عمالة الأطفال في بابل ظاهرة ملفتة للنظر وقضية تبحث عن حل

 

* أطفال يجازفون بحياتهم لبيع الموز والمناديل الورقية في الأشارة الضوئية

* غياب الآباء أول الأسباب التي تدعو لعمالة الأطفال

* مسؤول حكومي: على الحكومة أن تضع قانوناً يحد من هذه الظاهرة

 حسين الفنهراوي / بنت الرافدين

إن أخطر مرحلة في حياة الأنسان هي مرحلة المراهقة ومرحلة الطفولة المتأخرة وهي المرحلة الأهم والتي تحدد أتجاه الطفل سلبيا كان أم أيجابيا . كونها المرحلة التي تفصل بين الطفولة والشباب ويبدأ الطفل بالتمرد على كل ما حوله ويرى نفسه أنه رجلا رغم صغر سنه فيما أن أفعاله لا تدل على رجولته .وفي هذه المرحلة تلعب الاسرة دوراً مهماً في حياة المراهق لذلك فإن غياب أحد الوالدين وبالأخص الأب سيعرض حياة المراهق الى مخاطر عدة. من هذه المخاطر ظاهرة عمالة الأطفال التي اصبحت ملفتة للنظر في شوارع الحلة وأسواقها.

ولمعرفة الأسباب التي دعت هؤلاء الاطفال للخوض في بيع علب المناديل الورقية والموز في الأشارات الضوئية مستغلين الأعداد الكثيرة من طوابير السيارات في هذا المكان التي تتأخر فيه السيارات لكثرتها أحيانا الى أكثر من ربع ساعة تقريبا يجول حينها الأطفال جميع السيارات عارضين ما يبيعونه على اصحاب السيارات وراكبيها أو العمل في بيع الأكياس النايلون (العلاليك) في سوق الخضر أو العمل في محلات تبديل دهن السيارات أو تصليحها.

 

عائلة أمية

محمد قاسم طفل بعمر الورد يبيع أكياس النايلون على المتبضعين في سوق الخضار يتوسل بكل من يمر في السوق لشراءه كيس ..قال عن أسباب عمله في السوق " والدي غير متعلم وهو غير موظف ويبيع الخضار في السوق وأنا أخرج لوحدي أبيع الأكياس وعملي خاص بي وما أحصل عليه لي فقط" وعن مدرسته قال"والدي دعاني لترك المدرسة بعد أن رسبت لعدة سنين أتجهت بعدها للعمل في السوق كما ترون" واضاف "نحن عائلة متكونة من سبعة أفراد لا يوجد فيها شخص متعلم سوى أختي في الرابع الأبتدائي جميع أخوتي الباقون لم يصل أحدهم الى الصف الثاني الأبتدائي".

طفل صغير آخر (سامر جواد) يرتدي فانيلة تغير لونها الأبيض الى الرمادي بسبب الأوساخ عليها وسروال ممزق وقدمين حافيين سوداوين من كثرة الأوساخ التي عليها قال"أنا ابن لأم مطلقة وأب لم أره منذ أكثر من عامين حيث أنتقل والدي منطقة طويريج وتزوج هناك وبدأ يدفع لنا نفقة لا تكفينا أنا وأخي وأختي وأمي ونحن نعيش في كنف جدي المتقاعد وخالي المتزوج ويعمل في بيع البالات فوجدت الحاجة في أن أعين جدي ووالدتي وخالي فضحيت بالدراسة والتعليم ولأكون والدا صغيرا لأخي وأختي مفضلا العمل في بيع أكياس النايلون لأن شراءها رخيص اضافة الى بيعها بسرعة و"ارباح جيدة".

 

الموز والمناديل

في الأشارة الضوئية هناك عدة أطفال يتسابقون للوصول الى السيارات حين وقوفها بالأشارة عارضين بضاعتهم التي هي الموز أو المناديل الورقية (الكلينكس) فما أن تتوقف السيارات في الأشارة الضوئية حتى يبدأ الأطفال بعرض بضائعهم على السيارات فمنهم من يتوسل بالسائق للشراء وآخر يقلل من سعر بضاعته لصيد الزبائن من السواق والركاب.

الطفل أحمد ناصر 12 عام أجاب عن سؤالنا له"لماذا اتجهت الى البيع في الاشارة الضوئية وانت بهذا العمر؟ لماذا لا يصرف عليك والدك؟" فضحك قائلا "ان والدي اجبرني على ترك المدرسة بعد أن رآى مستواي المتدني في الدراسة ورسوبي وعدم استيعابي للدراسة وهو يعمل في السوق ببيع مادة اللبن بعربه وعملت معه مدة ودائما ما تحدث مشاكل بيني وبين العاملين في السوق من هم بسني فطلب مني والدي أن أبتعد عن السوق والتجأت الى بيع المناديل الورقية هذه اضافة الى ان السوق (يخوف) هذه الأيام بسبب الأنفجارات وأكثر من أنفجار حدث قرب المكان الذي يعمل فيه والدي في السوق وبسببه ألحت والدتي على ترك العمل في السوق والتوجه لهذا العمل وهو أفضل من الدراسة وتعبها ومشاكلها ".

 

هروب من دار رعاية الأولاد

سيف عامر طفل بريء آخر يبلغ من العمر 13 عاما نظيف وخلوق وملابسه لطيفة يعاني من شلل الأطفال الولادي في قدمه اليسرى يعرض بضاعته علب المناديل الورقية في الأشارة الضوئية قال "الظروف التي مررت بها جعلتني ألتجأ الى العمل في الأشارة الضوئية، أجد في عملي هذا متعة رغم التعب" وأضاف "منذ أكثرمن سبعة أعوام حدث خلاف بين ابي وامي انتهى بطلاقهما وأصبحت بعيدا عن والدتي وعشت مدة مع والدي ولما تزوج رأيت عدم أرتياحه من ناحيتي وعرفت أنني أعكر صفو حياته بعدها قام بأيداعي في دار الأيتام الذي وجدت فيه رعاية كريمة من قبل مديرها(حمزة الحسيني) رحمه الله ولكنني لم أتعلم للبقاء في مثل تلك الدار فهربت للعيش مع جدي والد أمي ولكنه مات بعد مدة قصيرة وكان لابد لي ان أعود لوالدتي التي تزوجت وعشت مع زوج أمي وأولادها الجدد وكان زوج أمي يعمل حارسا لمدرسة وفي الصباح يعمل في بيع الخضار وهو يعاملني بطيب ولكنني لا أستطيع أن أراه يصرف عليّ فقمت بالالتجاء الى العمل في السوق" وعن دراسته قال" الظروف الصعبة التي مررت بها حالت بيني وبين أكمال دراستي التي لم تعد تليق بمثلي كوني اضعت الفرصة من البداية بسبب الظروف التي مررت بها".

 

أطفال دون التاسعة يعيلون عائلة

أمير ومرتضى طفلين بريئين أخوين لم يتعدا التاسعة من العمر يتسابقا للوصول الى السيارة عند وقوفها في الأشارة الضوئية .قال أمير الأكبر" ان الظروف أجبرتنا للعمل هنا أنا وأخي بعد أن تركنا المدرسة فوالدي لم نراه منذ سنين وهو يعمل في الكوفة في الزراعة كما تقول والدتي بعد أن طلقها وفارقنا وكان يزورنا بين مدة واخرى ولكنه منذ زمان لم يزرنا أو يقدم لنا أدنى مساعدة وأن نفقتنا لا تكفينا الا أيام واضطررنا للعمل في السوق مرغمين أنا وأخي مرتضى لعدم وجود معيل فليس لدينا أخوال يصرفون علينا ولا أعمام يزورونا منذ أن طلق أبي والدتي وقد أكرمنا جدي أبو والدتي بغرفة صغيرة نعيش بها الآن"

قاسم محمد طفلا صغيرا ورغم الدهون السوداء التي غطت ملابسه ووجهه وجزءا من جسمه ورأسه لكنه يبدو جميلا ويعمل في محل تصليح السيارات وتبديل الدهون بأجر يومي قدره خمسة الاف دينار ماعدا مايحصل عليه من (البخشيش) كما ذكر لنا حيث يقول عن عمله والأسباب التي دعته للعمل مبكرا "أنا أبن لأب موظف في دائرة الأتصالات ولي سبعة اخوة وأخوات صغار لا يكفي راتب والدي لمعيشتنا خاصة اننا أستئجرنا بيت لنعيش فيه بعد حدوث مشاكل مع أهل والدي بسبب مشاكل مع عماتي" وعن مدرسته قال"هجرت المدرسة لأنني لا أفهم شيء من المدرسة ولم أوفق بها" وأستطرد قائلا "ان المدارس ليست لأمثالنا".

 

هنا يحدث العكس!!

السيد سهيل عبد النبي يقول "أنا اعمل منظفا في مستشفى براتب مائة وعشرون الف دينار يعني أجري اليومي اربعة الاف دينار فيما يعمل ولدي ذي العشرة سنوات في محل لتبديل دهون السيارات بأجر يومي يصل أحيانا الى خمسة عشر الف دينار أو أكثر وعندما يعود من العمل يسلمني ما حصل عليه حتى بدأت أحس بأنه المعيل لي وللعائلة التي تتكون من ستة أفراد".

 

ماذا يقول المسؤول الحكومي؟

الدكتور نعمه جاسم نائب رئيس مجلس محافظة بابل قال ان "الدوائر المعنية بهؤلاء الأطفال يجب أن تأخذ دورها وتضع حلولا لمثل هذه المشكلة فعلى مديرية التربية أن تضع بعض الآليات لغرض جذب التلاميذ لأكمال دراستهم كذلك يجب على الحكومة وضع اليات وقوانين حازمة بشأن الاباء الذين يضغطون على ابنائهم لترك مدارسهم كذلك وضع الية للحد من عمالة الأطفال ومحاسبة ذويهم لما لهذه الظاهرة من عواقب وخيمة كونها تخلف جيلا متخلفا وربما ينخرط البعض منهم في الأعمال الأجرامية بعد أغرائهم بالأموال وعلى دور الأيتام والرعاية الأجتماعية الأهتمام بالأطفال الذين كانوا ضحايا طلاق الوالدين واحتضانهم للعيش في هذه الدور بكرامة والاهتمام برواتب الموظفين بحيث يسد حاجاتهم لمعيشة عوائلهم بكرامة وسد الحاجة".

 

علم النفس له رأيه

الدكتور خضير الجبوري استاذ علم النفس يقول عن ظاهرة عمالة الأطفال" ينصح علماء النفس الآباء والأمهات في هذه المرحلة الحرجة من عمر الأطفال أن يكونوا ملاسقين لهم مطلعين على ما يدور في أفكارهم قريبين منهم وجعلهم أصدقاء بدلا أن تكون علاقة أب بأبنه فتكون صديق بصديقه والتعامل معهم بلطف وتقديم ما يحتاجونه وأفهامهم بالأخطاء بصورة غيرعصبية وبرفق وتوجيههم توجيها تربويا وزرع فيهم حب الدراسة والعلم كذلك مساعدتهم في توفير ما يحتاجونه في هواياتهم من الرياضة أو الفن أو الأدب أما الأبناء فاقدي الوالد فعلى الوالدة أن تأخذ دوره وعدم وضعه موضع الرجل والضغط عليه بالعمل وتحميله المسؤولية وهو صغير ويأتي هنا دور الحكومة في مسؤولية رعاية الأيتام والمحرومين الذين كانوا ضحايا الآباء والأمهات".

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com