مقالات

قضية المرأة / قضية الإنسان (6)

محمد الحنفي

اهتمام المراة بوضعيتها:

ومساهمة المرأة ضرورية في مختلف مكونات المجتمع ناتجة عن ارتباط وضعيتها بالوضعية العامة للمجتمع الذي تنتمي إليه. والذي قد يكون محكوما بنظام اجتماعي،محكوم بإيديولوجية إقطاعية تحط من قيمة الإنسان غير الإقطاعي، وتتعامل مع المرأة على أنها دون مستوى الرجل، وتعرضها لكافة أشكال الإهانة الصادرة عن النظام الإقطاعي والتي تنتقل الى ممارسة الذكور الذين يمارس عليهم الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي. فيتحولون بسبب ذلك الى مجرد اقنان او مايشبه الاقنان. او بإيديولوجية البورجوازية التي تحول المرأة – كما تفعل مع الرجل – الى مجرد سلعة – مما يكرس النظرة الدونية لها من قبل العمال وسائر الكادحين الذين يمارس عليهم الاستغلال والذي يبيعون قوة عملهم كما تبيع المرأة جسدها. او بإيديولوجية البورجوازية التابعة التي تؤلف بين إيديولوجية الإقطاع وإيديولوجية البورجوازية فتجمع بسبب ذلك بين اعتبار المرأة دون الرجل، فتمارس تبعا لذلك السيطرة عليها. وإخضاعها لارادته وبين السماح لها تبضيع نفسها باعتبار ذلك التبضيع من قيم الحداثة الاجتماعية. او بإيديولوجية الطبقة العاملة التي تتعامل مع المرأة كانسان، وهي تبعا لذلك مساوية للرجل في الحقوق والواجبات مع مراعاة خصوصيتها كامرأة، وهذه الأيديولوجية تستحضر كرامة المرأة كما تستحضر كرامة الرجل. ويتم العمل على محاربة كل أشكال التخلف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصيب جميع أفراد المجتمع على السواء وخاصة النساء من اجل الانتقال بأفراد المجتمع رجالا ونساء الى مستوى احسن. او بإيديولوجية البورجوازية الصغرى الملفقة التي تجمع بين الإيديولوجيات المختلفة لاستنبات إيديولوجية لا اصل لها ولا فصل نظرا لافتقاد الأساس المادي لوجودها فتستند الى الإيديولوجيات القائمة، وكنتيجة لذلك فوضعية المرأة تتأرجح في نظر البورجوازية الصغرى بين الرؤيا الإقطاعية، والرؤيا البورجوازية العمالية ليختلط كل ذلك في رؤيا البورجوازية الصغرى.

ولذلك فوضعية المرأة هي جزء من وضعية المجتمع المحكوم بنظام معين، قد يكون بورجوازيا او إقطاعيا او عماليا, او بورجوازيا صغيرا. تعاني فيه المرأة نفس معاناة الرجل وتزيد عليه بدونيتها حتى وان كانت منتمية الى الطبقة السائدة.

 والعمل على تحسين أوضاع المرأة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمدنية، والسياسية هو جزء من العمل على تحسين أوضاع المجتمع ككل. لان المرأة جزء من المجتمع. ولان العلاقة القائمة بين المرأة والمجتمع هي علاقة جدلية.

 واذا بقي المجتمع محافظا على شروط تردي أوضاع المرأة فان ذلك التردي ينتشر في نسيج المجتمع نظرا للتأثير المتبادل بينهما.

واهتمام المرأة بوضعيتها العامة والخاصة لا يمكن ان ينفصل عن الاهتمام بالمجتمع ككل، لان ذلك الاهتمام يؤدي الى حركة نضالية على صعيد المجتمع ككل، وما ينتزع من مكاسب لصالح المرأة يستفيد منه المجتمع.

 وتتجلى وضعية المرأة المتردية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. فمعاناتها متعددة الأوجه، وهي تشارك الرجل في تلك المعاناة وتتقاسم معه الهموم التي تزيد عليها هموم دونيتها في:

1) المجال الاقتصادي: الذي يعكس اكثر الوضعية المتردية للمرأة فهي تابعة للرجل ورهينة إرادته حتى وان كان لها دخل قار او كانت لها ممتلكات. والغريب في الأمر ان دخلها لا ينجيها من الاستغلال بقدر ما يجعلها ضحية السماسرة والانتهازيين. وهي لا تقوى على درء الضرر الذي يلحقها، لانها ستكون بدون شك عرضة لتشويه سمعتها والحط من قيمتها، وتكريس دونيتها. وما سوى ذلك فهي:

أ- ربة بيت تنتظر زوجها ورأفته ورحمته مقابل المتعة والتعب الذي تقضي فيه سحابة وقتها دون اعتباره عملا مؤدى عنه، وحتى إذا ما طرح عمل ربة البيت للمناقشة تصدى لاعتبار عملا دهاقنة المتنبئن الجدد من خلال تعبئتهم للعناصر الرجعية في المجتمع لمقاومة ذلك.

ب- المعطلة عن العمل التي تنتظر من العادات والتقاليد والأعراف إنقاذها من الصراع، و اذا لم يكن، فان مصيرها التشرد، وما ذلك إلا لغياب الحماية الاجتماعية بسبب انعدام الدخل الاقتصادي الذي يتوفر عن طريقه قيام المرأة بحماية نفسها من الأخطار التي تهدد حياتها التي من بينها سقوطها في تبضيع نفسها.

ج- وعاملة تتحمل مسؤولية إعالة نفسها وأسرتها مما قد يعرض دخلها الى النزيف، وكأنها غير عاملة بسبب كثرة التزامها تجاه أبنائها وأبويها،وأفراد عائلتها. وهي لا تقوى على ذلك بالإضافة الى تعرضها للابتزاز من قبل أبيها او زوجها.

د –زوجة للبورجوازي او الإقطاعي او البورجوازي الصغير التي عليها ان تتحول الى تحفة يضعها بين يديه في البيت او الى دمية يعرضها أمام أعين الناس في الحفلات والمناسبات المختلفة وكأنه ااقتناها من السوق لهذه الغاية.

و- والمرأة في كل الأحوال لا تملك من أمر أنفسها الا ان تكون رهن إشارة الرجل سواء كانت ذات دخل اقتصادي محدد ام محرومة من ذلك الدخل، أي إنها مجرد كائن لا قيمة له. لانه لا يمكن ان يرقي الى مستوى الرجل الذي هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة على المرأة في مجال الاقتصاد.

 و لتخليص المرأة من الوضعية الاقتصادية المتردية نقترح:

أ- العمل على إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق اكسابها المؤهلات الضرورية لتمكينها من عمل معين او ممارسة مهنة حرة او اعتبار عملها في البيت عملا مؤدى عنه من قبل الجهة المشغلة، وفرض مقاسمة زوجها الممتلكات التي تكونت عند انتهاء فترة الزواج.

ب -المساواة بين الرجال والنساء في الأجور، والقضاء النهائي على التفاوت الحاصل في هذا المجال تكريسا للمساواة بين الجنسين.

ج- تشجيع النساء على ممارسة المهن الحرة، وممارسة التجارة والحرف المختلفة حتىلا تبقى رهينة البيت تنتظر صدقة زوجها او أخيها او أبيها.

د- محاربة العطالة في صفوف المجتمع ككل وفي صفوف النساء بصفة خاصة لتخليص المرأة من البؤس الذي تعيشه, والذي ينعكس سلبا على مجموع أفراد المجتمع.

ه- النضال من اجل إقرار التعويض عن العطلة الذي لازالت معظم الأنظمة التابعة لا تقول به وهو تعويض عن إهدار الكرامة الذي يتعرض له الإنسان بسبب فقدان إمكانية حصوله على العمل.

 وبذلك يتم التخفيف من هول مأساة المجتمع ككل وبؤس النساء بصفة خاصة، وصولا الى مجتمع تتوفر فيه عوامل الرخاء والازدهار الموحية بتمتيع الناس جميعا بحقوقهم الاقتصادية التي تمكنهم من حفظ كرامتهم.

2) الاهتمام بالمجال الاجتماعي: وهو اهتمام يحضر في ممارسة المرأة اليومية بحكم العلاقات الاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. التي تنسجها المرأة في المجتمع، وبحكم العادات والتقاليد والأعراف التي تكون في الواقع الاجتماعي.

 والمراد بالوضعية الاجتماعية على المستوى العام هو ما يكون عليه المجتمع من تقدم او تخلف، او بين بين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،وما يصيب تلك المجالات من تطور او جمود مما ينعكس إيجابا او سلبا على حياة الناس في الأحوال العادية.

اما الوضعية الاجتماعية للمرأة فترتبط جدليا بوضعية المجتمع، إلا ان خصوصية معاناتها تقتضي تميز وضعيتها حسب مساواتها للرجل، او غياب تلك المساواة وحسب درجة الدونية الممارسة عليها، وحسب تمتعها بحقوقها المختلفة او حرمانها، وتتجلى هذه الوضعية بوضوح في:

الوضعية التعليمية التي تتميز بتدني مستوى تعليم المرأة فيما يخص نسبة التمدرس التي تختلف من المدينة الى البادية، ومن الدول المتقدمة الى الدول المتخلفة الى الدول ذات الأنظمة التابعة، وهو ما يكرس دونية المرأة في تبعيتها للرجل على المستوى المعرفي. فالرجل يعرف كل شيء، والمرأة لا تعرف أي شيء في معظم الأحيان بسبب انعدام الفرصة أمامها. في الوقت الذي تتاح فيه تلك الفرصة أمام الرجل الى أقصى حد ممكن.

 وتبعا لتفشي الأمية في صفوف النساء وتدني مستوى المتعلمات منهن، نجد ان الوضعية الصحية للمرأة تزداد تدنيا إلى أقصى الحدود حتى لا تقوى على تحمل أعباء الحياة لضعف بنيتها الصحية، فكان ذلك الضعف وجد ليكون ملازما لها حتى تتكرس قوامة الرجل عليها.

ج) وتأسيسا على وضعية المرأة التعليمية والصحية يأتي دور العادات والتقاليد والأعراف التي تتدخل لترسيخ دونية المرأة في مختلف المسلكيات التي تستهدفها في الوقت

الذي تتدخل فيه تلك العادات والتقاليد والأعراف لتكريس ثقافة قوامة الرجل على المراة التي يقال عنها أنها عورة. وإنها خلقت من ضلع اعوج. وإنها يجب ان تخضع لأوامر الرجل و رهن إشارته سواء كان أبا اواخا او زوجا او ابنا نظرا لقصورها النظري والفكري.

 د) وبما ان المرأة ضعيفة لا تقوى بسبب ذلك على اكتساب المؤهلات التي تمكنها من إيجاد عمل قار في المجتمع يمكنها من إزاحة الدونية التي أصابتها، ولذلك فتشغيل المرأة يعتبر أيضا ضعيفا لا يشكل الا نسبة ضئيلة لا تتناسب مع عدد النساء، وكثير من الأعمال التي تمارسها لا تحسب لها بقدر ما تحسب عليها، ولا يتم الاعتراف الاجتماعي بها مع أنها أعمال تنموية غير مأجورة مثل قيامها بالأعمال المنزلية ومساهمتها في اقتصاد الأسرة والقيام بأعمال الزراعة والرعي في البادية... الخ. وهو ظلم يستفيد منه الرجل. والأنظمة القائمة في تكريس تدني وضعية المرأة.

وبسبب إدخال المرأة في مجال الاستغلال الإيديولوجي تتدخل الأحزاب والنقابات والجمعيات المختصة في المطالبة برفع الحيف عن المرأة. والعمل على تشغيلها في مختلف القطاعات حتى تصبح المرأة مساوية للرجل، على جميع الأصعدة،وهو استغلال سرعان ما ينكشف عندما يتحمل مدعوه المسؤوليات الحكومية فيلجاون الى تكريس دونية المرأة.

 والإطارات الوحيدة التي تسعى الى رفع الحيف عن المرأة وبصدق. هي الجمعيات الحقوقية التي تعمل على إشاعة حقوق الإنسان بصفة عامة وإشاعة حقوق المرأة بصفة خاصة انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ومن ميثاق إلغاء كافة أشكال الميز ضد المرأة. وبالتالي فان الجمعيات الحقوقية تناضل من اجل رفع الحيف عن المرأة وتمتيعها بكل الحقوق التي تستحقها في المجتمع الذي تنتسب إليه.

 وسبل تجاوز الوضعية الاجتماعية للمرأة تكمن في:

أ‌- تمتيع المرأة بالتعليم الى ابعد الحدود.

ب‌- العمل على تشغيلها حتى لا تبقى عاطلة.

ج‌- تمتيعها بكافة الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية.

د‌-تجريم ممارسة الدونية على المرأة.

 ودور المرأة في تجاوز هذه الوضعية يبقى واردا نظرا لازدياد وعيها بحقوقها المختلفة، ومواكبتها للتطور الذي تصل إليه المرأة في العديد من مناطق العالم. وانخراطها في التنظيمات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، وهو ما يجعل دورها يزداد يوما بعد يوم في كل الدول ذات الأنظمة التابعة التي لم تعد بعيدة عن معرفة ما يجري في الدول الرأسمالية المتقدمة. وكل ذلك يجعل المرأة تتحرك بكثافة للوصول الى فرض مكاسب لصالحها.

 3) الاهتمام بالمجال الثقافي: ولا يتوقف اهتمام المرأة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي فقط، بل يمتد الى المجال الثقافي باعتبار الثقافة وسيلة أساسية للاندماج في المسار العام للمجتمع.

 والثقافة هي ممارسة يومية للفرد والجماعة تعكس الانتماء الى لغة معينة وشعب معين، وذات أهداف معينة من اجل تحقيق وحدة روحية ووجدانية، وفكرية وعملية لشعب من الشعوب.

 وتتجسد الثقافة بالخصوص في العادات والتقاليد والأعراف التي يمارسها الناس دون وعي محدد ومقصود بممارستها.

 والثقافة التي توحد السلوك الفردي والجماعي للأفراد والجماعات في إطار نظام معين تتحدد في إطار القيم الثقافية الموجهة لذلك السلوك.

 وتتغذى ثقافة المجتمع بواسطة أدوات معينة، منها التعليم، والإعلام، والإبداع الأدبي والفني والمسرحي. مما يجعلها تتحول باستمرار تبعا للتحول الذي تعرفه تلك الأدوات التي تتعاطى جدلا مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمدني والسياسي.

 والثقافة تنقسم الى ثقافة التأبيد التي تكرس التصور السائد والرسمي لما يجب ان يكون عليه المجتمع لتابيد سيطرة طبقة من الطبقات وثقافات التجديد التي تسعى الى تغيير الواقع الثقافي بما يخدم الرغبة في تغيير السيطرة الطبقية، وهو ما يصطلح على تسميته بالثقافة المضادة.

وللوصول الى تكريس ثقافة التغيير يحتاج المجتمع الى نخبة طليعية من المثقفين لتكريس الثقافة الجادة الحاملة للوعي الحقيقي من اجل نقض الوعي الزائف الناتج عن ثقافة التكريس وتأبيد السيطرة الطبقية. ولا تكرس ثقافة التغيير الجادة الا بأدوات جادة هادفة توظف لغاية تحقيق مستوى من الوعي يعيد صياغة السلوك الفردي والجماعي بما يتماشى مع الرغبة في التغيير.

وتهدف الثقافة الجادة الى:

أ -إثارة وعي الناس بزيف ثقافة التأبيد التي تعمل على سلب الإرادة، وتحويل الناس الى مجرد أدوات لتنفيذ السياسات الرسمية في إطار الخضوع المطلق للطبقات المسيطرة على الواقع وعلى المجتمع من اجل تسخيرهن لخدمة مصلحتها الطبقية.

 ب – وتستهدف ثقافة التغيير مجموع العادات والتقاليد والأعراف التي تعتبر قناة أساسية لتمرير ثقافة التأبيد التي ترسوا على عقول الناس ووجدانهم، مما يعتبر وسيلة لانتاج سلوك الخضوع المطلق للطبقة المستفيدة من ثقافة الوعي الزائف. لذلك نجد ان ممارسة ثقافة التغيير وبأدوات جادة تسعى الى جعل العادات والتقاليد والأعراف حاملة لقيم نشر الوعي الحقيقي في صفوف الناس، مما يؤدي الى تغيير في السلوك الذي يتحول في اتجاه صقل الممارسة التي تستحضر إرادة الناس وتنبذ الاستلاب الذي اصبح يعرقل عملية التحول والتطور.

 ج- وبإعادة صياغة العادات والتقاليد والأعراف يشرع الناس في تكريس الثقافة المضادة، و يدخلون مباشرة في ممارسة الصراع الثقافي الذي ينخرط فيه الافراد والجماعات بسبب تجدر الوعي الحقيقي في صفوفهم مما يجعلهم ينخرطون في عملية المقاومة التي تعتبر مدخلا لنقض الثقافة السائدة والسالبة لارادة الناس.

 وعملية النقض ليست عملية بسيطة بقدر ما هي عملية معقدة تحتاج الى مجهود متعدد المشارب و الأهداف لذلك لا بد من توظيف كل الإمكانيات الثقافية والأدوات المختلفة التي تتجه نحو تأييد الممارسة الثقافية الهادفة الى تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي.

 د- وللوصول الى ذلك لا بد من إتاحة الفرصة للمبدعين من اجل إثراء الثقافة المضادة بواسطة مختلف مكونات الإبداع. والإبداع لا ينشط، و لا يصل الى درجة الإثراء إلا في مناخ ديموقراطي متحرر من جميع القيود التي تكبت كل الإمكانيات والقدرات من اجل مساهمة فعالة للمبدعين في مجال الشعر والقصة والموسيقى والمسرح والسينما والنحت والرقص وكل الأشكال الفنية الهادفة الى إيجاد وعي متجدر في المواطنين، وفي صفوف أصحاب المصلحة في التغيير الذين يعتبرون ضحايا الوعي الزائف.

 وبتحقيق هذه الأهداف مجتمعة تكون الثقافة قد شرعت في لعب دورها الذي يؤدي بها الى المساهمة في عملية التغيير.

 وكما يساهم الرجل في إثراء ثقافة التغيير نجد ان المرأة تلعب دورها كذلك في هذا الاتجاه. لان علاقة المرأة بالثقافة هي علاقة بالعادات والتقاليد والاعراف التي تجرها الى الثبات من جهة، وهي علاقة بكل ما يساعدها على تغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية من جهة اخرى. فهي اكبر مستهلك للثقافة السائدة بسبب استغلالها لوسائل التثقيف الرسمية، ونظرا لحالة الجمود التي يعاني منها المجتمع المكرس لدونية المرأة نجد ان احتكاكها بالوسائل التثقيفية المناهضة للوعي الزائف يكاد يكون منعدما،لذلك فهي لا تتشبع بالثقافة النقيضة،و لا تعمل على مناهضة الثقافة السائدة، بقدر ما تكرسها كشيء مسلم به ويرجع تكريس الوضعية الثقافية المتردية في صفوف النساء الى:

 أ- تخلف المرأة على المستوى الثقافي, فهي غاليا ما تبقى رهينة البيت، و أسيرة العادات والتقاليد و الأعراف المطبوعة بالجمود في غالب الأحيان، ولتبعيتها للرجل على المستوى الاقتصادي، ولدونيتها التي تفرض عليها الالتزام بعدم القيام بأية مبادرة لا ترضى المجتمع المتخلف بصفة عامة، ولا ترضى الرجل بصفة خاصة بما فيها المبادرة الثقافية التي تكاد تكون منعدمة في صفوف النساء.

 ب- وقوعها ضحية للثقافة السائدة المتعددة القنوات. فالتعليم يمرر الى الوجدان البشري رؤى و تصورات منحطة عن المرأة. والإعلام الرسمي يسعى الى تشويه صورتها, والوجدان يحتقرها، والموروث الثقافي يرسم صورة مشوهة عن ماضيها، فهي المخطئة دائما، وهي المنحطة،وهي المرشحة للقيام بكل الممارسة الخبيثة. والهدف الأساسي من وراء ذلك هو تكريس دونية المرأة التي تسهل عملية استغلالها اكثر.

 ج – ولتجاوز تكريس الدونية، نرى ضرورة الاهتمام بتثقيف المرأة عن طريق إشاعة الحرية في المجتمع والتي تمكنها من التعاطي مع الأدوات الثقافية الجادة. وإشاعة الحرية في صفوف النساء لا يتم الا عن طريق العمل على تحررها من التبعية الاقتصادية للرجل، وتمكينها من الوعي الحقيقي، والنضال من اجل دعم إعلام جاد ومسؤول، وتمكين المرأة من الحقوق الثقافية الخاصة بها.

د- تتبع جوانب القصور في الثقافة المتعلقة بالمرأة عن طريق إخضاع مختلف القيم الثقافية السائدة في المجتمع، وفي الإطارات الحزبية والنقابية والجمعوية للمناقشة والتحليل من اجل الكشف عن جوانب تكريس دونية المرأة فيها. والعمل على تطويرها او تغييرها حتى تتحول الى عامل من عوامل مناهضة تكريس دونية المرأة، وتسييد وإنتاج القيم المكرسة لمساواتها للرجل. ومحاربة كل أشكال الاستلاب التي تعاني منها، وإتاحة الفرصة أمامها لتحويل المجتمع الى تكريس الممارسة الديموقراطية على جميع المستويات وخاصة المستوى الثقافي.

ه- العمل على جعل الثقافة وسيلة لإكساب المرأة وعيا محددا. والثقافة لا تؤدي ذلك الدور إلا إذا كانت حاملة لذلك الوعي. والوعي المقصود هنا ليس إلا وعيا اقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا و سياسيا. أي وعيا طبقيا، والوعي الطبقي هو كل وعي نقيض للوعي الزائف الذي تعمل الطبقة الحاكمة على فرضه على المجتمع بكل الوسائل الممكنة، انه الوعي الإيديولوجي الواهم الذي يغرق الناس في متاهات الوهم المغرقة في التضليل الذي يغيب الجماهير بصفة عامة و المرأة بصفة خاصة عن الواقع. والثقافة المستنيرة تمهد الطريق لاكتشاف الوعي الزائف، والعمل على أزاحته ليحل محله الوعي الحقيقي الذي يجعل المرأة تتمثل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وتعمل على اكتسابها على ارض الواقع، وتسعى الى فرض حقوق الإنسان على مستوى المجتمع ككل.

 ونظرا لما للمرأة من أهمية في المجتمع، فان المنتظر منها ان تلعب دورا في إثراء الثقافة الجادة. هذا الإثراء الذي يجب ان يبتدئ بالانسلاخ من هيمنة الثقافة السائدة التي يجب العمل على تفكيكها ونقضها ثم العمل على نفيها، ثم بعد ذلك تطرح ثقافة المساءلة التي تسعى الى البحث عن إجابات بديلة لإشكاليات الواقع الاجتماعي و إشكاليات واقع المرأة.

 والمرأة كمثقفة وكمروجة للثقافة المستنيرة لا يمكن ان تكون مصلحتها في إعادة إنتاج الثقافة السائدة باعتبارها ثقافة تبضيع المرأة وتضبيعها، بقدر ما تكون تلك المصلحة في إنتاج ثقافة نقيضة تعمل على تحريض الناس بصفة عامة، والمرأة بصفة خاصة حتى يلعب الجميع دوره في مناهضة ثقافة التبضيع و التضبيع. لتحل محلها الثقافة الجادة التي تستحضر إنسانية الرجل والمرأة معا، وثقافة المساواة في الحقوق والواجبات، ثقافة التعاون والتعاضد بين الكادحين والكادحات في جميع مجالات الحياة. ثقافة الأمل والإبداع الثقافي المختلفة التي يروج لها بكل الوسائل الممكنة.

4) الاهتمام بالمجال السياسي: الذي يجب ان يحضر في وجدان المرأة باعتباره أداة للممارسة الهادفة الى طرح القضايا الكبرى التي تهم المجتمع ككل، وخاصة قضية الديموقراطية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. بالإضافة الى المفهموم السياسي، ومعلوم ان مجموع أفراد المجتمع ومهما كان مستواهم الاقتصادي، او الاجتماعي او الثقافي. يستحضرون في ممارساتهم اليومية ممارسة سياسية معينة تحدد مدى مستوى الوعي السياسي لأي فرد من أفراد المجتمع، وما مدى نجاعة ممارسته السياسية سواء كان هذا الفرد رجلا او امرأة.

 والسياسة تعني نوعا من ممارسة المواقف المختلفة والمتناقضة أحيانا تجاه قضية معينة او مجموعة من القضايا المحلية، والقومية والعالمية، والمواقف السياسية الممارسة لا بد ان تكون منجسمة مع واقع التنظيمات التي تعلن عنها انطلاقا من إيديولوجية معينة حتى تجسد أفكار الطبقة التي تنتمي الى تلك التنظيمات.

 وعلاقة السياسة بالحزب هي علاقة الكل بالجزء، لان مفهوم الممارسة يشمل كل المواقف السائدة عن مختلف الأحزاب والشخصيات والدولة. ومفهوم الحزب تعبير عن تنظيم يمارس رؤيا سياسية معينة لطبقة اجتماعية معينة تنتظم في ذلك الحزب. هذا من جهة ومن جهة اخرى، فالعلاقة بين السياسة والحزب هي علاقة جدلية نظرا للتفاعل الحاصل بين مختلف المواقف الصادرة عن مختلف الجهات، والتي تتفاعل فيما بينها سلبا او إيجابا لتنتج مواقف متطورة،او متراجعة عما كانت عليه حسب ما تقتضيه المصلحة الطبقية.

 أما علاقتها بالتنظيمات الجماهيرية فتاتي من خلال:

أ- الدعم المتبادل بين العمل الحزبي, والعمل الجماهيري نظرا لوجود نقاط مشتركة بين الأحزاب والمنظمات الجماهيرية من جهة، ولحاجة المنظمات الجماهيرية الى الدعم الحزبي من جهة اخرى.

ب- توجيه عمل مناضلي الأحزاب في مختلف المنظمات الجماهيرية التي تتبع كل مراحل عملها.

د- وقد تنتفي هذه العلاقة بصفة نهائية، وبين بعض المنظمات الجماهيرية وباقي الأحزاب السياسية فتعمد المنظمات الجماهيرية على دعم الدولة.

وبصفة عامة فالعمل الجماهيري يصرف من خلال المنظمات الجماهيرية من منظورات سياسية رسمية,او نقيضة لها وقد تهدف المنظمات الجماهيرية الى تحقيق مطالب ذات بعد سياسي معين، و هو ما يجعل العلاقة بين السياسة والمنظمات الجماهيرية الى تحقيق مطالب ذات بعد سياسي معين، وهو ما يجعل العلاقة بين السياسة والمنظمات الجماهيرية علاقة جدلية يحضر فيها التأثير المتبادل بشكل واضح.

 وتتفاعل السياسة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي انطلاقا من:

أ‌- التفاعل مع المنظمات الجماهيرية النقابية والجمعوية كما أشرنا الى ذلك.

ب‌- العمل على تصريف برامج الأحزاب السياسية المرحلية والاستراتيجية التي قد تكون متقاربة او متناقضة أحيانا كثيرة.

ج- خلال برامج الدولة التي تساهم المؤسسات الرسمية في صياغتها.

د- خلال عمل المنظمات الجماهيرية الذي يتخد أبعادا سياسية معينة.

والواقع بكل تجلياته يكون هو الهدف بالمواقف والقرارات السياسية الرسمية والمعارضة، و بالتالي فان تفاعلات الواقع في مختلف التجليات تكون ذات أبعاد سياسية معينة.

 والمرأة كفرد من المجتمع تجد نفسها معنية بالممارسة السياسية العامة، والممارسة السياسية في المنظمات الجماهيرية المختلفة، كما هي معنية بالتفاعلات السياسية التي تستهدف الواقع الاقتصادي الاجتماعي والثقافي ولذلك نجد ان من حقها:

أ- الانتظام في الحزب السياسي الذي ينسجم مع قناعاتها الإيديولوجي و والعمل على تحقيق برامج ذلك الحزب المرحلية والاستراتيجية. فقناعتها البورجوازية تقودها الى الانتظام في الحزب البورجوازي، وقناعاتها الاشتراكية العلمية تدفع بها الى الانتظام في الحزب العمالي، وهكذا.

ب- وفي انتظامها في حزب معين تسعى الى امتلاك تصور سياسي معين عن واقع المرأة ينسجم مع القناعة الإيديولوجية التي تحصل عندها. وهذا ما يمكن ان نفسر به لماذا تنساق النساء وراء التصور الإقطاعي او البورجوازي او البورجوازي الصغير. فالمرأة بتبعيتها الإيديولوجية للرجل تمارس الاستبعاد على نفسها، وبقناعتها الإيديولوجية المتناقضة مع مصلحتها تمارس الاستعباد على جميع نساء المجتمع. و هي لا تتحرر إلا بالانعتاق من الأسر الإيديولوجي الواهم. وذلك لا يكون إلا بالاقتناع بالإيديولوجية العلمية التي تعمل على التحرر من ذلك الأسر لاتخاذ موقف سياسي منسجم مع طموحات المرأة الهادفة الى إزاحة دونيتها، والتمتع بالحقوق المختلفة على أساس المساواة بينها وبين الرجل.

 وبانعتاق المرأة الإيديولوجي تسعى الى التأثير في المواقف السياسية الصادرة عن الأحزاب والمنظمات الجماهيرية.وعلى الممارسة السياسية العامة، فتتغير البرامج الحزبية والنقابية، وبرامج الدولة بما ينسجم مع رغبة المرأة في تغيير واقعها الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي،ويكرس مساواة المرأة للرجل ويلغي دونيتها.

 وتبرز مساهمة المرأة في تطوير السياسة بشكل واضح في تطوير برامج الأحزاب السياسية فيما يخص حقوق الإنسان بصفة عامة، وقضية المرأة، وخصوصية حقوقها ودونيتها ومساواتها للرجل بصفة خاصة، والمرأة بذلك تعمل على تغيير ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية الكادحة التي تشكل المرأة قطاعا عريضا منها.

 

 والمرأة بتلك المساهمة في تطوير العمل السياسي تقدم اكبر دعم لسياسة التغيير من اجل:

أ- وضع دستور يقر المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، ويتلاءم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ويقر ديموقراطية حقيقية من الشعب الذي تتشكل غالبيته من الكادحين الذين يتكون معظمهم من النساء.

ب- انتخاب المؤسسات الجماعية والتشريعية انتخابا حرا و نزيها تلعب فيه المرأة دورا بارزا قي الترشيح والتصويت من اجل ان تكون تلك المؤسسات في خدمة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعمل على ملاءمة التشريعات المحلية والوطنية مع حقوق الإنسان، وإزالة كل العوائق التي تحول دون الإقرار بمساواة المرأة والرجل.

د- ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل على مناهضة الميز ضد المرأة الذي لا زال يمارس في مجموعة من المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية. ذلك الميز الذي يعتبر عرقلة في تطور وتطوير النظر الى المرأة واكبر وسيلة لتكريس دونيتها.

ه- والى جانب مناهضة الميز لا بد من مناهضة مختلف الخروقات التي تستهدف حقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق المرأة بصفة خاصة ومقاضاة القائمين بها، مهما كان مستواهم من اجل إعطاء الاعتبار لكرامة الإنسان المكرسة لكرامة المرأة كانسان.

و- وجعل السياسية في خدمة حقوق الإنسان، على ان تكون معبرة عن اردة الشعب من خلال برنامج سياسي نال مقدموه أغلبية في المؤسسات المنتخبة انتخابا حرا ونزيها، حتى يتأكد الجميع من مصداقية ذلك البرنامج عن طريق إجرائه.

 ولان السياسة الحقيقية التي تفرض التعامل العام مع الواقع، ونبذ الإيديولوجية الواهمة واستحضار مصلحة الشعب في التقرير والتنفيذ، ومراعاة إزالة كل ما يؤدي الى تكريس دونية المرأة وإهانتها في الحياة العاملة والخاصة.

5) المرأة و حقوق الإنسان: لان المرأة وبسبب ارتباطها بالعمل الجماهيري. فإنها تجد نفسها اكثر ارتباطا بالعمل الحقوقي للاعتبارات الآتية:

أ- لضخامة الخروقات التي تمارس في حقها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية والسياسية، سواء تعلق الأمر بالأسرة او بالمجتمع او بمؤسسات الدولة او بالقوانين.

ب- لان الحركة الحقوقية تتميز بطرح وضعية المرأة على المستوى الحقوقي، وتفضح الخروقات التي تمارس عليها وتحقق مكاسب لصالحها وتتعرض للهجومات المختلفة بسبب ذلك.

ج-لان أمل النساء رهين بما تقوم به الحركة الحقوقية مستقبلا لوضع حد للحيف الذي يمارس عليهن.

د-لان معظم الهيئات التي تنشئها النساء تهتم بالملفات الحقوقية للمرأة والطفل، وبالخروقات التي ترتكب في حقها.

 ولذلك نجد ان اهتمام المرأة بحقوق الإنسان ناتج عن الدور الرائد للحركة الحقوقية، فيما يخص إشاعة حقوق الإنسان في المجتمع نظرا لقيامها أولا بالتعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و المدنية والسياسية. وبالمواثيق الدولية المتعلقة بها، والتي تعتبر مرجعيتها الأساسية. وتنظيم ندوات، ودورات وعروض لهذه الغاية في جميع أنحاء العالم، وتعمل على جعل الأنظمة تقوم بتدريس حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية حتى ينشا المجتمع على احترام حقوق الإنسان، وتسعى الى إيجاد نظام تربوي يفرض التربية على حقوق الإنسان في النسيج الاجتماعي.

 وافضل ما يمكن ان يكرس التربية على حقوق الإنسان هو النضال الحقوقي الذي يتخذ عدة مستويات:

أ- بناء المنظمات، و إعداد الكوادر العاملة في مجال حقوق الإنسان حتى تنجز المهام المنوطة بها.

ب - تنفيذ برامج المنظمات الحقوقية على ارض الواقع لجعل المجتمع ينخرط في الحركة الحقوقية لانتزاع المزيد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.

ج - تنظيم حملات إعلامية تستغل فيها الوسائل السمعية البصرية، والمقروءة، وعن طريق العروض، والندوات والمهرجانات لجعل حقوق الإنسان في متناول الجميع، ولجعل المتضررين يعون حقوقهم، وينخرطون في الحركة الحقوقية.

 وبذلك تتحول التربية على حقوق الإنسان من مهمة تقوم الجمعيات الحقوقية بها، الى مهمة تقوم بها الدولة، ومن خلال مؤسساتها التربوية، الى مهمة يقوم بها المجتمع ككل. وبذلك تحقق الغاية من وجود الحركة الحقوقية، ويتحول الناس جميعا الى حريصين على تلك التربية، ومناضلين من اجل حماية مكتسباتهم في هذا المجال.

والنضال الحقوقي كالنضال النقابي والنضال الجمعوي يمارس في الواقع انطلاقا من تصور سياسي معين له علاقة ببرنامج حزبي معين يعمل على إشاعة حقوق الإنسان إطلاقا من مرجعية معينة.

ولذلك فالعلاقة بين النضال الحقوقي والنضال السياسي هي علاقة الخاص بالعام من جهة، وعلاقة تأثير وتأثر من جهة اخرى، والهدف هو اعتبار النضال الحقوقي نضالا سياسيا في نفس الوقت يمارس من وجهة نظر سياسية، ولكنه في نفس الوقت يؤدي الى تطور الموقف السياسي فيما يخص قضية حقوق الإنسان وجميع القضايا التي لها علاقة بها، كقضية المرأة والطفل.

 وكما قلنا عن مساهمة المرأة في النضال السياسي والنضال النقابي والنضال الجمعوي / الثقافي والتربوي فان المرأة تساهم في النضال الحقوقي من بابه الواسع، لانسجامه مع الرغبة في تغيير وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وتتجلى مساهمتها بشكل واضح في:

أ- الانخراط في المنظمات الحقوقية، و تفعيل لجانها المختلفة وخاصة لجن المرآة التي تختص في دراسة وضعية المرأة من كل الجوانب. وتعمل على رصد الخروقات المختلفة،وتضع برامج العمل من اجل رفع الحيف الذي يلحق المرأة على جميع المستويات وتوصي المنظمات بالعمل على تنفيذ ذلك البرنامج.

ب- والى جانب ذلك العمل تعمل المرأة على تأسيس جمعيات خاصة بحقوق المرأة التي تنكب على دراسة وضعية المرأة الحقوقية ورصد الخروقات الممارسة في حقها وتنظيم حملات للتوعية في صفوفها وتعتبر هذه الجمعيات اكبر دعم للجمعيات الحقوقية لأنها تتكلف بتنظيم النساء. ومعالجة الخروقات في صفوفها وتعبئتها لانتزاع حقوقها.

ج- والمرأة عندما تنتظم في الجمعيات الحقوقية العامة والخاصة. فلأنها تعمل على انتزاع حقوقها في العمل وفي ممارسة المهن الحرة، وكل أشكال العمل التي تؤدي الى تحرر المرأة على المستوى الاقتصادي ووضع حد لتبعيتها للرجل.

د- والى جانب ذلك تسعى الى فرض التمتع بحقوقها الاجتماعية، فتفرض تعليمها ومحاربة الأمية في صفوفها وتمتيعها بالتغطية الصحية، وتوفير مؤسسات تقديم الخدمات للتخفيف من العب ء الذي تتحمله المرأة على المستوى الاجتماعي.

ه- وحتى يرتفع مستوى وعيها تسعى الى التمتع بجميع الحقوق الثقافية عن طريق إتاحة الفرصة لها من اجل الانخراط في المؤسسات والتنظيمات الثقافية،والاستفادة من كل أشكال التثقيف المختلفة، ودعم جميع المساهمات التي تصدر عن المرأة،والعمل على نشرها في صفوف النساء بالخصوص.

و- والمرأة لا تزول دونيتها إلا بفرض مساواتها للرجل على المستوى القانوني، لذلك فهي تسعى الى فرض ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية وإلغاء كل أشكال الميز ضد المرأة وتجريم من يمارسه على ارض الواقع.

ز- والمرأة لا تفرض هذه المساواة إلا بانخراطها في التنظيمات السياسية السلمية، إلا بتفويض هياكل الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي، لأنها بذلك الانخراط تفرض وصول هذه الأحزاب الى مراكز القرار لتحقيق المطالب السياسية الخاصة بالمرأة.

 وهكذا نجد أنفسنا أمام دور رائد للمرأة، يمكن ان تجسده على ارض الواقع إذا هي امتلكت وعيها الجنسي الذي يمكن اعتباره جزءا أساسيا من الوعي الطبقي الذي يؤهلها للعب دور كبير في مختلف النضالات المطلبية التي تخوضها المرأة، ويخوضها المحرومون في نفس الوقت.

 وهذا الدور الرائد لا يتجلى إلا في:

أ- مناهضة أشكال الوعي الزائف التي تمارس يوميا وفي مختلف المناسبات، والتي تستهدف بالدرجة الأولى تكريس دونية المرأة. والعمل على إشاعة الوعي الحقيقي يعطي للمرأة حقها في احتلال مكانة الإنسان في المجتمع.

ب- الحرص على ضمان ملاءمة القوانين، وخاصة قوانين الأحوال الشخصية المجحفة مع المواثيق الدولية، وخاصة ميثاق إلغاء كل أشكال الميز ضد المرأة.

ج-تنظيم حملات إعلامية مساندة للمرأة في مناهضتها للخروقات الممارسة عليها، والعمل على اعتبار مرتكبي انتهاكات حقوق المرأة مجرمين ضد الإنسانية، سواء كانوا أفرادا او تنظيمات، او دولا, واعتبار قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في معظم الدول التابعة وثائق الإثبات لارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ويبقى السؤال الذي يقودنا إلى القول بان النضال الحقوقي يلعب دورا كبيرا في رفع الحيف عن النساء سواء كان اقتصاديا او اجتماعيا او ثقافيا، وما على التنظيمات الحقوقية إلا ان تطور آليات العمل وان تسعى الى إقامة جمعيات حقوقية من اجل الدفاع عن حقوق المرأة، وان تعمل على تفعيلها، وحشد التأييد الشعبي حولها، وان تنظم حملات إعلامية واسعة للتعريف بها في صفوف الشعب الكادح الذي يعاني من كل أشكال التضليل التي تستهدف تركيعه أمام أعتاب الاستغلال التي تلغي حقوقه.

وهكذا نجد ان اهتمام المرأة بمختلف جوانب وضعيتها على بينة من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية مما برفع وعيها ويحفزها على الانخراط في النضالات المطلبية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية عن طريق الانخراط في النقابات والجمعيات الثقافية/ التربوية والجمعيات الحقوقية، والأحزاب السياسية المناضلة، والمساهمة في صياغة برامج مختلف التنظيمات والعمل على تنفيذ تلك البرامج.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org