مقالات

ضوء على بابل عاصمة الثقافة العراقية لعام 2008

الحلة مدينة النور الذي لا ينطفئ

الدكتور عدنان بهية / مركز البحوث والدراسات / معهد أكد الثقافي

أحوال لواء الحلة في السالنامات العثمانية أواخر القرن التاسع عشر

"الحلة من إنشاءات العهد الإسلامي بطابوق البابليين، في بنائها أشرقت شمس بابل على الفرات من جديد" ديولافوا (رحالة فرنسية)

 تمثل السالنامات العثمانية مجموعة من الوثائق الرسمية كانت قد أصدرتها الحكومة العثمانية بالربع الأخير من القرن التاسع عشر للتعريف بمؤسساتها الإدارية في الولايات التابعة للسيادة العثمانية ومنها سالنامة بغداد التي توثق للولايات والمدن العراقية، فهي تضم معلومات جغرافية وتاريخية مختصرة وتوثيق لبعض الوقائع والأحداث، كذلك الإمكانات الاقتصادية والبشرية. ومعنى كلمة السالنامة، وهي عثمانية مركبُ من (سال) بمعنى سنة و(نامة) بمعنى كتاب فتصبح (الكتاب السنوي)، وهي وثائق تعد من المراجع الأساسية في التعرف على الأحوال الإدارية للمدن العراقية في العصر الحديث، فشكلت مرجعاً مهماً منذ أول دفعة لها سنة 1292 هـ / 1875م ولغاية عام 1329 هـ / 1911م حيث توقف صدورها. وفي هذا الإطار نتوجه بالشكر للباحث الدكتور علي هادي عباس المهداوي على كتابه الشيق الموسوم " الحلة في السالنامات العثمانية" المنشور سنة 2005م، والذي سنورد مقتطفات لبعض من المهم الكثير الذي ورد فيه.

 

في الشؤون الإدارية

 ورد في سالنامة بغداد لسنة 1292 هـ /1875 م،إن الرقعة الإدارية التابعة إلى لواء الحلة تشمل : قضاء الحلة،قضاء كربلاء،قضاء الهندية،قضاء السماوة،قضاء النجف، قضاء الشامية، قضاء الديوانية. وقد بلغت تقديرات سكان هذا اللواء 70000 نسمة وجدير بالذكر أن تقديرات نفوس قضاء الحلة لوحدها ومن الذكور فقط بلغ 10247، بينما كانت نفوس الديوانية من الذكور في ذلك الوقت 2919 فقط والسماوة 2392 فقط. ولقد استمرت الرقعة الإدارية لسنجق الحلة تشمل كل الأراضي الممتدة في منطقة الفرات الأوسط الحالية على ضفاف نهري الفرات وشط الحلة من منطقة المسيب وحتى السماوة جنوبا، وقد ذُكر ذلك في جميع السالنامات الصادرة منذ سنة 1875 وحتى سنة 1911، كما استمرت تقديرات نفوس قضاء الحلة بالتزايد من 10000 وحتى 70000 من ذكور المسجلين فقط بينما لم تزدد تقديرات قضائي السماوة والديوانية إلى ربع هذا العدد في أحسن الأحوال.

 

ازدهار الزراعة

 أما محصولات الأراضي الزراعية في المنطقة فكانت تشمل (الحنطة،الشعير،الدخن،الماش،السمسم، العدس،الشلب،الهرطمان،اللوبيا،الذرة،الفواكه والخضر)، وقد كانت الكميات المصدرة إلى بقية مناطق العراق والدولة العثمانية تفوق أحيانا الكميات المستهلكة محليا من هذه المواد. كانت مدينة الحلة تنشط في الأعمال الزراعية والتجارية والصناعات اليدوية البسيطة ومما يؤكد ذلك وجود ما يزيد على (30 مقهى، 18 خان، 8 حمام عام، 17 مخزن لحفظ الذخائر، 120 علوة لتجارة المحاصيل الزراعية و2126 دكان) وقد اشتهرت تجارة الخيول بشكل واسع حيث وصلت سمعة ومواصفات الخيل في الحلة أصقاع السندة والهند واسنطبول وروسيا. ومن الأدلة على خصوبة أراضي سنجق الحلة ووفرة غلته الزراعية هو كمية الأراضي السنية. والأراضي السنية هي الأراضي التي يملكها السلطان عبد الحميد الثاني في مختلف الولايات، وقد بلغت مساحتها في الحلة نحو 57665 هكتارا من الأراضي الزراعية الخصبة.

 

مركز تجاري مرموق

 تبوأت المدينة مركز تجاري مرموق بين مدن العراق الأخرى لسبب تنوع صادراتها واستيراداتها من المناطق الأخرى والتي شملت تجارةً واسعةً من خيول، فيقول جيّري ان الطلب على خيول الحلة قد زاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل تجّار بغداد والبصرة والهند كما كانت تجارة الآثار المستخرجة من المواقع الأثرية الممتدة من كيش وبابل وغيرها من المواقع الأثرية المحيطة بمنطقة الحلة رواجاً كبيراً يضاف إلى ذلك تجارة الطابوق حيث رخصت الدولة العثمانية للبعض استخراج طابوق آثار بابل القديمة وبيعه وتصديره إلى المناطق الأخرى. ومن التجارة الأخرى الحمول حيث تقوم تجارة كبيرة ومهمة لأصناف الرز والحنطة والشعير وتصدر ضمن قوافل تجارية إلى بغداد والبصرة والمدن الأخرى براً وبواسطة السفن ثم تجارة الماشية.

 للدلالة على حجم تجارة الحلة، في عام 1908 كانت الحلة تضم أكثر من 2000 حانوت و120 مخزن لحفظ الحبوب والغِلات الزراعية ويصدر منها في أسبوع واحد حسب التقديرات ما يأتي : 400 طن من القمح، 600 طن شعير، 155 طن رُز، 1000 ثور وبقرة 600 جاموس، 300 حصان، 200 حمار، 50 بغل، 700 جمل، 5000 خروف. كما كان في لمدينة مكتب للبريد ودائرة للتلكَراف وهي من ضرورات التجارة الخارجية. لعبت الحلة دورا اقتصاديا هاما مع بدايات العصر الحديث بسبب توفر عوامل الإنتاج الكبير فيها، وخصوبة أرضها، إنتاجها الزراعي الوفير فضلا عن توسطها على شبكة مواصلات برية ونهرية ساهمت في قيام نشاط تجاري واضح مع كل المناطق المحيطة بها.

 الثقافة في كل الآفاق

لإلقاء الضوء على الأهمية الثقافية المتجددة لمدينة الحلة نذكر ما أورده الباحث الدكتور المهداوي في كتابه (تاريخ المسرح في الحلة) حيث استطاع ان يستقرأ فيها (658) مسرحية وهي مجموع ما قدم على خشبة المسرح الحلي، يقول المؤلف : ((برزت أسماء رائدة كان لمدينة الحلة نصيب فيها، فقد كتب الأديب الدكتور محمد مهدي البصير مسرحيتين بوحي من معطيات الواقع آنذاك، المسرحية الأولى (النعمان بن المنذر) 1920م والأخرى (دولة الدخلاء 1925، كما توصل الباحث إلى إن أول إشارة موثوقة تعلن عن بداية النشاط المسرحي في الحلة وردت في تقرير نشاطات لواء الحلة ذي العدد (505) المحفوظة في مركز الوثائق الوطني في بغداد، حيث ورد ما نصه : (عرض مسرحية الأصدقاء قبل الاستعراض الكشفي لمدارس الفرات الأوسط في الحلة يوم الجمعة المصادف 7مايس1926م). وهنا نجد أهمية كبيرة للمسرح في مديرية تربية بابل حتى وصلت المسرحيات التي قدمتها المديرية المذكورة إلى (375) مسرحية.

 

الطبيعة التسامحية لسكان مدينة الحلة في القرن التاسع عشر

 كانت التركيبة السكانية لسنجق الحلة فكانت تضم العرب المسلمين وهي النسبة الغالبة وكذلك اليهود ونسبة قليلة من الارمة وكانت الكرد القاطنين في المدينة مسجلين ضمن المسلمين العرب فيها، مما يدل على الطبيعة السلمية والتسامحية لسكان المدينة آنذاك كما إن نسبة المثقفين في المدينة كانت آخذة بالزيادة السريعة ودليلنا في ذلك زيادة عدد المسجلين في دوائر النفوس من الذكور والإناث وتأسيس مجلس المعارف ومكتب الرشدية وثلاث مكاتب ابتدائية و20 مكتب صبيان (الكتاتيب) لتدريس القرآن الكريم والقراءة والكتابة والعلوم الأخرى. يقول الأب فليب الكرملي إن سكان مدينة الحلة في بدايات القرن السادس عشر أنهم ينحدرون من قبائل عربية معروفة وان غالبيتهم من المسلمين ولكن هناك عدد من المسيحيين والأرمن واليعاقبة والنساطرة، بينما يقول بنيامين التطلي في رحلته عام 1165 إن في الحلة 10000 يهودي وفيها 4 كنائس. بينما يقول سستيني إن العرب المسلمون يشكلون جزء أساسي من السكان كما يوجد أعداد من الموظفين الأتراك بالإضافة إلى اليهود والأرمن.

 

 وصف المدينة في بدايات العصر الحديث

 وصفها نيبور عام 1765 بأنها واسعة وأدهشته بساتين النخيل المحيطة بالمدينة ومما جعلها أكثر جمالية من المدن الأخرى، وفي عام 1837 م دلت الجوامع والأسواق الواسعة على سعة ثرائها. وفي نفس المعنى يقول نكَهولت عام 1864 بأنها من البلدان الجميلة بُنيت على منكبي الفرات وأسواقها جميلة وواسعة وكثيرة الحركة. وفي عام 1890 م قيل عنها بأنها من أكثر المدن عمراناً ونعيما طيلة قرون.

 وأم الحلة قرية راكبة ضفة النهر الشرقية تدعى الجامعيّن آهلة بالسكان مزدهرة، أما الحلة على الضفة الغربية فكانت حتى سنة 495هـ قرية صغيرة عمد سيف الدولة من بني مِزيَد إلى توسيعها وجعلها مدينة عامرة ووصل جانبيها بجسر من القوارب فكانت طريق الزوار الممتد بين بغداد والكوفة، وفي سنة 1895 وصفت بكونها مدينة صغيرة لكنها نظيفة، أسواقها جيدة، شوارعها منتظمة، مبانيها كثيرة وأسواقها عديدة. يقول الرحالة آلويّ بان سور الحلة من الأسوار الجيدة التي شاهدها عام 1838، وقد بقي السور حتى نهاية القرن التاسع عشر بحالة جيدة وان أبوابه وأبراجه شُيدت بطابوق بابل القديمة، ومما يجدر ذكره أن سور الحلة بقي عامر وشاخص حتى أيام الحرب العالمية الأولى عندما قرر الإنكليز هدمه عندما دخلوا الحلة عام 1917 لأسباب أمنية وعسكرية، وعن جسر الحلة يقول نيبور يتم التنقل بين جانبي الحلة عبر جسر من القوارب يقوم على 32 عوامة ربطت ببعضها بالسلاسل وقدر عرض النهر في موقع جسر 400 قدم.

 الحلة مدينة النور الذي لا ينطفئ، وريثة مجد بابل, معقل العلم قبيل الإسلام وبعده، مركز التلاقح العقلي بين مفكري الأمم في الهند وفارس والهلال الخصيب ومصر والجزيرة العربية، من العرب والسريان والآراميين، من الشرق والغرب، ومنذ فجر السلالات وحتى يومنا هذا، تاريخاً مجيداً وحاضراً واعداً ومستقبلاً مشرقاً.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org