مقالات

افاق الحوار في النظرية الاسلامية .. (1)

 

هلال ال فخر الدين 

الحديث عن افاق الحوار في النظرية الاسلامية حديث واسع كسعة الاسلام المحتضن لرسالات السماءالماضية وجهود الرسول المضنية وسيرة الصفوة المؤمنة ومواكبة مسيرة المدنية الصاعدة  هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الحوار فيه يرتقى لمستوى رفيع  يخرج من دائرة الذات الى افاق الفكرة كماويعتبر سنة لابد منها سواء مع الاخروالمخالف او العدو الغاشم حتى ولو كان ابليس او مع اضعف الهوام بل مع الصم الصلاد...وحركيته نابعة من الاخذ بالقواسم المشتركة وان دقت ويستجيب الى البصيص واذا عدمت .ارتقى بالمسؤولية لاعلى درجات السموا بالبلاغ والتذكير ...وقاعدته الاساسية في الحوار (بالحسنى) وبالتي هي احسن ...وهدفه الحق وغايته الطريق القويم ...واسلوبه الموضوعية والشفافية لتبديد الاوهام ...وله انماط متعددة في النظرية الاسلامية حسب المقام والمكان والظرف

لكن الذي يبعث على الشجن ان بعض المسلمين لايزال خارج التاريخ او يغرد خارج السرب ويرمي ليس فقط الاخر بالكفر والشرك والمروق بل وحتى جمهور المسلمين رغم ما يحمله الاسلام من منظومة كبيرة للحوارالمتسامح ليس لها نظيروفي غاية الروعة والفاعلية والانفتاح والاتقان...والمدهش لهذه الفئة انها تتغنى بالحضارة الاسلامية السالفة وتمجد ازدهارها وتطالب بالاخذ منها والرجوع اليها واستلهام سير اعلامها لكنها في الوقت نفسه تغفل او تتغافل وتغابى بان ذلك العصر الذهبي للثقافة الاسلامية ما كان ليصل الى تلك المراتب لولا تفعيل تلك المنظومة الحوارية الحضارية مع الاخر حتى وان كان وثني او يطعن في اقدس العقائد (القران) فما كان ليهدر الدم ...بل يحاور ويناقش ويرد عليه وبمنتهى الحرية الفكرية ..

والمدهش لهؤلاء انهم يقيموا الدنيا اعلاميا للتحاور مع الاديان باقامة المؤتمرات الكبرى لكن مع اطياف شعوبهم ومكونات مجتمعهم لايعاملونهم حتى على اساس درجة ثانية او ادنى بل تعمد الالغاء والاقصاء وحتى المحاربة الطائفية المقيته فهذه الازدواجية في المعايير والتناقض في التعامل لايخرج عن اطارنفاق الاعراب والتخلف الجاهلي الذي لا يعى معنى الحوارنتيجة لتحجره البدوي الراسخ وغلظة الطبع الجافي.. 

ولم تكن الامة بمساس الحاجة الى الحوار في اي وقت مضى منها اليه في عصرنا الكنود الحالي من تكالب القوى وشدة الهجمة واستفحال الصراع وتعاظم التحديات وهذا يجعل الحوار خيارا استراتيجي لابد منه مع الاخر لتبديد سيول الافتراءات والاكاذيب واعطاء الصورة الصحيحه للاسلام الانساني الكوني  لفرزالشاذ من الصحيح والغث من السمين حتى يحصحص الحق وينبلج الصبح ...لان الاسلام كان ولايزال وسيبقى لايفتأ من الدفع الحثيث نحو الحوارالحضاري الواعي البناء بل ويدعوا للتلاقح والفكري والتمازج البشري لدفع عجلة التطور والسلام والتسامح ..............   

الحوار سنة الهية ..

 

الحوار اسلوب الهي ومنهج عالم الملكوت والحوار اول ما ابتدأ لله  حديثه مع ملائكته بشأن صفوته وافتتح به جعل خليقته و حاوره في جنانه :(فقلنا يا آدم ان هذا عدولك ولزوجك..) طه:117  ...و:(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه...) البقرة:37  واخذ الميثاق به على رسله-(وءاتيناه آلحكمة وفصل الخطاب ) ص:20 بما استلهموه من ملكات الحوار وبيان الخطاب - وجعله سنة في كتبه -(ولقد ارسلنا فيهم منذرين)الصافات:72 اي محاورين - ومهيعا لرسالاته -(فأتوا بكتبكم إن كنتم صادقين) الصافات:157 في تحدي للاخر باثبات دعاواه - وطريقا لاوصيائه وامر به خزان علمه وابواب حكمته كسنة لايصال احكامه وتطبيق شرائعه من غير الحاف او فرض سلطان (فمنهم من امن ومنهم من صد عنه ..) النساء:55....وسبحان مالك كل شىء رب السموات والارضين من لايتعالى عن الحوار مع اقل مخلوقات مملكته  خطرا واصغرها قدرا كالنحلة :(وأوحى ربك إلى النحل أن آتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون*ثم كلي من كل آلثمرات فآسلكي  سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ..)وجعل سبحانه سورة كاملة من قرانه الكريم باسم اضعف مخلوقاته كحشرات (النمل) و(النحل)وحتى انه جل وعلى شأنه لم يترفع عن مخاطبة الاثير والجلمود ..:(فقال لها و وللارض آتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) فصلت:11  او قوله سبحانه مخاطبا للنار :(قلنا يانار كوني بردا وسلاما..) الانبياء:69 او قوله سبحانه للسماء بالاقلاع عن المطر وللارض ببلع الماء لكن الانسان جهولا وجاحدا للايات الكبرى فيتخذها هزوا (ذلكم بأنكم أتخذتم آيات الله هزوا..) الجاثية:35

اذن فالحوار خيار السماء في تعاملها مع الاخر مهما كان ذلك الاخر وان كان جماد الارض وحتى لو كان الد الاعداء شيخ الشياطين وابوالابالسة وفقيه المفسدين (ابليس) في حوار متسلسل حر رائع بين الرحمان الرحيم والشيطان الرجيم ..:(قال ربي فانظرني الى يوم يبعثون ..)  الحجر:36 كذلك في سورة ص: 79  فاجابه الله :(قال فانك من المنظرين)الحجر :37 وسورة ص:80 ويحاور الباري سبحانه ابليس (قال فاذهب فإن لك في الحياة  ان لاتقول الا  مساس ..) طه:97  فيجيبه الرجيم :(قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم) الاعراف :16 لتبليغ مقاصده وبيان شريعته وبث حكمته وحبك قصصه وهو نابع من رحمته و د ليلا على شفافية قدرته  وجلالة رأفته ورشاد  منهجه وهداه  لكافة خلقه.. من غير جبرا لازما ولا اختيارا ..لكنه امر بين الامرين  لتعليم البشرية سبل الحياة وطرق الصلاح لبلوغ معالي الدرجات ونبذ مهاوي الغواية وتجنب مصارع الهوى وعواقب سوء الصراع ...ويكثر الله من الحوار مع اكرم مخلوقاته (بني ادم) وباساليب متعددة لاجل هدايتهم واخراجهم من الظلمات الى النور

هذا بيان للناس ...ال عمران :138

هذا بلاغ للناس...إبراهيم:52

هذا بصائر للناس ...الجاثية:20

هذا هدى ...الجاثية :11

ويذكرهم سبحانه بالايات الواضحات لعلهم يفيؤا الى الحوار ويركنوا للصواب :(ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون*ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة  إن في ذلك لايت لقوم يتفكرون*ومن ءاياته خلق السموات وآلارض وآختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لايت للعالمين *ومن ءاياته منامكم باليل والنهار وآبتغاؤكم من فضله إن في ذلك لايات لقوم يسمعون...لقوم يعقلون  ) الروم :20 -21-22-23

والباري سبحانه وتعالى يطلق حزم من البينات لتكون قاعدة للتحاور:(قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق..) العنكبوت:20  و(أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كانت عاقبة آلذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوة وأثاروا آلارض وعمروها أكثر مما عمروها وجائتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلومن ) الروم :9  فالذكر الحكيم يشدد على دور العقل وتفعيل دور العقل واعمال العقل في التدبر وجعله منطلقا للحوار ...فاذا ابوا الا المقاطعة والانسلاخ عن الرشد واصروا اصرارا على الغي والتجهيل والافساد ..

:(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء...)الانعام44 و: (فيومئذ لاينفع الذين ظلموا معذرتهم ولاهم يستعتبون ) الروم:57

ولاغنى  ازكى للعقل من الحوار ولا فضاء له يسبح في رحابه اوسع منه ولا مرقى يرتقي في مدارجه اعلا منه  ولاصفاء للنفوس التواقة اركن منه ولا اهش للقلوب الضمأ شيىء كالحوار به تحل العقد وتفث المشاكل ....

 بالحوار تنطفىء النائرة وتزول الغشاوة وتطوى الستارة وتتكشف الغوامض فيحصحص الحق  وتنجلي الغبرة فتنجحر البواطل ....الحوار ...لاصحاب الالباب ....وليس للاحجار او الصم الصلاد الذين في اذانهم وقرا ..صم بكم  عمى فهم لايرجعون  حتى الصخر منه ما يتفجر الماء وتنبع الانهار ... 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org