مقالات

امكانية نقد الذات .. في المفهوم العربي

مصطفى العمري

تتقدم الامم في حضارتها ومدنيتها وتتسارع وتيرة النمو في البلدان البعيدة جغرافيا ً عن الخط العربي، فنلحظ حجم الازدهار والرفاه الذي يعيشه المواطن الغربي في بلاده، وندرك معنى الطاقة الجبارة التي يمتلكها الغربيون في الصناعة والعمل والفضاء والحرب ونرى امكانية تلك الامم في توفير العيش الرغيد من المساكن الى المستشفيات والمدارس الى قائمة تطول ربما لا تنتهي بالمتنزهات ولا تقف على حدود المترفات من لوازم الانسان الذي يشعر بانسانيته وادميته . 

اذا ً لقد دب التطور في العالم وتحققت الانجازات خاصة في السنين الاخيرة خطوات عملاقة بل قفزات جبارة على صعيد الحياة البشرية ومع ذلك فان نصيب العرب من هذه الخطوات اقل من الطموح وادنى من الشعارات هنا نتساءل كما تساءل الكثيرون : هل تمكن العرب من تحقيق نهضتهم او احلامهم؟ هل يعيش المواطن العربي اليوم كما يعيش المواطن الغربي العادي مثلا؟ هل انتجت شعاراتنا الوطنية والثورية والاسلامية والعروبية التي طربنا لها ردحا ً من الزمن؟ هل انتجت وحان موسم قطافها ام لازالت حصرما ً فجا؟ . 

لا اعتقد ان هناك من يستكثر علينا طرح هذه الاسئلة وفي هذا الوقت بالذات فهناك اسباب ومعطيات تستحثنا على طرحها فالواقع اليومي الذي يفرض نفسه علينا في الظروف الراهنة يجعلنا نشعر بان شيء ما لم يتحقق او لم ينجز في المشروع العربي اذا ما كان هناك مشروع اصلا ً ، لذلك صار واجب على العقلاء من هذه الامة تعيين موقع الخلل والتأشير على الغدد المسرطنة في الفكر العربي وفتح الشرايين المتأكسدة بمادة الدهن المتعفن لكي نفتح آفاقا ً اخرى ومجالات متعددة ونمكن الاختصاصيين من اختصاصاتهم ونجير الطاقات في ردم الهوات المتباينة والمتباعدة في المفهوم العربي .

 

ميدان واحد من اهم الميادين الذي لم تتجه له اصابع الاتهام وبشكل جدي حازم وصارم لكي نحاسبه ونعاقبه  هو تلك القوة او الملكة او الاداة التي نرى ونفكر نحلم ونقرأ انه } الذات { ذات الانسان العربي عقله، لقد  غفل العربي عن ذاته ولربما لا يريد من يذكره به فتطاولنا على ذات الاخر من نفس جنس العربي وتطاول الاخر على هذا الاخر وصارت التكتلات والفئات والاحزاب  ولم يدركوا ان سلاح النقد يجب ان يسبقه ويرافقه نقد السلاح  كما يقول الدكتور عابد الجابري .

 

مشكلة الفرد  عندنا انه مغرم و مولع في هيام "حد الجنون احيانا" في ذاته والذي يغرم في ذاته يصعب عليه نقد الذات، نقد الذات تحتاج الى رياضات وممارسات نفسية قبل ان نتشدق بها ونصورها ونبسطها للعوام من الناس لقد غابت عن ثقافتنا تلك المراجعات التي تسمو بالنفس فتبين الهنات التي ارتكبت والاخطاء التي مورست واستبدلناها بثقافة التملق والتزلف والنفاق، اقصينا ثقافة نقد الذات وادنينا ثقافة المدح والثناء المغشوش، لم ندرك يوما ً ان هذا الجموح النفسي الهائج زيفا ً لابد له من محطة استراحة لكي يتم استرجاع او تقييم الشوط الذي مضى، ثم يأتي التقويم والتصليح و التصحيح لما سياتي من اشواط حياتية اخرى .

العالم المتطور الذي نراه الان تكنلوجيا ً وطبيا ً وهندسيا ً لم يرقى الى هذا الحد الا  بعدما توصل الى نقد ذاته ومعتقداته وحياته وبعد ما توصل الى صنوف شتى من العلوم والفنون فأتقنها واخذ باسباب التطور فيها، هب لكي يذهل عالمنا المخمور جسديا ً والمملوء غثاء ً فكريا ً والمتشتت حزبيا ً ودينيا ً وطوائفيا ً هب لكي يصحوا النائمون على اصوات هدير التكنلوجيا الجديدة .

 

سؤال اخير اطرحه على ابناء العروبة جميعا ً بما فيهم كاتب السطور : ايهما تنقد اكثر نفسك ام الاخرين؟  ثم هل تقبل ان يوجه لك نقدا؟ ومدى اعتبارك بانتقاد الاخرين لك؟ .

اذا ً هي دعوة لكي نعمل للتغيير المنشود ولكي نراجع انفسنا بدون تزلف او استعلاء . فالحياة المليئة بالاخطاء اكثر نفعا ً وجدارة  بالاحترام من حياة فارغة من اي عمل. يقولون ان غياب النقد الذاتي اللاذع من ادبنا دليل على غياب الامور العظيمة التي تستحق هذا النقد. 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org