مقالات في الدستور

 

الهوية العراقية في مسودة الدستور

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

إنه دستور، وليس بيان ختامي لمؤتمر دجالين.

في هذه الحلقة أقدم هذه المداخلة المتواضعة حول مسألة تحديد الهوية للعراقي أو العراق كدولة كما ورد في المسودة التي صدرت في أكثر من مكان.

فقد ورد في المادة الخامسة من مسودة الدستور النص الغريب التالي:

المادة الخامسة: الدولة العراقية جزء من العالمين العربي والإسلامي، أو( الدولة العراقية عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي).

لا الدولة ولا الشعب جزء من هاتين الأمتين، الدولة لا يمكن أن تكون جزء من كيان غير موجود أصلا، فكلا الكيانين موجود عرفا لا أكثر، تعتبر كيانات معنوية، ولا يمكن اعتبارها كيانات مادية بأي حال من الأحوال، فكلاهما نوع من أنواع التكتلات الإقليمية وجدت لتحقيق أغراض مرحلية على مستوى السياسة أو الاقتصاد، وهي ليست كيانات أصيلة ملزمة كما الدولة التي تمتلك مؤسسات لإدارة المجتمع وفق دستور ومنظومة قوانين ومنظمات مجتمع مدني ضمن حدود جغرافية معينة معترف بها دوليا.

المؤتمر الإسلامي مجرد منظمة إقليمية تعتني بشؤون المسلمين في بقاع الأرض، وهي كيان معنوي قراراته غير ملزمة وله نظام داخلي كمنظمة وحسب، ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى دولة، هذا الأمر ينطبق تماما على الجامعة العربية. فلا قرارات المؤتمر الإسلامي ملزمة للعراق، ولا قرارات الجامعة العربية، ولو كان الأمر كذلك، فإن العراق أولى أن يكون جزء من الأمم المتحدة، على الأقل فيها نوع من القرارات ملزمة للدول التي تنتمي لهذه المنظمة الدولية. السؤال التالي يفرض نفسه، هل سمعنا أن هناك دستورا ما يحتوي على فقرة أو مادة تلزم الدولة، أي دولة، أن تكون جزءا من الأمم المتحدة؟!

نعم أنا كعربي أعتز بقوميتي العربية وأعتز بكل ثقافتها من لغة وتراث وتاريخ وعادات مشتركة وقيم وتقاليد، ولكن هذا الاعتزاز لا يمكن ترجمته دستوريا على إننا جزء من كل، ثم أين هو الكل؟! هل هناك حقا كيان واحد حقيقي يسمى الوطن العربي؟ من هنا نستطيع القول إن الذهاب أبعد من هذا الاعتزاز يعني تبني مشروع سياسي معين لا يهم جميع مكونات الشعب العراقي، وأنا كغيري من العراقيين نحمل مشاريع سياسية أخرى مختلفة تماما عن المشاريع السياسية للقوميين العرب أو الإسلاميين على اختلاف مذاهبهم، لأن الإسلاميين خصوصا، هم أصلا متعددي المذاهب والمشاريع السياسية.

أما الدين فله جانبان، الأول هو الجانب الثقافي والآخر إيماني. حقيقة أن البعد الثقافي هو ما يعنينا، وكما عرفه الرسول صلعم، "ويسألونك عن الدين، قل إنما الدين المعاملة"، فهو الجانب الذي يعتبر أحد المكونات الأساسية للمنظومة الأخلاقية والعرفية في العراق، وهو مضمون في مسودة الدستور، حيث ألزمت المسودة المشرع العراقي أن لا تتعارض تشريعاته مع الإسلام، أما الجانب الثاني وهو الجانب الإيماني، فإنه لله فقط، أي مسألة بين العبد وربه.

من هنا جاء القول "الدين لله والوطن للجميع".

شعب العراق كأي شعب في العالم، له هوية تاريخية وله صلات ثقافية مع شعوب تعيش في دول أخرى، فمثلا ما يربط السلم الهندي مع المسلم العراقي هو الدين الإسلامي كمكون ثقافي لجزء من أبناء الشعبين الهندي والعراقي، وهذا البعد الثقافي لا يعني بأي حال من الأحوال أن أكون، أنا كعراقي مسلم، جزء من الشعب الهندي، ولا الهندي جزء لا يتجزأ من العراق كشعب أو كدولة، فالهندي المسلم يعيش ضمن شعب هندي ويرتبط مع باقي الهنود بروابط أخرى أكثر مما له من روابط معي كعراقي مسلم، أتعاطف معه وهو يتعاطف معي، وربما يدعمني إن استطاع ذلك، ولكن لا نشكل أنا وهو كيانا واحدا لا يتجزأ.

ولو قلنا أن العراق قطرا عربيا وجزء لا يتجزأ من "الأمة العربية!"، فهل هذا يعني أن العربي شريكا معي بثرواتي؟ وهل يسمح لي مشاركته بثرواته؟ وهل باستطاعتي دخول بلده دون تصريح دخول؟ بل هل أستطيع دخول بلده ولو بطريقة التسلل؟ وذلك لأن معظم الدول العربية لا تسمح للعراقي أن يدخل أراضيها؟ كيف يمكن اعتبار أن العراقي والبنكلاديشي أجزاء لا تتجزأ عن بعضها البعض؟! وكيف يمكن اعتبار أن العراقيين والجزائريين أجزاء لا تتجزأ؟ وإذا رضينا نحن كشعب بهذا المصير البائس، فهل ترضى هذه الشعوب أن تشاركنا مصيرنا وأنها جزا لا يتجزأ منا؟ وإذا كان الأمر صحيح ونحن جزء لا يتجزأ من الأردن أو السودان، هل نستطيع أن نغير كلمة واحدة من دساتيرهم؟ وهل هذا يعني أيضا أن الزرقاوي يجاهد في بلده، فهو مسلم وعربي بلا ريب؟ هل المقصود من هذه الوثيقة الرثة التي يسموها مسودة الدستور العراقي هو منح الإرهابي الشرعية الكافية للعمل في بلدنا؟

الدستور، يا لجنة كتابة الدستور يعتبر عقدا اجتماعيا بين أبناء شعب واحد وليس عقدا بين أبناء شعوب لدول عدة، مهما كانت الروابط التي تربط أبناء تلك الشعوب ببعضها البعض.

المشروع السياسي القومي العربي يعتبر العراق ما هو إلا قطرا من عدة أقطار تشكل وطنا واحدا يسمى الوطن العربي، وهذا المفهوم يعتبر مكون أساسي من مكونات النظرية القومية العربية، والوطن بالنسبة للعروبي هو الوطن العربي وليس العراق أو السعودية، هذا المفهوم جزء أساسي من مشروعه السياسي الذي يناضل من أجله، في حين ما يريده العراقي هو أن يكون العراق دولة تشكل وطنا لكل العراقيين فقط، وهذا ما ورد في نص المسودة أيضا (المادة الثالثة من مسودة الدستور، يتكون الشعب العراقي من عرب و........ يتساوون كلهم في حقوق وواجبات المواطنة..)

بنفس المعنى الإسلاميون يعتبرون العراق ما هو إلا كيان مرتبط ارتباط عضوي مع العالم الإسلامي وهو جزء لا يتجزأ منه، ونحن كيان منفصل له خصوصياته وحدوده وأطيافه القومية والعرقية التي تشكل في النهاية الشعب العراقي، وهو وحده فقط من يقرر لهذا الوطن والدولة فهو مصدر التشريعات (الشعب مصدر التشريع، وردت هذه العبارة في أكثر من مكان في المسودة) وباسمه يكون التشريع وله يكون التشريع، وهذا الكيان لا يمكن أن يربط مع كيان آخر بأي حال من الأحوال بعملية ليكون توأم سيامي مع كيان آخر، فما بالك التوأمة ثلاثية؟! فهو توأم سيامي مع العربي، وبذات الوقت مع المسلم!!!!!

بأي حق يريد أصحاب المشاريع السياسية القومية أو الإسلامية أن يملوا علينا إرادتهم؟ وهل يعتبر هذا الارتباط قرارا شعبيا لكل مكونات الشعب العراق التي حددتها المسودة؟ أم هو إملاء من أصحاب المشاريع الطائفية والقومية؟ وهو ما يتناقض مع مضمون الهدف الثالث الذي حددته المسودة في مقدمتها، والذي ورد كالآتي:

* تأكيد سيادة الشعب التي تقوم على أساس أنه مصدر السلطات في الدولة ومصدر شرعيتها، ولا يجوز لفرد أو لجماعة ادعاء تمثيل الشعب تحت أي مسمى.

من الواضح جدا أن ما ورد في المادة الخامسة يتناقض مع هذا الهدف الأساسي من وراء كتابة الدستور، فالإسلاميين والقوميين يدعون تمثيل الشعب دون أي مسوغ أو تفويض من الشعب الذي هو مصدر السلطات. فإذا ضيعنا الهدف، فما الذي سوف يبقى من الموضوع؟

الصورة تبدوا وكأننا شعب يبحث عن هوية، أو كمن ترك بلده ويريد أن يجد له بلدا يؤويه، نتسول بين الدول من منهم يمكن أن يقبل بنا!!!!! فهذا دستور يا سادتي، يعبر عن إرادة الشعب العراقي كما حددته مسودة الدستور، ولا يحق لأي جهة سياسية أن تملي على الشعب مشرعها السياسي بأي حال من الأحوال، لأن الوطن للجميع ولا يحق لأي جهة، مهما كانت، أن تملي إرادتها على الآخرين، وتحت أي مسوغ كان.

ما تقدم، أيضا، يعني أن المسودة متناقضة في مضامينها، وعلينا أن نختار واحدة فقط من هذه المضامين، فإما هذه الصيغة أو تلك. وإذا ترك الأمر هكذا فهو يعني أن واحدة من الصيغتين المتناقضتين وجدت فقط لذر الرماد في العيون، في حين يفترض أن تكون هذه الوثيقة دستور لدولة وليس بيان ختامي لمؤتمر دجالين.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com