مقالات

الحركة الثقافية والحياة...!

 

د-مراد الصوادقي

وتبتسم الأشياء على قارعة طريق العزم والإصرار وتهلل للانطلاق البعيد نحو مستقبل أفضل , فلا يمكن للحركة أن تتواصل من غير طاقة الأمل والتيقن بكينونة ذات قيمة متقدمة على حاضرها. وكلما توفرت الحركة أصبحت حالة التفاعل ذات زخم أكبر وقدرة على الإنجاز المتميز الذي يعبر عن طاقات المشاركين فيها.

وقد تتخذ الحركة أشكالا وصنوفا متنوعة لكن أهدافها تبقى متناسبة مع حجم الطاقات المسكوبة في ميادينها والتي تعبر عن قدرات أصحابها أو المنتسبين إليها. والحركة قد تكون ثقافية , فكرية , سياسية وما إلى غير ذلك من أنواع التفاعلات الحضارية الإنسانية القائمة في الحياة. وعندما نتأمل الحركة الثقافية أو الفكرية نكتشف بأن مدى تأثيرها في صناعة الحاضر والمستقبل تتفق ومحتواها وقوة تفاعل أعضائها , والطامحين إلى صيرورة ما عبر وسائلها وأدواتها والعقول التي تساهم في رفد مسيرتها وتحقيق فعلها في الحياة.

والحركة الثقافية مثل النهر الجاري , إذا تعددت روافده فأنه يتدفق ويفيض , وإذا جفت فأنه ينحسر ولا يساهم في إرواء وادي الوجود البشري من حوله. كما أن هذا النهر يختنق عندما يتم ردم مجراه بإلقاء نفايات الرؤى والتصورات في مياهه. وعذوبة المسيرة الثقافية تتناسب وقوة جريانها وتدفقها في تربة الحياة الإنسانية , ولا يمكن لحركة بطيئة مريضة هزيلة , أن تؤثر وتشق مجرى تحققها في المجتمع , ولا يصح في مسيرة الحياة الحضارية إلا تلك الحركات التي تحمل الأنوار وتشرق بضوء النقاء والمجد والصفاء.

ولا يمكن لأية حركة ثقافية أن تعيش إن لم تعانق أسباب الوجود , وتعبر عن كينونة المطلق, وتستلهم القوانين الصحيحة التي تبني حياةً ذات قيمة وتأثير مفيد. وتتفجر في مسيرتها قدرات فردية وجماعية بوعي متقدم وتجربة متنورة وعزيمة متوثبة , وشجاعة فائقة على قول الحقيقة ومواجهة المواقف بنكران ذات وإخلاص وطني وإنساني مطلق.

وعبر دورات التاريخ البشري تبدو الكثير من الحركات الثقافية على كامل هيأتها بعد أن فعلت ما فعلت أو أثرت في زمنها , لكنها انعطفت واندفنت في تراب الختام. ومنها نرى حقيقة أن الحركة الثقافية المنيرة الساطعة السامية هي صاحبة الأثر البعيد , وليست ذات عمر قصير وتأثير لا فائدة منه , أو مشحونة بالأضرار وسوء النظر.

وعليه فأن الحركة الثقافية التاريخية الناجحة هي التي ترتقي برؤاها وأفكارها بعيدا عن إرادة التراب , وتسمو وتتفاعل مع الصفاء والنقاء والرجاء الإنساني , ولا تنحصر في صندوق الوهم وكرسي القوة وتنغلق وتتحرك على عكازة العواطف والانفعالات , وتحيط نفسها بأسوار نفسية سلبية تساهم في تنمية كراهيتها وزيادة عدد الحركات المعادية لها.

ولكي تكون الحركة الثقافية العراقية ناجحة عليها أن تتنقى وتتخلص من شوائب الرؤى والتصورات الضيقة , ويكون حدود مسيرتها الوطن والإنسانية , وأن تتحرر من أسباب الانغلاق وعوامل الفرقة والتضاغن والابتعاد, وأن تحاول أن تضم إلى زخمها كل الطاقات الناهضة التي تريد أن تساهم في الوجود العراقي الكبير.

كما أن عليها أن تحطم قيود الأسر السلبي التي تفسر الأحداث ومجريات الأمور بأسباب مريضة وتبريرات تهدف إلى الدمار والضرر وعدم الرؤية السليمة. وأن تشفى من الكثير من العقد التي عبرت عن سميتها العالية وكتبت بحبر شرورها وانتقمت لخناسها وفجرت دمامل أحقادها بوجه الفضيلة والرحمة .

فهناك قدر كبير من الزيف والتضليل والامتهان الذي يمارس من أجل طمس الحقائق وتشويه الحياة لأغراض كريهة ودوافع سيئة ذات نوايا خطيرة . ويتوجب على الحركة الثقافية الدافقة أن تديم فوران أمواجها وشدة تيارها الجاري في شرايين الوطن , لكي يتعافي من أمراضه الثقافية ويتخلص من جراثيم النفوس الأمارة بالسوء التي أصابت أعضاءه وعطلت قدراته.

فهل ستتحقق مسيرة ثقافية عراقية منيرة ذات تأثير حضاري مشرق؟

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org