مناخ الكتابة 

 

حيدر قاسم الحجامي

للكتابة الابداعية أسبابها لدى الكاتب  الذي يحاول من خلال مايكتبه بلورة صوره الخيالية الممتدة في أفقِ خيالهِ الرحبِ الى ارضِِ الواقعِ من خلالِ التنظيرِ الدائم للجمالِ  والانحيازِ التامِ لقيمِ الخيرِ التي يؤمن بها الكاتب بل ويدافع  عنها، لأنه يعتقد ان العالم محتاج إليها كزاد يومي يتغذى منه هذا الكائن الغريب لكي يعيش بسلام مع الكائن الأخر بل مع كل مايحيط به  في هذ الكون الفسيح، وبما ان الكاتب المبدع صانع جيد للجمال ويتقن اصطياد لقطات جميلة من مشاهد الحياة ويُتقن توظيفها إبداعياً، فانه بحاجة دائمة الى ان يكون قريباً من الحياةِ ويبللُ أفكارهُ برطوبة الواقع لكي تكون كلماته وهي سلاحهُ الوحيد قريبة ندية مؤثرة وفاعلة في المحيطِ  .

 سألني احد أصدقائي سؤلاً تأملت ُ في الإجابة عنه ُلانه ُ سؤال مهم وحيوي والإجابة عنهُ معقدة وشائكة، سألني عن مناخ الكتابة الذي يجب ان يتوفر للكاتب لكي ينتج نصاً ما؟ عدتُ وقد استولى عليَ هذا السؤال ورحت ُ ابحث عن إجابة فاخترت ان اسمح لنفسي في محاولة الإجابة التي ستكون بالتأكيد قاصرة ولكنها ضمن رؤيتي البسيطة، فاعتقدُ ان مناخ الكتابة لدى الكاتب عالم خاص جداً وسري للغاية فهو يحتاج الى قلق مستمر و جو مثير في ذات الوقت لكي يفكك من خلالِ قلقهِ الأفكارِ والتصورات التي تخالجهُ ويستخلصُ منها ما يمكنهُ من خلاله البوح بما يرد وصناعة قيمة أخرى من قيمهِ التي يؤمن بها ويدافع عنها، أنها أي الكتابة مزيج من اختلاط الأحلام بالواقع، الوعي باللاوعي،اصطدام الحقائق بالخرافة، زلزلة الراكد في قارة العقول واحناء أغصان يابسة الى الأسفل لكي تسمح بنمو أغصان أخرى زاهرة ملئية بالحياة  والخضرة،  ولذا تظل لواعج نفس الكاتب تظهر بصور جلية بألوانها المتعددة على نصهِ المكتوب في لحظات الإبداع التي تتقمص منه جزء من شخصيتهِ المحبةِ للجدلِ،الراغبة في إدامةِ الصراعِ الفكري بغية الوصول الى المثالِ  الذي ينشدهُ الكاتب ويسعى إليه، ان مناخ الكتابة لدى الكاتب مهما كان مبتدئاً او محترفاً، في الشرق او الغرب، يكاد يكون متشابها ً فهو مناخ خيالي متأثر بالواقع وقد يكون مستمدُ منهُ يصنعهُ الكاتب كشرنقة او شرفة عالية يطلُ عبر أجوائها المشمسة او الملبدة بالغيوم الى واقعه الافتراضي، ليتيح ليدهِ وعبر قلمهِ ان تترجم أحلامه البعيدة ومعاناته ِ الإنسانية وعذابات الحياة الى كلمات متراصة في عبارات متعددة ومن ثم يعود بعد ان يفرغ شحنته الذاتية الى عالمه الطبيعي وواقعه المعاش، ولكنه ُ يبقى محاطاً بهذا القلق المثير وبعقدة الشك الدائم فهي أي صفة الشك إحدى أهم أسباب ديمومة الكتابة الابداعية لديه وهي حاسته السادسة التي يتميز بها عن سائر الخلق، فهي دليله الى مواطن الضعف والعجز،القوة والعنف،الخير والشر، الحب والكره، الجمال والقبح، الموت والحياة، ومنها يستوحي تساؤلاته الهائمة في تيه الكون الهائل، محاولاً التملص من مسلماته النائمة في بطون العقول الجمعية، مفككاً الأجوبة الجاهزة قبل الأسئلة، ولذا فان حالة القلق التي تحيط بالكاتب هي إحدى أهم أدواته ِ التي تمنحه ُ القدرة على المواصلة في دروب الكتابة الموحشة ووسط حقولها الملغومة ولكنهما (الشك والقلق )يدفعانهُُ الى الإبحار بقاربهِ الصغيرِ ليخوض في لججِ هذا البحر الهائج المتلاطم الأمواج، وعندما يفقد الكاتب صفة الشك هذه فانهُ يجب عليه ان يعلم أنها النهاية مع هذا العالم وانه ُ فقد حاستهُ السادسة وعاد طبيعياً ضمن جمع البشر العاديين الذين يعيشون واقعهم دونما تخطيط مسبق او بحث متواصل عن الحقائق، ولذا تنتهي رحلة هذا الكاتب ويتوقف إنتاجه الإبداعي عند هذه النقطة، وعليه ان يعتزل الكتابة لأنهُ سيعيدُ تكرار نفسه،  ولن يقدم شيئاً يضاف الى مسيرة منجزهِ، وبذا يفقد هذا الكاتب حيويتهُ وربما يفقد قرائه الذين أغوتهم وأغرتهم كتابته التي أنتجها عندما كان يعيش  في مناخ الشك والقلق السابق الذي غادره .