مقالات في الدستور

 

الكورد والمرأة وأشياء أخرى في الدستور العراقي

 

فينوس فائق

Venusfaiq@yahoo.co.uk

عندما أصبحت عودة الكورد إلى داخل خارطة العراق واقعاً لا مفر منه وألحقت كوردستان مرة أخرى بالعراق، حينها تبخر الكثير من الآمال وضاعت، وظهرت في الأفق معطيات أخرى فرضتها السياسة الدولية والسيناريوهات السياسية الجديدة في المنطقة، في ذلك الوقت بالذات كثيراً ما كنت أنسى أنني إمرأة، كنت أفكر في السياسة التي بدت لي على شكل تعويذة وأقرأ أبجدياتها وكأنها طلاسم، وأنظر في الواقع وكأنه لوحة سوريالية، لا أقول هذا الكلام كي أدعي أنني متشائمة وإنما أقوله لأنه واقع، ولأن التشاؤم والتفاؤل في مثل هذه الحالات لا يترجمان ما بداخل الإنسان حرفياً، إذ لابد من أن نتصور ونعتقد ونؤل ونفسر ونزعم ونصدق ونكذب ونجمل ونجامل و...هكذا من الأمور التي تدخل في خانة الممارسات السياسية اليوم..

في تلك الأيام كان ومازال الحس القومي عندي يبلغ ذروته وأكثر، لدرجة كنت أتكلم من خارج كوني أنثى، إلى أن جاء الدستور، حينها تذكرت أنني إمرأة، لكنني شعرت بالألم ثلاث مرات، أولاً : لأن  الدستور لم ينصفني ككوردية وثانياً لم ينصفني كإمرأة، وثالثا:ً لأنه دستور حضاري في جوانب كبيرة منه ببعض المقاييس وهذا شيء لا أنكره إلا أنه وبسبب النقطتين الأولى والثانية حزنت على نفسي، وقلت في نفسي ماذا كان سيحدث لو أن هذا الدستور أكرمني ككوردية وكأنثى، كم كان سيكون دستوراً مثالياً ومتميزا، فترى هل يصح القول في السياسة أن الحلو ما يكمل كما يقول المثل ..

إستمعت قبل ايام إلى كلام أحد الباحثين العرب الشيعة وإسمه طالب الرماحي على شاشة تلفزيون المستقلة، تحدث متحاملاً على الكورد وبشكل غريب، حين قال : أن سقف المطاليب الكوردية صار عالي جداً وأن الكورد باتوا يطالبون بما هو أكثر بكثير من حقهم، ماذا يريدون الكورد؟ إستغربت كثيراً من كلام السيد طالب، فكرت في نفسي وقلت : لكن لماذا عندما كان الكورد يقتل منه الآلاف لم يقل أحد أنه قتل من الكورد الكثير، وعندما كان يقصف بالغاز السام لماذا لم يقولوا أن الكورد قتل منهم الكثير بالغاز السام، وعندما أنفلنا وسقنا إلى الموت بإسم الدين لم يتفوه أحد ليقول أننا قتلنا (بضم القاف) أفواجاً أفواجاً، وعندما كنا ندفن (بضم النون) في القبور الجماعية، لماذا لم يقل أحد أننا دفننا جماعياً، لماذا لم يكونوا يحصوون موتانا وشهدائنا ودمائنا وضحايانا، لكنهم اليوم وبكل ديمقراطية يحصوون مطاليبنا، ويعتبروننا نتعدى حدودنا في المطالبة بمطاليبنا .

لقد ضحى الكورد كثيراً وبعدها قدم التنازلات الكبيرة وعندما شاركت هاتفياً في الرد على السيد طالب الرماحي للأسف لم يسمح وقت البرنامج أن أكمل كلامي، فقد أردت أن أقول أن الكورد قدم التنازل الأعظم عندما تخلى عن حلمه بإقامة دولة كوردية وقبل بكورسي رئاسة الجمهورية في العراق، ولا أقول هذا الكلام وكأنه منة من الكورد، وإنما عندما أقدم الكورد على تلك الخطوة كان ذلك من إيمانه العميق أنه مازال هناك ما يمكننا أن نتعايش من أجله كإخوة في عراق واحد موحد، وقدمنا الخيار الفيدرالي، ليقال لنا وفي وجهنا أننا خونة وندعوا إلى تقسيم العراق، في حين أن كلمة الفيدرالية تهدف إلى لم الشمل أكثر مما تمهد للتقسيم كما يتصور البعض، فكان أن الدستور لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى حق تقرير المصير ولو لذر الرماد في العيون..

أما فالحديث عن المرأة ومقامها بين سطور الدستور العراقي الجديد الذي سيتم الإستفتاء عليه بعد مدة فهو حديث ذو شجون، إذ أن الدستور يضع المرأة في مقام الأطفال ويقول في الفقرة ثالثاً من المادة 35: ويحرم الإتجار بالنساء والأطفال والإتجار بالجنس ... هكذا وكأن المرأة كائن إستجلب من كوكب آخر ومازال البشر (الرجال) يتاجرون بنا، دون التفكير أن المرأة وفي غالبية بقاع العالم المتحضر تدير وتقود وترأس، لا أدري أين كن النسوة النائمات بين دهاليز البرلمان عندما صاغ الرجال الدستور، وأخيراً وآخر ما يذكر الدستور به المرأة هو الفقرة رابعاً من المادة 48 عندما يقول صائغوا الدستور الرجال: يستهدف قانون الإنتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من أعضاء مجلس النواب. أعود وأقول أين كن النسوة نائمات عندما وضعت هذه الفقرة، أظن والله أعلم كن نائمات في سرداب البرلمان وإلا فإني أتصور نفسي أنني لو أحترم كوني أنثى لكنت أستقيل يومها أشرف لي على أن يعتبرني الرجل ربع المجتمع ويستحوذ هو على ثلاثة أرباع المجتمع .

يحرم الدستور كل أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، في حين أنه لايأتي لا من قريب ولا من بعيد على ذكر منع العنف الأسري الذي يمارس ضد المرأة.

قد ينفع هذا الدستور اية دولة أخرى غير العراق في المنطقة، لكن الحالة في العراق تختلف على الأقل الحالة الكوردية داخل العراق، فللكورد باع طويل مع الحرية والديمقراطية وتجسيدها على كل المستويات، وخصوصاً ما يتعلق بمسألة حقوق المرأة ووصولها إلى مراكز عليا في الهرم الحكومي وتعديل وتغيير وسن القوانين الخاصة بوضعها في المجتمع..

مسودة الدستور هي بإختصار مشروع لتسييس الدين ووضع اللباس الديني على جسد السلطة في العراق، والعودة إلى ما قبل التأريخ بدستور ديني شيعي بكل المقاييس، فحتى الديمقراطية التي يأتي على ذكرها الدستور هي ديمقراطية بمقاييس دينية وو هي ليست الديمقراطية التي تطبق في الغرب والدول المتقدمة في العالم، فهر جرعات من الديمقراطية التي لا يسمح بالكثير منها إلا في بعض الحالات ومن تحت العباءات والحجاب، تلك الديمقراطية التي لا لون ولا طعم ولا رائحة ولا وجود لها متحججين أنهم يؤمنون بأدوات تطبيق الديمقراطية وليس الديمقراطية نفسها ..

 

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com