مقالات

افاق الحوار (2)

 

هلال ال فخر الدين

الحوار منهج رسالي...  

لابد من الكلمة الطيبة في الحوار كشرط اساسي في المنهج الرسالي لانها تريد صياغة جديدة لتشكيل الفكر وابداع غير مسبوق لصقل السجايا وتهذيب الروح من لدن خبير عليم مما يجعلها مباركة وتعطي ثمارهاكل حين وان الطيب لايخرج منه الا الطيب وبعكسه الحوار الخبيث الضال  :(ألم تر كيف ضرب آلله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء*تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون*ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة آجتثت من فوق الارض ما لها من قرار)إبراهيم:24-25و: (قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث.) المائدة:100 26

والحوار قديم قدم الخليقة وهي في الجنان وفي هبوطها الى الارض رافق البشرية في مسيرتها وهي تنتقل من طور التخلف إلى أطوار الرقي والتحضر وهو يعني تحكيم العقل في ايات الله وعجيب صنعه :(قل انظروا ماذا في السموات والارض..) يونس:101 والاخذ بالمنطق في ما يصاحب الانسان من نوازع والاحتكام اليه في المشكلات التي تنشأ بين المجموعات الإنسانية كما يعترف بوجود الآخر ولا يعمد إلى إلغائه لأنه لا يقوم إلا بين طرفين اللهم إلا أن يكون حواراً داخلياً مع النفس أو الذات وهو يصب أيضاً لصالح الإطار العام للحواركما اسلفنا .

بما ان الحوار سنة الهية فقد التزم الرسل الحوار منهج إنساني وفق مستوى الفهم مشفوعا بالبينات مقرونا بالمحاججات ومسددا بالدلالات :(قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك..) الكهف :37 و(قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا  )المائدة :76 ...
فابو البشر الجديد النبي (نوح) الماكث في قومه اطول فترة زمنية (الف الا خمسون عاما) لتبليغ رسالة السماء قضاها  كلها في حوارا صريح ومرير مع قومه من دون ملل او كلل :(قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا*فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) نوح:5-6..ويستمر الحوار وبصيغ متنوعة (ثم إني دعوتهم جهارا* ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) نوح:8-9...وهذا ما تلاحظه من حشد الرسل مع اممهم وشعوبهم في الدعوة الى الله ولنا في قصصهم عبرة وسار على خطاهم الصلحاء والمصلحين بالتزام سلوك الحوار للنصح والاصلاح في مجتمعاتهم

فقد اتخذ ابو الانبياء إبراهيم اسلوب الحوارمع الذات او الحوار الداخلي الذي يكشف عن نوازع الفكر وخلجات النفس اولا : (فلما جن عليه اليل رءا كوكبا..فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربي...فلما رءا الشمس بازغة قال هذا لربي هذا اكبر ..الانعام :76-77-78 ..واتبعها ثانيا:في حوار مستفيض مع مشركي قومه :(اذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون .) الانبياء :52  ..(اذ قال لابيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولايبصر  ..) مريم:42 ..وحطم اصنامهم وراح عليها ضربا وتكسيرا وحاور الاصنام قائلا :مالكم لاتنطقون استهزاء بها وبمشركي قومه في ان واحد لان عقولهم من شدة تحجرها اصبحت اصم واصلد من احجار التماثيل التي عليها عاكفون اي من شدة حرصهم الدائم على عبادة الهتهم تراهم  معتكفون عليها فلما سألوه من فعل هذا بالهتنا ..؟:(قال فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ) الانبياء :63  هنا وعندما اصروا على عبادة الاوثان رغم حواره الموضوعي الواضح وماقدمه لهم من الادلة العقلية والعملية على فساد رأيهم :(إذقال إبراهيم لابيه وقومه إنني برآء مما تعبدون) الزخرف :26..(فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أحرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لايت لقوم يؤمنون) العنكبوت:24 واتبعها ثالثا:مع فرعون عصره و(نمرود) زمانه فافحمه بالحجج الجلية والبرهان الساطع فاسقط مافي يدي الجبار المتغطرس ولم يعر جوابا عندما قال له ابراهيم :(إذقال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن ربي  ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين ) البقرة :258وهذا ديدن غرورالطغاة في جدالهم مع الحق :(آلذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان أتاهم.. ) غافر: 25ورابعا :كان حواره مع الله في مسألة شغلت بال الناس ولازالت تؤرقهم قضية الموت وكيفية احياء الاموات ونشر الاجداث بعد حين .وليطمئن قلبه ويظهر قدرة العزيز الحكيم ....:(وإذقال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير..) البقرة:260 خامسا:تستمر حواريات سيدنا ابراهيم مع رب العزة ومناجاته له في صلاح ذريته وتلبية نداء ربه بذبح ابنه واستسلام سيدنا اسماعيل للامر الالهي وفي بناء البيت الحرام وهفوا الناس اليه وتقبل الاعمال ...

وقد سلك الأنبياء مع طغاة وفراعنة عصرهم مسلك الحوار اللين الشفاف لكفّهم عن الظلم والطغيان ودعوتهم للقسط والإيمان.قال تعالى مخاطباً موسى وهارون (ع): (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) طه:43-44. وإذا كان الحوار مطلوباً مع فرعون وأمثاله فهو مطلوب بالضرورة مع الذين نختلف معهم في الرأي من كافة الناس.

وابواب حوارالانبياء لاتقتصر على المعاندين او الكافرين والمكذبين بل مفتوحة على مصراعيها امام الجميع وحتى مع الصفوة والصحابة فقد تحاور الحواريون رغم مبلغ علمهم مع اليسوع عيسى بن مريم لينظرو بام اعينهم معجزة ملموسة ويكونوا عليها من الشاهدين:(اذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء.. )
وللحوار مارقي حسب سعة الصدور ومبالغ الافهام كما توضحه سورة الكهف في حوار احد انبياء أولي العزم (موسى) مع (عبدا من عبادنا  اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما )(الخضر) فاراد موسى ان يتتلمذ على يديه و(أن تعلمن مما علمت رشدا)فقال له الخضر:(إنك لن تستطيع معي  صبر)...فلم يصبر فافترقى ..وهذا يؤشر ان الحوار يكون على قدر علم الاخر وبما يستوعبه فهمه وكما يقول المصطفى خاطبوا الناس على قدر عقولها  ولكل مقام مقالة وكل يوم في شأن فما يصلح لزمان لايعني انه يصلح لزمان اخر وهذا ما تؤكده النظرية الاسلامية في وجوب اختلاف لغة الخطاب من مكان لاخر ومن فئة لاخرى مع مراعات اختلاف الافكار..

وقد يحسب البعض ان الحوار مع السوقة وعامة الناس نوع من الاسفاف والابتذال وليس فيه مايجدي نفعا وهذه يتناقض مع النظرية الالهية والافاق الرسالية  التي لاتمانع من اجراء الحوار حتى مع اضعف خلق الله واصغرها شأنا  وهي حشرة (النمل) كما تعامل معها احد كبار الانبياء  نبي الله سليمان صاحب الملك العظيم والذي اتاه الله كل شيء ..(حتى إذا أتى على واد آلنمل قالت نملة يأيها آلنمل آدخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون* فتبسم ضاحكا من قولها ..) النمل :18-19 وحواره مع الحيوانات وما بينه القران من حواره مع الهدهد حول ملك ملكة اليمن (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين* اني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) النمل :22-23  وفي هذه الايات تصوير رائع بعظمة هذه الحيوان الطائر الذي تحدى ذلك النبي الذي اصطفاه الله واعطاه كل شيء ويقول له:(لقد احطت من العلم بما لم تحضى به )انت يا نبي الله فلا تستعجل بارهاقي عقابا لغيابي عنك ....ومرة خرى يكشف لنا الحوار عن مقدرة هذا الطائر الكبيرة في الفهم الدقيق والذكاء العجيب من التعرف على الامور واستنباط توابعها بشكل واضح ومتكامل لدرجة (اليقين ) اي 100%  وكيف عرف ان هذه الارض هي بلاد اليمن ..؟وكيف اهتدى الى قصر الملك وكيف تعرف على قاعته ومقر جلوسه وعرشه وو.؟ وكيف علم  ان من تملكهم امرأة ..؟ وكيف استنتج ان لها ملك عظيم...ووو..؟بعد ذلك يقوم هذا الطائر الجميل برحلات ماكوكية وغير معهودة ويكون سفيرا لنبي الله الى مملكة سبأ...علما بان المسافة شاسعة جدا بين (اورشليم )القدس و(سبأ) اليمن على طائر صغير مثل الهدهد..

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org