مقالات في الدستور

 

 

محاولة تغيير قانون الانتخابات في خمس دقائق

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

في جلسة عادية للمجلس الوطني العراقي اليوم، ومن دون مقدمات أو إعلان مسبق تم طلب تغيير قانون الانتخابات من قبل كتلة الإتلاف، وطرحت مسوغات التغيير من قبل عضوين من القائمة، كان أهمها هو أن الناخب العراقي حين يعطي صوته لقائمة ما، فإنه ليس مقتنعا بكل الأعضاء لتلك القائمة، وإنما هو أمام خيارات ضيقة، فإما أن يختار هذه أو تلك في حين لم يجد الناخب بالكثير من أعضاء القائمة من يمثله حقا، فهو مجبرا على هذا الخيار، وربما لديه اعتراضات جدية على بعض المرشحين ضمن القائمة التي منحها ثقته. مسوغات تحمل الكثير من الجدية والموضوعية، لكن تلا المداخلتين لنواب الائتلاف مداخلتين أخرى، الأولى كانت للدكتور فؤاد معصوم أحد كبار ممثلي القائمة الكردية، ومن ثم مداخلة الدكتور حميد موسى زعيم الحزب الشيوعي العراقي، الأول طلب فقط إعطاء وقت كافي لمناقشة موضوع خطير كهذا قبل البت به، وهو طلب عملي جدا، أما الثاني فقد كان موضوعيا أكثر بأن وجد في القانون الموجود حاليا أكثر واقعية بتمثيل العراقيين ضمن معطيات الواقع الموضوعي الحالي، وما كان من قصور قد ظهر في القانون السابق، لم يكن حقيقة بسبب القانون ذاته، ولكن بسبب الظروف السياسية والأمن المختل الذي فشلت الحكومة السابقة بضبطه قبل الانتخابات، لاقت المداخلة التي قدمها زعيم الحزب الشيوعي استحسانا كبيرا تمثل بعاصفة من التصفيق من قبل كتلة قد اتخذت لها جانبا من قاعة المجلس، يبدو أنها كبيرة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد حدث لغط أعقب مداخلة أبو داود مما حدا برئيس الجلسة إلى تأجيلها لمدة نصف ساعة، ولكن كانت بالنسبة للعراقي أن الجلسة لن تعود علنية مرة أخرى، وقد لا نجافي الواقع لو توقعنا أن قاعة المجلس كانت قد شهدت خلال هذه النصف ساعة نقاشا عاصفا، وربما ما هو أبعد من ذلك بكثير، وبالرغم من أن الكاميرا قد عادت مرة أخرى بالفعل، ولكن لدقيقة واحدة أو يزيد قليلا، وهذا يعني أن المجلس قد عاد للانعقاد فعلا، ولو كانت الكاميرا قد ركزت على الوجوه، ربما لشاهدنا آثار اللكمات على وجوه بعض النواب، لأن لا أحد يعرف ما الذي دار خلال النصف ساعة ولا بعد ذلك، أي تركوا الأمر للمحلل السياسي، وربما للأقاويل، أن تأخذ دورا في العملية السياسية، أما ما نستطيع قوله بثقة هو أن الجلسة لم تكن شفافة بالقدر الكافي هذا اليوم وشهدت ممارسات بعيدة تماما عن الديمقراطية.

السؤال المهم، ما الذي يدعو قائمة الائتلاف إلى طلب مثل هذا التغيير الخطير، وبهذا الطريقة المباغتة التي لا تعطي الأطراف الأخرى مجالا للتفكير؟ أو حتى للالتقاط الأنفاس؟ بدت المسألة وكأنها غزوة عربية مباغتة وخاطفة على ديار آمنة!

خلال الانتخابات الأولى كان هناك ظرف موضوعي يختلف عما هو الحال بعد الانتخابات، ومن خلال مراجعة التغيرات التي حدثت على أرض الواقع، نجد أن هناك مستجدات سياسية تشير، بما لا يقبل الشك، أن الأمور سوف لن تكون لصالح قائمة الائتلاف في المرحلة القادمة، وهذا الاستنتاج لا يحتاج إلى حصافة سياسية كبيرة، ولا إلى كثير من التحليل، وإنما مجرد النظر للمسألة بشكلها العام، يمكننا القول أن القانون الحالي للانتخابات ليست لصالحهم، ولو كان الأمر معكوسا، لما طلبت هذه الكتلة البرلمانية والتي تقود الحكومة حاليا أي تغيير لقانون الانتخابات.

لكي لا نكون من المتقولين، عينا أن نراجع الوقع الموضوعي الحالي بشكل أفضل.

نلاحظ في الواقع الجديد بروز كتلة سياسية جديدة في الانتخابات لها وزن كبير، وهي الكتلة التي تدعي تمثيل السنة العرب، وهم في الواقع، وكما يعرف الجميع، كتلة يهمها بالدرجة الأولى مصالح حزب البعث المحظور والإرهابيين، أو ما يسمى بالمقاومة الشريفة. حيث أن هذه الكتلة كانت قد صادرت حق تمثيل السنة العرب بقوة السلاح.

منذ اليوم الأول الذي قررت به هذه الكتلة الدخول بالعملية السياسية والمشاركة في الانتخابات، تحولت المنابر في الجوامع التي يديرها الوقف السني إلى منابر تدعوا الجميع للمشاركة وبكثافة كبيرة جدا من أجل إثبات الوجود، وتقديم الدليل على أن نسب التمثيل لهذا الطيف أكبر مما هو معروف اليوم، من أنه لا يتجاوز العشرين بالمئة من الشعب العراقي في أحسن الأحوال، فهم يرون أن لهم حجما أكبر من ذلك بكثير، وهناك مخاوف كبيرة لا يخفيها كل من يقف بالضد من هذه الكتلة الجديدة، وهي وجود إمكانية مضاعفة الأصوات لهذه الكتلة الجديدة من خلال التزوير، فالتزوير من أهم أدوات البعث للعبث بكل شيء وليس العملية السياسية فقط. كل هذا سوف يضعف من تأثير كتلة الائتلاف نسبيا، فإنه سيضعفها من ناحية أن عدد الناخبين سوف يزيد بشكل كبير لكون السنة كانت نسبة مشاركتهم الانتخابات محدودة، في المقابل، وفي أحسن الأحوال، سوف يبقى عدد الأصوات التي يمكن أن تحظى بها كتلة الائتلاف ثابتا، وهذا يعني أن النسبة التي سوف يحصل عليها الائتلاف اقل مما حصلت عليه في الانتخابات السابقة.

حركة الوفاق ربما ستكون الخاسر الأكبر من هذا التغيير، حيث أن الأصوات التي حظيت بها في الانتخابات الأولى كانت في العموم الغالب من البعثيين المتواجدين بكثافة في المنطقة الغربية من العراق، وهم سوف لن يمنحوا أصواتهم للوفاق هذه المرة مادام التمثيل أصبح مباشرا لهذا الطيف من أبناء الشعب العراقي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف لن يرى الناخب العراقي الذي منح صوته للوفاق أن قيادة الدكتور أياد علاوي هي القيادة القوية التي يمكن أن تضبط الوضع الأمني في العراق، كما كان يروج له من خلال وسائل الإعلام، وذلك لأن ما بدا واضحا للعراقي حاليا، هو أن أحد أهم أسباب التدهور الأمني في العراق هو سياسة الوفاق، والتي ركزت على زج أكبر عدد من عناصر الجيش والقوات المسلحة القديمة في الأجهزة الجديدة، وأن معظم هؤلاء من الذين مازال ولائهم بعثيا، لعدة أسباب، أهمها، الخشية من انتقام البعثيين أو أنهم فعلا عقائديين، وربما لأسباب طائفية وعرقية معروفة. لهذه الأسباب وغيرها، كتفشي الفساد الإداري والجريمة في زمن حكومة الوفاق، سوف يكون تراجع هذه الكتلة أمرا محتوما، لكن هذا التراجع سوف لن يزيد من أصوات كتلة الائتلاف بأي حال من الأحوال، ربما يزيد من أصوات الأطراف العلمانية الأخرى في العراق كالليبراليين أو اليسار، ولكن سوف يذهب الحجم الأكبر من الأصوات التي حصلت عليها كتلة الوفاق للكيان السياسي الجديد كما اسلفنا.

من التطورات الأخرى خلال هذه الفترة أيضا برز عامل له أثر كبير جدا، وهو أن الكورد الفيلية أدركوا أن المحاصة الطائفية أو القومية أو السياسية قد أصبحت أمرا واقعا، أو قدرا، كنتيجة للظرف الموضوعي الذي يمر به البلد، في حين هم موزعون على الأطياف العراقية الأخرى دون أن يكون لهم تمثيل يليق بحجمهم الحقيقي، لذا جاء تشكيل الحزب الكوردي الفيلي العراقي، والذي ضم العديد من التنظيمات لهذا الطيف العراق الكبير، والذي مازال يسعى لضم التنظيمات الفيلية الأخرى له، وذلك من أجل تمثيل كامل أبناء هذه الشريحة المظلومة، ربما من قبل الجميع، حيث تم التجاوز عليها بكل شيء، حتى أنها لم تذكر في الدستور كونها أحد أهم مكونات الشعب العراقي. هذه الكتلة سوف تأخذ الكثير من الأصوات التي منحت لقائمة الائتلاف العراقي الموحد كون الكورد الفيلية هم أصلا من الطائفة الشيعية، وكذا الكثير من أصوات القائمة الكوردية. هذه الكتلة، بلا شك، سوف لن تكون صغيرة، ولكن في النهاية سوف تكون لصالح التيار العلماني العام وليس لصالح الإسلام السياسي.

ليس هذا وحسب، فأن تراخي الحكومة التي يقودها الائتلاف العراقي الموحد أمام عبث المليشيات التي تنتمي للتيار الإسلامي والتي تنتشر في الجنوب والوسط العراقي، له أكبر الأثر على تراجع الأصوات التي سوف يمنحها أبناء تلك المناطق لهذه القائمة في الانتخابات القادمة، كما أن أداء الحكومة غير المرضي خلال هذه المرحلة خصوصا بما يتعلق بملف الخدمات وملفات أخرى كثيرة، هو الآخر سوف يكون له أثر كبير بتراجع شعبية الائتلاف في الانتخابات القادمة بالرغم من صدقية التعامل مع الملف الأمني ضمن الإمكانيات المتاحة للحكومة.

أضف إلى ذلك، إن التطور النوعي في المزاج السياسي العراقي خلال هذه المرحلة في العموم الغالب ليس لصالح الائتلاف في الكثير من مناطق نفوذ هذه الكتلة، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الأحزاب السياسية التي غيبها النظام المقبور عن العمل على ساحتها الحقيقية بين الجماهير قد عادت للعمل من جديد، وهي ماضية بكسب المزيد من الثقة بها، وبالتالي كسب المزيد من الأصوات لصالحها على حساب كتلة الائتلاف العراقي الموحد، من أهم هذه التيارات هو اليسار والأحزاب الليبرالية القديمة والجديدة بعد أن شهدت الساحة عمليات دمج لهذه الأحزاب والتيارات لتصبح كتل لها ثقل أكبر على الساحة السياسية.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com