مقالات

ليست مجرد قصة

عقيلة آل حريز

 يبدأ موسم عاشوراء فترفع الشعارات موشاة بسواد الحزن، وتبدأ التلاوات وتعلن النداءات بأصوات ولهجات مختلفة، وكلها تدور في ذات الاتجاه  البكاء والحزن على حدث وجداني وإنساني بالغ التأثير ... محافل كثيرة تنعقد من أجله دورياً كل عام رغم تغيرات الطقس وشدة البرد، إنها لا تخشاه، فالقلوب المحبة تنبعث في أجسادها فجأة دفئ وحرارة لا تكاد تنطفئ .. هذا أمر وجداني يكيفها مع ما يحصل حولها ..

 الحديث الدائر عن قصة حدثت فعلاً .. قصة نعدها ملحمة تاريخية لها خصوصية دينية وعقائدية، أجواء وطقوس من حرارتها ينطفئ البرد وتندحر وحشة الوقت وتسكن النفوس وتدين بمزيد من الحب ومزيد من الولاء واللهفة لسماعها، سماع مختلف يُعيش صاحبها في أجواء الحدث .. إنها قصة أليمة .. قصة تمتلئ بخصوصية المشاعر وخصوصية المعاني والعمق .. وتنقش الشجاعة في فصول تختتم بالشهادة .. بين أسطرها تروى مواقف وبطولات يتزعمها كبار القادة فيغذونها بدمائهم، ليكونوا مدادا حي يوصلها للأجيال المتعاقبة ..

 حين نتمعن في الحدث والأحداث من حوله نرى أن هناك لفتة معينة .. إشارة ما تضيء وتنطفئ لأنها ترشدنا ليس لصاحب القضية وحدها فهو رغم سموه ومنزلته ومكانته التي تحتفظ القلوب بمنزلتها، فإنها رغم كل هذا تعطي إشارة أكبر تحتوي القضية التي كرس لها حياته ..

 إنها القيمة التي تربى عليها وصيرته وصنعته ليكتبها بقصة ليست مجرد قصة تاريخية أو دينية خالدة تنقشها طقوس دينية ارتبطت بالشعبية وحدها .. فهل تستوعب محافلنا معنى هذه القيمة، هل ندرك كيف ومتى تكونت، هل نتتبع نشأتها لنغير من طباع وسلوكيات كثيرة كنا نتبناها سواء عن عمد أو غير عمد، هل ينادي المنادي بها حين نتحلق حوله نبكي ونتباكى لنجدد بداخلنا قيم الولاء والحب بمودة أهل البيت عليهم السلام، هل ندرك كيف نتعلمها ونعلم أبناءنا إياها .. ليتنا نفعل لنستغني عن غزو القيم لعالمنا الجاف الذي كاد يخلو من القيمة وإن تشبث برمزها .

فلم يستشهد صاحب الشهادة من أجل أن نبكي عليه ونتباكى في محراب ملحمته، ولا أن تتباين وجهات النظر في ما يجوز أن نصنعه وما نختلف في أمره فيصبح قضية نلهث وراءها في الوقت الذي نردع القضايا الحقيقية من أن تأخذ مكانتها عندنا . أو لنقول أنه بطل فحسب فالبطولة بطولة بإقدام صاحبها ولا تنتظر شهادتنا، لقد أقدم صاحب القصة - و لنكون أصدق في تعبيراتنا أكثر علينا أن نقول - صاحب القضية الإمام الحسين (ع) على الشهادة من أجل أن يعلمنا درس القيم كيف يمكن أن تقرأ الرمز كقضايا حقيقية وليست مجرد قصص وجدانية عاطفية نجتمع حولها منفعلين حين تسرد علينا ملحمتها، لأن الشعوب لا تحيا بسرد القصص ولا تنهض بها فحسب،  وإن كانت القصص هي من تؤرخ لثقافتها وتنسج حضارتها، فهل يدرك من يتصدى لتلاوة قصته كيف يفكك معنا معنى القيم ويوضح لنا هويتها ويساعدنا على أن نفهم فلسفتها لنطبقها في حياتنا، فقصة الحسين ليست مجرد قصة مشاعر محمومة وعواطف تستقبل الدمع فحسب، لكنها قصة إنسانية خالدة تعكس في كل جوانبها مرحلة مهمة يمكننا الرجوع لها حين نتعثر في الوصول لحلول واضحة.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com