مقالات

المزلقة النفطية...!

د. مراد الصوادقي

نقول أرض مزلقة أي لا يثبت عليها القدمان , والزلق المكان المزلقة , ويعني الزلل "وتصبح صعيدا زلقا" الكهف 40 , أي أرضا ملساء ليس فيها شيء. وفي بلاد النفط تعددت المزالق , وما أكثرها التي أدت بحياة الشعوب وسجنت الأجيال في وديان الحيرة والقهر والإحباط والخيبة.

فهل أن زيادة أسعار النفط إلى ما كانت عليه وانحدارها المفاجئ  إلى ما هي عليه لعبة أم صدفة؟

فقد ارتفعت الأسعار بسرعة متلاحقة وهوت بغتة وبلا مقدمات.

ربما تكون هناك نوايا خفية تتحرك تحت رمال الأرض النفطية , غايتها الهيمنة على كل قطرة منه وأخذ عائداته وتحويل أهله إلى فقراء معوزين أكثر مما هم عليه الآن بكثير جدا. فلا يمكن أن يكون معقولا ما يجري في عالم النفط , ولا يمكن قبول ذلك بسذاجة ومن غير حيطة وحذر وترقب واحتراز.

إذ يبدو أن النفط أصبح لعبة خطيرة لاستهداف شعوب وحكومات وأنظمة نفطية تعتمد في اقتصادها على النفط . ومن المرجح أن تنهار أسواق النفط وتتدنى أسعاره إلى أقل ما يمكن من أجل تحقيق الأهداف المرسومة من وراء اللعبة , وبعدها تصعد بصورة مفاجئة لإسناد التغيرات التي ستحصل عن قريب.

وستتضرر الدول النفطية المخدوعة بلعبة زيادة الأسعار والتي بنت مشاريعها المستقبلية على ذلك الافتراض , فإذا بها تصطدم بصخرة المفاجأة المخبأة لها , وربما لا تستفيق من أهوالها وقد تكون فريسة سهلة وطيعة. وعلى رأس الدول التي تضررت بهذا الانزلاق إيران , فنزويلا , روسيا والعراق ,غيرها دول أخرى  , مما أدى إلى تجريدها من بعض مؤهلات القوة والاقتدار وخلق المشاكل العديدة لها.

ويظهر أن لعبة الانزلاق النفطي ذات مرتكزات وأهداف معقدة ومركبة , تستعصي على المستَهدَفين رؤيتها والتفاعل معها بحكمة وعقلانية. ومن المرجح حصول انهيارات سياسية كبيرة في دول النفط , وتداعيات خطيرة على جميع المستويات , لأنها قد بنت مشاريع وجودها وخططها على أن النفط سيزداد سعره باطراد , فلم تتحسب لهذه الانزلاقات المدروسة من قبل الآخرين. وقد يكون ارتفاع أسعار النفط خدعة مبرمجة لتحقيق انهيارات سياسية كارثية في الدول المقصودة.

فسعر النفط ربما سينهار وإمكانيات توفير الطاقة البديلة ستكون قريبة من المنال. فهناك الكثير مما يجري في الخفاء وبذكاء بعيد  لا تقدر على إدراكه العقول الضعيفة المقيدة بالحاجات والمحاصرة بالأسوار والكراسي والانفعالات.

فالانزلاقات النفطية ستحقق كوارث مروعة في بلاد لا تمتلك أي مقومات اقتصادية سوى آبار النفط , وما استطاعت أن تبني نظاما اقتصاديا متطورا يساهم  في استيعاب طاقات أبنائها. ولهذا فأنها ستجد نفسها أمام خيار واحد فقط , وهو خيار الحرب الذي سيقضي عليها بالكامل ويجردها من جميع مبررات وجودها وتواصلها الحضاري والإنساني.

والانزلاقات النفطية التي ستصيب الدول النفطية لا يمكن التعافي منها بتقليل الإنتاج , لأن الآخر قد حصل على مخزون نفطي يكفيه حتى يحقق أهدافه المرسومة. ومن هنا فأن على المجتمعات المقيدة بالنفط أن تشد الأحزمة على البطون , وأن تفكر بعقلية وطنية واقتصادية ذات قيمة لمجتمعاتها بدلا عن فلسفة الكراسي والتصورات الطوباوية النفطية الفارغة التي ستدمرها بالكامل وتقضي على قيمتها ودورها الحضاري.

لقد انزلقت المجتمعات النفطية بعد أن فرشت أرضية وجودها بالنفط وتم دفعها بقوة كبيرة إلى حيث حالتها الغير محسوبة من قبلها. وستكون الدول النفطية أكثر الدول فقرا وجوعا وألما على وجه الأرض , إن لم تتحسب وتستيقظ وتنهض وتتراجع عن تفكيرها القديم المرهون ببرميل النفط الذي لا يمكنها أن تحدد سعره والمحافظة على قيمته ودوره في الحياة. لأنها مكبلة الإرادة وغير قادرة على مقارعة القوى الاقتصادية الجماعية التي تخطط بذكاء ودهاء وتستخدم نظرية اللعبة بإتقان وخبرة لا مثيل لها في التاريخ.

فهل سينزلق سعر النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل الواحد , وتنزلق معه الدول النفطية إلى وديان الحيرة والخيبة. فكل شيء ممكن في المزلقة , وبعض الدول النفطية أخذت تنزلق إلى إنقاذ البنوك العالمية من الإفلاس , ولا يعلم إلا الله كيف ستحصل على أموالها منها. وسيتواصل الانزلاق وتبقي أرض النفط هي الأكثر اضطرابا في الأرض. وما حصل تحذير للدول النفطية قبل أن تحترق بنفطها أكثر وأكثر مثلما احترقت بلاد ما بين النهرين .

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org