مقالات في الدستور

 

 

حقوق المرأة في الدستور العراقي والتثقيف فيها

بلقيس حميد حسن

balkis.h@wanadoo.nl

 

 لا يمكن أن يتم تأسيس للدولة المدنية ما لم يكن هذا التأسيس مبنياً على عدة قواعد، اجتماعية وسياسية تترابط في هدف وطني واحد، وبعض هذه القواعد التي اخترتها في مجال البحث الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في الدستور، ودور المرأة وحقوقها فيه، ودور المثقف في الإشارة إلى هذه الحقوق والتوعية بها.

إذا كان تعريف الحرية؛ هو حق الإنسان في التصرف ضمن ضوابط شرعية وقانونية وعرفية، فان تحقيق مثل هذه الضوابط لا يتم إلا في مجتمع مدني يرتقي بالتنمية الديمقراطية إلى أعلى مراتبها ويساند إطلاق التعددية السياسية التي تعتبر بوابة أولى في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضامنة لتوثيق العلاقة التعاقدية في دستور يشجع على النهوض ويدعم حقوق الإنسان لحماية المكتسبات الديمقراطية وترسيخ النهج الديمقراطي في حياة الإنسان العراقي.

وفي هذا الاتجاه يتعاضد دور المرأة وحقوقها، كمبنى أساس ومحرك لقاعدة جماهيرية تكاد تكون في العراق الآن هي الأكثرية، فضمان حرية المرأة وحقوقها في الدستور الجديد سيكون بالضرورة ضمانا لحقوق الأكثرية، والعمل على تنمية ثقافة هذه الحقوق سيكون عملا مكملا لشروط المجتمع المدني في أجمل أمثلته، ومع الأسف الشديد إن نظرة عامة إلى ما تحقق في السنتين الأخيرتين تحت ظلال التغيير لا يكاد يذكر كعمل نوعي يميز وضع المرأة، ويبرز للعيان مدى التغيير الذي حصل، وهذه العملية تشكل عقدة مجتمعية تحاول خلالها القوى السياسية في العراق الآن تأثيث مستقبلها بالارتكاز على ديكورات تجعل من المرأة ودورها مساند ومقويات وحجج تتذرع بها وصولا لإغراض حزبية وسياسية ضيقة صارت مساهمة المرأة فيها رمزية في التأثير مع واجهة دعائية تقول إن نسبة تمثيل المرأة هي أكثر من 25% في التمثيل الديموقراطي السياسي.

وهنا تتشكل عند كلّ متابع مخاوف من أن ينعكس هذا الوضع على الصياغات الدستورية لتكون في النتيجة بذات السياقات الدعائية الضامنة للشكل والفارغة من المحتوى المؤثر والفاعل في عملية البناء التعاقدي لدستور نريد له أن يكون أهم عقد تعايش في المجتمع العراقي ويرقى في تأثيره دور الدين وسلطته بل تكون كل العوامل الدينية والسلطوية ذائبة فيه ولا تتحرك ضمن حدوده إلا بما تتفق عليه جميع شرائح المجتمع العراقي. وان يكون -وكتمثيل سياسي يراعي الأغلبية دائما- دور المرأة فيه دورا يثير الانتباه ويسجل لأولى حالة في تأريخ المنطقة.

ووفق هذا يبرز لدينا دور هام وفاعل للمثقف العراقي بالتعريف بماهية ثقافة المجتمع المدني والديمقراطية ودور المرأة العراقية كأكثرية قادرة على ترك بصمات في أي وثيقة تعايش ،وبقدر ما نعول على دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني في العراق الجديد، من تمكين للمثقف وفسح الفرصة أمامه للتوعية المجتمعية، فأنا نعول على المثقف كقوة اجتماعية ونخبة متميزة تعي بعمق العملية السياسية ولا تغوص في أغراضها الشائكة البعيدة عن تطلّع الإنسان وطموحاته..هذا الإنسان الذي سينظر طويلا بالأمل إلى دور المثقف بعد أن أصبح دورا هامشيا ضاع في ظل الوصايا الدينية والحظوات السياسية التي لا تشكل كارزما مؤثرة طويلا بل هي وقتية تزول بزوال المؤثر.

إن دور المثقف هنا خارج عن أي لعبة سياسية تدور في فلك السلطة والوصول إليها، وهو دور تضمنه له هذه السلطة في عقد تعايشي هو الدستور، وتنتهي عند حدوده كلّ حالات الاستلاب والقهر التي أضعفت دور المثقف وأهملت حضوره في حركة التغييرات السياسية،وسخَرَت من أهليته لقيادة مجتمع مدني بعيد عن تكالبات السياسة.

إن دورا كهذا سيحقق ديموقراطية مستدامة تعمق التحولات السياسية نحو الأفضل، ضمن قاعدة راسخة ومتينة يضع المثقف العراقي لبناتها في هذا الدستور.

أركز هنا ضمن سياق الحديث على دور المرأة وتمكينها من خلال دور المثقف لعدة أسباب أهمها قدرة هذا المثقف على استنطاق كل الأمثلة العالمية وتمثّلها بالأفضل في الحالة العراقية للارتقاء سياسيا حتى يكون العراق أنموذجا يحتذى به فيما يخص دور المرأة،وفي ذات السياق فان وعيا سياسيا بالجذور الأساسية للاتفاقات الدولية بشأن المرأة سيضع العراق في مصاف الدول المتقدمة التي أنجزت منذ وقت مبكر لاتفاقيات هامة نذكر منها وأهمها الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة

التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة

للأمم المتحدة 640 ( د-7) المؤرخ في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1952 والتي أرى من واجب الحكومة العراقية أن توقع عليها الآن وتضع لها مرجعيات ضمن الدستور العراقي لمواكبة مبدأ تساوي المرأة بالرجل في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافا منها بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له علي قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، وللتأكيد على الرغبة العالمية لهذه المنظمة في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفي ممارستها، طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان،في :"يولد جميع الناس احراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".

علما أن اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة تضمنت ثلاث مواد أساسية:

المادة الأولى

للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.

المادة الثانية

للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثالثة

للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز. 

كلّ ما تحدثنا عنه هو مسند أولي يهدف إلى بلورة توجهات المجتمع الحديث نحو المدنية الحقّة،التي ترتكز في شروط تعايشها العالمي على مواثيق دولية حديثة وليست مفاهيم دينية أو أعراف عائمة،وهنا تحديدا تكمن أهمية أن يكون في الدستور العراقي مرجعيات عالمية متّفق عليها تواكب مسيرة الإنسان وتطلعاته،أكثر من أي مرجعيات دينية أو عقائدية, خاصة وان العراق بلد متعدد الأديان , فلابد له من مرجعية غير مستمدة من دين واحد بعينه , إنما من مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان المتمثلة بالاتفاقات الدولية التي تتحدث عن المرأة وحقوقها ،والطفل وهمومه،وحقوق الإنسان وسبل الارتقاء بها والتي هي نتاج ممارسة تاريخية لشعوب عديدة متنوعة ومتعددة بأديانها وقومياتها واثنياتها ،ولا تعتمد على ماهوية دينية أو عقائدية بعينها, كما أنها متفق عليها من قبل اكبر منظومة فكرية تعيش على هذه الأرض.

لذا أجد لزاما إن يكون في الدستور الجديد إشارات وتأكيدات والتزام قانوني بجميع الاتفاقيات و القوانين الدولية التي تراعي القيم الإنسانية وتبحث فيها،فالاتفاقية الدولية حول جنسية المرأة المتزوجة لعام 1957 أجدها ضرورية في الشأن العراقي لاسيما فيما نعرفه من تداولات وتعقيدات قانونية صاحبت قانون الجنسية العراقية.هذه الاتفاقية تراعي حقوق المرأة إذ لا يمكن تغيير جنسيتها تلقائيا بإبرام عقد الزواج أو بإنهاء الزواج أو بتغيير جنسية الزوج أثناء الزواج.

كذلك أجد لزاما أن يراعي الدستور العراقي الاتفاقية الدولية لعام 1962المتعلقة بالموافقة على الزواج، والعمر الأدنى للزواج ، وتسجيله.كذلك الاتفاقيات والقوانيين الدولية والإعلانات المتعلقة بالقضاء على العنف ضد النساء،و اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة والاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز بين المرأة والرجل أو التمييز بكل أشكاله.

واجد إن تطبيقا وديمومة لمثل هذه القوانين والاتفاقات الدولية لن يتم في العراق ما لم يصار إلى لجنة يقرّها الدستور العراقي بالتداول السنوي تكون سلطتها إدارية وغير خاضعة للحكومة وتدفع بتوصياتها إلى البرلمان العراقي،كلجنة مراقبة حقوقية تراقب الاتفاقات الملزمة دوليا.

اقترح أن تكتب بعض المقترحات إلى لجنة صياغة الدستور وبضمنها هذه المقترح لتوثيق مهام مثل هذه اللجنة القانونية، وفرض قانون على الحكومة بالالتزام بتوصياتها والتصويت عليها.

 *ألقيت هذه المداخلة بالمؤتمر الذي دعت له لجنة دعم الديمقراطية مجموعة من المثقفين العراقيين في الفترة ما بين 28-31 تموز , والذي تناول بحوثا ومداخلات تتعلق بكتابة الدستور , تناولت محاور عديدة .

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com