مقالات

حديث الصمت (9) .. الثرثرة والصمت

 

مكي محمد ردام

ان كنت مولعا في اصل الاشياء thing’s original فأنك سوف تصل حتما الى ان الصمت .. اصل الكلام .. وهو الحالة الفيسيولوجية والمعنوية قبل ان ينطق الانسان الاول باول حروف النطق وهو حرف (أ ـ A ) ثم الحرف (ب ـ B) ثم الحرف (م ـ M ).

ولا أدل على ذلك من الحالات التي تعترينا حين نحدث انفسنا بصمت، وغالبا ما تنفلت على شكل اصوات او كلمات واضحة او مبهمة، بل تتجسد في حالات وقوعنا تحت ضغوط وشدة مواجهة اعباء واحداث الحياة الصعبة .. الى انفلات كلمات وجمل نحرص على ان تبقى مكتومة في الصدور .. وفي احيان اخرى قد تنكر او تنفى deleat مانطقت به تواً وعلى شكل سؤال معاتب أحقا انا قلت ذلك؟

اذن لنا حكاية مفادها ذلك الحد الفاصل .. الواهي ـ الرقيق بين الصمت والكلام هو خيط رفيع .. يتقطع ويتصل دون ارادة او تحكم، وكلما زادت طاقة التحكم النفسية المخصصة لكبته والضغط عليه، يزداد التهديد بالانقطاع والانفلات.

وفي زمن العمل السياسي السري، كنا نخشى من انفسنا وعلى انفسنا ومن رفاقنا وعليهم من الإيحاءه الاولى حين يقبض على واحد منا .. لاننا ندرك مقدما ان الايحاءه الصادرة الاولى او الكلمة الاولى هي مفتاح الاعتراف الكامل في الكشف عن مكان الكشف الثمين ـ المقدس.

وازاحة الثقل الكبير والضغط الهائل المسلط على بقعة (نقطة) صغيرة في قلب الانسان وضميرة هي اشبه بثقب صغير اسفل سد عظيم بتحويلها الى شلال مائي تعمل على توازن الضغط المسلط من الداخل والخارج.

وهكذا بالنسبة لنا نحن البشر، فالايحاءة الاولى والكلمة الاولى سرعان ما تتحول الى حديث صريح ثم الى شرح تفصيلي لدرجة الوصول الى مساحات لا يحتاج اليها الجلاد في المعتقلات او الطرف الاخر من لا ترغب اعلانه واحيانا يكون ابا او اما او صديقا او زميلا او حتى حبيباً ..

لحظات الحديث هذه التي بدأت بغياب او استراحة او (غفوة الضمير) الرقيب، لا تلبث ان تستحيل الى كلام اضافي يتعدى حاجة المستمع من الاطناب في الوصف او المدح او التحليل او .. ثرثرة لا طائل منها في حرية واسعة للسان والقلب في ظل استراحة شدة صراحة ورقابة الضمير (الرقيب) على الحكمة والعدل والاستقامة والموضوعية القائم يحرص وحذر واحيانا بتوتر على حراستهما من المتطفلين بعكس ما تميل اليه النفس من الحاجة الى الاسترخاء والمتعة والتحليل من الالتزام والحركة الحرة في النطق والحديث وهي مستمدة من حقيقة كون ان المرء مخبوءُ تحت لسانه لا يفصح او يعلن، في احيان كثيرة ولاسباب كثيرة متداخلة يعرف هو بعضها ويهمل البعض الاخر، لدرجة يبدو غريبا حتى عن اهله واصدقائه او احبائه، فتلك هي سمة الفرد الاحادي المتفرد في استعداده للغرق في عالم مجهول، مبرهناً في هذه النقطة بالذات سببا قويا الاختلاف بصمات اصابع بني البشر على امتداد الحياة الانسانية الطويلة .. في سر رهيب لم تكشف عن حقيقته العلوم التطبيقية للعصر الحديث لحد الان.

ويبدو ايضا ان التحليل النمائي لهذه الحقيقة يوصلنا الى ان المرء الذي نقيم معه علاقتنا الاجتماعية والانسانية من معايشة ومعاشرة وصدق وحب واتفاق واختلاف ينطوي ايضا على مساحات معينة (كبيرة او صغيرة) غير مرئية للاخرين (سمحة او عدوانية) تتجلى فتظهر في حالات والمواقف الاستثنائية

ومن الثرثرة ما هو شائع عنها ان تتهم المراة ظلما او تجاوزاً دون الرجل بالثرثرة Gozib وهو اتهام لن تسلم منه حتى إمراة العالم الاوربي المتحضر او المراة المثقفة او الكاتبة او الحاكمة .. انما المراة وحسب على الرغم من كثرة النساء على مدى الزمن والمكان والمواقف لم تستطع ان تنزع منها كلمة او جملة في حين قد يغرق الرجل في اطناب سؤال ربما يكون سخيفاً.

ولا يعترف اصحاب هذا الراي عند جلسات اماسي وليالي الشتاء العائلية الطويلة، بقدرتها على الربط بين اجزاء الحديث بفن لغوي ـ فطري ـ تلقائي .. يشخص البراعة وصفاء الذهن في عرض وقائع الحياة بشرحها وتفسيرها وتحليلها واصدار الاحكام بحقها في حالة من الانسجام والتوافق والاندماج لمدة من الزمن يفتقر اليها العديد من (الجنس الاخر) تبدو خلالها كبراءة الاطفال بما لهم وعليهم، تتغذى عليها افئدة كغذاء موسيقى روحية ينقلك الى عالم من السلام والوئام والبساطه والوضوح بألوان الزهور.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org