مقالات

وثبة القلم ..! .. "ما تبنيه الأقلام لا تقوى عليه الأيام"

 

د-مراد الصوادقي

 القلم

أقسمَ به بديع السماوات والأرض، وعلم به الإنسان ما لم يعلم، ومنحه العقل والتبصر، وأطلقه حرا كريما مفكرا وعاقلا. لينكر الاستعباد ويعبر عن حرية الرأي والاعتقاد، ويتحدى كل نهج لوضع الإنسان في سجون الطغيان ومعتقلات الاستبداد، ومناهج الرأي الواحد وبهتان امتلاك الحقيقة المطلقة، وليؤكد صرخة الوعي المطلق:

"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"

 

القلم

يثور ضد الظلم والامتهان والفتك بحقوق الناس واستلاب حياتهم وانتهاك حرماتهم، والنيل من كرامتهم وإعدام طموحاتهم ومصادرة آمالهم وتحويلهم إلى أشياء وأرقام، ووصفهم بأبشع المسميات والألقاب لتسويغ غدرهم وإلغاء وجودهم.

وأصبح سلاح القرن الحادي والعشرين لتحقيق الوعي الشامل وتأسيس صيرورة حضارية إنسانية ذات قيمة سامية وطموحات جليلة، ترفد الأجيال بالأنوار اللازمة لإزاحة كتل الضلال من دروب التقدم والارتقاء.

 

القلم

يكشف المستور ويبث في أرجاء الأعماق أسطع النور ويعانق الشمس ويستمد منها طاقات التفاعل القوي الحي المتواصل عبر سطور الأزمان، ويؤمن بأن عطاءه السرمد ورأيه السؤدد وقوله سديد وفعله رشيد, وأنه يخوض معركة الصراع ما بين النور والظلام، فالقلم إمام العقل ومفتاح خزائن المعرفة والعلم وعنوان ثورة الوعي والإدراك والتحقق والبقاء.

 

القلم

يرعب الكراسي الجاهلة المملوكة المستعبدة، التي تباع في أسواق النخاسة والمتاجرة بالشعوب والأوطان، ومزادات الانتهاك الحضاري ومؤتمرات الغرائز الدولية، التي تديرها أمّارات السوء وتنظمها قوانين الغاب  الشرسة الرؤى والتطلعات. ويواجه المسَخرون المبرمَجون لتنفيذ مشاريع الآخرين، وكأنهم روبوتات آدمية تحركها عن بعد أزرار العبث بمصيرهم ومستقبل أوطانهم. أولئك الذين يتدرعون بالشرور ويكرهون كل إنسان شريف، ويتوحشون أمام صوت الحق وإرادة الخير والصدق والشجاعة والإقدام والثبات.

 

القلم

رسول الديمقراطية، وإمام الحرية، ونبي البشر المقهور والمدافع عن حقوق الجياع والفقراء والمساكين. فهو لسان حالهم، وسلاح أعماقهم وآسي آهاتهم وجراحهم ومخفف وطأة آلامهم، ومانحهم القوة والتفاؤل والأمل بالحياة الأفضل رغم إرادة الوحوش التي تتلذذ بدموعهم وحسراتهم. وهو الذي يحفر نهر الحرية والكرامة والعزة والتقدم والرقاء، ويزيح عقبات السوء والعدوان والامتهان ويحطم الكراسي البغيضة والأفاعيل المقيتة التي تسيء للوطن وتهين الإنسان, وتدين بالجريمة والظلم وتحكم باسم الشر والعدوان.

 

القلم

راية العارفين وصوت العقول المنورة والنفوس الزاهية بالمحبة والصدق والإيمان، وهو صيحة القلوب الصابرة المؤمنة التي لا تخشى في الحق لومة لائم، بل تتوكل على رب عظيم، وتستجمع طاقات الخير فتصول بها على أعوان السوء حتى ينتصر حقها، ويُزهَق الباطل بكلماتها، وتشرق شمس الرجاء من مشارق ظفرها ونصرة إرادة الوجود المطلقة لمعاني فعلها وغايات كينونتها.

 

القلم

عَلَم الوطن، وشعار مسيرته الحرة الكريمة، ومشعل الفكر والثقافة والعلم، وعقيدة التفاؤل والطموح والإصرار على التحقق والتقدم والمعاصرة، وبناء المعاني الحضارية الخلاقة لأجيال البدايات الإنسانية الكبرى، التي وضعت خطوات البشرية في دروب الأنوار الفياضة. وهو مكبرة صوتنا، ومسطّر ما يجيش في أعماقنا وما نعانيه ونكابده من الشدائد في يومنا، وما نريده لغدنا وما نحلم أن يكون عليه أبناؤنا. فقد انتصر القلم على زمن الصمت والممنوع وحطم قيود الطغيان والاستبداد، ومزق لائحة تدمير الإنسان التي تحققت بنودها في أرضنا على مدى عقود ذات دخان.

 

القلم

يتحدى السجون والمعتقلات والأصفاد وسوح الإعدام والاغتيالات وموجات التنكيل والتضليل وغسل الأدمغة، وإسقاط الناس في سورات انفعالية لتحقيق أعلى درجات الفتك بهم، وأخذهم بالجملة إلى مهاوي الهلاك بكل ما يرتبط بهم. ويبقى الدرع الذي يحمي الملايين من آفات البهتان والتدمير الذاتي والموضوعي، ويحصنهم من المرائين والمدعيين والمضللين وأصحاب النوايا السيئة، والغايات المهينة، الذين يفعلون غير ما يدعون، أو يقولون ما لا يفعلون.

 

القلم

يقف شامخا بوجه عواصف الأكاذيب الرملية، التي تهب بين فترة وأخرى، لكي تعمي العيون، وتسرق الأبصار وتسقط الإنسان في مصيدة الفناء، وتسقيه من صديد رؤاها شرابا زقوما، وترميه في بئر محموم، وتحيله إلى بشر حنيذ، قد أفقدته جمرات الصخور كل قدرة على الحركة، وأعدته للطامعين على موائد الشراسة وولائم الأشرار الذين يشربون نخب مصادرتهم لحياته ونهبهم لثرواته، وتسليط أغبياء قومه عليه. بعد أن حقنوهم بجرثومة الكراسي، ونشروا بينهم طاعون الأنانية وأطلقوا فيهم نوازع الكراهية وأخذوا ضمائرهم وديعة في بنوك الاحتقار، وامتلكوا مصيرهم ووضعوا القيود في أعناقهم وراحوا يسيرون بهم كل يوم فوق جماجم أهلهم, لصرف شيء من طاقات حقدهم وهم يرددون، لقد دسنا على رؤوس الصاغرين المرهونين بقبضتنا.

 

القلم

يزلزل أركان الشر، ويدفن البهتان في صدور أهله وأعوانه، ويحارب الجريمة ويطارد المجرمين، في بلدٍ تسجل فيه جميع الجرائم ضد مجهول. فالفاعل مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكرسي المرهون بقبضة الحاكم بأمر النفط، والمدبر لجميع الألاعيب والأفاعيل والعارف بالشؤون والشجون.

 

و"ن والقلم وما يسطرون"

وليستيقظ الغافلون، ويزيحوا غشاوة التضليل، وليتخلصوا من حواجز البهتان و ولينظروا بقلوبهم، وعيون وطنهم وبصيرة كتابهم، وأن يتحابوا ويتضامنوا ويتراحموا ويكونوا أخوة وعائلة واحدة، وأن يرددوا بصوت وطني واحد، تبا للطائفية وأدوات الشر ووسائل الأحقاد التي تريد القضاء على وجودنا الوطني ومصادرة حياتنا، ودفعنا إلى حقول الضياع وتربية اليأس وزراعة البغضاء والشحناء في تربة أعماقنا الزكية. فلا صوت يجب أن يعلو على صوت الوطن، والجميع عليه أن ينادي بأقصى طاقته وقوة إرادته باسم وطنه لا غير.

فالقلم يكتب بحبر الوطن ولا يعرف حبرا سواه.

و"الذي علم بالقلم" سيبقى القلم مشعلا للأمل وراية للطموح وثورةً للحق والحرية. فهو منار وانتصار، وإننا نكون بصدق وسلامة منهجه، ولن تستطيع الكراسي أن تضع اللجام في فم القلم. فاطلق يراعك، فأنه  الصمصام ضد الشر وأنه الحسام . ولن، ولن تصمت الأقلام، فقد انطلقت ليوث الفكر والوعي والإدراك من عرينها وتحقق لها المقام، فهيهات هيهات أن تسكت. "فعقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم" ولا بد للعقول أن تفكر, وللحياة أن تشرب الأنوار.

ومرحى لوثبة القلم!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org