مقالات

من أجل ريادة المرأة أوالأمل الذي لازال بعيدا (8)

محمد الحنفي

العلاقة بالواقع / علاقة بالاستعباد:

فما هي علاقة الإنسان بالواقع المستهدف تغييره؟
هل هي علاقة انسجام أم علاقة تناقض؟
هل يمكن أن تؤدي هذه العلاقة إلى تغيير الواقع؟ أم إلى تكريس بنياته القائمة؟
وما هي علاقة المرأة بهذا الواقع؟
هل هي علاقة احتواء؟ أم علاقة رفض ؟
هل تسعى المرأة إلى تغيير الواقع؟ أم إلى تكريسه؟
إننا عندما ننظر في علاقة الإنسان بالواقع، فإن علينا أن نميز بين مستويين من العلاقة، مستوى علاقة المستغل(بكسر الغين) بالواقع، ومستوى علاقة المستغل (بفتح الغين).
فعلاقة كل مستفيد من الاستغلال، تقتضي بأن يكون الواقع تحت طائلة الاستغلال، الذي يمارسه على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
فكل شئ في الواقع، يجب أن يكون في خدمة الاستغلال، حتى يتكرس المستغلون أسيادا، على عرش الاستغلال، وحتى يصيروا قادرين على العمل على تأبيد استغلالهم. والمستغلون يختلفون من تشكيلة اجتماعية، إلى تشكيلة اجتماعية أخرى.
فهم في التشكيلة العبودية، يتكونون من الأسياد، وفي التشكيلة الإقطاعية من الإقطاع، وفي التشكيلة الرأسمالية من البورجوازية. والبورجوازية في التشكيلة الاجتماعية، القائمة على الصعيد العالمي، لا تستطيع تأبيد سيطرتها، إلا بامتلاك سلطة الدولة، التي تستغلها على المستوى العالمي، لتعميق استغلالها، ولتأبيد ذلك الاستغلال.
أما علاقة الذين يمارس عليهم الاستغلال بالواقع، فيختلف كذلك من تشكيلة إلى أخرى. فهم في التشكيلية العبودية يتكونون من العبيد، وفي التشكيلة الإقطاعية يتكونون من الأقنان، و في التشكيلة الرأسمالية يتكونون من العمال، وهم في التشكيلة القائمة الآن التي هي التشكيلة الرأسمالية، وعلى المستوى العالمي، يسعون إلى تحقيق إنسانيتهم، من خلال مقاومة شراسة الاستغلال الممارس عليهم، عن طريق المطالبة المستمرة بتحسين شروط العمل، وتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، بواسطة العمل النقابي، الذي تقوده التنظيمات النقابية، على المستوى المحلي، وعلى المستوى الوطني، والقومي، والعالمي، لتحقيق المطالب المادية، والمعنوية، من خلال برامج محددة، كما يسعون إلى وضع حد للاستغلال بالعمل على تغيير الملكية الفردية، بالملكية الجماعية، بواسطة النضال السياسي للطبقة العاملة، الذي يقوده حزبها الثوري، الذي يأخذ على عاتقه أن يرتقي بوعي العمال، من مجرد المطالبة بتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، إلى مستوى امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، الذي يجعل الطبقة العاملة تنخرط في النضال، ومن بابه الواسع، من أجل تحسين شروط العمل، ثم من أجل وضع حد لكافة أشكال الاستغلال الممارس عليها على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وصولا إلى تحقيق الحرية، والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وانطلاقا من هذا التصور لعلاقة الإنسان بالواقع، يمكن أن نسجل أن الطبقة المستفيدة من الاستغلال هي التي تكون منسجمة مع الواقع الذي يخدم مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدينة، والسياسية، لكون النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، يؤهل المجتمع، بكافة فئاته المقهورة، لاعتبار الاستغلال الممارس عليها عملا مشروعا، ومقبولا، خاصة وأنها لا تملك إلا أن تبيع قوة عملها.
أما الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال، فإنها تعاني من الغربة عن الواقع. فهي أولا تبيع قوة عملها، وهي مضطرة لذلك، لكونها لا تملك شيئا، وعليها أن تعيش، وكيفما كان مستوى هذا العيش. ولذلك فهذه الطبقة تقضي عمرها تبيع قوة عملها، ولا تحلم إلا بتحسين شروط العمل، الذي لا يخلصها من الاستغلال، ولا يزيح عنها الشعور بالغربة، ويجعل انسجامها مع الواقع غير وارد، ما لم تمتلك وعيها الطبقي، الذي هو البداية لمعرفة ما يجب عمله، للتخلص من الاستغلال، الذي هو الطريق الطبيعي، لجعل المقهورين الذين يمارس عليهم الاستغلال، ينسجمون مع الواقع.
ولذلك فالطبقة المستفيدة من الاستغلال ، تكون علاقتها بالواقع علاقة انسجام، أما الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال، فتكون علاقتها بالواقع علاقة تناقض. وفي العلاقتين معا، نجد السعي إلى تأبيد السيطرة الطبقية في الحالة الأولى، والسعي إلى التخلص من تلك السيطرة في الحالة الثانية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org