مقالات

التّوجّه النّووي في منطقة الشّرق الأوسط .. أسباب ومبرّرات - ح 3

 

 د. مؤيد الحسيني العابد

لقد تطرّقنا في الحلقتين السابقتين للعديد من المعلومات فيما يتعلّق بالبرنامج النووي المصري من خلال المعلومات المتوفّرة في العديد من النشريات والمواقع الالكترونية وبعض المعلومات الخاصة من بعض العاملين في هذا المجال. لكن يبقى الطموح المصري كأي طموح لدولة كبيرة مثل مصر، للتقدم في العديد من المجالات التي تسعى اليها عبر تأريخها النووي والسياسي عموماً. وقد لاحظنا أنّ أزمة التقدم النووي في مصر تعود الى القرارات السياسية للنظام المصري والذي يتغيّر وفق الاجندات الاقليمية والعالمية لما لنظام مصر من دور مهم في مجال التشجيع على إنهاء القضية الكبرى وهي تحرير الارض الفلسطينية وتحويل الامر الى مجرّد قضية إختلاف في وجهات نظر تأريخية وسياسية وربما أمنية إقتصادية! حيث سار النظام المصري منذ عهد السادات بتقلبات خطيرة على مستوى المنطقة حتى حوّل سياسة البلد الى سياسة مترهّلة على النطاق العالمي وتحويل الامر من يدي النظام الى أيدي متغيّرة حسب ما تقتضيه مصلحة (إسرائيل) والولايات المتحدة والدول الكبرى. وقد زحف هذا الامر على السياسة النووية للبلد المالك لقدرات علمية هائلة تترهّل مع الزمن بسبب عدم إستخدام هذه الطاقات الى المدى البعيد في تطوير مجالات الطاقة النووية (للاغراض السلمية بالطبع!!)

لقد صادقت مصر على معاهدة منع الانتشار النووي عام 1981 لكنّها لم توقّع على البروتوكول الاضافي للوكالة والصادر عام 1997. والسبب في ذلك أنّها لم تر أيّ تجاوب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الضغط على (إسرائيل) في السعي الى التوقيع على أي معاهدة أو التوقيع على أي وثيقة في نطاق ذلك. وأنّ مصر (لن تنضم إلى أية اتفاقيات جديدة في مجال نزع السلاح ولن تصدق على الاتفاقيات التي وقعتها حتى يتم اتخاذ خطوات جدية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل، وذلك في إطار حفاظها على أمنها القومي، كما يقول السفير حسام زكي في هذا الاطار). رغم أنّ مصر تشعر بالقلق الكبير من وجود (دولة!) نووية على حدودها ولديها هذه الترسانة الهائلة من النشاط النووي غير المشار اليه في اي وثيقة للوكالة! لم يندفع النظام الى الامام في مجال إجبار كيان (إسرائيل) بالوسائل المعروفة،

إنّ من الدول التي لم توقّع على معاهدة منع الإنتشار النووي المذكورة هي عديدة ولكنّها في طريق التوقيع كالهند وباكستان لكنّ دويلة (إسرائيل) التي تمتلك الترسانة التي تهدد المنطقة بكارثة حقيقية تنكر إمتلاكها لهذا النشاط الخطير الذي يؤثّر على المنطقة بصورة مباشرة بحيث لو حدث أي تسرّب أو أيّ نشاط نووي غير مسيطر عليه(إن لم يكن إستخدام مفتعل للسلاح الذي تمتلكه!!) لدمّر المنطقة الممتدة من غرب العراق الى سورية والسعودية ولبنان والاردن ومصر بالاضافة الى كلّ الشعوب المحيطة(راجع ما حدث لدول اوربا والى المساحة الكبرى من التلوث بسبب حادثة تشرنوبيل 1986 والتي حدثت بتسرب أقل بكثير مما يمكن أن يحدث وفق ما تمتلكه دويلة(إسرائيل). لذا وجب على مصر وعلى الدول العربية التوجّه بأحد طريقين فإمّا الاندفاع السياسي للضغط على كيان(اسرائيل) لتفتيش منشآتها النووية أو مساعدة الدول المحيطة بتأسيس مشروع نووي متكامل كضغط على هذا الكيان رغم انّ البرنامج المذكور سلميّ مئة بالمئة. وقد أشرنا في مقال سابق الى ضرورة تأسيس منظمة نووية عربية مستقلة عن قرارات الدول السياسية للنهوض في هذا المجال(راجع مقال حول الاتفاق النووي الجديد في الموقع)

إنّ التوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية يعطي الحق للمفتشين في القيام بعمليات تفتيش مفاجئة دون دعوات من تلك الدول، حيث يكون من حق الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تدخل بلجانها وتفتش كلّ المواقع النووية والتي يشك بها كذلك حتى تلك التي لم يعلن عنها!( وهنا نشير الى الضغط على ايران مثلاً في كثير من الامور للدخول الى المواقع التي يشكّ!!(هكذا!) أن تكون مواقع نووية في حالتها الطبيعية أو في غير ذلك(وقد أشرت في العديد من المقالات حول موضوع البرنامج النووي الايراني فليراجع ذلك). فهلّا فتشت مواقع كيان(إسرائيل) التي لا يشكّ في خروقاتها الكبيرة بهذا الاتجاه!

لقد لعبت مصر دوراً متضارباً في الإبتعاد عن النشاط النووي من جهة والحث على إبراز نشاط كيان (إسرائيل) النووي المتنامي.

لقد فقدت مصرالعديد من كوادرها وخبرائها في هذا المجال نتيجة إبتعاد نظام مصر وإبعاد مصر عن نشاطها النووي حيث غادر العديد من العلماء بلدهم للبحث عن فرص عمل خارج البلد. فمنهم من رحل الى الولايات المتحدة وإستقرّ هناك ومنهم من هاجر الى كندا وقد غادرت العديد من الكوادر المهمة في هذا الجانب الى مناطق اخرى في العالم وتعدّ هذه خسارة كبيرة للبرنامج النووي المصري عموماً( وتلك واحدة من الاساليب الخطيرة لتسريب العلماء والكوادر المهمة وتفريغ المنطقة منهم كما حصل كذلك في العراق! عندما أجبرت كوادر علمية عديدة على مغادرة العراق منذ زمن النظام السابق رغم محاولات الحكومة الجديدة بإستقطابهم من جديد والعودة الى العراق!).

مصر والمعاناة الكبرى!

لقد عانت مصر من العديد من الضغوطات البيئية بسبب النشاط النووي (الاسرائيلي) القريب رغم عدم وجود نشاط نووي مصري فعلي يوعز له المشاكل المذكورة(عثرت السلطات المصرية على العديد من الاجسام الغريبة المشعة والتي وجدت في اماكن عديدة من البلد ولحد الان لا يعرف من أين أتت هذه الاجسام التي سبّبت الهلع للمواطنين المصريين!) علماً أنّ أصابع الاتهام إن لم يكن اليقين الى دويلة (إسرائيل) والى الاعمال التي تقوم بها والتي تؤكد العمل غير الشرعي لنشر التأثيرات الاشعاعية الى المناطق العربية كما حصل لبعض مناطق الخليل في فلسطين وكذلك في غزة في الايام الاخيرة! حيث لا أستبعد شخصيّاً وجود مافيات عاملة داخل مصر من عدة جهات تعمل على تلويث الانسان والبيئة معاً إذا ما علمنا أنّ ما تقوم به عصابات التطرف (الإسرائيلية) من إستغلال المناطق السكانيّة كما إستغلت المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان لدفن النفايات النووية بمحيطها كما فعلت في العديد من الاماكن حيث إرتفعت نسبة السرطانات في كلا الجنسين في المناطق المذكورة وقد سبّبت من ضمن ما سببّت العقم عند الرجال حيث إرتفعت النسبة بشكل ملحوظ كما يقول الدكتور محمود سعادة مؤسس الإغاثة الطبية الفلسطينية لـ"أخبار النقب" ويقول:أن هذه الإشعاعات هي المسبب الرئيس لمشاكل العقم. كما أنه بالرغم من هذا الكم الهائل من الأمراض الخطيرة التي تسببها الإشعاعات النووية فإن الأطباء والمستشفيات وحتى المؤسسات التي تعنى بالموضوع تتجنب إظهار أن السبب وراء كل ذلك يعود إلى الإشعاعات النووية لأن (إسرائيل) تفرض تكتماً على الموضوع وتتعرض لكل من يحاول إبراز هذه المشكلة. ولهذا السبب كانت هناك صعوبة في الوصول إلى المعلومات بهذا الصدد. ويقول الدكتور محمود إن المشكلة تتمثل أيضاً في أن المصاب عندما يظهر المرض عليه لا يمهله طويلا حيث أن المصاب بالسرطان بسبب الإشعاعات لا يلبث المائة يوم حتى يكون منتهياً ومستسلماً للموت).

إنّ سياسة الوجهين المتناقضين أو الكيل بمكيالين لدول النادي النووي سياسة خلقت العديد من المشاكل الأمنية والإقتصادية والسياسية بالاضافة الى الجوانب الاخرى حيث أثارت وتثير عمليات التفتيش على أعمال المنشآت النووية في العديد من البلدان الكثير من التحفظات والاعتراضات أحياناً ومما يبعث الشكوك أكثر هو هذا اللاعدل في التعامل مع الدول النووية على حدّ سواء.

من الامور المهمّة الواجب الاشارة لها أيضاً هو أنّ الاصوات التي تطالب بجعل منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية هي نفسها التي تسعى الى تشجيع كيان (إسرائيل) في التمادي في توقيع المعاهدة المهمة لعدم الانتشار النووي المتزايد في المنطقة. ومن الامور التي تصبّ في إتّجاه وجهي التناقض، خذ مثالاً بسيطاً:

يقول أحد المسؤولين الفلسطينيين (إن بعض الدول المانحة التي تساعد الشعب الفلسطيني قامت بإحضار جهاز خاص إلى جنوب الخليل للاستفادة منه في رصد ظواهر طبيعية إلا إنهم لأسباب لم تُعرف وبالرغم من توفير الأرض له في الظاهرية رفضوا وضعه هناك، وفيما يبدو إنه يعمل أيضاً على تسجيل إشارات الإشعاعات النووية، لذلك تم وضعه في منطقة واد أبو عقيل في السموع ويعمل على رصد سرعة الرياح والأمطار وغيره)ا. فهل علمت السلطات العربية الى ما تخطط له عصابات (إسرائيل) لتدمير المنطقة وبتغاضي مقصود من الدول المسماة بالمانحة! حيث يشير المسؤول الفلسطيني حول الجهاز المذكور:

(إلى أن الجهاز معطل الآن ويصعب الوصول إليه لصيانته بسبب سيطرة (إسرائيل) على المنطقة. ويقول إن هذا الجهاز كان يُظهر إشارات إلكترونية غامضة يبدو أنها ترصد نسبة الإشعاعات النووية وتعطي إشارات بخطورة النسبة في هذه المناطق).

نقول أنّ المعاناة مستمرة لمصرمن تلوثات إشعاعية كبيرة قد قدم جزء منها من المناطق الشمالية الشرقية والتي إستشعر جزء منها خلال السنوات الماضية حيث سجّلت المراصد الاشعاعية المصرية في شمال مصر نشاطاً ملحوظاً كتبت عنه بعض صحف المعارضة وقد تكتّمت السلطات المصرية حينها على ما يجري ولا ندري(أو ربّما ندري!!) السبب في هذا التكتّم! ربّما يسأل سائل إن كانت المعاناة بهذا المستوى فما المبرر لهذا التوجّه النووي؟

أقول إنّ التوجّه النووي لدول المنطقة لا يعني أن ذلك سيؤدي الى الاندفاع بنشاط خارج المسؤولية العلمية وخارج المسؤولية الاخلاقية فالعديد من الدول تبني مفاعلاتها التي تزوّد هذه الدول بكميات هائلة من الطاقة الكهربائية. لذلك نقول إنّ التوجّه النووي لدول المنطقة أصبح ضرورة ملحّة وفق الانظمة والقوانين المعمول بها لا كالذي تقوم به دويلة إسرائيل من نشاط لا شرعي يدمّر المنطقة إن عاجلاً أو آجلاً. ومن الامور التي يجب أن نشير لها هو سياسة التبادل المنفعي بين دول المنطقة والدول النووية الكبرى، حيث لضمان تدفّق النفط لعدد من دول العالم المتقدم يجعل تلك الدول في حاجة لتصدير ما تحتاجه دول المنطقة من تكنولوجيا نووية مهمة. بالاضافة الى الوجود الفعلي للعديد من المواد الاولية المستخدمة في إدامة المفاعلات النووية لدى بعض دول المنطقة. والتوجّه النووي لدول المنطقة يشبه ما إبتدأت به الدول الكبرى بالفعل قبل أربعة عقود من الزمن حيث أدى الاحتياج الكبير للطاقة الكهربائية يومذاك الى هذا التوجّه(واليوم نحن بأمسّ الحاجة لهذه الطاقة) وفي هذا الوقت تزداد الاحتياجات للطاقة الكهربائية كلّما تقدّمت الصناعة. فلو لاحظنا مثلا نسب الاحتياج إستطعنا ان نقدر التوجّه النووي لتلك الدول. ففي الولايات المتحدة تزداد النسبة الى اكثر من 15% من مجموع الكهرباء ويتولد بفعل المفاعلات النووية بينما 65% من طاقة كهرباء فرنسا و 60% من كهرباء بلجيكا و 30% في السويد وسويسرا وفنلندة والمانيا وبلغاريا. بينما تتجه اليابان وبريطانيا وغيرها الى انشاء طاقة نووية لاغناء احتياجات الطاقة الكهربائية.

لقد إبتعدت مصر عن الجانب التطويري للبرنامج النووي المصري حيث لم توقّع على أي إتفاقات جديدة(غم التصريح بالتوجه الجديد على أساس رفد مصر بالمفاعلات الجديدة.. ولنا عودة حول هذا الجانب) مع شركاء الأمس الذين ساعدوا مصر على بناء أول مفاعل مصري عام 1961 وهي روسيا(الاتحاد السوفييتي السابق) لقد بدأت الخطط لتقويض التوجه النووي المصري منذ هزيمة حزيران 1967 رغم أنّ الولايات المتحدة الامريكية حاولت وتحاول إستبدال التوجه النووي المصري بدل روسيا الى الولايات المتحدة حيث بدأت رغبتها بمساعدة مصر عام 1975 ورغم خضوع هذه الاتفاقيات لبروتوكول الضمانات المسجّل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الا ان الولايات المتحدة إشترطت على مصر العديد من الشروط المجحفة والتي ادت بالنهاية الى رفض مصر لهذه الشروط فكانت النتيجة ان اجبرت مصر على التوقيع على قرار التصديق على معاهدة حظر الانتشار النووي(رغم ذلك لم يتوجه النظام المصري الى دول اخرى لتفعيل النشاط النووي من جديد).

ولنا عودة أخرى

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org