مقالات في الدستور

 

 

النقاط المهمة في الدستور العراقي القادم

 

(الحلقة الثانية)

ماذا تعني الفيدرالية التي يريدها الشعب الكردي في العراق ؟

 

 

زهير كاظم عبود

zouher_abbod@hotmail.com

 

الفيدرالية تعني الأتحاد الطوعي بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قوميا أو عرقيا أو ديانة أو لغة أو ثقافة حيث يصبح كيان واحد او نظام سياسي واحد مع احتفاظ هذه الأجزاء المكونة للكيان المتحد بخصوصيتها وهويتها وتفوض الكيان المركزي بالبعض من الصلاحيات المشتركة مع الأحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الاجزاء.

ومن سياق التعريف المستل من عدة تعاريف قانونية ودستورية للفيدرالية نستطيع أن نستدل على عمودين تستند عليها مقومات الفيدرالية، اولهما أنها خيار طوعي تلجأ اليه هذه الكيانات طواعية بأختيارها وهو ما صار اليه الحال في العراق، حيث لجأ البرلمان الكردي الى أقرار المطالبة بالفيدرالية بالأجماع بمعنى أنه أختار الفيدرالية كوضع يتناسب مع وضع العراق والمنطقة.

أما العمود الثاني فهو الأتحاد وهو يتناقض مع الأنفصال، ويمكن أن نتلمس مدى سذاجة بعض الكتابات والطروحات المبتورة والمتسمة بروح العداء للكرد والمستقبل العراقي ومحاولة خلط الامور وذر الرماد في العيون حين يتم أيهام الناس البسطاء بأن الفيدرالية تعني الانفصال عن العراق.

وهذا الاتحاد الطوعي يشكل قوة ومركزية تضمن وجود هذه الكيانات ضمن تشكيل فيدرالي متماسك يضمن قوته وديمومته من خلال قوة الأعضاء والكيانات المشكلة له، وأقرار  البرلمان الكردي بالفيدرالية لم يأت من عبث أو رغبة طارئة بقدر ماتم دراسة وضع العراق وضرورة تشكيل الحكم الفيدرالي لما يحققه من فوائد سياسية وحضارية تضمن من خلاله الحقوق التي نصت عليها لائحة حقوق الانسان.

أن الفيدرالية التي تطالب بها الجماهير  الكردستانية في العراق تشكل واحدة من المطالب  ضمن المطالب الأنسانية المشروعة للشعوب، كما يشكل مفهوم الفيدرالية التي قررتها  مفهوما عصريا وحضاريا وهي أسلوب  من أساليب التعايش السلمي المشترك بين الشعوب , فالفيدرالية والكونفدرالية كانتا سبيلاً لحل مشاكل الكثير من الدول كسويسرا و ألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لاالحصر،  وهي لا تعني بأي حال من الأحوال التجزئة أو الانفصال , ولكن مع ذلك هناك من يحاول قلب هذا المفهوم من خلال دعايات مغرضة لتمويه البسطاء من الناس من العرب  بأن الفيدرالية التي يطالب بها الكرد تعني الانفصال وإن الأحزاب الكردستانية تحاول تمزيق العراق مع العلم إن الكرد كانوا قبل حرب العراق شبه دولة مستقلة وهم اختاروا طواعية خيار الفيدرالية والانضمام إلى العراق الموحد , وسنحاول  التعريف بهذين المفهومين حتى تتضح الصورة أكثر عند أولئك البسطاء الذين يجهلون حقيقة مفهومي الفيدرالية والكونفدرالية وتختلط الأمور عندهم بعضهم ببعض.

 

اولاً _ الفيدرالية

 1- في الاتحاد الفيدرالي تفقد الدول أو الولايات أو الأقاليم المتحدة شخصيتها الدولية بالانصهار في الدولة الفيدرالية.

2- يستند الاتحاد الفيدرالي في إدارته إلى قوانين ودساتير داخلية بموافقة الأغلبية.

3- في الاتحاد الفيدرالي لا يجوز للولايات أو الدويلات أو الأقاليم الداخلة في الاتحاد الانفصال عنها بل يمكن إرغامها على البقاء.

4- الهيئة التي تعبر عنها الإتحاد الفيدرالي هي البرلمان المكون عادة من مجلسين أحداهما يمثل عامة الشعب ( مجلس الشعب أو الجمعية الوطنية )، و الآخر يمثل الولايات أو الأقاليم ( مجلس الشيوخ او الأعيان.

5- في الاتحاد الفيدرالي تنفذ القرارات عن طريق هيئاته التشريعية والقضائية والتنفيذية على جميع الأفراد في سائر الأقاليم أو الولايات وتكون للهيئات المركزية سلطات مباشرة على رعاياها.

6- في الاتحاد الفيدرالي الجنسية واحدة أو متعددة يستقل بها هذا الاتحاد.

7- في الإتحاد الفيدرالي تعد الحرب داخل الإتحاد حرباً داخلية.

 

ثانياً – الكونفدرالية

 1- في الاتحاد الكونفدرالي تحتفظ الدول أو الدويلات أو الأقاليم المتعاهدة كل بشخصيتها القانونية و الدولية ويكون لها مباشرة كافة مظاهر السيادة.

2- الإتحاد الكونفدرالي يستند إلى عمل قانوني خارجي أي معاهدة تبرم بين الدويلات أو الدول الأعضاء فيه بالإجماع.

3- في الإتحاد الكونفدرالي يحق لكل دولة داخلة في الإتحاد الانفصال عنها.

4- الهيئة التي تعبر عنها الكونفدرالية مؤتمراً كان أو جمعية سياسية تتألف من ممثلي الدول أو الدويلات المتحدة دون أن يكون لها صفة البرلمان.

5- في الاتحاد الكونفدرالي القرارات تكون بالإجماع ولا تكون هذه القرارات إلا بموافقة الدول أو الأقاليم المتحدة.

6- في الإتحاد الكونفدرالي تتعدد الجنسيات بعدد الحكومات المؤتلفة.

7- في الاتحاد الكونفدرالي تعد الحرب في الإتحاد حرباً دولية.

 إذاً فالفيدرالية والكونفدرالية هما نوع من الإتحاد والوحدة وهما السبيل الأنجع لحل مشاكل الدول التي تتعايش فيها شعوب وجنسيات متعددة لتكوين مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات ومواكبة العصر والتطورات الراهنة.

وفي شكل الحكومة المركزية التي تتركز بيدها جميع الصلاحيات والسلطات على حساب بقية المكونات الأقليمية والداخلية التي لايمكن أن توازي سلطات المركز، أما في حال الدولة الأتحادية الفيدرالية فأن السلطات متوازنة ومتوزعة بشكل يجعل توزيع العمل والقوة متساوي بحيث تكون قوة الدولة الأتحادية من قوة الأعضاء والاقاليم المكونة لها.

 وأذا كان حق تقرير المصير أمراً مقرراً بموجب اللوائح الدولية ويجد اجماعاً وتوافقاً  والزاماً دولياً ويستمد شرعيته من حق كل الشعوب في تقرير مصيرها، لذا فأن الشعب الكردي ووفق قرار برلمانه أختار الفيدرالية كشكل من اشكال السلطة التي تتناسب مع وضعه والتي تحقق له بعض أو جزء من حقوقه المشروعة وتضمن له الحياة في ظل نظام ديمقراطي وتعددي ومدني مع الأستفادة من التجارب الأنسانية التي سبقتنا في تطوير العمل بالفيدرالية، ويساند الشعب الكردي العديد من الأحزاب العراقية والشخصيات الوطنية والداعمة  ليس فقط لحق الشعب الكردي في الخيار، وانما لأفتراض ان هذا النوع من الحكم يحل مشاكل عصية ومستفحلة في العراق، كما انه الشكل الأنسب والأطار المشترك للسلطة العراقية التي تريدها الجماهير.

ووفقاً للنصوص الدولية وأعتبارات العدالة الأنسانية يجد الشعب الكردي في العراق مشروعية مطالبته بتحقيق الفيدرالية في خيار يمثل حق تقرير مصيرة بالتوحد بالشكل الذي تقره هذه الفيدرالية والتوحد مع العراق خلافاً لمنطق الفرض والوصاية والأنفصال.

وبما أن الكرد هم أصحاب القرار  في هذا الأختيار، وبما أن الشعب الكردي يملك زمام أمره بيده  ولايمكن أن يتم تنصيب قيم عليه مهما كانت صفته أو شكله أو موقعه السياسي، وله كامل الحق في رسم مايريد من الحقوق لذا يصبح الخيار الفيدرالي الذي اختاره محترماً.

أورد قانون أدارة الدولة للمرحلة الأنتقالية في المادة الرابعة منه شكل نظام الحكم في العراق، حيث حدد أنه نظام جمهوري ( اتحادي – فيدرالي ) ديمقراطي تعددي، ويقوم النظام الأتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية وعلى مبدأ الفصل بين السلطات وليس على أساس العرق أو القومية أو المذهب أو الأثنية.

وهذا النص يؤكد على خيار الفيدرالية التي قررها الشعب الكردي، وتؤكدها المادة التاسعة حين تمنح الكرد حق استعمال لغتهم الوطنية وأعتبارها لغة رسمية معتبرة، وسارت بقية النصوص مع مبدأ احترام الخيار الفيدرالي.

الفيدرالية ليست وصف لنظام الحكم وانما هي وصف لشكل الدولة، فالدولة أما فيدرالية أتحادية أو فيدرالية مركبة، والخيار المطروح هو الفيدرالية الأتحادية، وهذا الخيار يعني فيما يعني انه صمام الآمان والمعبر الحقيقي في أحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ورفض المحاولات الرامية الى تحجيمها وتهميشها والأقرار بهذه الحقوق في الخيار الذي اختاره الكرد والمحي من قوانين ولوائح حقوق الأنسان.

وأذا تمعنا بعين الأنصاف القرار في خيار الفيدرالية نجد أن هذا القرار لايحتاج الى الموافقة على أطلاقه لأنه ارادة شعبية، وهذه الأرادة الشعبية لايمكن أن تعرض لقبول البعض من عدمها، فأن عدم الموافقة عليها لن يؤثر في الخيار ولن يلغيها، ولن يبطلها ومثلما لايمنحها الشرعية، حيث أن الأمر مناط بشكل الدولة بين أن تكون مركبة أو أتحادية وليس على خيار أن تكون الفيدرالية أو لاتكون.

وحق تقرير المصير يناط بالشعوب نفسها صاحبة المصلحة الحقيقية في الحق والقرار ولايمكن أن يقبل العقل أن تكون شعوباً وصية على شعوب  أخرى لأي سبب كان، ومادام هذا الحق مقتصراً على الأرادة الشعبية، وفي مثال الحالة التي نعالجها فأنه محصور بقرار الشعب الكردي والذي اكده صراحه قرار البرلمان الكردي وبالأجماع على خيار الفيدرالية الأتحادية، فأن هذا الخيار يبقى مشروعاً ومحترماً وينبغي أن يصار الى أقرار نص دستوري حاسم لايقبل وفق أحكام المنطق  أن يتم عرضه على أية جهة في القبول أو الرفض لأن الأمر لايتطلب موافقة الغير على القرارالذي اختاره الشعب الكردي في العراق، وأنما يتم طرح شكل الدولة على الأستفتاء العام ومع هذا الطرح يكون خيار الفيدرالية ثابتاً في التصاقها بالدولة الأتحادية أو المركبة، وحتماً سيصار اللجوء الى خيار الفيدرالية الأتحادية التي تتناسب مع الوضع العراقي وتحقق له الضمانات الدستورية والسياسية للنهوض بألأقاليم المتحدة واللحاق بمسيرة الدول المتمدنة،  وبأعتباره وفق الدراسات الدستورية الشكل المناسب لشكل الدولة التي نريد.

أن الفيدرالية لاتعني فرض نظام أو سلطة على الغير، وانما هي خيار للتوحد ومساهمة في أعادة القوة لشكل التوحد الوطني  الذي عملت الظروف وسياسة السلطة البائدة على تمزيقه وأحداث شروخ عميقه داخل جسد النظام مما يوجب التغيير وفق ماينسجم مع خيارات شعبنا ومايتلائم وظروف ووضع العراق، ومما يوجب أيضاً أيجاد شكل النظام الذي يساهم في ألغاء الشروخ ورسم سياسة ضمن الفكرة الديمقراطية والتعددية والتي تساهم في بناء العراق الجديد وخصوصاً بعد أن نجد أن الفيدرالية الأتحادية تساهم بقوة في ذلك.

كما أن على المنصفين والمتنورين من العرب العراقيين والتركمان والكلدان والآشوريين أن ينظروا بعين الأنصاف والعقل للقضية العراقية الشائكة وبشكلها التي الت اليه الأوضاع، وأن يستقرأوا تاريخ الشعب الكردي ويقفوا ملياً لبرهة من الزمن تأملاً  أمام تضحياته وتاريخه النضالي في تلبية مطالبه المشروعة وامانية البسيطة والأستجابة لأرادته في أن يكون ضمن الدولة الأتحادية مع شكل حضاري ومجرب وناجح في شكل الدولة التي نريد قائم على الوحدة الأختيارية وصيانة الوضع الداخلي وضمان الحقوق والبناء الديمقراطي في العراق.

 والمتجرد والمتخلص  من مخلفات الفكر الشوفيني والتعصب الأعمى القومي يجد ان نظرة منصفة للأحداث ومجريات الصراع العراقي ومسيرة السلطة الدكتاتورية التي عاثت في العراق وأرتكبت من المجازرمايندى له الجبين، وارتكبت  مايدمر قيم وأقتصاد وأنسان العراق عجزت أن تجد الحلول الناجحة لمشاكل العراق وأهمها القضية الكردية، ولسبب بسيط انها لم تنظر بعين العقل والأنصاف لمسألة الحقوق، وانما نظرت بمنظارها الشوفيني في أحتقار بقية القوميات وأسلوبها الفاشي في أمكانية القضاء على الأصوات التي تنادي بالحق ومباديء حقوق الانسان وأحتقار الأنسان كقيمة داخل العراق.

إنّ الظلم من شيم النفوس، وهو في سياسة الحكم والمال آفة البشر منذ درجوا على ظهر الأرض، ومهما بلغت زواجر الدين فهي لا تحمي الشعوب من نزوات الجبابرة إذا خلا لهم الجو ومالت بهم نشوة السلطة.

ولهذا تجد ان المعاناة الأنسانية التي تحملها الكرد لاتكمن فقط في السيطرة على شعبهم وأراضيهم من قبل سلطات غريبة، وانما في تغييب حقائقهم التاريخية في العقل العربي والسيطرة على مشاعر الكثرة من العرب الذين لم يعتقدوا بوجود حق للأكراد وعدم أنطباق اللائحة النسانية لحقوق الأنسان عليهم دون ان يتفهموا الواقع والحقيقة.

قرار الفيدرالية لايحتاج الى موافقة غير موافقة الشعب الكردي في خياره الانساني والقانوني، ومن المعيب التحدث عن موافقة الطرف الاخر على هذا الخيار، وهذا القرار لايجعله يدعو الى الأنسلاخ أو تجزئة العراق ليحتاج  أصدار قانون بعد  موافقة الطرف الآخر، وانما يحتاج الأستفتاء على شكل الدولة الفيدرالية  التي تحفظ للعراق وحدته وتضمن بدايته الديمقراطية في نصوص الدستور الدائم المنتظر أقراره خلال الفترة  القادمة أنشاء الله.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com