مقالات

أيامكم سعيدة .. ولكن! 

د. مراد الصوادقي

 

"أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون" النحل 32

في كل عيد نقول "أيامكم سعيدة" , وبين عيد وعيد أيامنا كما هي إن لم تكن أكثر قسوة وعناءا وضنكا , لكننا نردد "أيامكم سعيدة". ولا بد من وقفة أمام هذه الكلمات والتفكر في معانيها ودلالاتها. فنحن نساهم بتلفظ اليوم والسعادة , لكننا لا نساهم بالفعل في جعل أيامنا سعيدة , بل أن أفعالنا تناقض هذا القول تماما.

وفي عيد المسلمين الكبير , أكثر من مليونين ونصف حاج من جميع المجتمعات الأرضية يقفون على جبل عرفات وينادون بصوت واحد "لبيك اللهم لبيك... لبيك لا شريك لك لبيك...." , وتصدح الخطب في الجوامع حيث مئات الآلاف منها تلقى بيوم العيد. فهل أننا نفعل ما نقول وما نسمعه في هذه الخطب , أم أنها مجرد كلام.

فلو أن كل مسلم فعلا عمل بمنطوق الأيام السعيدة لتغيرت أحوال المسلمين , فلماذا لا نفكر في هذا العيد ونعيد النظر في "أيامكم سعيدة". هذا القول الذي يتردد على ملايين الألسن ما هو إلا كلمات بلا دور في حياتنا , لأننا لا نرى أي فعل يحقق أياما سعيدة. فالفقر والجوع والتخلف والجهل والمرض والأمية سائدة في المجتمع الإسلامي , وأن أكثر من ثلثه يعيش تحت خط الفقر حسب الإحصاءات العالمية. ولا نجد فيه وسائل ونشاطات تحاول القضاء على هذه الآفات إلا فيما قل وندر.

لكننا مفوهين في خطبنا وأحاديثنا عن المثل والقيم والأخلاق ووحدة المجتمع وتقارب القلوب ومحبتها وجمال تفاعلها وهي تخاطب ربها الكريم أن يغفر لها ما تقدم وتأخر من ذنوبها وفواحشها. وواقع حياتنا مؤلم وقاسي وتفاعلنا مع بعضنا لا ينم عن رحمة واحترام ودين. وأيامنا في معظمها تعيسة ومشحونة بالعناء والتمزق والإرهاق , وكل منا يمعن في تعقيد حياة الآخر , ووضع الصعاب أمام خطواته والتقليل من دوره وأهميته.

وإننا نحارب الجد والاجتهاد ونشجع التواكل والاعتماد على الغير , ولا نعرف التوكل على الله حق التوكل والتعقل والإصرار. ونتمادى في تنمية آفات التخلف والضعف والضياع , وحتى في المجتمعات النفطية الإسلامية ,  هناك فقرا مدقعا وثراءا فاحشا  وتخلفا مروعا وظلما شديدا.

وما أسهل إيذاء بعضنا وتهجير بعضنا والنيل من بعضنا بشتى الوسائل والإمكانات , بل ونتعاون مع غيرنا ضد أخينا المسلم , من أجل غاية دنيوية باهتة , ونحن نسبح لرب العالمين بكرة وأصيلا.

وما أكثر الأيتام في مجتمعنا وآباؤهم مسلمون قتلتهم أيادي مسلمة. واليتيم حقه ضائع يعاني الأمرين لكي يعيل أما أرملة وأخوة وأخوات ولا من أحدٍ يرأف ويساعد ويعين , أو تأخذه الغيرة على ابن وطنه ودينه. ومن الصعب جدا أن تجد بيننا مَن يفكر بجعل أيام اليتيم سعيدة.

فالمسلم لا يعين المسلم بالفعل في معظم الأحيان, وفي بعض البلدان يقتله ويعذبه ويمثل به , تحت شتى الذرائع والمسميات والأوصاف وينسى دينه وربه وهو يقسو على أخيه المسلم. ونحن نجتهد بالظلم والأحزان والآلام ولا نريد وجها مبتسما بل عبوسا قمطريرا , وندثر نساءنا بالأسمال لأننا نكره الجمال ونبحث عن القبيح أينما كان.

فهل يروق لنا حقا أن يكون الإنسان المسلم سعيدا؟ وأفعالنا تريده حزينا مقطبا مجللا بالسواد والبؤس والفقر. فتأملوا أحوال المسلمين من حولكم, وانظروا هل أن أيامهم سعيدة.

نحن نناقض واقع حالنا ونتوهم بأن أيامنا سعيدة , وما كانت يوما كذلك  , وإنما نتمنى ولا نعمل , ونتخيل ولا نسعى لتحقيق أفكارنا السعيدة والتعبير عن إرادتنا , بل نأنس بشقائنا ومعاناتنا اليومية, ونحسب ذلك دينا وعبادة.

وهكذا فنحن نهنئ بعضنا بالعيد ولا نتساءل عن معانيه وقيمه ومعطياته الأخلاقية والتربوية, ولماذا نتمنى السعادة لبعضنا فيه. وهل نحن نتقدم ما بين عيد وعيد. وهل نقدم ما يحقق سعادتنا وقوتنا.

أتمنى الأيام السعيدة حقا وفعلا لكل مسلم , ولكل إنسان يشاركني هواء الأرض ونعمة الحياة. وأن نؤمن ونثق بأنفسنا وبقدرتنا على صناعة الأيام السعيدة في مجتمعاتنا , لأنها تمتلك كل العناصر والمرتكزات الأساسية لبناء السعادة وتحقيق الحياة الحرة الكريمة.

وأعمالكم سعيدة.....وأيامنا سعيدة بالجد والاجتهاد والتفاعل الأخوي البناء فيما بيننا , لكي نرتقي ونكون بحجم القيم والمثل والأخلاق الرحيمة التي جاء بها ديننا السمح المبين , وعبر عنها نبينا الكريم (ص) الذي يقول فيه الرحمان الرحيم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org