مقالات

الرمل الناعم ...


عقيلة آل حريز

غريب أمر هذه الرمال الناعمة .. كل مرة تزداد مساحتها اتساعا ويزداد صفاؤها شدة كأنها حبات بلورية متراصة جلبت من كوكب بعيد .. يا للأشياء الجميلة حين تحملنا لتجاوز الفتور والوجع
تبدو بعض الأعشاب الخضراء صالحة للتمايل هنا وهناك .. تزداد اخضراراً ولونها يمتزج بنماء متقد من ضوء الشمس .. تزداد مساحة العشب الأخضر فيه كلما تحركت الرمال الملساء .. وثمة جذوع أشجار تنمو هنا وهناك تتسامق نحو السماء وتتسامى بحرية .

هل تذكر أيها الرمل يوم كنت تغني وحدك على الشاطئ .. السماء كانت واسعة بزرقة مبيضة الملامح .. والبحر متسع لا يحتويه مد البصر .. يومها كانت الفكرة تطرق نافذة أمانيك .. تحدثك بحلم رائع يكاد يكتمل ، وكانت الغيمة بقربك تؤذن بهطول المطر .
يومها توسمت الأمل بأن لا تتحول ذاكرة المكان لغبار تذروه الريح فتمحو حلمك وتنتزع أمانيك من رصيد الفجر البازغ .. قررت أن تمتد بعيدا وتترك الشاطئ خلفك .. تبقيه للحظة وللحظات تأمل ومن ثم تفترش مساحات واسعة من الأرض .. تتسابق حتى قمة تلك التلال البعيدة القريبة .. تتصافح معها وتتصالح ، حلفا وحبا .. وتندى فيك تلك الغيمات برذاذ ناعم لتخضر ذاكرتك بالعشب الأخضر ..

فعلتها إذا رغم اعوجاج الطريق من حولك ، وتواقح الريح السافرة معك كل مرة تقرر أن تبني حلمك .. كان يطل من عينيك يقين يفضحه إيمانك بأنك قادر على أن تصنع من بلوراتك الذهبية حديقة جميلة وتحولها لجنة .. تدس فيها أمنياتك وتملؤها بأمانيك .. ترتسم في وسطها جداول صغيرة تغذي خميلتك .. تبتسم للطيور المغردة حين تصدح عاليا وتستقر في أعشاشها .. تتحدى بها التصحر والنسيان تقاوم رغبة الريح بتحويلك لغبار منسي تذروه وقتما تشاء .

ولأن هناك مسافة واسعة بينك وبين الزمن فقد بدأت خطواتك تتسلق قصائد أخرى تحسن انتزاع النسيان من حضن الذاكرة .. فأنت لم تعد بمفردك .. كنت تعرف أيها الرمل الناعم أنه سيبقى منك الكثير وانك ستتلو يوماً صلاة الخلود في فردوسك الذي صنعت .
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org