مقالات في الدستور

 

 

الاستفتاء على الدستور والمفوضية العليا للانتخابات

 

د.سعدي السعدي

sadi_sadoon@yahoo.com

 

 يمر العراق اليوم بمرحلة من اخطر واعقد مراحل تطوره التاريخي .. وقد اثبتت التجربة الانتخابية السابقة نمطين من الوعي لدى الشارع العراقي ..

تمثل الأول في الرغبة العارمة من قبل الجماهير العريضة للمشاركة في بناء العراق الجديد متحدين بذلك الارهاب .. ودلل هذا بعمق انها، اي الجماهير، تدرك تماماً مصلحتها وتعي انها تخلصت من وحش كاسر دمر كل شئ قبل ان يرحل وجاء وقت المشاركة في اعادة البناء بروح جديدة وبطرق عصرية ..

وتمثل الثاني في عدم نضج القوى السياسية العراقية بما فيها القوى التي ناضلت ضد الدكتاتورية واعطت الشهداء .. تمثل عدم النضج هذا بظاهرة غريبة جداً .. أن هناك قوى ابتزت الشارع العراقي وزورت ارادة الناس واستعملت ادوات محرمة للضغط على ارادة الناخبين .. هناك من استعمل التهديد لانتزاع الأصوات، وهناك من استعمل تاثير شخصيات دينية للترويج لها .. وهناك من استعمل العصا الغليضة لمن عصا .. وهناك من زور نتائج الانتخابات .. وهناك من سرق صناديق الاقتراع .. كلها كانت تجري علناً على مرأى من الجميع .. لأن معظم المراكز الانتخابية غير محمية ولم تكن عليها رقابة مركزية .. وشهدت المراكز الانتخابية تسابق مع الزمن لكسب الاصوات ..

في الخارج كانت المسألة غريبة كل الغرابة حيث لم تتم الموافقة على اشراك عراقيي الخارج في العملية الانتخابية الاّ بوقت متأخر .. ولم يسمح بفتح مراكز انتخابية إلاّ في دول معينة وفي عدد محدد من المدن .. ولم يتمكن احد من مساعدة الناخبين لايصالهم الى مراكز الانتخابات .. بينما كان هناك قوائم لها ارصدة مالية هائلة استخدمتها لتموين ليس فقط دعايتها الانتخابية بل ايضاً استأجرت لمناصريها الباصات الفارهة لنقلهم الى مراكز الاقتراع عداك عن شراء الذمم .. بينما اولئك غير المحسوبين على هذا وذاك اصبحوا عاجزين عن المشاركة .. وهم باعداد كبيرة ..

والنتيجة ان نتائج الانتخابات افرزت صراعاً طائفياً قومياً على السلطة .. أن العراق يغرق في بحر الطائفية والمحاصصات التي ازكمت رائحتها الانوف .. لم يبق احد في العراق الاّ وتحدث من منظار طائفي عشائري قومي ونسيت المعادلة الصحيحة او قلبت .. فاختفى العراق ليظهر على الشاشة، شيعة وسنة .. اكراد وتركمان .. اسلام ومسيحيين وغيرهم .. انتهى العراق وظهرت طوائف واديان وقوميات تتصارع من اجل حصتها من العراق المهشم الممزق .. الكل يلهث وراء مصالحه والكل يتحزب ويرفع السلاح لتطمين مصالحه .. وما العراق الاّ وسيلة لكسب حصة الاسد ان لم يكن بالطرق اليسيرة فليكن بالطرق الصعبة والمسلحة ..

استمع الى القادمين من العراق، من مناطق العراق المختلفة، ليقولوا ان العراقيين لا يخافوا الارهاب بقدر ما يخافوا من تسلط ممثلي هذه القائمة او تلك .. استمع الى التجاوزات الكثيرة التي تحصل ضد المواطنين .. الى جانب المشاكل اليومية المستعصية كالكهرباء والماء والاتصالات وتلوث البيئة وغيرها ..

انظروا الى ماحدث بعد الانتخابات، لقد أخرت المحاصصة تشكيل الحكومة بسبب مصالح ضيقة لقائمتين كبيرتين .. تعطلت الحياة ثلاثة اشهر بسبب ذلك .. تصور تعطلت الحياة والناس تشكو الامرين من الحياة الصعبة ومن الارهاب ومن البطالة وغيرها من الآفات الاجتماعية الحادة.

من يكون وزيراً .. ومن له هذه الوزارة .. ومن له الوزارة السيادية ..الخ، قسموا العراق فيما بينهم وتركوا المواطن تحت رحمة الارهاب .. والفساد الاداري مستشري، هؤلاء يقولون أن من سبقنا نهب، واولئك يقولون ان من جاء بعدنا نهب، والحصيلة ان الجميع ينهب باسم الشعب بدون رقيب او حسيب ..

ماذا ينتظر الشعب؟؟ .. هل تعتقدون ان الشعب العراقي سيكون قادراً على اعطاء صوته بحرية في وضع مشحون بالطائفية والمحاصصة بهذه الطريقة الغريبة!!!!!!..

دول العالم المتحضرة تحكمها احزاب سياسية، تلك الأحزاب التي فازت بارادة الناس ضمن برامج واضحة وسياسة واضحة، وقد تمكنت من تثقيف الناس بهذه السياسة، وسهلت الدولة لها ذلك مكرسة وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية، مناظرات يومية بين الاحزاب المتنافسة ..الخ كل شئ من اجل خدمة الناس .. الجماهير وتطورها، الدولة وتطورها، التطور المادي والمعنوي والروحي للشعب هو الهم الذي تتصارع عليه الاحزاب في هذه الدول بغض النظر عن الدين واللون والقومية والطائفة والجنس فهؤلاء كلهم متساوون امام القانون ..لا احد يقول لكم انها دولة مسيحية فاذهب الى الجحيم لتفسح المجال الى المسيحي واحزابه المسيحية .. اماّ نحن العراقيون فصحونا من كابوس صدام حسين لنجد ان الاحزاب همشت وحل محلها ممثلي طوائف وقوميات وعشائر واديان .. والكل يصرخ نريد تطوراً ونريد حضارة ونريد عيشاً شريفاً ونريد ديمقراطية ونريد مساواة .. ترى من اين يأتي ذلك وكيف ضمن هذا الوضع الاستثنائي المشوه ؟؟!!  

جاء في جريدة المدى الغراء يوم 11 تموز 2005 تصريح لرئيس اللجنة القانونية في الجمعية الوطنية محسن السعدون، ان اللجنة انجزت مشروع قانون الاستفتاء على الدستور وان المفوضية العليا للانتخابات ستكون هي الجهة المشرفة على هذا القانون بعد تشريعه، وانها هي التي ستنفذ قانون الاستفتاء كما نفذت قانون الانتخابات، وان المفوضية ستكون هي المسؤولة عن هذا القانون وتوضيح شروطه وكيفية توزيع نصوصه ..

يا ترى هل ستستفيد المفوضية العليا للانتخابات من جملة النواقص والتجاوزات التي حصلت في الانتخابات السابقة؟؟ .. هل ستعالج الثغرات التي حصلت في المراكز الانتخابية؟؟ .. هل ستسمح للاحزاب والقوائم الكبيرة ان تستغل المرجعيات الدينية للتأثير على الجماهير؟؟ .. هل ستسمح لحاملي الاسلحة اضطهاد الناخبين او المصوتين؟؟ .. هل ستسمح بسرقة القوائم الانتخابية أو تزويرها او تبديلها؟؟ .. هل ستترك مراكز الاقتراع بدون رقابة كافية؟؟ .. هل ستنظر الى مشاركة عراقيي الخارج بوقت متأخر؟؟ .. وهل ستكون بخيلة في فتح مراكز انتخابية كافية في دول المهجر؟؟ .. وهل ستسمح بتموين الانتخابات لصالح القوى الكبيرة وتحرم الغالبية من المشاركة؟؟ .. هل ستنظر بجدية الى اولئك الأفراد الذين تحصلوا على وثائق عراقية دون ادنى حق من سفاراتنا في بعض الدول؟؟ .. وهل ستستعمل الاحزاب نفس الاساليب غير الشرعية في كسب الاصواب ؟؟ أم ان المفوضية نفسها كانت مشاركة في كل هذا الفساد ؟؟!!!!..

اسألة كثيرة ان لم تستطع المفوضية معالجتها، فسوف لن تكون هناك نتائج مرضية للشعب العراقي وستبقى حالة الفوضى والرعب مستمرة .. اننا لا نخاف الارهاب فسوف ياتي اليوم الذي يطيح به الشارع العراقي .. ولكننا نعيش ارهاب جديد باساليب "ديمقراطية".

وعليه ادعو كل القوى المحبة لعراق ديمقراطي حقاً أن تتكاتف وتضع نصب عينيها مصلحة العراق وتنقذه من شرور المحاصصات العفنة .. فالعراق ومستقبله بايديهم .. فهل سيكونون في حدود المسؤولية !!!

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com