة غبائه وشدة تأثيره على الذات والمحيط.

وقد ساهم سلوك الأذكياء الغبي في إذاقة الشعوب والمجتمعات الويلات القاسيات وأدى إلى متوليات هندسية من الخراب والدمار النفسي والاجتماعي والحضاري. ويبدو أن في أعماق الأذكياء دائما ينمو مارد الغباء الذي يتم كتم أنفاسه لفترة ما, لكنه عندما يخرج من قمقمه فأنه يجتاح مصير الأذكياء ويفجر أركان وجودهم ويتسبب لهم بمصير لا يخطر على بالهم وما تحسبوا له أو تخيلوه. وشواهد التاريخ والأحداث كثيرة في ماضيه وحاضره المعاصر.

ومن أخطر ما يصيب الشعوب أن تتوهم قياداتها بالذكاء وينفلت عقالها وتمتطي صهوة طيشها وغرورها وتكون في منأى عن أي رادع ومساءلة, لأن في ذلك يكمن توفير الشروط الملائمة لنهوض مارد الغباء من الأعماق وتمكنه من العقل والتفكير. وبسبب ذلك أدركت الشعوب المتقدمة أهمية أن لا تكون القوة بكف فرد واحد وإنما عليها أن تتوزع وتتوازن وتتفاعل وتتعرض للمحاسبة والمساءلة المتواصلة, وأن تكون الخطوات مشبعة بالتفكير وتحت وابل من الرؤى والتصورات والخيالات لكي تكون قد نضجت في حاضنة الإمعان والتفكير والتأمل قبل أن تتقدم للسعي على قدميها فوق التراب. أما الشعوب التي تسلم أمرها لشخص أو بضعة أشخاص, انفلتوا بالسلطة فأن مصيرها سيكون في أسوأ ما يكون عليه مصير في عصرها.

والشعوب الحية تحاول أن توفر كل قدرات الوقاية من سقطات الأغبياء لكي توفر على أوطانها أثمانها الغالية وخسائرها الهائلة التي لا يمكن أن يصلحها الأذكياء بسهولة لأن الغباء إذا تحقق فعله السياسي والعسكري يكون كالنار التي تلتهم الغابات في يوم جاف وشديد الحرارة والرياح.

وفي عالم اليوم لا يمكن لأي فرد مهما ادعى أن يكون ذكيا وسط هذا الكم المتدفق من المعلومات المتراكمة بسرعة فائقة, فقد يكون في حسابات اليوم ذكيا وفي حسابات الغد القريب غبيا, ولهذا فأن الاقتراب الذكي من الموضوعات أصبح جماعيا أو بواسطة عقول متفاعلة وضليعة تتناول الموضوع وتستطلع أركانه وما يحيط به وينتج عنه,. ومن غير الاقتراب الجماعي الفعال والواعي, تكون الشعوب النائمة تحت أقدام الكراسي والصور والأفراد من أسهل الضحايا وأشد غباءا من غيرها لأنها ستوفر جميع مسوغات إتلافها وتحويلها إلى سلعة تباع في أسواق الضلالة والمذلة والبهتان.

والوقاية من الغباء تتحقق بواسطة " وأمرهم شورى بينهم" فهي دعوة للقبض على عنق الغباء والتخلص من مساوئه وضلالاته وطاقاته التي تدفع نحو الضياع والشرور والخسران المهين.  وهي الوصفة التي تقضي على الغباء الكامن في أعماق البشر والذي يسعى بهم إلى أن يكونوا لقمة لذيذة وطازجة لفم التراب الذي لا يشبع. ونهج الديمقراطية هو أيضا  نهج لمغالبة الغباء الذي لا يفتأ يحارب نهج الأذكياء وقد ينتصر عليهم .

فهل سنتشاور ونتحاور وننمي ذكاءنا أم نتناحر ونتقاتل ونزيد غباءنا؟!

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org