واحات

عالم النور!

بقلم / مريم المدحوب

marayem2@hotmail.com

في عالم النور السماوي المقدس، كانت عينان لؤلئيتان تجول بنظراتها البريئة في فضاء النجوم الزاهرة، باحثة عن الحقيقة الإلهية.. في أي ركن من أركان السماوات العلية تكمن الروحانيات العظيمة ! هكذا كان حال فاطمة.. تبحث عن الكمال الروحي في معراج السماء .. !! تنطلق في كل ليلة إلى سطح دارها لتتدبر في بديع صنع الرحمان ، وترتل آيات القرآن ، دونما يشعر بها انس ولا جان ..

إلى أن ينجاب الليل بظلمته الحالكة وتهجداته ويندلع لسان الصباح بنسيمه العاطر لينير الدروب بأشعة الشمس الذهبية فتتوجه إلى مدرستها .. وفي إحدى أيام الأسبوع .. دق الجرس المدرسي معلناً انتهاء الحصة الثانية.. لتبدأ الثالثة .. جميع الفتيات مشغولات بتبديل كتبهن وإخراج كتب مادة علوم الحياة من حقائبهن، استعداداً للدرس الجديد .. ما مرت إلا دقائق معدودة .. وصارت مدرسة المادة بالصف .. حامله معها مجسم لذلك العضو السامي .. ألقت التحية فبعثت الأمل والسكينة في قلب فاطمة .. ابتدأت درسها .. متسائلة عما إن كان يوجد تعريف لدى الفتيات للمجسم !!؟؟!! ارتفعت الأصابع واشرأبت الأعناق .. الجميع يريد الإجابة .. إلا أن الاختيار وقع على الآنسة سارة .. فأجابتها " هناك في تلك الواجهة من الجسد حيث يسكن ذلك العضو الأليم فوق عظام الحجاب الحاجز ويضخ الهم ليدور في الجسم دورانا مستمرا، منه إلى الشرايين والشعيرات ثم يعود من الشعيرات إلى الأوردة فمركز الهم والغم والأمراض النفسية ." هذا وصاحبتنا تهمس بداخلها ... الهي .. شافي وعافي صاحبتي _سارة_.. وبينما هي شاردة في بحر الدعاء الرحيم .. تساءلت المعلمة مرة أخرى عما إذا كانت إحدى الفتيات في الفصل تعاني من مرض القلب !؟؟ جميعهن أومئن بأيديهن إلى بشرى .. سوى طالبة واحده _فاطمة_ لم تشاركهن.. ورفعت إصبعها مستأذنه أستاذتها بالسماح إليها بإبداء رأيها في السؤال المطروح .. وقفت فاطمة .. وقالت .." أستميحكن عذراً جميعاً ولكن كيف لكنّ أن تحكمن بأن زميلتنا العزيزة بشرى مريضة بداء القلب وتخرجوننا نحن من دائرة المرض ؟؟ فمن ذا يدري لعل بشرى مريضة به ماديا فقطً .. !! ونحن المصابات روحياً !! فأيهما اشد وطأة ؟؟ أم أننا أصبحنا الآن في عالم الماديات وتركنا عالم الروحانيات عالم النور الثاقب ؟؟ "طافت الابتسامة على وجه أستاذتها .. بينما اخذ الاستغراب يشق طريقه عند الأخريات .. ! وقفت سمر ساخرة !" معلمة .. هلاّ أوقفتي هذيان هذه الفتاة المجنونة تتبسم فاطمة وتقول "سأعمل بسلوكيات وأخلاقيات سيدتي الزهراء البتول عليها السلام ولن أقول إلا كما قالت الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم " .. لله درك يا فاطمة .. انك درة .. ودرة نفيسة أيضا ليس ككل الدرر .. هكذا رددت المعلمة .. مما أثار غضب سمر .. حيث أنها كانت تطلب رداً غير هذا..

إلا أنها مازالت تتابع كلماتها الإعجابية .. قائله .. فاطمة النور؟؟ بنت السابعة عشرة ، أفضل من مدرستكم !! قد أجابت إجابة لم يكن ذا احدٍ يعرفها منا ! صدقت والله يا فاطمة أننا أصبحنا في زمن الماديات وتركنا الروحانيات وراء ظهورنا .. اعتلت الأصوات الفوضوية أرجاء الفصل ... معترضة على ما تفوهت به المدرسة من كلميات إزاء فاطمة .. منددين بأن كلامها كلام لا دخل له بما يلزم علينا دراسته .. في هذه الأثناء.. ارتفع صوت سارة مكبراً .. "الله اكبر .. الله اكبر.. !! صدقت والله يا صاحبتي.. فنحن أول المرضى بهذا الداء الروحي.. فالأصحاء لا يعبرون عن قلوبهن بما عبرت عنه أنا .. ربما هذا السر القابع وراء كلام فاطمة .. " وقفت فاطمة وتنهدت قائلة " سارة حبيبتي، لست أنتي الوحيدة المصابة بهذا الداء.. لعلي أنا مصابه به أيضا وغيرنا الكثيرات “.. يقطع الجرس المدرسي الحديث الساخن .. لتبدأ الفسحة المدرسية .. خرجت فاطمة من الفصل متجهة لتناول إفطارها في الكافتيريا .. ولكنها سرعان ما أحيطت بهالة من فتيات صفها .. البعض مغتاظ، وأخريات يطلبون المساعدة للتخلص من هذه الأمراض الروحية التي أخذت تستشري في أرواحهن .. تلوح ابتسامة مشرقة على وجه فاطمة .. وتقول .. يا سارة .. جميعنا نعلم عن رغبتك في الالتحاق بإحدى الجامعات الطبية .. أليس كذلك ؟؟

سارة: نعم يا فاطمة.. وما دخل هذا بهذا ؟؟

فاطمة: إذا، لابد وان يكون لديك علم بأولى خطوات العلاج !

سارة: لعلك تقصدين التعرف على المرض !!؟؟

فاطمة: بلى .. هذا ما رميت إليه غاليتي .. هكذا نحن والأمراض الروحية .. يجب أولا أن نتعرف على مسببات المرض الروحي ..

سارة: كيف لنا أن نتعرف عليها ؟؟

فاطمة: بالابتعاد عن الحرام .. صغيرها وكبيرها ..

سارة: وكيف تكون البداية ؟؟

فاطمة: بالتوبة النصوح .. ومعاهدة الله سبحانه وتعالى على أن لا تكرري فعلتك هذه مره أخرى .. فها هو أصبر الصابرين علي ابن أبي طالب عليه السلام يقول : ( التوبة تطّهر القلوب وتغسل الذنوب) .

سارة: وهل سيتقبل الله توبتي ؟؟

فاطمة: أو عندك شك في ذلك ؟؟!! والله ارحم الراحمين ؟؟ فها هو يقول عزّ من قال في محكم كتابه المبين ( إن الله يحب التوابين) .

سارة: ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟؟ والتغلب على النفس الأمارة بالسوء وهوائها أمر صعب؟؟

فاطمة: تعالي معي إلى مشفى الحسين عليه السلام ، فقد ورد أن رجلاً تكررت منه المعاصي، وكلما حاول التوبة غلبته نفسه، فالتفت إلى مرضه وبحث عن الطبيب فإذا به يجده أبا عبدالله الحسين عليه السلام فجاءه قائلاً:

- يا ابن رسول الله، إني مسرف على نفسي، فاعرض عليّ ما يكون لها زاجراً أو مستنقذاً.

- قال الحسين عليه السلام: إن قبلت مني خمس خصال فقدرت عليها لم تضرك المعصية.

- قال الرجل: جاء الفرج .

- قال الحسين عليه السلام:ّإذا أردت أن تعصي الله عزّ وجل فلا تأكل رزقه.

- قال الرجل: كيف؟؟ إذن من أين آكل ؟! وكل ما في الأرض رزقه.

- قال الحسين عليه السلام: أ فيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه.

- قال الرجل: لا بأس، هاتِ الثانية، فربما كانت فرجاً ومخرجاً.

- قال الحسين عليه السلام: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً في بلاده.

- قال الرجل: يا سبحان الله ! هذه أعظم من تلك، فأين أسكن؟! وله المشرق والمغرب وما بينهما.

- قال الحسين عليه السلام: يا هذا، أيليق بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟!!

- قال الرجل: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، هاتِ الثالثة ، فربما كانت أهون الثلاث.

- قال الحسين: إذا أردت أن تعصيه فانظر موضعاً لا يراك فيه، وهناك افعل ما شئت.

- قال الرجل: ماذا تقول ؟! ولا تخفى على الله خافية.

- قال الحسين عليه السلام: أتأكل رزقه وتسكن بلاده ثم تعصيه، وهو بمرأى منك ومسمع؟!

- قال الرجل: هات الرابعة وإلى الله المشتكى.

- قال الحسين عليه السلام: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخّرني حتى أتوب.

- قال الرجل: لا يقبل منى ذلك .

- قال الحسين عليه السلام: أكرهه على القبول .

- قال الرجل: كيف؟! ولا أملك لنفسي معه شيئاً!

- قال عليه السلام: إذا كنت لا تقدر أن تدفعه عنك فتُب قبل فوات الأوان.

- قال الرجل : على أيّ حال بقيت الخامسة فهاتِها.

- قال الحسين عليه السلام: إذا جاء الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى الجحيم فلا تذهب معهم.

- فقال الرجل: حسبي حسبي، أستغفر الله وأتوب إليه، ولن يراني بعد اليوم فيما يكره.

- سارة: استغفر الله ربي وأتوب إليه من جميع ما كره الله .. شكراً لك يا فاطمة النور .. فقد أنرت قلبي بنور التوبة .. ووقود الإيمان ..

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com