مقالات

آباؤنا الأعزاء .. خُلقنا أحراراً .. فَلِمَ القيود؟!

زينب الشمري (بنت الرافدين) / بابل

z_alshemary@yahoo.com

الزواج سنة فرضها الله تعالى على كل انسان كما قال الرسول (ص) "اذا تزوج الرجل احرز نصف دينه" فهو رباط مقدس يقوم على اساس التكافؤ بين الزوجين ومستند على اساس الحب والوفاء والاخلاص.

فالحياة الزوجية هي اثمن شيء في الوجود لأنها الوسيلة التي يستطيع الانسان من خلالها الاستمرار والبقاء جيل اثر جيل عن طريق تكوين الاسرة وبناء المجتمع.

ولكن وفي خضم الاوضاع المضطربة التي يمر بها العراق وسوء الحال الامني وانتشار البطالة وبشكل كبير لا يخفى على احد، فهذه الاسباب واخرى غيرها جعلت قلة من الشباب قادرين على الزواج وتكوين اسر لأن تكاليف انشاء العش الذهبي اصبحت باهضة جداً وكذلك المهر حتى انها وصلت حدوداً ادت بالكثير من الشباب الى العزوف عن فكرة الزواج وتأجيلها الى وقت غير مسمى؟!

فقد ارتفعت المهور الى حد بات فيه اكثر الشباب لا يقدرون على دفعها او توفيرها او يضطر عدد كبير منهم الى (الاقتراض) لاداء هذا الفرض الاجتماعي والانساني وبعد ان تنتهي مراسيم الزواج تبدأ المعاناة وتكون النتيجة تعب نفسي وارهاق وهموم لا تنتهي الا بتسديد هذه القروض.

فالمهر او الصداق هو حق مالي للمرأة على الرجل الذي يتزوجها فهو يطيب نفسها وهو دليل على الحب والاحترام والتقدير والرغبة في التعاون والمشاركة بين الزوجين اضافة الى ذلك ان الصداق لم يجعل له مقداراً معيناً من المال بل على قدرة واستطاعة الزوج وحالته المادية وأن يكون برضى الطرفين وان قلة المهر توجب جريان الزواج بأسهل وأسرع وقت ممكن .. كما قال الرسول الأكرم (ص): (خير الصداق أيسره).

ولكن للاسف الشديد تعتقد بعض الأسر انها اذا غالت في المهر بحيث تجعله غالياً تضمن فيه حياة زوجية ناجحة لبناتها وكأنما تعتبرهن سلعة للبيع او بضاعة تتاجر بها عن طريق المغالاة في المهر .. وكذلك تعتقد بعض الاسر الاخرى انها اذا قللت من مهر بناتها تكون قد قللت من قيمتها او استهانت بها ..

فمتى اصبحت الفتاة سلعة يساوم عليها؟!

وأي ضمير انساني يسمح ان تكون للفتاة قيمة مالية قد تزيد او تنقص؟!

فمن كرم المرأة وأهلها ألا تشترط على الخاطب مقداراً معيناً من المال وهذا لا يعتبر استهانة بل على العكس .. فكثيرة قصص الزواج التي لم يكتب لها النجاح، وبعضها ينتهي بهدوء الطرفين وبعضها يشن فيها الازواج والزوجات حرباً تصل احياناً كثيرة الى قاعات المحاكم وكل هذا بسبب الامور المادية التي عكرت صفو تلك الاسر واحالها الى اطلال .. وما يدعو الى الاسف ان الكثير من اهالي (الفتيات) يتصورون ان السعادة الزوجية والحياة السعيدة تحصل عن طريق المال والقصور الفاخرة وتعتبر البساطة في المعيشة من وسائل الشقاء وعلائم الحرمان ..

فكم من امرأة ترفل بالثياب الباهضة والراقية وتتزين بمثاقيل الذهب وتسكن في قصور مشيدة ولكنها من الداخل تعيش في جحيم وكم من امرأة تسكن كوخاً او بيتاً صغيراً متواضعاً ومع ذلك تراها في منتهى السعادة وكأن ذلك المسكن جنة عدن؟!

أو ليس لنا في رسول الله (ص) وابنته الزهراء (ع) أسوة حسنة؟!

فإن سيدة نساء العالمين (ع) وبنت حامل الرسالة والنبوة كان صداقها درع باعه ابن عمها (علي ـ ع) ليشتري بدراهمه مستلزمات المعيشة! وقد زفت الى بيت ليس فيه الا القليل من الاثاث المتواضع .. ولم تكن مغصوبة على هذا الامر او مجبرة عليه .. فقد وافقت وهي تعلم ان عريسها فقير في ماله متواضع في بيته إلا انك اذا تمعنت جيداً ستجد ان مهرها (ع) لم يكن قليلاً فقد كان ثلث ما يملكه زوجها وهو درعه الذي كان يحمي به نفسه عند الحروب وقد باعه وجاء بثمنه مهراً لأطهر نساء العالمين .. بتلك الدراهم القليلة استطاعا ان يبنيا اسعد بيت في الدنيا .. منزل مفعم بوسائل الاحترام والتقدير والشعور المتبادل بأن الحياة لا يمكن ان تستمر دون تضحية من دعامتي بيتها الهانئ .. فالتاريخ سجل موقفهما هذا بسطور من نور ليعطي لشبابنا درساً في الاختيار المناسب المؤسس على الكفاءة المعنوية وليس المادية.

إن تلك القصة الاسطورية التي لم تكرر في التاريخ البشري مرة اخرى مفعمة بكل ما يمكن تصوره من معاني التضحية الثنائية فعلي عليه السلام لم يبخل على زوجته بأعز ما يملك وهو الدرع الذي كان يمثل ثلث ملكيته رغم قيمته المادية القليلة إلا إنه قدم اليها ما بإستطاعته، وهذا هو الدرس الذي ينبغي لشبابنا ان يتعلموه من السلف الصالح وهو بذل ما يمكن لنيل المبتغى لا أن يركنوا الى الكسل والتذرع بغلاء المهور وارتفاع كلف الزواج ويلقوا باللائمة على أهل الفتاة.

ورغم ذلك فالسعادة الزوجية والرفاه الاسري لا يحصل عن طريق الترف والبذخ بالمال بل بالتفاهم والقناعة والتي هي كنز لا يفنى وبالتعاون بين الطرفين.

فالأهل مدعوون الى فتح المجال واتاحة الفرصة لأبنائهم وبناتهم ان يختاروا حياتهم ومطالبهم ولا يضيقون عليهم الخناق ويجعلوهم احراراً في اختياراتهم لكي يتحملوا المسؤولية في ادارة انفسهم وليبنوا حياتهم على نسيم الحب والوئام وتزيينها بالعاطفة بجمالها المدهش والخلاب.

فالحياة الطيبة السعيدة لا يعكرها الفقر ولا تغيرها الفاقة .. فيا أيها الآباء يسيروا ولا تعسروا وكلما كان المهر ومستلزمات الزواج يسيرة كان الزواج مباركاً وسعيداً.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com