مقالات

أمريكا والعلمانية

 

دونيس لاكورن*

توطئة:(المترجم )

كل الحديث – في الضفة الأخرى، ضفتنا نحن - في سنوات حكم بوش والحزب الجمهوري كان مركزا على الخلفية البروتستنتية لأمريكا.. لا أنفي شيء يسير ومسرحي من ذلك بالنسبة لفريق الحكم. ولكنني لمست خطر تمديد آجال الفكر الغيبي والتحليل العبثي الناجم عن هذا المعتقد بربوعنا، ووجدته مستفحلا بعقول الناشئة وعموم البسطاء. أكثر من ذلك، لمسته في مراكز بحوث ودعاية بإشراف دكاترة متخصصين اعتمادا على دراسات قام بها أمريكيون أيضا… وبترجمتي لهذا المقال أريد أن أثير السؤال من جديد: أليس السياسي بنهاية الأمر سوى لون المجتمع كيفما كان، أم أن هناك أقاليم متوازية أم ماذا بالضبط؟

التأكيد على وجود لائكية أمريكية يبدوغير متناسب تماما. الشعارات والعهود الدينية، الدعوات السافرة، لحظات الصلاة بالكونغرس وبمكاتب الرئيس، الدفاع عن نص وطني مؤسس على عقيدة أنجلو-جمهورية-بروتستانتية..، كل ذلك يدل على أن الدين له مكانه بالفضاء العمومي الأمريكي وأنه بالخصوص مسيحي..

" فيلسوفي المفضل، يقول جورج بوش في الأوليات سنة 2000، هوالمسيح لأنه أنقذ قلبي".

عشية الأوليات، مايك هوكابي يؤكد على نفسه كقائد مسيحي.. هيلاري كلنتون، تلح على أهمية الصلاة.. باراك أوباما يشير إلى تحوله الديني راشدا.. ميت رومني، المرموني، يقول بأعلى صوته بأن المسيح بالنسبة له " هوابن الله ومخلص الإنسانية".. ومكاين يتكلم عن معجزات في إعلان إشهاري يثير حياته كسجين في فيتنام: حارس يخط صليبا تحت رجليه في يوم عيد الميلاد…

كل شيء إذن، يبدوسابحا في الديني بالسياسة الأمريكية. ومع ذلك فان حدثين عابرين بفرنسا يدلان على عدم أهمية ظاهر الأمر، وأنه في مقابل المتدينين ينتصب " العلمانيون"، المعادل الأمريكي لكلمة لائكية.

في خطابه بتاريخ 06 ديسمبر 2007 حول العقيدة بأمريكا، رومني أدان عدوين خطيرين : الإسلاميين أنصار "الجهاد"، والعلمانيين المتدافعين "على محوأية إشارة إلى الله من المجال العمومي".

مايك هوكابي، من جهته، صرح غداة الأوليات بميشيغان بأن الوقت حان لتعديل دستور الولايات المتحدة المسطر سنة 1787 من أجل إدراج بعض التعاليم الإلهية.

هذه الهجمات المتكررة تشي بوجود لائكية قديمة، مستمرة ومستفحلة تخلق القدر الكافي من غضب حزب المتدينين.

من أين جاءت؟ ماذا بقي منها بأمريكا اليوم؟

الجواب، وهوغير مريح بالنسبة للمسيحي خصوصا إذا كان "معمدا بروح القدس"، هوأن الآباء المؤسسين لأمريكا الجمهورية كانوا بأنفسهم رجال عصر الأنوار، كافحوا مبكرا من أجل إنشاء فصل حقيقي بين الكنيسة وبين الدولة. تعلق الأمر بداية بفرجينيا، ثم بعد نجاح التجربة، مع باقي الولايات المتحدة.

المسألة التعليمية كانت بقلب الجدال السياسي..؛ هل يجب إعطاء الحق لبرلمان فرجينيا كي يرفع ضريبة من أجل تموين المدارس الدينية، باعتبار كل المعتقدات؟

الجواب المدافع عنه في عريضة كتبها ماديسون سنة 1785 كان نفيا قاطعا: كل ضريبة دينية حتى وإن كانت موزعة وفق مبادئ نزيهة هي ضد حرية تفكير المواطنين. مشروع القانون المتعلق بالحرية الدينية المجاز سنة 1786 يتبنى الفكرة نفسها: ولاية فرجينيا تتوقف نهائيا عن تموين نشاطات الكنائس.

في رسالة للتجمع العبراني لنيوبور في روود ايزلاند، الجنرال واشنطون بعد انتخابه رئيسا يطمئن محاوريه: الحكومة – فيما يكتب- ليس من أهدافها "تعزيز التعصب ولا تشجيع أي شكل من الاضطهاد الديني". يتوجب ببساطة " على كل شخص أن يبقى جالسا بسلام تحت كرمته وتينته"، بدون أن يحرجه أحد على معتقداته.

حرية الضمير المكفولة من الدولة كانت إذن مطلقة. وهذه الحرية تنطبق أيضا على اللاتدين كما نستشفه من جيفرسون في" ملاحظاته عن فرجينيا": ما هوفي الواقع الهدف المركزي للحكومة؟ السلم المدني، ومن ثمة حظر أي نشاط يضر بالآخر ؛ " نحن لا نضر جارنا في شيء عندما نقر بوجود عشرين اله وبعدم وجود ولا اله واحد. هذا لا يفرغ جيوبي ولا يكسر رجلي"..كتب جفرسون.

دستور الولايات المتحدة، وعلى الخيبة الكبيرة للمتدينين، يستبعد أية إشارة إلى الله وإلى ديانة مؤسسة. ويمنع الممارسة الدينية كشرط لدخول الوظائف العامة. وتعديله الأول منع أيضا أي إحداث لكنيسة دولة . تصميم مثل هذا هل يسمح بانتخاب رئيس يهودي، محمدي، وإلا حتى عابدا للإله بعل؟ تساءل نقاد المثال الفيدرالي..

نعم! أجاب أنصاره..لا شيء يمنع من ذلك…

نحن نفهم إذن إشفاق أتباع حزب المتدينين ورغبتهم الجامحة لإحداث تصحيح في النص المؤسس للديمقراطية الأمريكية.

إذا كان أعلى هرم اللائكية الأمريكية هوالدستور الفيدرالي، فإن حماته هم قضاة المحكمة العليا، الذين أعدوا المبادئ للفصل بين الكنيسة والدولة. حسب هذه المبادئ، كل قانون يخدش في المنع الخاص بالتعديل الأول - ليس هناك كنيسة رسمية إذن ليس هناك رأي ديني رسمي - يعتبر غير دستوري. ولذلك تمنع المحكمة الصلاة بالمدرسة، الصلاة بمنتدى رياضي، تعليق الوصايا العشر في المدارس والمحاكم، تدريس قصة الخلق..، وكما أن القاضي يرفض التقرير على الحقائق الدينية، فإن كل الديانات حتى المغمورة منها، تحظى بالمثل. ولذلك رفضت المحكمة أن تمنع التضحيات بالحيوان الممارسة من طرف كنيسة لوكومي بابالي آي، طائفة افريقية-كوبية بفلوريدا. بحجة أنه حتى إذا كانت هذه الطقوس فضة وقاسية فإنها دينية وجديرة بالمقارنة مع تضحيات قاسية هي الأخرى ممارسة من طرف الإسلام واليهودية.

ضمان دولة محايدة، كان بهذا الثمن.

بكلمات أخرى، كل الديانات تعامل على قدم المساواة. حتى وان بقيت بعض الممارسات ممنوعة، كتعدد الزوجات عند المورمون .

إلى أين يصل حياد الدولة؟

فقه المحكمة العليا صادم لحزب المتدينين خاصة. حيث أنه لا يمنع فقط أي إجراء يميز كنيسة على حساب أخرى، ولكن يمنع أيضا أي تفضيل للدين على الإلحاد واللادين: " الملحدون، كتب القضاة، هم أعضاء بصفة كاملة بالمجتمع الوطني".

هناك مفارقة أمريكية..

الفصل القانوني الحاسم بين الكنيسة والدولة لم يمنع تشابكا قويا بين الديني والسياسي في الحملات الانتخابية. يعود هذا إلى أجندة الأوليات والى الاعتقاد بأن الرئيس لا يمكن أن ينتخب بدون الاعتماد على أصحاب "القيم المعنوية التقليدية" . ومع ذلك، فكثير من الدين يقتل الديني؛ وليس إطلاقا من الصدفة أن يكون المرشحين النهائيين الوشيكين، أوباما وماكين، هما الأقل تدينا من باقي المتسابقين منذ أوائل سني 80.

ينشر بالتعاون مع فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب www.3almani.org

ملاحظة

* دونيس لاكورن،Dnis Lacorne كاتب فرنسي ومدير بحث بمركز الدراسات والبحوث الدولية.

نشرت بليبراسيون الفرنسية le quotidien Libération بتاريخ: الاثنين 25 فيفري 2008

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org