مقالات

تحقيق الذات العربية في ظل السياسات القائمة

الدكتور/ حسن المحمداوي / أستاذ جامعي وباحث سايكلوجي

 

أبتداءاً لابد من الأشارة الى أن تحقيق الذات(Self – actualization)، هي حاجة فطرية غريزية كامنة في الذات الآنسانية عموماً، ولكي تحفز هذه الحاجة وتذكى لابد من أن يتوفر لها مناخات وأجواء مناسبة تؤدي الى أشباع الحاجات السابقة لها وصولاً اليها.

ويعد كولدستين ( Goldstein , 1939) أول من أستخدم هذا المصطلح وذلك عندما ذهب الى أن هناك دافعاً اساسياً واحداً يحرك الأنسان أطلق عليه أسم تحقيق الذات، وأعده الدافع الخلاق في الطبيعة الأنسانية وماعداه من دوافع ماهي الاأغراض لهدف اسمى في الحياة الآوهو تحقيق الذات. 

الحقيقة انا لست هنا بصدد أستعراض أقوال العلماء والمنظرين حول أهمية هذه الحاجة  الآسمى  في الوجود الأنساني، ولكن ماأود قوله بأن وصول الأنسان الى تحقيق ذاته معناه وصول الحضارة  والثقافة الى قمتها، ومعناه أن نخلق عالماً يسود فيه الخير والكفاية والآمن والطمأ نينة والرقي والآبداع والتفاؤل، الأننا نلمس ومن خلال معيشتنا في الواقع العربي المزري بأن هذه الانظمة  تقف  حائلاً  وسداً  منيعاً  في طريق تحقيق الفرد لذاته، ومن خلال الممارسات اليومية التي تثقل كاهل المواطن والذي تجعله يد ور في دوامة البحث عن لقمة عيشه، دون التفكير بالآنتقال لإشباع الحاجات الخرى وصولاً لتحقيق ذاته.

 لقد أكد  ماسلو (Maslow , 1954) ، أن تحقيق الذات يعد نزعة  فطرية لدى الفرد  من أجل تحقيق أمكاناته  وأستغلال  طاقاته الى  أقصى درجة  ممكنة  كأنسان ، وهو يرى بأن هذه النزعة الفطرية  تتأثر بالعوامل البيئية والأجتماعية والتي من ضمنها السياسية  والتي تلعب دوراً بارزاً وفعالاً على تدعيم  ونمو وكذلك على أعاقة هذه النزعة لدى الفرد نحو تحقيق ذاته.

أن مضمون نظرية ماسلو في تحقيق الذات  يكمن في فكرة أن جهد الأنسان وسلوكه  ونشاطه  مركز حول تنظيم هرمي (Hierarchy) للدوافع  بحيث تجعل الحاجات الفسيولوجية قاعدة الهرم ، بينما  تمثل قمة الهرم الحاجة الى تحقيق الذات.

ويمكن القول هنا  بان وصول الأنسان الى مستوى الكفاية  لحاجاته يعد  منطلقاً هادفاً  وحقيقياً  نحو تحقيق الذات، أي نحو الشعور بآدميته كأنسان والسعي لتهذيب ممارساته السلوكية بحيث يكون عنصراً فعالاً ونمائياً في الحياة، عنصرُتتوافر فيه كل سمات الأنسانية التي فطر الله الناس عليها وهو القائل جلت قدرته(( ولقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم ))،عنصرُ يتصف ويتحلى بالقدرةعلى أدراك الواقع وحيثياته وعلى إستثارة مالديه من طاقات وقدرات وأمكانات واستغلالها  بشكل فعال ،  يتحلى بالقدرة على التعامل المسبوق بتقبله لذاته والآخرين وبالرضا والتلقائية والبساطة والأستقلالية والتفاعل والموائمة مع الآخرين عنصرُ يمتلك من الخبرات المعرفية ماتساعده على الأنفتاح  وأتساع الآفق  والآحساس  بالوجود والشعور بالسعادة ميالاً للصفح والتسامح متعالياً عن الضغائن والحقد والظلم والرذيلة منسجماً مع قول الشاعر:

 

أني شكرت لظالمي ظلمي          وغفرت ذاك له على علمي

ورأيته أسدى الي يــــــداً            لما أبان بجهلهــــــه حلمـي

رجعت أسائته اليــــــــــه  وأحساني ، فعاد مضاعف الجــرم

وغدوت ذا أجراً ومحمدةً           وغدى بكسب الوزر والآثم

مازال يظلمني وأرحمــه            حتى بكيت له من الظلــــم

 

عنصرٌ ذو عقلية متفتحة  ليس لديه آليات دفاعية سلبية ، يحب الآخرين ويتعاطف معهم ولايسمح للعدوان بالظهور في سلوكه ويعمل وفق معايير أخلاقية لصالح المجتمع، مبدعٌ، متفردٌ، محب للآستطلاع متفاعل مع البيئة باسلوب تلقائي أيجابي.

 وبناءاً على ماتقدم فاننا نلمس ومن خلال نشئتنا وملاحظاتنا لواقع الحياة العربية ، أن الأنسان  العربي لايزال يحبوا من أجل تحقيق الحاجة الآولى ( البيولوجية)  وهو غير قادر على تجاوزها فهي تمثل العبء الأكبر في حياته وبذلك  تأخذ  كل تفكيره  وامانيه  وتطلعاته مما تجعله محبطاً  عدوانياً  منغلقاً على   ذاته ومغترباً عنها  عاجزاً عن حل  مشكلاته  ليس للآخر عنده  مجال تعج سلوكياته بالحيل الدفاعية الامنتهية، وهذا قد يمثل لدى المشتغلين في المجال النفسي حالة طبيعية لكل انسان يحرم ويعاق من أيجاد حالة الكفاية لسد رمقه ، لان حرمان الأنسان  من أشباع  هذه الحاجة الآساسية  معناها  سحق آدمية الأنسان والآستهانه بكرامته وعقله  وأماله وحقه في الحياة، ولإهمية  هذه الحاجة  نرى أن الله  جلت  قدرته  يطمئن  آدم (ع)  حين يقول(( وأن لك فيها أن لاتجوع فيها ولاتعرى)).

 ان أعاقة  الأنسان عن الأكتفاء  لإبسط  حاجاته  الأساسية  معناه أن  نحكم عليه  بالفشل  والأنحراف والهوان، نحكم عليه بان يدفن دون رجعه كل طاقاته وقابلياته العقلية والجسمية ويدسها بالتراب، وبالتالي ان يحيــا غريباً في مسقط راسه وغريباً عن ذاته و عن اهله وبالتالي عن الآخرين ، ولذا فأننا نرى بعض المصلحين يصل الى مرحلة أن يأخذ الأنسان حقه بالسيف  أذا  منع  عنه  ، وخير شاهد  ما يقوله  أبو ذر الغفاري (رض)( عجبت لمن لايجد القوت في بيته ، كيف لايخرج على الناس شاهراً سيفه).

أننا  نرى  ونلمس ومن خلال  تجوالنا في المشرق العربي  المترامي الآطراف والكامن الخيرات بأن هناك الكثير من الناس والطاقات المعطلة والتي تأخذ رزقها من المزابل( القمامات) وتعتاش عليها وتنشئ أبنائها في ظل هذه الآجواء المحمومه والمفتقرة لإبسط متطلبات الحياة  ولاأريد  أن أسمي لان شرقنا ولله الحمد  ملئ  بهذه  الصور المأساوية ، أقول كيف  يتسنى لهذا الأنسان المنغمس  بالجوع والهوان أن يشعر بأدميته وأن يستنفر طاقاته وان يبدع ويتطور؟؟، وكيف يتسنى لهذا الأنسان المهموم جوعاً والعاري جسداً والفاقد  سقفاً  أن  يفهم  مايدور حوله من أجل  أن  يغير الواقع  الذي يعيش  فيه، لاننا نقول بأن فاقد الشئ لايعطيه !!،  وكيف يمكن  لهذا الأنسان أن يستبصر حقيقة أمره وماله وماعليه من حقوق وواجبات والذين فوقه يعملون جاهدين على  ان تبقى حالته بهذا الوضع  المأساوي  كي لايرتقي  ولايتعلم ولايكتشف حقائق الآمور.

عندما كنت صغيراً كنت أسمع مثلاً قديماً شعبي يقول ( ياطابخ الفأس يترجى من الحديده مرق!!!)، وهذا  يعني أننا أذا  بقينا على  هذه الحالة المزرية  لانتأمل  أن نبني ونطور ونرتقي  الى مصافي الأمم الراقية ، والحقيقة اننا نعلم بأن العوز والفقر لايتأتى في عالمنا العربي من عدم وجود الثروات وأنما من وجود الذئاب التي تتمدد على حساب ثروات الآخرين، هذه الذئاب التي لاتعرف  للشبع حداً ولاللكرسي فترة ، أن أنظمة  العالم  والقائمين على مؤسساتها  تضرب أرقاماً  قياسية في الأبداع  والتطور والرقي ، وأنظمتنا تضرب أرقاماً قياسية في البقاء على دفة الحكم دون منازع.

أن  ممارساتنا  العربية  التي  تفقد  الى الجوهر والتي   تتبنى  قشور الآصلاح  والمقتنعة  بالسطوح لابلأعماق ومن ورائها وعاظ السلاطين الذين ما ينفكوا من تحريف الحقائق والضحك على  ذقون الناس البسطاء والذين همهم الأساسي كما  اسلفنا ماهو ،  وهذا  التمسك  بالقشور  ينتج نتاجاً  سطحياً غير مؤثر في الواقع  المعاش  لآن الأنسان  ياتي دائماً  في آخر الأهتمامات لفلسفاتنا التربوية  والسياسية  وأن كانت تتغنى هي زوراً وبهتاناً   بقيم  الأنسان وآدميته  ، وهذا  مانحن عليه ، يقال أن الله  سبحانه  اوحى    الى ابراهيم(ع) أن ياابراهيم ابني لي بيتاً، فأستجاب أبراهيم وبنى له بيتاً ، ثم أوحى له مرة اخرى : ياأبراهيم أبني لي بيتاً ن فبنى له بيتاً آخر ، ثم أوحى له مرة ثالثة ورابعه ، مما حدا بأبراهيم ان يقول  :  أي رب لقد بنيت  لك ثلاث بيوت ،  فأوحى له رب القدرة : يأبراهيم ، هل بنيت لي بيتاً في قلوب الناس؟؟ هل أطعمت جائعاً؟؟ هل كسوت عرياناً؟؟.....) ،  هذا هو  البيت الذي يريدة رب القدرة للناس من اجل اصلاح الأنسان ومن  أجل ان  يعمر الارض التي  خلقت من اجله  وهو لا يستطيع  القيام  بهذا التعمير  مالم  يكن قد اشبع حاجاته الأساسية لكي ينطلق للابداع والتطور والرقي.

 ومن هنا  يمكن القول  بأننا  لاتقوم لنا قائمة  أن  بقينا  نرزخ تحت وطأة هذه الانظمة المحتلة اكثر من الآحتلال  والتي  تسلب  منا في كل يوم آدميتنا  وثرواتنا والتي لاتزال تتصدق علينا مما يهب السلطان من ثرواتنا  بحيث ينطبق علينا المثل الشعبي القائل( من لحم ثوره وأطعمه!!!!)...أنهم يمتنون علينا بمكرمات زهيدة لاتسمن ولاتغني من جوع  وهي  لاتوازي تلك التي يدفعونها صاغرين الى اسيادهم ن فبئس الحاكم وبئس المحكوم وصدق نيتشه حين يقول ( أذا أردت أن تعرف الشعب فأنظر الى حكامه!!).

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com