مقالات

وقفات مع الشعر والشاعرية – 1 –
 

ضياء العابدي

الأمة العربية جد محظوظة بكثرة شعرائها، كما أنها محظوظة أيضاً بوفرة حكامها. يبدو أن الثنائي الظريف، المؤلَف من الشاعر أبي الطيب المتنبي والحاكم سيف الدولة الحمداني أصبح، منذ زمن ليس بالقليل، عُقدة نفسية أُصيب بها العرب بمختلف فئاتهم الاجتماعية باستثناء القلة القليلة منهم. قبلهما كان الثنائي أبو نؤاس وهارون الرشيد، وغيرهم كثير، وأظن الأمر كما لو أن كل فرد في الوطن العربي غايته أن يُصبح إما شاعراً و إما حاكماً.

أعتقد أنهم مُحقون في ذلك لأن نمط الحياة ( التفكير ) القائم على البداوة لا يعترف بالسلطة إلا لنوعين من الرجال: إما شيخ القبيلة و إما شاعرها. الحاكم لديه عُقدة الشاعر لأنه بحاجة إلى مديحه ويخاف أن يهجوه، والشاعر لديه عُقدة الحاكم لأنه يعتقد بأن الشعر " وحي إلهي " يخوّله لأن يكون هو صاحب السلطة التي أغتصبها منه الحاكم. كثيراً ما رأيتُ أن أعجاب الناس بالمتنبي ليس لأنه شاعرٌ عظيم فقط ( في وقته طبعاً ) وإنما لأن سيف الدولة الحمداني كان يحترمه واتخذه صديقاً له.

كأن الشاعر تُقاس عظمته بمدى قربه من الحاكم، كما أن عدالة الحاكم تُقاس بمدى احترامه للشاعر. يهتم الحاكم بـ " عكاظ " للشعراء ويحب الشاعر مجالس الحُكام. أما أنا فبحاجة إلى الاثنين معاً، أُريد من الحاكم أن يمنحني جنسية لأصبح أحد رعاياه، كما أُريد من الشاعر أن يهبني، بعد ذلك حق الانتماء إلى شرف الشعر العربي .. ذكرت الجنسية أولاً لأن الشعر هنا، كما يبدو، يُعتبر التبعية اللغوية لاحقة بالتبعية القانونية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org