مقالات

التمييز بين الذكر والأنثى في المجتمع اليمني على أساس النوع الاجتماعي (2)

 

د.سعاد سالم السبع

كلية التربية - جامعة صنعاء

 العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي هو العنف الذي يمارسه  الفرد المالك للسلطة أو القوة على الآخر لأنه يعتقد أن الآخر ضعيف أوأقل مكانة منه، وغالبا ما يمارس ضد المرأة،  وهذا السلوك مهما كانت مبرراته  لا يخلق مجتمعا  آمنا نفسيا، وافتقاد الأمن النفسي لن يتيح فرصة  للإنتاج  مهما كانت قوة الإمكانات المادية، ولأن الرجل والمرأة شريكان في الانتاج حتى وإن تم إقصاء أحدهما أو تهميشه  على أساس النوع، فإن الرجل متضرر  من العنف المبني على أساس النوع مهما كانت قوته.

    للعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي آثار مختلفة على الفرد والمجتمع، ولكن  المرأة لها النصيب الأكبر من هذه الآثار؛ لأن المجتمع يمارس العنف ضد المرأة من غير وعي بأنه يعنفها، بل في معظم الأحيان يمارس المجتمع العنف ضد المرأة  تحت مفهوم (حماية المرأة) ، فقد تضرب المرأة ، وتحرم من ممارسة حقوقها من قبل الأسرة ، وحينما نبحث عن السبب سيقال : (نخاف عليها من الخروج، نحميها من الانحراف، نصونها من البهذلة) وكلها مبررات في ظاهرها الرحمة ، وفي باطنها العذاب، لأن حرمان الأنثى  من حقوقها ، وتمييز الذكر عليها لا يحميها بل يعرضها لكثير من المشكلات؛ أهمها أنها تصبح ضعيفة مستسلمة،وقد يجعلها ضعفها منحرفة، أو مريضة نفسيا، أو مؤذية لمجتمعها..  فممارسة العنف بهدف حماية المرأة أمر خطير، لم يبحث بعد، ولا يلتفت إليه كثير من الناس.

    لا بد أن نؤمن أن العنف يولد العنف، وأن ندرك أن المرأة التي  تعاني من العنف قد تتصرف في أغلب الحالات بعنف،  وبخاصة مع الرجل، فيتعرض المجتمع كله(الرجل والمرأة)  للخطر على اعتبار أن المرأة هي نصف المجتمع ، وهي المسؤولة عن تربية نصفه الآخر، فكيف سيكون النصف الآخر إذا تلقى تربية على يد امرأة عانت من العنف.؟!!  

   لا شك أن العنف المبني على أساس النوع  الاجتماعي  ينعكس على الرجل والمرأة وعلى كل أفراد الأسرة،  سواء أكان الرجل هو من يمارس العنف، أو كان هو الضحية للعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي؛ فحينما يحرم الرجل المرأة من حقوقها لأنها أنثى، ذلك يجعله أمام الله ظالما، وأمام الواعين من أفراد المجتمع قاسيا قاطعا لصلة الرحم ، ويجعله في عداوة مستمرة مع المرأة، وبالتالي لا تستقر حياته ، حتى وإن تظاهر بالاستقرار...   كما إنه إذا كان العنف المبني على أساس النوع  الاجتماعي واقعا على الرجل من قبل رجل آخر كالأب أو صاحب سلطة مثلا ، أن من قبل امرأة كالأم أو الزوجة؛ فلا شك أنه سيشعر بالظلم الذي قد يوصله للتمرد أوالاكتئاب أو الانتحار أو الانتقام ، وكلها أمراض يجب أن يبقى المجتمع بعيدا عنها ليكون مجتمعا سويا متكاملا.... 

     والمؤسف حقا أن ممارس العنف لا يشعر بأنه يفعل شيئا مخالفا للعدل؛ فمثلا: حينما يحتقر الرجل رأي المرأة لأنها (مرة) بالتعبير الشعبي، فهو لا يشعر أنه فعل فعلا شنيعا، مع أن ذلك  الفعل ينتج عنه آثار نفسية مؤلمة للمرأة، لا يشعر بها الرجل إلا إذا مورس عليه عنف مماثل من رجل أقوى منه، كأن يقوم رئيسه في العمل باحتقاره هو لأنه موظف عند المدير،أوأقل مكانة منه، لكن ذلك  يحدث نادرا مع الرجل وكثيرا مع المرأة...

      نستطيع أن نلاحظ  آثارا  ومظاهر كثيرة للعنف المبني على أساس النوع، لكن هذه المظاهر والآثار لا تخرج عن كونها جسدية ، مثل: الضرب والتعذيب الجسدي والقتل والاغتصاب ، أوآثارا نفسية،  مثل :التهميش والتحقير والتهديد والشتم، وغالبا ما ينتج العنف آثارا نفسية وجسدية في وقت واحد على الضحية..     ولن يختفي العنف  المبني على أساس النوع إلا إذا أدرك الرجل والمرأة معا  خطورة هذا النوع من العنف، وإذا اقتنعا معا بأهمية نبذه من عقليهما قبل أفعالهما،  لأن الاعتقاد بأحقية ممارسة العنف ضد من يخرج عن الأدوار الموزعة في ضوء النوع الاجتماعي يهدد سلامة العلاقة بين أفراد المجتمع ، إذ يثبت المفاهيم الخاطئة في نفوس الناشئة عن أفضلية  جنس على جنس آخر ،  وهذه الثقافة الاجتماعية القائمة على التمييز على أساس النوع الاجتماعي،تخلق وعيا مزيفا عن الذات وعن الآخر لدى الضحية بالذات،  ونجد مثالا لذلك فيما نجده من وعي زائف  لدى الأنثىالمعنفة،  إذ تصبح تلك الأنثى طرفا أساسيا في ممارسة العنف ضد نفسها (ضد المرأة ) وضد الآخر( الرجل)، كما إن هذا الوعي الزائف يجعل المرأة  تتقبل كثيرا من مظاهر العنف الممارس ضدها على اعتبار أنها تصرفات طبيعية، فلا تشكو منها ولا تعبر عنها، حتى أن بعض الزوجات المعنفات يتقبلن الضرب من قبل الزوج على أساس أن كل الزوجات يجب أن تضرب ، وفي إحدى الدراسات كانت بعض المعنفات ترد لتبرير العنف بالقول: "وهل هناك زوجات لا يضربن من قبل الزوج"؟!!   هذا النوع  من الثقافة الزائفة التي تقدم للأنثى تجعل المرأة تتقبل العنف و ترضى به لأنها أنثى،  مما يسهم في دونيتها ، وضعفها واستسلامها، وعدم قدرتها على تربية أبنائها، بل وانحرافها في بعض الأحيان، لأن ثقتها بنفسها  تكون ضعيفة وتؤمن بقوة الذكر في كل الأحيان، وتستسلم له، حتى وإن كان الذكر شريرا.. وتستمر هذه الثقافة، وتتجسد في كثير من البيوت من خلال التفرقة في التنشئة بين الذكور والإناث التي تبدأ منذ لحظة الولادة، حين تفرح بعض الأسر بقدوم الذكر وتتشاءم بقدوم الأنثى...  

     وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن هناك تفرقة في التنشئة  بين الذكور والإناث تمتد إلى العناية الصحية، والغذائية بالطفلة، حيث وجد أن عدد وفيات الإناث في السنة الأولى بعد الولادة أكثر من عدد وفيات الذكور بسبب سوء التغذية، وتشمل هذه التفرقة توزيع الأدوار داخل الأسرة،فالطفلة تخضع لأخيها وإن كان أصغر منها، ثم التفرقة في فرص التعليم، وعدم إعطاء الفتاة فرصة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها، فقد ترغم الفتاة على ترك المدرسة وعلى  الزواج في سن مبكرة من رجل قد لا ترغب في الزواج منه، وقد ترغم على تحمل كل أشكال العنف كونها أنثى فقط. ويمتد العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي ضد الأنثى  إلى المدرسة ، حيث أثبتت الدراسات أن احتمال وقوع الفتيات ضحايا للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المدرسة أكبر منه بالنسبة للفتيان، وبخاصة الأذى والعنف الجسدي والإكراه على ترك المدرسة،والمنع عن الدراسة بين الحين والآخر،  و التحرش، والعنف اللفظي داخل المدرسة وخارجها، وقد استمعت-بنفسي- إلى  حكاية  تلميذة على لسان والدتها التي تقول: إن ابنتها تعرضت في المرحلة  الأساسية في إحدى مدارس العاصمة صنعاء  للضرب من قبل معلمها واستخدم المعلم (قبضة يده) حيث ضرب  التلميذة على أنفها لكمة قوية  تسببت في إحداث شرخ في عظمة الأنف، وأخضعت التلميذة  لعملية جراحية بسبب هذه الإصابة،ومازالت التلميذة متأثرة جسديا ونفسيا، ولم تعد تذهب للمدرسة خوفا ورعبا من العنف المدرسي،ولم تعالج الطفلة من هذا الخوف، وحينما سألت الأم عن دور الأب في هذا الموضوع  قالت: (تعبنا مشارعة، والأفضل أن تبقى بنتنا في البيت) أي أن الفتاة صارت ضحية  عنف مركب من العنف الأسري والمدرسي معا ، فهي تعاني من عنف جسدي داخل المدرسة، ثم عنف أسري تمثل في منعها من التعليم ..

      وسيستمر العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي ضد الإناث  بالذات لأنه ما يزال غير معترف به من المجتمع، ولا يتم الإبلاغ عن هذا النوع من العنف  ضد الفتيات،وبخاصة إذا لم تظهر آثاره الجسدية  ولا يُعاقَب الجناة ولا تُتخذ تدابير لمنع تكراره، إما لأن المجتمع لا يستنكره، أو لأن الفتاة نفسها والأسرة تفضل التكتم عليه حماية للفتاة ولسمعة الأسرة من القيل والقال في مجتمع مازالت تتحمل الفتاة وحدها شرف المجتمع وثقافة العيب فيه.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org