مقالات

حقيقة الكون بين الوهم والواقع

 

د. جواد بشارة

بالرغم من النتائج الحقيقية أو الافتراضية ، النظرية أو المثبتة مختبرياً، التي توصل إليها العلماء بشأن الكون وتاريخه وأصله ومصيره، بدايته ونهايته، تبرز بين الفينة والأخرى فرضيات أو نظريات احتمالية أخرى تتحدث عن وجود أكوان عديدة أخرى تطرق إليها ودافع عنها عدد لا بأس به من العلماء المرموقين في مجال علم الأكوان والفيزياء الفلكية ومنذ سنوات بعيدة، ساهمت في خلخلة الرؤية الكلاسيكية التي كونتها البشرية عن العالم والوجود والكون المأهول والمرئي. لقد لقيت نظرية الانفجار العظيم قبولاً واسعاً وشهدت نجاحاً مدوياً منذ منتصف القرن العشرين، وهي النظرية التي بنيت على أساس نظرية النسبية العامة والخاصة للعالم الشهير آينشتين. لقد كان لدى العلماء إطار نظري متين وعلمي مقنع للتفكير والتأمل في الكون ودراسته بصحبة جملة من المعادلات الرياضية لتقويم وتقدير ومعرفة العديد من خصائصه. بيد أن انعطافة حادة في مجال الفيزياء النظرية قد حدثت منذ بداية سنوات التسعينات من القرن المنصرم. فبفضل أجهزة وأدوات ومعدات وآلات علمية متطورة تكنولوجياً، كالأقمار الصناعية مثل كوب Cob و دبليوماب W map وبلانك Planck، قرر العلماء التأكد من صحة تكهناتهم وتنبؤاتهم وما إذا كانت تتوافق مع واقع الأمر الذي رسخته عمليات الرصد والمراقبة والحسابات الكومبيوترية الدقيقة والمعقدة عبر عمليات المحاكاة العلمية. فرضت نظرية البيغ بانغ الانفجار العظيم نفسها على الميدان العلمي وحققت لها شعبية عالمية. وفهم الإنسان العادي غير المتخصص أن الكون كل كامل وشامل ووحيد وليس جزء من كل، وهو لا يمتد داخل وعاء أو مكان أوسع منه بل أنه هو المكان والفضاء ذاته. ومع ذلك لم يتردد بعض العلماء من التحدث اليوم عن تعايش وتواجد مشترك ومتوازي لعدد من الأكوان، ولكل واحد من تلك الأكوان، ثوابت جوهرية مؤسسة، كما هو الحال مع كوننا المرئي المعروف بثابته الكوني الذي فرضته نظرية النسبية ألا وهو إطلاقية سرعة الضوء في الفراغ والبالغة 300000 كلم في الثانية حيث لا يمكن لأي جسم مادي أن يبلغ هذه السرعة لأنه سيختفي ويصبح الزمن بالنسبة له صفراً، ويقول العلماء من أنصار هذه الفرضية أن لكل كون لحظة انفجاره العظيم الخاصة به، أي هناك بيغ بانغ لكل كون من الأكوان المجاورة أو الموازية أو المتداخلة بكوننا ضمن أبعاد أخرى غير مرئية. وكما نعلم، وبالتوازي مع ظهور وتطور نظرية النسبية لآينشتين théorie de la relativité في مطلع القرن العشرين، ظهرت وتبلورت تدريجياً نظرية الكم أو ميكانيك الكوانتيك mécanique quantique وهي النظرية التي تبحث في عالم مادون الذرة subatomique . النظرية الأولى تطبق على ما عرف باللامتناهي في الكبر بينما تطبق الثاني على ما عرف باللامتناهي في الصغر، والحال أن النظريتان لاتتفقان فيما بينهما ظاهرياً في العديد من المسائل، مثل تحول الطاقة على الصعيد الفلكي والذي يتم على نحو مستمر بالنسبة للنسبية بينما لايتقبل ميكانيك الكم هذا الأمر إلا على نحو مختلف وعلى شكل قفزات ومحطات متتالية ومتعاقبة، على صورة كوانتا أو كم quanta كما يدل إسم النظرية. وقد خلق هذا التعارض بين النظريتين إحراجات وعوائق أمام العلماء الذين كانوا يتمنون أن تكونان وجهين لنظرية واحدة أوسع وأشمل. وقد جرت محاولات عديد وجادة لدمج النظريتين على يد علماء مشهود لهم بالرفعة والخبرة والجدية لاسيما ممن اشتغل على ما سمي بنظرية الحبال أو الأوتار التي اشتهرت بفضل كتاب " الفيزياء الأنيقة L’Univers élégant الذي ألفه عالم الفلك والفيزياء الفلكية بريان غرين Briane Greene الأستاذ في جامعة كولومبيا الأمريكية. وقد أشارت هذه النظرية إلى الدقائق أو الجزيئات الأولية المكونة للمادة الملموسة والمرئية في الكون على أنها ليست على شكل نقاط بل على شكل فتائل أو حبال أو أوتار مادون مجهرية حيث يعطي ترددها الدائم مظهر الجسيم أو الجزيئة ويمكن إدراك خصائصها وتقبلها فيزيائياً كنظرية متجانسة إذا افترضنا أنها تتطور في فضاء ذو أحد عشر بعداً على الأقل، من ضمنها الأبعاد الأربعة التي نعرفها وهي الطول والعرض والارتفاع أو العمق والزمن، ومعها سبعة أبعاد أخرى بالغة الصغر ملتوية أو ملتفة حول نفسها على شكل فتائل مما يمنعنا من رؤيتها أو تشخيصها. وهذا يعني أن المكان المفترض ذو الأحد عشر بعداً يمكن أن يحتوي على " أشياء أو أجسام أو موجودات أخرى" غير المادة الفيزيائية المكونة لكوننا. كيف يمكن تصور أو إدراك هذه الصورة؟ في نظرية الحبال أو الأوتار، يكون كل شيء أو جسم ممتد، مصدر لخلق مكان أو فضاء ثانوي لهذا الكون ذي الأحد عشر بعداً وهذا الفضاء الثانوي يسمى بران و هو أيضاً بعداً " brane " وبذلك يكون كوننا مكون من ثلاثة برانات «3 branes مكانية .ومن هنا يقول العلماء أنه يطفو في هذا الكون المتعدد الأبعاد، عدة عوالم يمكن لبعضها أن يخلق حياة ما في شكل ما يختلف عما نعرفه عن الحياة في عالمنا. فالضوء لايمكن أن ينتشر إلا في بران واحد لايتيح لنا رؤية وإدراك سوى المجرات الموجودة فيه في حين يمكن للجاذبية أو الثقالة أن تمر من بران إلى آخر أو من بعد إلى آخر وهذا يفترض إمكانية تصادم البرانات فيما بينها وكل تصادم بين برانين يؤدي إلى انتاج بيغ بانغ على شاكلة ماحدث للبيغ بانغ الذي أدى إلى ولادة كوننا المرئي. تصدى العالم البريطاني الموهوب ستيفن هاوكنغ stephen hawking لعملية توحيد النظريتين الفيزيائيتين المعاصرتين ، أي النسبية والكوانتية، من خلال اقتراح ادخال مبدأ اللاحتمية أو اللايقين principe d incertitude’ مما يمكن أن يقود إلى تبعات وتداعيات مذهلة مثل الثقوب السوداء التي ليست سوداء تماماً، أو كون بلا فرادة وبلا حواف ولا حدود، بيد أن مبدأ اللاحتمية يعني في نفس الوقت أن المكان، حتى لو كان فارغاً فإنه مليء بأزواج لاتعد ولاتحصى من الدقائق الافتراضية والجزيئات المضادة antiparticules حيث تحتوي تلك الجزيئات على طاقة لامحدودة وبالتالي لديها بالضرورة كتلة لامتناهية وفق معادلة آينشتين " الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء E=mc2 " وأن جاذبيتها الثقالية من المفترض أنها تحدب أو تحني الكون إلى حدود غاية في الصغر infiniment petite . وفي حالة إقحام مبدأ اللاحتمية داخل نسبية آينشتين، ينبغي ضبط كمين، هما : كثافة الثقالة وقيمة الثابت الكوني، ومع ذلك لايكفي هذا الإجراء في إلغاء وإزالة باقي اللامتناهيات les infinis. نستنتج من ذلك أن لدينا نظرية تتكهن بأن بعض الكميات مثل تحدب أو انحناء الزمكان هي حقاً لامحدودة أو لامتناهية في حين يمكننا رصد ومراقبة نفس هذه العوامل كونها محدودة ومتناهية . وقد تحقق الدمج بين مبدأ اللاحتمية والنسبية رياضياً سنة 1972 خاصة بعد إقتراح إضافة حل ممكن آخر سمي الثقالة القصوى أو السوبر جاذبية supergravitation. بقيت كل تلك الجهود العلمية حبيسة الرؤية الكلاسيكية للكون ودور العلم في تقديم أفضل وابسط صورة مقنعة عنه، ولم تستطع هذه الصورة تقديم إجابات على أسئلة كثيرة وضعت في خانة البارانورمال أي مافوق العادي paranormal وهي حوادث وحالات تخرق الطبيعة ولايوجد تفسير علمي لها، ومن بينها أنموذج أو موديل الكون الوهمي أو الهولوغرام L’Univers Hologramme الذي سنتحدث عنه باختصار ولكن بعد استكمال عرض مفهوم الكون الموازي أو الكون التوأم غير المرئي، L’Univers Jumeau . يعترف العالم الفرنسي الشهير جون بيير بتي jean pierre petit أنه استفاد من نصوص ورسائل الأوميين les Ummittes وهم سكان كوكب أومو Ummo ، الذين أرسلوها بالبريد لعلماء مرموقين في الأرض وتحدثت عن وجود كون توأم لكوننا يشبهه ولكن يعاكسه كانعكاس صورة الشيء في المرآة. وبذلك يمكن لكون ما أن يخفي وراءه كوناً آخر. المشكلة تكمن في أن هذا الكون المزدوج ذو خمسة أبعاد ، يصعب شرحها بدون معادلات وصور بيانية توضيحية. لو أخذنا شكلاً دائرياً نصف كروي علوي sphère منظوراً له أفقياً ومن أعلى قليلاً فسوف لن نرى منه سوى بعدين جغرافيين هما: الطول والعرض. ولو أخذنا نصف كرة سفلي منظور له أفقياً من أسفل قليلاً فسوف لن نلمح منه سوى بعدين الطول والعرض. ولو ربطنا بين جزئي الكرة بحلقة ذات بعد واحد فسيكون للشكل الكروي النهائي خمسة أبعاد وبالتالي فإن النموذج التوأمي للكونle modèle gémellaire سيتكون من سطحين دائريين deux hyper surfaces بخمسة أبعاد مرتبطين ببنية هندسية لاتتميز بفرادة عرفت بإسم البيغ بانغ ذو الأربعة ألأبعاد مما يستدعي التخلص من البعد الخامس ويحتاج الأمر لسلسلة طويلة من المعدلات المعقدة لها علاقة بنظرية وحركة وتكوين الجزيئات التكوينية الأولية ومضاداتها. فإضافة البعد الخامس يعني ترجمة مفهوم الشحنة الكهربائية للجزيء بطريقة هندسية بحتة purement géométrique. يرتسم فيها مسار الزمن على نحو قسري أو منطقي ضمن منطق التماثل الناجم أو المتكون على جانبي المرآة والحركة في هذا المجال أو الفضاء تحدد طبيعة الجزيئات أو يمكننا القول أن طبيعة الجزيء هو حركته وطريقة تلك الحركة، حيث هناك مسار لجزيء مشحون كهربائياً واتجاه محدد لذلك المسار، ويوجد في نفس الوقت حركة لجزيء مضاد من المادة المضادة antimatière ولكن باتجاه ومسار معاكس وبشحنة معكوسة في فضاء بخمسة أبعاد. فمعاكسة هذا البعد الخامس هو المعنى الهندسي المتجانس والمتماثل symétrie géométrique للصراع بين المادة والمادة المضادة، وهو الأمر الذي يقود إلى خلق الكون والكون المضاد والتوأم له L’Univers gémellaire. وأمام صعوبة ، إن لم نقل استحالة تفسير كافة ظواهر الطبيعة وشواذها وخروقاتها، لجأ البعض إلى نظريات ونماذج أكثر غرابة وتعقيداً من الظواهر اللاطبيعية أو الخارقة للعادة التي تتطلب تفسيراً علمياً، مثل التخاطر télépathie ومغادرة الجسد أثناء النوم أو الغيبوبة، ومسألة الروح والنفس والوعي واللاوعي والضمير وتناسخ الأرواح وتذكر حوادث وقعت في الماضي السحيق الخ... كانت نقطة التحول الجوهرية في علاقة الإنسان بما حوله قد حدثت عندما اخترع الإنسان العدسة ووضعها في التلسكوبات والميكروسكوبات لرصد الكون بعظمته وشساعته والتأمل في أصغر جزء موجود في أصغر جزيء من مكوناته المادة. وبفضل العدسات والمرايا وإشعاعات الليزر توصل الإنسان إلى صنع الهولوغرام hologramme، وهو عبارة عن صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد للأشياء تبدو فيها هذه الأخيرة المعروضة كما لو أنها حقيقية ولكننا إذا ما مررنا يدينا خلالها فلن نمس شيئاً صلداً بل سنشعر أن أيدينا تخوض في فراغ. وليس الهولوغرام سوى انعكاس مجسم ثلاثي الأبعاد لشيء أو جسم غير موجود وغير ملموس. وافترض العلماء أن الكون ليس سوى هولوغرام لوجود مادي كان موجوداً ومانراه اليوم ونعيش فيه ليس أكثر من صورة وهمية أي هولوغرام لذلك سموه الكون الوهمي أو الكون الهولوغرام L’Univers Hologramme لدافيد بوم Davide Bohm ، وهو أقرب للتصور الذهني الصوفي للكون منه للتصور العلمي المحض، بيد أنه تصور يستند إلى حيثيات وتداعيات عالم ماتحت الذرة ومكوناتها من الكترونات وفوتونات وكواركات وفراغات ومن الصعب الاعتراض على ذلك إذا ما علمنا أن تجارب مختبرية لايمكن الطعن بصحتها أو دحضها أثبتت قدرة الإنسان بالتأثير في الواقع المادي الفيزيائي عبر التركيز النفسي حيث بالتفكير والتركيز النفسي concentration mentale وحده يمكنه تشغيل بعض الآلات والأجهزة وتحريك الأشياء الجامدة في إطار دراسة الظواهر الخارقة للطبيعة أو البارانورمال phénomènes paranormaux مما يسمح لنا بتغيير نظرتنا للكون المادي والفيزيائي المرئي الذي هو ليس أكثر من الجزء الظاهر من جبل الجليد كما يقول المثل. وقد تعرض فيلم شهير في تاريخ أفلام الخيال العلمي لهذه الظاهرة وهو فيلم حرب النجوم وكذلك استفاد منها فيلم رائع بأجزائه الثلاثة هو فيلم ماتريكس matrix المستند كلياً إلى ما عرضناه من مفاهيم ونظريات في هذا المعالجة السريعة .
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org