مقالات

رفقاً بالقوارير من النساء

أغتراب المرأة العربية بين الموروث الثقافي وقسوة المجتمع

الدكتور/ حسن المحمداوي / أستاذ جامعي وباحث سايكلوجي

لايخفى على أحد منا بأن الأغتراب (Alienation ) ، كظاهرة ومفهوم قد أخذ حيزاً واسعاً وكبيراً في الحياة الأنسانية بشكل عام ، ولست هنا بصدد أن أورخ لهذه الظاهرة الممتدة عميقاً بامتداد الحياة الأنسانية على أعتبار انها لازمت الوجــود الأنساني منذ النشأة الى ماشاء الله ، ولكن مايهمني هنـا أن أتصدى لهـذه الظاهــرة من حيث مدى أستمكانها للمرأة أي بمعنى غربــة المرأة عن ذاتها  أي  بمعنى الأنفصال الواعي للفرد بين ذاته المثالية وبين الصورة الواقعية للذاتن وبتبسيط أكثر بمعنى أن  يمثل الأغتراب درجة أعتماد سلوك  معين على جزاءات مستقبلية وهذه الأجراءات تكون متخفيةً خارج الفعل نفسه  ، أي مثل التدريسي الذي يقوم بواجبــه من أجل كسب  لقمة عيشه فقط، أو مثل المرأة التي تعد الطعام  كيفما أتفق بغض النظر عن جودته  ولذته ولكن من أجل القيام  بالواجب على سبيل المثال ، فهنا الأغتراب يتجسد بعدم قدرة الفرد على أيجاد أو العثور على جزاء ذاتي نابع من النفس يضفي على الفرد نوع من الرضا وتقدير الذات.

والحقيقة ولاأريد أكون جازماً ومن خلال الآطلاع على ظاهرة الأغتراب والبحوث التي تناولتها بشكل عام ، أجد بأن المرأة تعاني من هذه الظاهرة أكثر من معاناة الرجل لها، ولعل من أهم الأسباب المؤدية الى ذلك تكمن في الأتجاهات الأجتماعية الغالبة والنسق القيمي السائد في المجتمعات العربية ، فعلى الرغم من توفر فرص التعليم وكثرة التغيرات القانونية والتشريعية  في صالح المرأة وعلى الرغم من تطور المجتمع بقيمه ومعاييره الأ أننا نلمس في مجتمعاتنا الشرقية ضغوط  كبيرة تتعرض لها المرأة  في حياتها اليومية ، ولانزال  مع الأسف الشديد نشتر ماقاله أبائنا وأجدادنا  دون تمحص ودون مسايرة لروح العصــــر وكأن حركة التطور الأنساني لاتمسنا  بشئ  ولايزال عندنا  رواد  وئد البنات وكما  يصورهم جلت قدرته بقوله تعالى (( وأذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سؤ مابشر به أيأخذه على هون أم يدسه بالتراب الاساء مايحكمون)).

ولاتزال عندنا ونحن في القرن الواحد والعشرين تلك التبريرات الجاهلية المتهرئة في تفضيل الذكر على الأنثى والتي يقول فيها شاعرهم :

 

أحبُ بنيتي  ووددت  أني          دفنت ُ بنيتي في قاع  لحدِ

ومابي أن تهون على لكن        أخاف بأن تنال الذل  بعدي

فأن زوجتها رجلاً  فقيراً         ستشقى عندهُ والهم   عندي

وأن زوجتها رجلاً غنـياً          سيشتم جدها ويسب  جدي

سألت الله يأخذها قريبـاً          وأن كانت أعز الناس عندي

 ولانزال ونحن أبناء هذا القرن نسقط هذه المساعر الآنفه الذكر في الآية الكريمة ونحاول أن نسقط فشلنا على المرأة دائماً حتى في مسألة تحديد جنس المولود ظلماًً وعدواناً وكأننا نعيش في عالم غيـر الذي نحن فيه ضاربين عرض الحائط الحقيقة العلمـية والتي أكدها العلم من ان الرجل هو المسؤل عن تحديد جنس المـــولود لا المرأة ومن المضك المبكي ما تسجله هذه المرأة في العصر الجاهلي بالتفاتتها العلميـــة قبل العلم بقرون وهي تراقص أبنتها على باب خيمتها بعد أن هجرها زوجها لإنجابها بنت حيث تقول:

مال أبا حمزة لايأتيـــنا          ينام في البيت الذي يلينا

غضبان أن لانلد البنينا          تالله ما ذلك في أيديــــنا

ونحن كالأرض لزارعينا       نعطيــهم مابذروه فينــا

 تصور حتى هذه المــرأة التي تعيش في العصر الجاهلي تسطر لنا هذه الحقيقة العلمية ولايزال أبا حمزة المعاصر في القرن الواحد والعشرين يأبى ذلك ، بمــا في ذلك وسائل اعلامنــا المعاصرة والتي تطـرق مسامعنا بهذا التجني الامنطقي والامعقول ، ولانكى من كل هذا ترى هذه الظاهرة التي تلام فيــها المرأة ظلماً وعدواناً واضحةً وجليةً في المجتمعات الأسلامية، وهذا مايؤكد سطحية أسلامنا وبالتالي يؤكد غلبة موروثنا الثقافي والأجتماعي على تصريحات القران الكريم منذ أكثر من الف واربعمائة سنة حيث يقول العالم الجبار(( يهب لمن يشاء أناثاً ويهب لمن يشاء ذكــــوراً وزوجنــاهم ذكراناً وأناثاً ويجعل من يشاء عقيماً)).

وانا لااعرف في هذا الصدد لمن تخاطب هذه الآيات القرانيــة المليئــة بالحقائق العلميـــة ؟؟ أليست هي متصدية للعرب  أم أنها تخاطب أهل المريخ؟!!!

     ان كل هذه الأمور وغيرها كثير والتي لامجال لذكرها هنا  تخلق في حقيقة الأمر نوعاً من الآجواء والمناخات التي تدفع المرأة العربية للوقوع  في شباك الأغتراب عن الذات والمجتمع  وبما ينعكس سلباً على صحتها النفسية وحياتها العامة، لأن خلق حالة من اللوم الامنطقي وحالة من التمييز ضد المراة هو في حقيقة الأمر نيل من انسانيتها أو تقيدها أو استعبادها أو المسا س بحقوقها الشخصيــة والأجتماعيــة والنفسية والثقافية  والسياسية  والمدنية على اساس الجنس والنوع، وكل هذه الأمور تضعف عند المرأة موارد الثقة بالنفس ومتطلبات التقدير الذاتي.

وبناءاً على ماتقدم يمكننا القول بان المجتمعات الشرقية هي مجتمعات ذكورية تتغنى بالذكر وترفع من شأنه على حساب الأنثى بحيث تتمـــدد هذه الفكرة لخـــلق نواحي التعامل الحياتية في المجتمـــع وتكـــوين المعايير التي  تحكم  سلوكيات الجماعــــــتة ، وهذا مانلمسه دائماً ومن خلال تفرد الذكور بممارسة اعمال واحتــــلال مراكز يتم حرمان وصول المراة اليها نتيجة هذا التمييز البغيض والذي يبنى على اسس خاطئة  ومعايير اجتماعيـــــة تواترت الينا عبـــر الأجيال ، وهذا في حقيقة الأمر مخالفاً للفطرة الأنسانية ولإحكام المنطق  والعقل ،لأن التمييز بين المرأة  والرجل ينبغي ان يكون على اساس الخصائص وليس على اساس التفضيل ، بمعنى  أن كل جنس له من الخصائص ماتؤهله للقيام بمهام معينة، ولذا ليس من العقل والمنطق ان نقول بأن الرجل افضل من المراة لأن عضــلاتة قوية فنكون بهذا مثل الذي يقول بأن الغزال هو أفضل من السمكة لأنه يجري بسرعة  ، والحقيقة ان السمكة خلقت لإجواء تختلف عما خلقت عليه الغزال ، حيث لكل دوره وأبداعه وأسهاماته في بناء الكون وتعمير الأرض.

أن المعايير الأجتماعيةالتي تنشئنا عليها وبما تحمله من جلدة وقساوة والتي قد تصب جل غضبها على المـــرأة دون الرجــــل وهذا بدوره مايضعها كصيد سهل  للوقوع في شباك الأغتراب النفسي والأجتماعي والذي يؤدي بالنتيجة الى هدرطاقاتها وأمكانياتها العقلية والنفسية وبالتالي ان يخسر المجتمع النصف الأهم في الحيــاة والكون ، وأن هذه المعاييــر التي تفيقد لروح المحبة والآلفة والرحمة والتي تجعل أصابعها في آذانها لماتخطه أبداعات القران الكريم وأقوال رسول الأنسانية (ص) والذي يقول ( ماأكرم المرأة الأكريم، وما أهانها الألئيـــم) ، (رفقاً بالقـــوارير من النساء) ، (خيركـــم خيركم لأهله وانا خيركم) ...الخ، والمرأة كريمـــة ومعطاء  ونافذة الحيــاة التي يمكن من خلالها رؤية النور والأمل وبالتالي فأن أكرام الكريم معناه منتهى الفضيلة والكرم، ورحم الله ابو الطيب المتنبي حين يقول:

 

أذا أنت أكـرمت الكــريم ملكتــه          وأن أنت أكـرمت اللئيم تمــردا

فوضع الندا في موضع السيف بالعلى         مضرِ كوضع السيف في موضع الندا

     هناك من النظريات في المجـــال السوسيولوجي كنظرية التدرج الأجتماعي تسهم بشكل اوباخـر في أخفــــاء دور المرأة عن مسرح الرؤيـــــة السوسيولوجية وبالتالي فهي تسهم في أغترابها رغم وجودها الأجتماعي الواضح، حيث ترى هذه النظرية بأن الرجل هو مركز الأسرة وتغفل الدراسات التي تنطوي تحت هذه النظـــرية الأدوار الأساسية التي تنهض بها المراة في الحيـــاة وماهي الضغوط النفسية التـــي تتعرض لها من جراء ذلك، ومثل هذا الأغفال يؤدي من حيث نشعر اولانشعر الى تعميق التمسك بالقشور من الحقائق دون اللب وهو ما يعمق شئنا أم أبينا التمسك  بالمعايير الجلفه والغير منطقيه والتي من خلالها نصدر أحكامنا  ونشيد أسرنا بالشكل الذي ينعكس سلباً على أدائهم وتوافقهم النفسي والأجتماعي، فلا تزال هذه المعايير التي لاتنتمي الى عقل أومنطق تحكم سلوكنا وأدائنا ونطبقها قسراً على من يعيشون معنا حتى في بلاد المهجــــر وهي بالتالي تنسحب على أحكامنا المتصفة بالسطحية ، حيث غالبــــــاً ماتكون أحكامنا على اخلاقية المرأة مثلاً من خلال مظهرها لامن خلال جوهرها وما تحمله من قيم وأخلاق والحقيقة تقول والمنطق والعقـل يقولان ، بأنه ليست هناك من ملازمة بين ان تكون المرأة منتجة ومبدعه وبين أن ترتدي شيئاً غير منافي للذوق العام، خاصة ونحن في بــلاد المهجر، حيث أن بعض الأزياء فيها نوع من المغالاة والتي قد تجبر المــرأة في الكثير من الأحيان على أرتدائها مما يشكل في حقيقة الأمر مثيراً واضحاً  لجلب انتباة سكان المجتمع الأصــــلي  ومما يجعل استجابة الكثيرين منهم لاتخلو من السخرية والتهتك  والخوف وخاصة عند الأطفال  لأنهم لم يالفوا مثل هذه المناظر( المبالغة في التحجب)، وهذا ماحدث فعلاً في مدينة ( هلسنبوري) جنوب السويـــد عندما عزف اطفال المدرسة خوفاً من الركوب في الباص حيث كانت سيدة عربية ترتدي حجاب مبالـــــغ فيه خافية حتى عينيها ،  وقد نشرت الصحف هذه الحادثة ، والله وحده يعلم مأثر هذه الحادثة على الوضــــع النفسي لهذه المراة وكيف يعمــل عملـــه في أغترابها عن ذاتها وأسرتها وبالتالي مجتمعها  ، وأرجــوا أن يفهم كلامي هذا باني من الداعين الى تعري المرأة معاذ الله، ولكن وكما يقال خير الأمور أوسطها وأن جبار السموات والأرض دائماً مايؤكـــــد على تنشئة القلوب والجوهر على التقوى وليس على المظهر اليس هو القائل (( يابني أدم قد انزلنا عليكم لباساً وريشاً يواري سوأتكم ولباس التقوى ذلك خير))، وأعتقد أن الآية الكريمـــــة واضحة في أن تقوى القلوب  هو خير ألف مرة من الريش واللباس، حيث اننا نخبر الأنسان بشكل عام في تقواه ومواقفه من الأعمال والأقوال وليس فيما يرتديه ، ألم يقل علي بن ابي طالب(ع) ( المرءُ مخبؤٌ تحت طي لسانه  ، لاتحت طيلسانه  ، فليس هو بالعظيم ان أفرغ عليه رداءً جمعت خيوطه من أموال الناس، وليس هو بالكبير أن حلاهُ بردٌ أخذ من جلود العراة، وليس هو بالنفس الكبيرة أن أوعى الى بطنه فملئها من الفسق والحرام).

     أننا ندفــــع بسلوكياتنا ومعاييرنا اللامنطقيــــة بأتجاه أغتراب المـرأة النفسي ونعمل من حيث ندري أو لانــدري على غرس هذا الأغتراب في اطفالنا لأن المرأة هي الحاضنة الأولى والعالم الأول الذي ينشأ فيه الأبناءوالحضن السليم بنواحيــــه السايكولوجيـــة والفسيولوجيـــة يمكن أن ينشأ جيلاً سليماً لأن الكثيـر من الدراسات والأبحاث تؤكــــد على أن حدوث الأمراض العصابية لدى الفرد مرتبط بعواطف الأم الداخلية ، أي مدى الأقبال والأحجام العاطفي لها بالنسبة للطفل ، فهي في حقيقة الأمر لاتسكب الحليب في فم وليدها وأنما تسكب معه فيضاً من الحنان والدفء والمحبة ن ورحم الله الشاعر حين يقول:

كم كنتُ أشبعُ من نومِ وأنت الى          جنب السرير عيونٌ كلها سهـــرُ

النجــمُ مل ، وماملت شفاهك من         تلك المواويل حتى يطلع السحرٌ

الثدي يشبعني،والصدر يغمرني         دفئاً ومنك الطوى والقر يعتصرُ

أماه ياذكريات أستجيربها بيضاء        وأن تقادمت الأزمان والعصــر

وهذا نبي الرحمة(ص)، الذي لايشكك أحد في أخلاقة السامية وسلوكه وجوهره النقي التقي وبشهادة رب القدرة حين يقول له (( وأنك لعلى خلق عظيم))، يضع للمـــرأة مكانة مابعدها مكانه من أجل تعزيز الثقة النفسية لديـــها واعطاها صورة مشرقة وناصعة وذلك عندما يقول (ص) ( فاطمة أم أبيها)، هذه العبـارة على جزالتها فأنـــها تعني الكثير ولست بصدد شرحها وتفسيرها ، ولكن ماأود قوله أن تكريم المرأة بهذا الشأن معناه تكريم للحياة وللأنسانية جمعاء.

أننا نلمس ومن خلال الأبحاث السيكولوجيـــة والساسيولوجيـــة المتعلقة بالمرأة أنها تركز على أدوار المرأة الطبيعية ( كزوجــة وربت بيت) وبالتالي تنصب اهتماماتها على المسائل الغيــــر جوهرية  والتي لاتتعلق بابداعاتها وماتتمتـــع به من قدرات وأمكـــــانات لوجدت المناخات المناسبة  لها لإرتقت يقيناً الى مستوى أخيها الرجل ، فعلى سبيل المثـــال توصلت دراسة( سفيلد )، الى ان المراة تلعب دوراً أساسياً في القرارات اليوميــة المتعلقة بنمـــاذج الأستهلاك والموضات وحضــور العـــروض السينمائية في المجتمع الأوربي والأمريكي ، كما وجــــد بان التاثير الأنثوي كان في قمته منصباً فيما يتعلق بقرارات الأستهلاك وبدرجــــة اقل فيما يتعلق بالشؤن العامة، هذا بالغرب ن فكيف يكون الأمر في المجتمعات الشرقية التي قد يتأثر باحثوها بتأثير الهالة بشكل كبير  وخاصـــة فيما يتعلق بالنظرة الى المرأة ومدى تأثير الآرث الثقافي على عدم موضوعية هذه النظــرة وتطبعها بالطابع الأجتماعي السائد لاننا لانزال نعيش ونكتب ونبــــحث في ظل عصر شرقي يتميز بالتحيز الشديد ضد الأناث ولاتزال استجابات عينات بحوثنا تنحو هذا المنحى مما ينعكس سلباً على نتائج بحوثنا التي نتوصل اليها ونعمم من خلالها.

وخلاصة لماتقدم يمكن القول  بأن أغتراب المراة يتجسد في شعورها بعدم الفعالية وتهميشم الدور التي يمكن ان تقـــــوم به وكذلك بالنظرة المتدنية اليها من قبل مجتمعاتنا الشرقية المعاصرة بالمظهر لابالجوهر مما يعكس هذا شعوراً لديهـــــا بان السلوك الذي تقوم به خالِ من المعنى والأهمية وهذا الأمر يدفعها دفعاً للاستشعار بالعزلة والغربة الذاتية.

ولايفوتنــــــا في هذا المضمار ان ننوه الى الدور الذي يجب ان تلعبه المراة من أجل احداث تغير في المعيـــار القيمي بالنظرة اليها وأن تزيح عن نفسها شباك الأغتراب وهذا يكون في حقيقة الأمر من خلال عملهــــا الجاد والمثمر في هذا الأتجاه والناظر الى حقيقة الأمور لاالى القشور من أجل ان يكون عطائها متميزاً بالحيوية  والبناء والتطور ، وصدق جل من قال (( لايغير الله في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com