مقالات

هل المرأة مجرد سلعة؟!

 

نجلاء ناجي البعداني

لأن والد هيفاء جشع طماع ومعروف بحبه الجم للمال فقد سال لعابه وطار عقله ولم يكد يصدق ما يسمع من ضيفه طويل العمر، فربما أخطأت أذناه  فظن غير ما يقصده الضيف، فأخذ يكرر السؤال ليأتي رد طويل العمر: نبغي الزواج من ابنتكم هيفاء على سنة الله ورسوله، وأنا جاهز لكل الشروط وبالمهر الذي تطلبه، وحين استيقن صحة ما سمع وأدرك أن زيارة طويل العمر بقصد الزواج من ابنته هيفاء الموصوفة بجمالها ورجاحة عقلها رغم صغر سنها، فهي لم تتجاوز الخمسة عشر ربيعاً فما كان منه إلا أن خلع عن نفسه معطف الأبوة ولبس معطف التاجر، فهو الآن بصدد عقد صفقة ويريدها أن تكون صفقة مربحة بالقدر الذي يرضي طمعه وجشعه وحبه للمال الذي يفوق حبه لنفسه، ولأولاده.

 ولأنه خبير بالسوق وبالبيع والشراء فقد عرف منذ اللحظة الأولى بأن السلعة التي يطلبها الزبون لا توجد إلا في منزله وعليه أن يساوم كيفما يشاء ويضع الشروط التي يريدها ويحدد السعر الذي يناسبه، وبين البائع والشاري يفتح الله، حتى ولو كانت هذه السلعة هي ابنته من لحمه ودمه وفلذة كبده وسنده يوم عجزه.. لكن كل هذه الأمور لامكان لها في ميزان الحاج ثابت والد هيفاء، فالمال أعمى بصره وبصيرته وغيب عقله عن ذرة تفكير في المصير الذي ينتظر ابنته بعد أن يسلمها لقصابها - عفواً - زوجها الذي لا يعرف له أصلاً ولا فصلاً ولم يسأل نفسه من هذا الشخص وأين بلده ومن هم أهله؟؟ ولماذا اختار هيفاء بالذات؟؟ ولا ماهي الضمانات التي سيأخذها على هذا الغريب لحماية ابنته وإلزامه بالحفاظ عليها وصون كرامتها وضمان كل حقوقها المادية والمعنوية وأن يكون تعامله إمساكاً بمعروف أو تسريحاً بإحسان.

فعقود الزواج تختلف تماماً عن عقود البيع والشراء والإيجار التي اعتاد إبرامها مع زبائنه ومع الشركات التي يتعامل معها، كما أن السلعة هذه المرة تختلف عن السلع التي يبيعها ويشتريها فهي قطعة منه ولا يمكن التفريط بها بهذه السهولة ولو أعطي وزنها ذهباً.. هذا ما يراه الأب الحنون المشفق على بناته الذي كل همه أن يزوجهن لمن يصونهن ويقدرهن ويقدس الحياة الزوجية القائمة على الاحترام والتقدير المتبادل.. أما مايراه التاجر فعلى العكس من ذلك فرؤيته دائماً وأبداً مَنْ يدفع السعر المناسب يحصل على السلعة ولا يهم ماهي السلعة أو نوعها ولا يهمه لمن باعها مادام قد قبض ثمنها الذي حدده.

المهم اتفق الطرفان البائع والمشتري وأبرمت صفقة هيفاء وبتراضي الطرفين.. كما حدد موعد التسليم بعد خمسة أيام بالتمام والكمال وبحسب شروط الاتفاق الذي تم.. كل هذا وهيفاء لا علم لها بما يدور، لأنها كانت منهمكة ومشغولة بحل الواجبات المدرسية والمذاكرة فهي طالبة في الصف الأول الثانوي وطموحها أن تصبح طبيبة تعالج الفقراء وتخفف آلام المرضى وتمسح دموع الموجوعين.

لم تتمالك نفسها حين علمت بأن أباها قد باعها في صفقة هي الأغرب من نوعها..!! ولمن؟ لرجل لا يُعرف له أصل ولافصل ويكبرها بخمسة وثلاثين سنة كما ادعى ومن يدري ربما بخمسين سنة أو أكثر.. الخبر نزل عليها كالصاعقة.. بكت كما لم تبك من قبل، صرخت من أعماق أعماقها، لطمت «وولولت» وتوسلت بكل ما تملك من كلمات التوسل، استعانت بكل من استطاعت الوصول إليهم من الأهل والاصدقاء والجيران حتى مدرساتها ومديرة مدرستها كن ممن طلبت عونهن ومساعدتهن على أمل أن يتمكنوا من عتق رقبتها لوجه الله سبحانه وتعالى وتخليصها من ذلك القصاب الذي ينتظرها بفارغ الصبر لينقضّ عليها مثل وحش على فريسته، ولكن - عبثاً - جميع المحاولات باءت بالفشل أمام إصرار أبيها وتمسكه بالصفقة التي عقدها، زاعماً بأنه رجل مبادئ ولايتراجع عن كلمة قالها ووعد قطعه ولو كان على قطع رقبته، فما بالنا حين تكون رقبة غيره حتى وإن كانت رقبة ابنته؟! وهنا قررت هيفاء أن تتصرف بسرعة وقبل فوات الأوان وتجد نفسها بين أحضان هذا الوحش الآدمي الذي لا همّ له الا إشباع غرائزه الحيوانية، فلم تجد أمامها إلا خيارين أحلاهما مر: إما الهرب والنفاذ بجلدها؟! أو الموت والخلاص من العذاب الذي ينتظرها؟؟ فاختارت الحل الأخير كحل أضمن للخلاص.. انتحرت هيفاء وطوت صفحة حياتها تاركة أباها يجترّ آلام الحزن والأسى، ربما ليس عليها وإنما على الصفقة التي خسرها وعلى سلعته الثمينة التي دفنت في التراب!

طبعاً الواقعة - وبكل أسف - حقيقية وتتكرر باستمرار وإن اختلفت نتائجها، فهيفاء واحدة من عشرات ومئات الضحايا اللائي يُسقن إلى المقصلة ويحملن مأساة واحدة.. زواج مبكر.. زواج سياحي.. زواج عرفي.. إلخ..  فأين دور علماء الدين ومشائخه؟؟ وأين هم خطباء المساجد وأئمتهم؟؟ وأين دور المؤسسات الثقافية والإعلامية؟؟ وأين هي وزارة التربية والتعليم والأوقاف والإرشاد والجامعات ومنظمات المجتمع المدني؟؟ وأين هم قضاة المحاكم من هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد حياة الآلاف من بناتنا وتدفعهن إلى طريق الضياع؟؟ كما لا ننسى الاسرة فهي بيت القصيد وأسس الصلاح للمجتمع.. أما السؤال الأهم فهو: إلى متى ستبقى المرأة مجرد سلعة يتداولها الرجال دون أي اعتبار لإنسانيتها وآدميتها وحقوقها؟؟

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org