مقالات في الدستور

 

 

القانون الأساسي العراقي لسنة 1925وملحقاته

 

المحامي هاتف الاعرجي

 

كان القانون الاساسي العراقي وليد عهد الانتداب فلقد سن وشرع في عهد لم يكن العراق فيه يتمتع بكامل سيادته. وكانت سلطات الانتداب البريطاني مصدر تشريعه. ولم يصبح قانونا نافذ المفعول الا بعد ان عرضت لائحته على وزارة المستعمرات البريطانية التي وافقت عليه بصيغته النهائية.

 ولم يكن المجلس التأسيسي الذي صادق على ذلك القانون حرا بل كان مقيدا عند النظر في مشروع القانون بنص المادة الثالثة من معاهدة 1922 المعقودة بين بريطانيا والعراق والتي قضت بان لا يحتوي القانون الاساسي العراقي على ما يخالف نصوص هذه المعاهدة. وهذا الوضع الشاذ وصفه المرحوم امين الريحاني وصفاً لاذعا بليغا بقوله: (معاهدة تحالف مع حكومة دستورية نيابية لا مجلس نيابي لها ولا دستور.

ولا باس فأنه من الممكن في علم المتناقضات ان تجر العربة الحصان. وعندما تدنو ساعة الاعجوبة، اي عندما تشرع في سن دستورها الاساسي ينبغي ان لايحدث ما قد يمنع الحصان من السير وراء العربة. وبكلمة عربية مجردة من المجاز الانكليزي. ينبغي ان لايكون في دستور الامة ذات السيادة ما يناقض المعاهدة - احلام حسين جميل - الخلفية السياسية والاجتماعية للاوضاع التي كان يطبق في ظلها دستور 1925. ص15

ولم يكن هدف سلطات الانتداب التي اشتركت في وضع لائحة القانون الاساسي صيانة حقوق الشعب بقدر ما كان هدفها تثبيت دعائم السيطرة الانتدابية على العراق. فقد استهدفت تلك السلطات عند تشريعها القانون الاساسي تقوية مركز القوة التنفيذية وتوسيع صلاحياتها على حساب السيادة الشعبية والحقوق الفردية. فدستور هذا شانه، وهذا منشؤه لا يقوى على مجابهة التطور الفكري والاجتماعية الذي حدث عند الشعب العراقي والذي ادخل مفاهيم جديدة في انظمة الحكم، وحتما فلا بد ان (تتغير الاحكام بتغير الازمان) لهذا قال بعض فقهاء القانون الدستوري بوجوب اعادة المجالس التشريعية النظر بالقانون الاساسي للدولة في فترات دورية كل 25 سنة مثلا او كل جيل - لاجل اجراء التعديلات والتطورات التي تراها مناسبة مع الحالة التي هي فيها، فلكل جيل الحق في ان يرسم مستقبله ويعين التي هي فيها. فلكل جيل الحق في ان يرسم مستقبله ويعين طريقة الحكم التي يبتغيها، بحكم الاكثرية، كما ان له ملء الحق في تغيير القوانين والتشكيلات التي عينتها الاجيال السابقة وجعلتها ملائمة لوقتها، الاستاذ عطا بكري الدستور وحقوق الانسان - الجزء الثاني ص 154.

وقد دعا الفقيه (توماس جفرسون) الى عدم قدسية الدستور او ابديته، وذكر من ان بعض الناس يسبغون على الدساتير مسحة قدسية ويعتبرونها اشد قداسة من ان تمس، ان القوانين والتشكيلات الحكومية يجب ان تساير الزمن وان تمشي يداً بيد مع تطور العقل البشري - الاستاذ عطا بكري نفس المصدر اعلاه.

وفي ذلك اخذ ديوان التدوين القانوني في العراق فأكد ضرورة اجراء التعديلات في الدستور لكي يكون ملائما لمستوى رقي الشعب وقد جاء بقراره بهذا الخصوص.. ولما كانت التطبيقات البرلمانية في مختلف الظروف والادوار قد اثبتت عدم كفاية ذلك التعديل (اي التعديل الذي ادخل على القانون الاساسي في عام 1925) بعد تطور العراق الحديث، كما وان القواعد الحقوقية تدلنا دلالة قطعية على ان القوانين تغير وتعدل كلما تقدمت البلاد لكي تكون ملائمة لمستوى رقي الشعب الذي تطبق عليه. وان ما قيل بهذا الصدد عن القوانين بصورة عامة ينطبق تمام الانطباق على القانون الاساسي ايضا، لهذا نجد ان الحكومة العراقية ـ في مختلف الازمان ـ فكرت في السير وفق سنن الارتقاء في اصلاح قانونها الاساسي). مقدمة القانون الاساسي مع تعديلاته - 1944.

واضح ان الفكرة الديمقراطية عند تبلورها تظهر على شكل دستور ونظام للحكم يحقق السيادة الشعبية ويصون حقوق الانسان، فللدستور اذن غايتان. (الاولى) صيانة حقوق الشعب بان يتضمن على ضمانات شافية لتلك الحقوق، الثانية تنظيم الدولة ورسم التشكيلات الحكومية بصورة تؤدي الى صيانة تلك الحقوق ومنع اي اعتداء قد يقع عليها. على ان درجة ضمان القانون الاساسي لحقوق الانسان وقابلية التشكيلات الحكومية لضمان تلك الحقوق هي التي تحدد درجة حداثة الدستور من عدمه:

1. حقوق الشعب: وتطرق الدستور العراقي الى ما اسماه حقوق الشعب في بابه الاول المبتدأ بالمادة الخامسة والمنتهي بالمادة الثامنة عشرة. اما المادة الاساسية لحقوق الشعب تلك التي تتعلق بالسيادة الشعبية، فقد نص عليها القانون الاساسي العراقي في الباب الثاني المتعلق بالملك وحقوقه.

2. السيادة الشعبية: هي النقطة الاساسية لكل نظام ديمقراطي ولقد جاء في اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي لعام 1789.

المادة 3 ـ (السيادة للامة حتما وهي مصدر السلطات وليس لجماعة او شخص ممارسة اي سلطة ما لم تكن مستمدة منها).فالشعب هو مصدر السلطة ومصلحة الشعب هي الغاية التي تهدف اليها كل سلطة. ولقد جاء بهذا المعنى في اعلان حقوق الانسان الفرنسي.

المادة 12 ـ (ان صيانة حقوق الانسان والمواطن تحتاج الى قوة عامة، لذلك ان هذه القوة (الحكومة) تنشأ لمصلحة المجموع لا لمنفعة اشخاص الذين يعهد اليهم بقيادتها).

ومن ملاحظة الدستور الفرنسي لعام 1946 اذ نص على الباب الاول المادة 3 ـ السيادة تعود الى الشعب الفرنسي لاحق لاي شخص او اي جزء من الشعب ان ينفرد بها باستعمالها (طريقة استعمال الشعب لتلك السيادة فيما يتعلق بالمسائل الدستورية بواسطة تصويته لاختيار ممثليه او بواسطة الاستفتاء. اما طريقة استعماله للسيادة فيما عدا ذلك من المسائل فتكون بواسطة مندوبيه في مجلس الامة المنتخبين انتخابا مباشرا وبصورة سرية ومتساوية)

اما ما ورد في الدستور العراقي فان سيادة المملكة العراقية الدستورية هي وديعة الشعب للملك فيصل بن الحسين ثم لورثته من بعده).

وورد في كتاب (شرح ـ الدستور العراقي ـ للدكتور مصطفى كامل) فهو يرى ان الدستور العراقي لم يأت بناء على اتفاق او تعهد بين الملك والامة، ولم يات منحة من الملك ـ وانما هو من حيث شكل صدوره قانون من شكل خاص. اذ ان الاستعراض التأريخي لكيفية تشريعه يؤكد ان هذا القانون هو وليد الانتداب الانكليزي كما هو وليد نهضة الامة العراقية ورغبة الملك في مسايرة تلك النهضة.السيادة الشعبية لا يكفي الاعتراف بها، وانشاء البرلمان المنتخب، ان هذين الامرين لم يفيا بالغرض المطلوب ولكنه يجب لتحقيق اعراض الديمقراطية فعلا، تقرير ضمانات، ومن هذه الضمانات رقابة الرأي العام لأعمال السلطات الحكومية.ولا يمكن ان تكون رقابة الرأي العام ذات اثر ما لم يكن الشعب متمتعا بالحرية الكاملة في تفكيره، وفي ابداء ارائه وفي مناقشة الحكومة، وكذلك في التجمع وتأليف المنظمات السياسية.

 فالدستور الصالح هو الذي يضمن تلك الحريات ويدعم الرأي العام الشعبي ويقوم بتنميته وتقويته وتعزيزه ومده بعناصر الحياة والنضوج.(الديمقراطية تقتضي ان تكون الحكومة حساسة ومتأثرة بتطورات الرأي العام، ولاجل جعل تأثير الحكومة بالرأي العام حقيقة واقعية لا يكفي ان تكون الحكومة منتخبة بواسطة الاقتراع الشعبي، بل يجب ان يكون للشعب مطلق الحرية لان ينتقد الحكومة ويناقشها ويطالبها بتقديم الحساب) الاستاذ عطا البكري الدستور وحقوق الانسان ص172.

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com