مقالات

التراث العراقي تراث تعاضدي أنساني .. أهمية وجود تشريعات تحمي إحياء تراث العراق الحضاري

 

يوسف أبو الفوز

 اذا اسلمنا بتعريف كلمة "فلكلور" كما استخدمها وروّج لها الباحث الانكليزي وليم جون تومز (1803 ـ 1885)، بأنها تعني "حكمة الشعب "، وهذه يقابلها بالعربية "التراث الشعبي"، فأنها أذن تعني الارث الثقافي لاسلافنا الذين سبقونا . وهذا يجعلنا نقول بأن قضية الفلكلور والتراث لأي شعب وبحكم كونها ترتبط بالماضي، فأنها ترتبط بذاكرة جمعية لمجموعة بشرية، وتكون حاضنة لتقاليد وعادات وآداب وفنون ورؤى وفلسفة هذه المجموعة البشرية، لتشكل هويتها الثقافية أمام بقية الشعوب . واذا اعتمدنا مبدأ التواصل والتناسل في حضارات الشعوب، فان تراث العراق الحضاري، ومنذ أيام السومريين والبابليين، كان تراثا انسانيا جمعيا . حتى عندما تحكي ملحمة جلجاميش عن حيرة بطلها الفرد امام قضية الخلود، فأنها تتحدث عن حكمة انسانية تهم البشرية، توصل لها جلجاميش في ان الخلود يكون بالعمل الصالح وفي خدمة الاخرين .

ولو راجعنا العديد من طقوس الغناء والرقص الشعبي العراقية التراثية فسنجدها تتسم بالروح الجماعية، فعلى سبيل المثال رقصات مثل الساس والجوبي والهيوا والدبكات الكردية، وتخت الغناء البغدادي وغيرها، تتطلب اشتراك مجموعة من الناس مع بعض، والعابا شعبية مثل "المحيبس "و "عظيم اللاح "  وكذا الكثير من العاب الاطفال التراثية. وفي مراجعة للكثير من التقاليد والعادات العراقية في الازمان المعاصرة سنجدها تشجع وتروج للتعاضد الانساني لمواجهة الكوارث والمصاعب والمخاطر. هكذا نجد ان نظام صدام حسين الديكتاتوري المقبور، ورغم تشدقه بالحفاظ على هوية الأمة، فأنه ومن اجل احكام سيطرته البوليسية على المجتمع العراقي، وبشكل مدروس، حارب والغى الكثير من اشكال روح التعاضد الاجتماعي بين العراقيين، وبالتالي حارب العادات الاجتماعية التي تجعل المواطن يشعر بانتماءه للجماعة، وهدف ذلك برأينا أن يجعله وحيدا منفردا، اعزلا، بلا حول وقوة امام سلطة اجهزته الامنية المسعورة . هكذا نفهم تراجع البعض من الطقوس والتقاليد العراقية من تراثنا الشعبي العريق، التي مارسها ابناء العراق في ايام الوفاة والزواج والعمل، مثل تقليد "العونة" بين الفلاحين العراقيين و"النخوة" بين ابناء الريف، وغيرها من عاداتنا التراثية الجميلة والمعبرة .

وبالتأكيد لا يمكن أهمال دور التطور التكنولوجي والحضاري في وقتنا الحالي، وتأثيره على حياة الشعوب، ومنها شعبنا العراقي، وبالتالي بروز تقاليد وعادات واهتمامات مختلفة تتلائم مع واقع التطور الحالي، فالزورخانة الان  جاء بدلها صالات العاب القوى الرياضية المزودة باحدث الالات الرياضية، والعاب الاطفال في عصر الكومبيوتر تغيرت عما هي عليه سابقا، وصار بامكان الطفل ان يجلس لوحده لينفرد بازرار لوح الكومبيوتر ليمارس لعبة اليكترونية ما، والطريف ان الشركات الباحثة عن الجديد الذي يدر عليها لارباح صارت تهتم بأستعارة العاب تراثية شعبية لتنتج منها العابا اليكترونية، فصار يمكن للطفل ان يلعب الاستغماية  /الغميضة/  في عالم الانترنيت الافتراضي مع العدد الذي يختاره من الاطفال .

في عصرنا الحالي، عصر العولمة الرأسمالية، التي لا تعترف بالهوية الوطنية والقومية لثقافة اي شعب، والتي تسخر كل شئ من اجل اهدافها النفعية والربحية، ومن ذلك عالم الثقافة وما يدور في فلكه،  أذ تساهم في خلق ثقافة كونية استهلاكية تحاول اختراق وتهميش الثقافات الوطنية، من خلال نزعة الغطرسة وعدم التفاعل مع الثقافات المحلية، وبالتالي طمس التراث الوطني دون مراعاة الهوية الثقافية لأي مجموعة بشرية، فأن الحفاظ على تراث العراق الحضاري واحياءه وحمايته مهمة وطنية ومسؤولية تستلزم وجود تشريعات وطنية تضمن هذه الحماية.  وان العمل من اجل استعادة هوية العراق الثقافية التي اضرت بها كثيرا سياسة تبعيث الثقافة العراقية ذات الطابع الشوفيني، وطمس التنوع في الارث الثقافي العراقي  يتطلب ضمن ما يتطلب :

ـ  خطة وطنية وعمل جاد مسؤول على مستوى الدولة، باشراك الوزارات والمؤسسات المعنية بأحياء والحفاظ على التراث الشعبي الوطني بأعتباره يشكل هويتنا الوطنية امام شعوب العالم .

ـ انشاء المراكز البحثية المتخصصة، ودعم ما موجود منها، لتعمل بشكل علمي وفق روح الانتماء الوطني والاحساس بأهمية وعمق الارث التراثي في العراق وتنوعه .

ـ انشاء المتاحف التراثية المتخصصة ودعم الموجود منها وتطويرها .

ـ  أحياء مهرجانات شعبية لاحياء التراث الشعبي وجعلها تقليدا دوريا .

ـ اشراك وزارة التربية والتعليم في احياء النشاطات التراثية بأدخال ذلك في المناهج الدراسية واشراك الطلبة ومن مختلف المراحل الدراسية في مختلف الفعاليات لاحياء التراث الوطني .

ـ تمتين العلاقة وتبادل الخبرة مع الدول التي قطعت شوطا كبيرا في احياء تراثها للاستفادة من خبرتها وتجاربها.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org