حكايات من ذاكرة الريف.. (6)

نزوة شاعر

حسين الهلالي

huseinalhilaly@yahoo.com

سيد محسن السيد عزيز السيد نعمة الملقب (ابودندوشة)له حضوه كبيرة عند أمراء المنتفك وقبل مجيء الحكم الوطني، كونه سيد منطقة الحمار جميعاً وذائع الصيت، كريم وشاعر رقيق يرتبط مع الشاعر حسين العبادي مؤسس الأبوذية بصداقة قوية ونديمه في ديوانه،احب (دندوشة) البدوية ولم يراها،قال عليها شعراً كثيراً ومن هذا الشعر :-عندما تزوجت وذهبت الى غيرمنطقة.

                 محني ما محن غيري محنه

                سبيب اشكر عل امتونه محنه

                اجان ابكلب دندوشه  محنه

                جا من غربت مرت عليه 

يستمر ديوانه إلى الهزيع من الليل ويقرض الشعر فيه والسمر بين الحاضرين حتى الصباح جاءه وفد من مدينة سوق الشيوخ وطلب منه ان يتوسط لحل مشكلة رحب بهم وضيفهم وفي الصباح ركبوا الزورق الذي ينقلهم الى مدينة سوق الشيوخ ووصلوا الى مرسى الزوارق (الشريعة) تناه إلى سمعه صوت النساء وهي تردد اسم (رديهن) اسم فتاة من المسافرات إلى أهلها، ترك الرجال واقترب رويداً رويداً من صاحبة الأسم ونظر إليها عن بعد ثم رجع إلى الرجال وقال لهم:- (لقد تغيرت النية عليكم الذهاب إلى أهلكم غداً سكون عندكم!!) صمت الرجال ولم يتكلموا واشار على الرجل الخاص الذي يرافقه ان يعطيه (بقجة الملابس) ويذهب مع الرجال فعل الرجل بما أشار عليه السيد، تقدم  من السفينة التىتنقل الركاب إلي قراهم المنتشرة في وسط الهور وعلى ضفاف الأنهار وسارت السفينة وهولا يعلم إلي أين تسير!! كان الحديث سجال بين النساء وكان يصغي جيداً عندما تتحدث رديهن لطراوة صوتها ولرنينه وكانت تطرح الكلمات بهدوء وعذوبة لم يسمع بمثل هذا الصوت من قبل!

قطعت السفينة شوطاً في نهر الفرات وبدأت تقف كلما وصلت قرية هاجعة على ضفافه ثم دخلت المسطحات المائية لأنّ هناك بيوت في وسط الهور ثم عادت لتستقيم في وسط النهر، قاربت الشمس على المغيب ونزل أكثر الرجال والنساء وبقيت رديهن وثلاث نساء وهو وبعد فترة ليس بالقليلة نزلت الأ مرأتان بعد ان سلمتا على رديهن بقيت ردهن وهو والملاحان واشرفت السفينة على قرية أخرى واشارت رديهن على الملاحين أن يوقفا السفينة في أول زقاق من القرية ففعلا الملاحان ونزلت قبالة الزقاق ونزل هو خلفها،وعندما توسطت الزقاق التفتت الى الخلف لتجد الشيخ الكبير خلفها! سألته:- (أتريد من عمي؟!) أجابها :- (أريد ليكم عمي)

قالت:- (أهلا وسهلاً وصلت) أسرعت وماهي إلا لحظات ودخلت الى دارهم وفي الحال أخبرت أخيها الأكبر فخرج في الحال واستقبل الرجل وادخله المضيف وقدم له إبريق الماء وبعد فترة قليلة توضأ وقام لتأدية الصلاة وبعد انتهاء الصلاة قدما له الطعام والقهوة وقال الأكبر:- (تسمح النه شيخنا هذا فراشك واحنه عندنا عمل باجر من الصبح في البستان وعلينا أن أنام من وكث) رد السيد محسن قائلاً:- (على بركة الله،الله أوباكم) خرجا من المضيف وبقى هو يفكر ويقول مع نفسه ماذا جنيت من مجيئي وراء هذه الفتاة؟ وأنا الذي لا أنام إلا في ساعة متأخرة من الليل اقضيها في سمر مع آهل الأدب وبقى يضرب بخيزرانة في طرف الموقد الى ان سمع صوت غناء ينبعث من داخل البيت وسمع أبيات الأبوذية بوضوح نهض وخلع ملابس السفر وارتدى ملابسه الجديدة التى حملها معه وخرج باتجاه الصوت وعندما وصل إلى غرفة داخلية من الطين طرق الباب وفتحوا له الباب معتذرين منه واجلسوه في مكانه واسقوه الشاي والقهوة وبعد فترة صمت قليلة قال السيد محسن :- (من الذي كان يؤدي الغناء؟) قال الشاب الكبير انه صديقنا صالح رد السيد وهل تقرأ وتكتب يا صالح؟

اجاب صالح :- نعم اقرأ وأكتب ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

اخرج السيد ورقة من جيبه وبدأ يكتب وعندما انتهى من الكتابة أعطى الورقة إلى صالح ليغني بيت الأبوذية الذي كتبه،بعد ان اننتهى من قراء ته نظر إلى الأخوين وقال هل تسمحا لي ان اغني هذا البيت؟

قالا الأ ثنان :- (اقرأه حتى ولو كان فيه إعدامنا)

بدأ المغني يغني في البيت الأبوذية الذي يقول فيه السيد محسن :-

            

                يعين الرابية عل الطل وردهة    (شربها من ماء الطل)

               عليك اتهوف آنا روحي ورهه    (تريدك روحي وأنا امنعها)

               بوادي القدس رديهن وردهة      (إن ورد رديهن هو نفس ورد الوادي)

               البشم ذاك الورد هذا جديه        (الذي يرغب بشم ذلك الورد سوف

                                    يعوض عنه ورد رديهن)

وعند انتهاء المغني من البيت قفز الأخ الأكبر على رجل السيد وقبلها قائلاً :-(انت السيد محسن ابودندوشة) رد السيد عليه (آنه السيد كدر، انت السويت خربت الكعده علينه)

رد عليه الأخ الأكبر (آنه والكعده وهلي أنر وحلك فدوه) وقام من فوره لاطماً على صدره ونحر

خروفاً،هكذا كانت مكانة السيد محسن السيد عزيز عند هذه العشائر توازي مكانة امراء المنتفك وحياناً تفوق البعض منهم،وفي الصباح تجمع رجال القرية وتناولوا طعام الفطور في بيت الأخوين وعندما اراد الرحيل قال له الأخ الأكبر:-(اجتك رديهن وما تغله عليك)

رد عليه السيد قائلاً :- (أنا رجل كبير السن ولايمكن ان اظلم فتاة هي اصغر من اولادي)

قال الأخ الأكبر خذها لأولادك.

رد السيد الجميع متزوجون..

 قال الأخ الأكبر:- وما هذا الشعر الذي ينم عن رغبتك بامتلاك اختنا!!!

اجاب السيد (إنها نزوة شاعر) حضرت في حينها وتحققت!

 قال الأخ الأكبر :- (لقد سميتها باسمكم ولايمكن ان أتراجع عن ذلك!

اجاب السيد :-   (اننا لا نريد ان نثننيك عن إيمانك وإصرارك على هذا الأمر ونقول لك ان رديهن ابنتنا وهي عندك وديعة وسوف ينتشر هذا البيت الأبوذية بين القبائل وسيقدم عليك القوم من كل مكان يطلبون يد أختك عليك أخباري قبل تعطي أي كلمةوارسل لي تفاصيل عن سيرة المتقدم فأ ني اعرف منك بالقوم وبأحوالهم وسيرهم!)

قال الأخ الأكبر :-(كما تريد مولانا)

وكما توقع السيد جاء العديد من الذين يطلبون يدها واخوها يكتب إلى سيد محسن أوصاف الشخص ومنزلته الاجتماعية والسيد يجيب بالرفض إلي ان وصل العدد الخامس والعشرون عند ذلك اجاب بالإيجاب وشرح موافقته كون هذا الشخص الذي تقدم إلي ارضاته شاب طموح جميل المحيا كريم وشجاع وشاعر رقيق واصله ونسبه عريق، وزفت ارضاته إليه.

اراد السيد عزيز السيد نعمة ان يعطي درساً بليغاً لابناء الريف فيه الحكمة والموعظة بعيد عن التعصب والإكراه فيه شيء من حرية المرأة في الاختيار فيه تقارب الأعمار وتقارب العواطف وتقارب الأرواح.

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com