مقالات

مسرحية اللعبة

(مهداة الى المرأة العراقية في عيدها العالمي)

 

تاليف: عماد خليل بله (عماد الحاج كاظم)

المكان: غرفة ذات طراز شرقي مؤثثة باثاث بسيط

تدخل امراة في الاربعين من العمر بهدوء وهي تتفحص المكان، وتستنشق الهواء يملء رئتيها وهي تقوم بنزع ربطة الراس التي على راسها. تفحص السرير

مراة الزينة، تنظفها من الغبار تقف برهة من الزمن وهي تفكر / يقطعها صوت من الاسفل هيا لنذهب/ تذهب الى الباب ثم تعود الى مراة الزينة وهي تقول:

انتظري جدتي/(مع نفسها) امنحيني فسحة من الزمن لاستنشق زهور السنين.

(تذهب الى السرير تمدد عليه، تتقلب فيه وهي تضحك فرحة.

تنهض بسرعة وكانها تعرضت لصدمة) كيف نسيت صندوق اللعب.

تجلس على ركبتها وتتضرع الى الله" الهي ساطلب شيئا قد يبدو غريبا وغير انساني لكن لا حيلة لاستنشاق زهوري الا بتحقيق امنيتي. الهي كم من الاماني تمنيتها ولم تحقق ساعدني في هذه الامنية فقط. قال لي ابي ان الله يستجيب لدعوة المظلوم، الهي اجعل جدتي تنساني ولو لنصف ساعة.( مع نفسها)

اريد العالم ان ينساني، بفقدانهم الذاكرة، اعيش هذه الفسحة الزمنية الصغيرة التي طلبتها منك يا الله يا الله (وهي ساجدة).

(تسمع، لا تسمع صوت) تفتح الباب ثم تعود لاقفا له.

و(تدور في الغرفة تخاطب الغرفة): هل نسيتني احلامي التي شهدت ولادتها جدرانك العتيقة. اتدرين كنت اراك ترقصين فرحا بي وانا اكاد احلق من الفرح (تصمت فجاة) الجدران، الصورة، الخزانة، كل شيء كما هو فقط الغبار سرق منه بريق الحياة، اسمعي يا غرفة احلامي سنعيش فرحة الحلم من جديد ما رايكم بهذه اللعبة الشيقة؟

سنعود بعقارب الزمن عشرين سنة. (وهي تدور في الغرفة قلقة    سريعة  وهي تقول: من اين نبدا؟ من اين؟ (تلمح فكرة في ذهنها)

(وهي تصوب نظرها الى الخزانة). سنبدا من هنا

"تفتح الخزانة" تستخرج لعبتين (فتاة وصبي)

تنفض الغبار من لعبتها وهي تقبلها وتخاطبها): الم تشتاقي لذكريات لعبة الصبا، الحلم المقهور، المختبيء تحت جدران الحديد وكان الحديد ارق من الانسان (تخاطب اللعبة):

تذكرين عندما كنا نتسلل الى هذه الغرفة عندما تغفو امي في ظهيرة تموز اللاهبة ( وهي تمشط شعرها): هل تذكرين عندما كنت اقف امام المراة حتى اسمع المراة تقول لي كما انا محظوظة لان احتضن جمالك الخرافي انك تملكين سحرا لا يقاوم .. وانا لا اجد مفراً من هذا الهاجس الا الضحك ملاذاً من غرور جمالي، هل تذكرين ظفائري الطويلة التي كانت تغطي خصري كم كنت جميلة كانت سبباً لغيرة البنات وملاحقة الصبية لي.

(تمرر المراة يدها على شعرها الذي جعله مقص الموضة اقصر من شعر الصبيان) "بحسره" لم يبقى لي غير التحسر على.. (تنتبه) (تخاطب اللعبة) سنعود الى تلك الايام.

هل تذكرين عندما كنت الوذ بك حتى اصعد الى هذه الغرفة والعب لعبتي المفضلة.. كم كنت احلم بان تكون هذه الغرفة غرفة العمر.. (تذهب  الى السرير تتفحص الفراش ثم تجلس على طرفه، تخاطب اللعبة) اجلسي تحسسي نعومته احلمي وهو يغطيك (تمتد المراة على السرير، تسحب الغطاء تتقلب تقربه ، تبعده، (تضحك): سارتدي الحلم (تسحب كيس من تحت السرير تخرج منه فستان ابيض، تمدده على السرير ترقص وسط الغرفة مع اللعبة تخاطب اللعبة تحركي، قولي شيئاً، شاركيني الحلم ، ارقصي (ترميها)، (لكن اللعبة جامدة، المراة تهز اللعبة).

وهي تقول اصرخي، اخرجي ما بداخلك، والا ياتي عليك زمان... حتى الحلم يصبح ممنوع.. تصبحين كاللصوص تتسلين الى الحلم وانت خائفة... وكانك ترتكبين ابشع الجرائم... انت انت..(الى الاثاث) اريد احد ان يشاركني (تترك اللعبة) تاخذ البدلة ترقص معها ثم ترميها تقف فجاة)،بصوت خافت مختنق بالبكاء): يا لها من حياة؟ كم هي ثمينة هذه الساعة (تساءل) استطيع استرجاع الحلم؟ هل صحيح سافضيها في حضن طفولتي وصباي؟ ا يمكن لهذه الساعة ان ترضي شوق السنين الجدباء لاعيش الحلم بعيدا عن محبطات الواقع،(بقرار) ليكن حلمي هو السيد المطاع تعود الى الرقص ثم تتوقف امام المراة مرة اخرى).

لماذا لا ارى صورتي بوضوح؟ (تمسح المراة من الغبار) الان افضل (تقف وهي تفكر، تذهب الى السرير تاخذ اللعبة تخاطبها).

اسمعي اريدك ان تراقبيني وانا استرجع الحلم وبعدها قولي لي هل هو بنفس النشوى، ام سنين الجدب صحرته انا اعرف ان اعادة الشيء لا ياتي بنفس ما كان عليه ارجوك اعذري افكاري الغريبة،(تصرخ) هي ليست بالغريبة (بقرار)،اسمعي لن نتناقش اكثر. انا عطشى لحلم الصبا. لا اعرف ما حل بي؟ اقسمت الا ادخل هذه الدار، وبالذات هذه الغرفة ولكني على غير ما ترتبت عليه حياتي، وجدت نفسي هذا الصباح وانا منقادة الى سنين الصبا، وكاني في حلم، استيقظت وقد حملتني قدماي الى الحي ثم الزقاق والسلم فغرفة الاحلام، وكاني اتبعها دون ارادة كانما روحي وجدت الفرصة المناسبة لنخرج من سجن الجسد. اهي مشاعر واحاسيس التي قتلتها بضعفي، ام(بتردد) ارجوك ردي علي. الم تكوني رفيقة الحلم يا الهي انا مشوشة الافكار هذه اليوم، كثيرا ما لعبنا هذه اللعبة معنا، وسرح بنا الخيال حتى انسانا الواقع.

لكن هذا اليوم اريد ان اغادر كل شيء حتى ذاتي، جسدي، روحي (تخاطب اللعبة) ممكن ان تعيرني ظفائرك. لتكتمل صورتي، اعرف، لا تقولي لو اعطيتك الظفائر ماذا تفعلين باثار السنين. لا عليك، المرآة مشوشة الصورة لقد اكل منها الغبار بريقها ولم تعد لها القدرة على عكس الصورة بشكل واضح. ارجوك انا لا اريد ان اسمع أي اعتراض على ما اقوم لاني اتخمت بالاعتراضات الجوفاء التي سلبتني ما سلبت، اما اليوم لا استجيب الا الى صراخ الروح والجسد، وحلم استرجاع الحلم. (تخلع ما ترتدي)

كانت هذه الغرفة ماوى حلمنا، كنا نسرق من الزمن لحظات للاختباء فيها، قبل ان تعود امي من السوق كم حلمت ان هذه الغرفة ستكون غرفة زواجنا ، (بتذكر) كان هو اكثر مني توقاً لتحقيق الحلم.. (تضحك) كانت نتيجة الحلم اني زوجة رجل اخر (تبكي) (تشير الى اللعبة):انت تعالي، تحركي، انطقي، طبعا تسكتين انت لا تعرفين معنى الذكريات (تصرخ).

يا الهي من نفض التراب عن الماضي واشعل شمعة الذكريات اهو القدر مرة اخرى؟ (تصمت)

(بهدوي وهي تهمس) لم يكن حبه، الا برعماً طمرته السنين، ايكون حي كل هذا الوقت(تضرب على راسها): هو بنفس الحياة من جديد، ايكون لقاء عابر بعد غياب طويل وسط زحام الناس، قد ايقظ ما خبئت الروح (بحركة عصبية) لا ...لا...لا يا لها من نار متاججة حرقت الجسد بلهيبها.

(تصمت تتحرك بسرعة نحو الشباك تفتحه) سيعود متى استرجع حلمي (تلتفت، ترى الساعة امامها) يرعب الوقت يحاصرني والساعة دقاتها تسير دون رحمة لكني ساوقف الزمن عند احلامي (تذهب الى الساعة وتعطلها)

(تنصت) وهي تقول: لا اسمع شيئاً غير صمت يوحي بنهاية الحياة، ايعقل الحياة بضجيجها الموجع، ودوي حروبها لا اسمع منها غير صمتها شعور مرعب، من زمن لم تسمع غير اصواتنا؟ هي هي المشاغل ، ام الهروب؟ اين ذهب صوت النسوة المكتظ في وصف احداث السوق وطبخة اليوم. لقد كان حديث النسوة وهن يتناولنا الافكار ونقل الاخبار توجج الحياة في الزقاق كان الحياة بدونهن اصبحت بلا روح. كيف سيكون شكل حلمي والحياة الميتة تحيط به. اجمل ما به هي مباغتة الجدة،اميرة رحلت بدون وداع.

كنا نلعب مع الدجاجات حول شجرة الدفلى، كانت الدجاجات تظن اننا نلعب معهن فكنا نختبيء بين سيقانها وكم كان هذا يمنحنا فرصة الاقتراب من بعضنا اكثر وسط صياح الديك والدجاج ونحن نضحك مليء قلبينا.

والجدة تصرخ لا تفزعوا الدجاجات.. (وهي تهدد بالعصا) اذا لم تتركوا الدجاجات سيكون للعصا دور على ظهوركم... وبين صياح الجدة وصياح الديك نركض ضاحكين لنجد انفسنا في نهاية السلم ونحن ندلف الى الغرفة.

ياه... حتى الضحك لم يعد له مذاق لم يعلق في الروح من الاشياء غير مرارتها (بتساءل) يا مكان الصبا هل تحتفظ بذكرياننا البريئة ام حولتك العزلة والاوساخ وصمت الجدران، واعشاش العناكب الى ذاكرة فارغة. هل شعرت بي وانا امر بذكرياتي عليك؟

(تقف حائرة ثم تتمشى في الغرفة وهي تبتسم ابتسامة باهتة، ثم تذهب الى صندوق تستخرج منه صورة باهتة الوانها وخطوط، الاشخاص فيها تحولت الى اشباح، وهي تقول): حتى خطوط الذكرى اصبحت شاحبة لم ترى منها العين غير ما سجلته الذاكرة (بعنفوان) وان شحبت خطوطها على الورق، لكنها حفرت خطوطها في ثنايا الروح واقفلت عليها من الضياع.

(تنظر الى الصورة بتأمل): موعدها كان اول يوم عيد بعد ان اصبح تلميذا في المدرسة (تشير باصبعها الى وسط الصورة): ها هو يقف وقد مشط شعره المدهون بجانب والده تحت ظل شجرة الدفلى الممتلئة اغصانها بالعصافير (بصوت واضح):

اين انت الان، اين رمت بك الايام على شاطيء حرب ام عمل ام رحلة نضال انتهت بك الى زنزانة سجن ام نات بك بعيدا في زوايا الغربة المظلمة.

(تخاطب الصورة وهي تبكي بحرقة): اتذكر كيف كنت تقسو على عصافير شجرة الدفلى،(وكنت تقول): العصافير تثير غضبي، الوحيدة التي تملك حق الجلوس على اغصان الدفلى العالية دون منازع. كان يحلو لي وانا اكشها    واحيانا اتوسل اليها الا تعود ولتكون من نصيب مصيدتك الخبيثة، كم كانت عنيدة هذه العصافير لا تجدي معها أي نصيحة فتعود الى الاغصان وهي اكثر ثرثرة وعلو صوت. كانت تغادر محبة وارضاء ليّ، لكن عنادها يعود بها لتمكن منها مصيدتك اللعينة كم تخاصمنا بسبب ذلك وتوقفنا عن لعبة العروس والعروسة، (مع نفسها) لقد خاصمته طويلا فانا لا اريد للعصافير ان تموت اليست زقزقتها بشير خير؟ يقولون ان زقزقتها تبشر بقدوم ضيف ما اجمل البيت  حين يتزين بالضيوف. بسبب العصافير بقينا تتخاصم ونصطلح. كم كانت نشوى الصلح جميلة وهي ملفوفة بخجل اللقاء والاصابع تشتبك بحرارة تعلوها حمرة خدود وعين ضجلة تطرق بنظرها الى الارض وكاننا نخشى عتاب العيون. بسبب العصافير، تقطعها ضحكات ممتزجة فيها كل الوان المشاعر (تخاطب اللعبة): هي اسمعي هل جريت مشاعر الفراق واللقاء... (صمت).. اكيد لا. ساصفها لك هي مشاعر تختلط بين الحرقة والغيظ والامل. الامل الذي يتزاحم مع المشاعر الاخرى ليكون اللقاء ثمرة هذا التزاحم الروحي. وبين هذا الاحتراب  تضيع كل المشاعر ولا يبقى الا بريق اللقاء.

قبل خمسة عشر عام حدث الفراق كان في السنة الثانية من الكلية، وانا اكملت الثانوية، اول مرة اكره زقزقة العصافير، لانها كانت هذه المرة نذير شؤوم، اذا جلبت زقزقتها ضيوف يحملون معهم نعشي. ساعدهم في نجاح زيارتهم قانون ستر البيت. الرصاصة التي قتلت كل احلام الطفولة والمستقبل القانون الذي نقض كل اتفاقيات الامهات. فالمتقدم يمتلك شروط الحياة الجيدة. (تبكي)

انا لست في موقف المعاتب او اريد ان الوم والدي الذي خضع لشروط القسمة والنصيب وقال كلمته الفصل وكأني قطعة اثاث اضبح وضعها في هذه البيت غير ملائم فلننتقل الى بيت اخر... وهكذا. (تبكي بشدة)

انا الوم الحبيب الذي اثر الانسجاب عن المواجهة، لو كان عنده من الحب لوجد الف الف وسيلة لاقناع والدي بالعدول عن رايه. اكتفى عمله بتحية باردة متوجاً حبه لي (باستهزاء) ستبقين في القلب: كانت كالسياط تجلدني كل دقيقة لمدة خمسة عشر عاما. تحيلوا اثارها كم هي مبرحة. كم تمنيت ان بصمت لاجد الاعذار لكن تصريحه البطولي كفر بكل اشيائي الجميلة، بانسانيتي الى الصورة أي قلب كنت تحمل تحت بريق عيونك البريئة كيف احتملت ان تراني وانا اساق امامك كالشاة الى مصير لا اعرف منه غير حفنة ذهب وكومة ملابس. وسد احتياجات لا علاقة لي بها. (ترمي اللعبة بعصبية تسحب فراش الشرير وتنثره من الغرفة، تكسر ادوات المكياج) وهي في حالة غضب شديد. صمت.

(بهدوء) لما اتذكر كل هذا؟ الم اقفل عليه في خزانة النسيان؟

اتكون صورة ذلك الشاب الذي صادفته في الشارع، اثارت كل هذا ونفضت الغبار عن مشاعر خنقتها بدمعة الحرقة والغيظ؟ هل توهمت مشاعري مرة اخرى هل هي مشاعر شوق ام محاولة استرداد الكبرياء المهزوم؟

(تبحث عن اللعبة بين الاشياء التي نثرتها ، نجدها، ترفعها) ارجوك اخبرني هل انا مخطئة في طلبي الصغير هذا ؟ اريد ان اغفو بين يديه... لا تنافسيني بقانون الربح والخسارة. خضعت له ظنا من الاخرين انه الربح حولني الى كائن خاسر على الدوام. ولتكن الان الخسارة كبيرة كما تعتقدين معهم. هذه المرة ربح لي وخسارة لهم. لعلي بها ارد الصفعة لهم (فجاة) لكن ا تكون مع بطل ستبقين في قلبي (بقرار) لا ، اسمعي، قدسية مشاعري لن تكون لعبة لاحد؟ او حديث لهم  قدسية مشاعري لن تكون لعبة لاحد او حديث تلوكه الالسن. (تخاطب اللعبة)

اعذرني ساتخلص من كل شيء منك ومني ومن صندوق الذكريات وغرفة الذكريات، عود ثقاب وقليل من النفظ سيضع الامور في نصابها. (ترش النفط وتشعل النار في المكان ) وهي تضحك الحمد لله انتهى كل شيء على خير التحمت بذكرياتي الى الابد ولا يمكن لاحد ان يفصل بيني وبينها.( تلتهم النيران ثيابها وهي ترقص فرحة)

(يحترق المكان)

انتهت

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org