مقالات

الجندر والمرأة النقابية

 

 

المحامية سحر الياسري

شكل عمل المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي في ثمانينات القرن الماضي أهمية كبيرة بسبب انشغال الرجال في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات، فضلا عن نتائج تطبيق التعليم الإلزامي والمجاني بتعلم نسبة كبيرة من النساء العراقيات وحصولهن على الشهادات العلمية مما دفع بأعداد كبيرة من النساء العراقيات إلى سوق العمل لسد النقص الكبير في اليد العاملة ومشاركة الرجل بصورة متصاعدة في النشاط الاقتصادي سواء في القطاع العام الذي تفضله النساء أم في القطاع الخاص. وقد شهدت الساحة العراقية تحولا في عقد لتسعينات من القرن الماضي بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق بعد احتلاله الكويت وانخفاض مستوى الأجور إلى دولارين أو ثلاثة دولارات شهريا شهد سوق العمل تراجعا كبيرا في مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي والطلب على العمل .

- بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 شهدنا تراجعا كبيرا لمشاركة المرأة العراقية في سوق العمل حيث بلغت نسبة مشاركتها 13%، ولعل ذلك يعود إلى البطالة الكبيرة نتيجة الاحتلال وتدمير للبنى التحتية للدولة ومرافق الدولة الأخرى، واختفاء منشآت كاملة في قطاع الخدمات بسبب النهب والتدمير، وتوقف عجلة الاقتصاد العراقي في كثير من مرافقه وفق سياسة متعمدة لإيقاف هذه المنشآت عن العمل لغرض بيعها وفقا لآليات الخصخصة بعد رفع شعار الخصخصة للقطاع العام. وقد كان للعنف المستشري في البلد بسبب العمليات العسكرية وأعمال الإرهاب والعنف الطائفي وأعمال المقاومة المسلحة أثر واضح على تدهور سوق العمل.

ومع عدم وجود سياسة واضحة المعالم لدى الحكومة فيما يتعلق بالتوظيف فقدت النساء الكثير من فرص العمل القليلة التي تذهب للرجال بسبب سياسة توظيف تقوم على تمييز ضد النساء واعتبار عملهن أقل أهمية من عمل الرجال، هذا بالنسبة للقطاع العام أما الخاص فهو الآخر توقف لانعدام مستلزمات نشاطه من وقود وكهرباء وقطع غيار وانتهاج سياسة كمركية تقوم على فتح الباب على مصراعيه أمام التجارة دون قيود تحمي الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص. وقد أسهمت التهديدات الأمنية وهروب رأس المال العراقي إلى الخارج واختلال العملية الاستثمارية بفقدان المرأة الكثير من فرص العمل التي يقدمها هذا القطاع

- شهد سوق العمل تحيزا واضحا ضد النساء ويتم التمييز سواء عند الدخول إلى سوق العمل أو عدم المساواة في الأجور وفرص التدريب والتأهيل المهني والموازنة بين العمل والعائلة وتتأثر هذه التحيزات بالمفاهيم والقوالب النمطية، والمفاهيم الفكرية الجامدة التي تحدد دور المرأة الاجتماعي( الجندر) بالإنجاب فقط ويروج الإسلام السياسي المتسيد الساحة السياسية العراقية وحياته الثقافية لهذا الدور ويحط من أهمية عمل المرأة ويروج لفكر رجعي بحجب النساء في البيوت وتشجيع لزواج النساء وهن في سن مبكرة جدا تصل سن الطفولة. هذه الممارسة انعكست بشكل واضح على أدوار المرأة التنموية، وينذر بمستقبل مجهول للمرأة العراقية في سوق العمل التي تتطلب مهارات وقدرات عالية. وكان لإخفاق السياسات الاجتماعية وعدم كفاءتها دورا في تحجيم دور المرأة وعدم مساعدتها. هذه الإخفاقات لحكومات الاحتلال وما بعده كانت جسيمة لأنها تعالج أعراض المشكلة لا أسبابها. إن إدماج النوع الاجتماعي يشكل جزءا لا يتجزأ من أية إستراتيجية إنمائية. إذ لا يقتصر الهدف من تعزيز مشاركة المرأة في النمو ومكافحة الفقر، بل يسعى أيضا إلى إفادة المرأة من التطور الحاصل. كما إن هذه الجهود لا تكتفي بالحرص على مساواة المرأة في حقوق الإنسان، بل تهدف أيضا إلى تمكين المرأة الفقيرة من التمتع بهذه المساواة.

 لقد ظل دور المرأة في المجتمع العراقي يمثل نموذجا لفقدان القوة الاجتماعية، إذ إن احترامها يتأتى من قدرتها على أداء منزلاتها التقليدية المنسوبة في خدمة الزوج، والولادة وتربية الأبناء، وانجاز الواجبات البيتية، وكانت فرص تعليمها محدودة جدا. وتتلخص الصورة النمطية عنها بكونها كائن ضعيف، قاصر العقل، لا يستطيع أن يؤدي أي دور فاعل ومؤثر خارج المنزل. بل إن بقائها في المنزل هو حماية وحصانة لشرف الأسرة، وان العمل يعرضها لمغريات ولظروف انحرافية لا قبل لها بها.

 عموما، في السنوات الأخيرة نلمس إنجازات وتطورات في أوضاع المرأة العراقية، وهي سلسلة من الانجازات الاجتماعية والثقافية تركزت على قضيتين أساسيتين هما:

-التمكين Empowerment

-المشاركة Participation

ما نريد قوله هنا، إن الجميع يعمل تقريبا أو يريد العمل... ليس كل من يعمل موظفا بالطبع، فكثير من العمل غير معترف به وغير مكافئ، ينتمي بعض العمل إلى اقتصاد المال، ويلبي بعضه أهدافا اجتماعية خارج المجال الاقتصادي. وان كثير من العمل كدح، لكن كثيرا منه أيضا يأتي بالرضا. يقع بعض العمل كتوظيف في أماكن نظامية في منشات كبيرة، بينما يقع البعض الآخر بشكل غير منتظم في الشارع أو في الحقول، والبعض في المنزل. كما أن الكثير من العمل ضروري، مصدر العيش والدخل، لكن الكثير أيضا طوعي.

 نقف هنا قليلا لنشير إلى أن جميع هذه الأنماط والفوارق أكثر ما هي في النوع الاجتماعي. إذ غالبا ما يكون عمل المرأة دون أجر أكثر من عمل الرجل، أو لا يعتبر أبدا كعمل ويكون بالتالي خفيا. وتمثل المرأة في مجتمعنا في معظم فئات العمالة الأكثر هشاشة، كما بين العاطلين عن العمل

أما بخصوص دور المرأة النقابية العراقية في العمل النقابي قبل وبعد الاحتلال فيمكن تأشير الملاحظات الآتية :-

1-لازالت عضوية النساء في التنظيم النقابي قليلة قياسا إلى نسبتها في قوة العمل بعد الاحتلال، أما بسبب الحواجز التشريعية التي ذكرناه سابقا والتي تحرمهن من حقهن بالتنظيم النقابي في القطاع العام، أو الخوف من فقدان الوظيفة في القطاع الخاص، مع عدم وجود حماية قانونية كافية لهن أثناء أداء العمل النقابي . وقد دفعت شحه الوظائف المرأة إلى التنازل عن الكثير من الحقوق العمالية ومنها الحق بالتنظيم النقابي، بالإضافة إلى توقف هذا القطاع عن العمل كما أسلفنا سابقا. كانت هذه أهم الأسباب التي أدت إلى تقليص التنظيم النقابي في القطاع الخاص، إلى الحد الذي يمكن إن يهدد بإلغاء التنظيم النقابي في هذا القطاع.

2- كانت نسبة النساء في مواقع قيادية نقابية مؤثرة قبل الاحتلال محدودة جدا، أن لم نقل أنها شبه معدومة، ولكن بعد الاحتلال وفرض نسبة من النساء في البرلمان العراقي (الكوتا) دأبت بعض الوزارات على اعتماد هذه النسبة، وكذلك في منظمات المجتمع المدني والنقابات. وصارت وزارة التخطيط ووزارة شؤون المجتمع المدني لاحقا تفرض هذه الكوتا لإصدار أجازة التأسيس في مجالس إدارات المنظمات والنقابات وهذا شجع بشكل كبير على وجود عنصر نسوي بأعداد متزايدة في مواقع قيادية نقابية، ولكنها غير مؤثرة بشكل فاعل وهو لا يعكس دورا نسويا حقيقيا، ألا في حالات قليلة مثلت حالات مشرقة لمستقبل المرأة العراقية النقابية، وبقيت المراكز القيادية النقابية العليا حكرا على الرجال لا تمثل الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه المرأة العراقية في النقابات للدفاع عن حقوقها ، كحقها في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية لتحسين شروط العمل ومكافحة التمييز في العمل ضد النساء.

3-انعدام الأمن والعنف وتسيد قوى سياسية لا تؤمن بعمل المرأة النقابي كانت أسبابا مهمة في تحجيم دور العراقية العاملة النقابي إلى حد كبير

أن النقابات العراقية تبذل جهودا جبارة وكبيرة لتوسيع النقابات وتنظيم غير المنظم وتشجيع المرأة العراقية على المشاركة الفعلية في العمل النقابي وتحسين موقع النساء في القيادات ولكن يبقى الطموح كبير بدور أكثر فاعلية للمرأة النقابية ويتم ذلك من خلال:-

أولا-بعد ضمان الحق بالحرية النقابية بإزالة الحواجز التشريعية التي تمنع ممارسة هذا الحق سواء في قانون العمل أو قانون الخدمة المدنية أو قانون التنظيم النقابي

ثانيا -أن تضمن النقابات ترشيح وانتخاب نساء من العاملات أنفسهن ولكن بعد أن يتم تدريبهن على الإدارة والتفاوض في العقود وأعدادهن للعمل النقابي وحفظ كوتا تضمن تمثيل مناسب للنساء في القيادات النقابية المنتخبة ويتم في أيراد ذلك بنص في القانون والأنظمة الداخلية لهذه النقابات وكذلك من خلال :-

 أ-إدخال منظور النوع في برامج وسياسات الفعاليات الجماهيرية والمهنية.

 ب-رفع العقبات التنظيمية والقانونية والعرفية التي تحول دون مشاركة المرأة الكاملة في تلك الفعاليات.

 ج- استخدام وسائل الإعلام للتعريف بنضالات المرأة وتضحياتها

 د-توفير فرص إسهام المرأة في عملية البناء السياسي للنقابات الوطنية.

 ثالثا -أن يتم تغيير الثقافة الذكورية في داخل النقابات ذاتها وفسح المجال كاملا أمام المرأة النقابية واعتبارها جزء أساسي وضروري وفاعل في النقابة إشراك المرأة في المؤتمرات العربية والدولية، وتعزيز علاقات منظماتها بالمنظمات العربية والدولية، وبما يؤمن تبادل الخبرة والقيام بنشاطات مشتركة، والإسهام في القضايا العربية والعالمية، ويتم ذلك:

 أ-تمكين النساء من عضوية الوفود النقابية

 ب-المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية عن المرأة العاملة

 ج-دعم دور المرأة العراقية العاملة في المنظمات العربية والدولية

رابعا-أن يتم تنمية علاقات نقابية مع منظمات المجتمع المدني وبالذات المنظمات النسوية التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا في أعداد النساء لتسلم مواقع قيادية أو حتى في تشكيل منظمات عمالية نسويه مستقلة وتحت قيادتهن في القطاعات التي تشكل النساء الجزء الأكبر من العاملين ويتم ربط هذه المنظمات العمالية النسوية بالاتحادات النقابية العامة ووضع برامج مشتركة للنهوض بحقوق المرأة العاملة وتبادل الدعم وتقوية مواقف الطرفين في مسائل مستقبلية و تعزيز قدرات المرأة العاملة وتطوير أدائها وتمكينها من التقدم والنجاح في عملها، وبما يعزز تصوراتها الايجابية عن ذاتها، وتصورات المجتمع عنها.وتوفير الخدمات الاجتماعية العمالية للنساء وتيسير الوصول إليها والاستفادة منها.وتعريف المرأة بسبل وإجراءات حصولها على العمل وحقوقها القانونية المترتبة عليه، وتعميق وعيها بأهمية عملها.وحماية النساء العاملات في مجال الخدمات في المستويات الإدارية الدنيا، وفي الأعمال الهامشية والخدمة المنزلية، من العنف والتحرش الجنسي والحرمان من الامتيازات والأجور. ويتم ذلك :

 أ-تشديد الرقابة على ظروف العمل

 ب-الاستماع إلى الشكاوى والحفاظ على سريتها

 ج-تعزيز الوعي الأخلاقي لدى العاملين وأصحاب المشاريع من خلال الأعلام.

خامسا- وجود مراكز متخصصة بمكافحة التمييز في العمل بسبب الجنس في الاتحادات العمالية لمراقبة ومكافحة أي تمييز يقع ضد النساء سواء قبل الدخول إلى سوق العمل أو بعده ومساعدة النساء على الاحتفاظ بوظائفهن أو الحصول عليها وسط التنافس الشديد على فرص العمل القليلة والتي توحي بمستقبل قاتم لنسبة مشاركة المرأة في العمل وبالتالي على دورها النقابي -إلغاء كل تمييز عرفي أو قانوني يستند ضمنيا وصراحة إلى الجنس في التوظيف والأجور والترقيات والتنقل واعتماد معايير موضوعية في ذلك، من خلال:

 أ-مراجعة قوانين العمل والضمان الاجتماعي والخدمة المدنية وغيرها، لتشخيص وتعديل المواد التي تنطوي على التمييز.

 ب-مراقبة ومتابعة تطبيق تلك القوانين من قبل أجهزة تدقيق حكومية وغير حكومية.

 ج-مراقبة مدى تطبيق مشاريع القطاع الخاص لتلك القوانين وتعديلاتها.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org