دنيا المرأة

 

العنف السياسي ضد بنات الرافدين

 

كفاح الحداد

يعتبر العنف السياسي اخطر انواع العنف التي عرفها البشر على مر التاريخ ومازال الحال في وقتنا المعاصر، وربما تأتي خطورته من كونه الحاق الأذى المتعمد والمؤلم ليس بافراد احاد انما بشرائح اجتماعية او فئات واسعة من البشر. كما انه في احيان كثيرة يكتسب سمة القانون اثناء الممارسة باعتبار قيام الدولة به ضد اعدائها.

يمثل العنف الحاق الاذى والضرر بكل اشكاله بالآخرين او بممتلكاتهم او بمن هم في رعايتهم من الافراد ودوما هو اما ان يكون صادرا من الحكومة والدولة وقد يكون صادراً من الجماعة المضادة للدولة او المحاربة لها، وكثيراً ما تكون انماطه قاسية واثاره طويلة الامد ومن الصعب محوه من سجل التاريخ الأسود.

حيث يحدثنا التاريخ عن نماذج من العنف السياسي تعرضت له المرأة العراقية في بلاد الرافدين سواء في القوانين المجحفة التي كانت في الزمن الأول تبيح للرجل القاء زوجته في النهر اذا ما تكلمت كثيراً وسواء في حالات الوأد والسبي الجماعي الذي كثيراً ما كانت تتعرض له القبائل والمدن القديمة.

ويعتبر سبي نساء كربلاء زينب (ع) وأهل البيت واحدة من أقسى مظاهر العنف السياسي ضد المرأة المسلمة التي بانت على ارض الرافدين وتركت اثار الحزن على صفحات التاريخ الخالدة.

يكون العنف السياسي ضد المرأة اما مباشر يهاجم المرأة نفسها ويلحق الأذى بشخصها ويتخذ مظاهر في الاغتصاب والقتل والسجن والتهجير والطرد وغير ذلك.

واحياناً يكون غير مباشر لا يمس كيان المرأة الذاتي وانها يتم بأساليب متنوعة مثل التغريب ونشر الثقافة المعادية للدين والقيم وتغييب الامن الاجتماعي والنفسي وممارسة الضغوط العامة (اقتصادية، ثقافية، نفسية، صحية وسياسية) على المجتمع او يهاجم من ينتمون الى المرأة بصلة كالزوج والأخ والابن وبالتالي فهو يتخذ مساحة كبيرة.

وضمن النمط الاول نجد الحملات القاسية التي تعرضت لها نساء العراق في الاعدام كالشهيدة بنت الهدى (رض)، والشهيدة د. ساجدة حميد والشهيدة ميسون والشهيدة ابتهاج والشهيدة رجيحة والشهيدة عواطف (ره) ام دعاء وما نجهله من الاسماء اكثر من هذا بكثير.

وايضاً تعرضت الكثير من حرائر العراق الى احكام السجن القاسية في ظروف صعبة من كل النواحي. وكان للقوانين المجحفة الظالمة اثر كبير في تدمير ذات المرأة وتعزيز سلبيتها وتابعيتها مثل قانون جريمة الشرف والذي لا يتوافق ابداً مع مبادئ الاسلام السمحاء الذي يعتبر كل (نفس بما كسبت رهينة) وكل فرد مسؤول عن ذنبه وبالتالي لا يحمل الفتاة إلا وزر اعمالها هي كما لا يسمح لأحد بابتزاز حقوقها الانسانية الا في جانب العدالة الذي كان مغيباً للاسف في ظل النظام الديكتاتوري الذي حكم العراق. وقد كانت هناك قوانين اخرى اصدرها الديكتاتور يمنع فيه المرأة العراقية من تولي مناصب عليا سواء في الادارة العامة او في وكالة الوزارة وغيرها مما ادى الى انزواء الكثير من الكفاءات العراقية في دائرة الاقصاء والتهميش.

ولا ننسى بطبيعة الحال مجازر حلبجة في الشمال وجيزان الجول، والاهوار في الجنوب والتي كانت واحدة من اجلم مناطق العالم لكنها تعرضت للقصف الكيمياوي مما ادى الى احتراق الحرث والنسل وجففت الامر الذي دفع بالالاف النساء العراقيات الى النزوح والهجرة الى المدن والعمل في خدمة المنازل من اجل تحصيل لقمة العيش.

ومن البديهي ان العنف بكل اشكاله والسياسي بصورة خاصة يترك اثاراً قاسية للغاية على المرأة ربما مدى الحياة فالملاحظ انه بعد غارات الحلفاء المتكررة على المناطق الجنوبية في العراق والقاء الاف القنابل الحاوية على اليورانيوم المنضب تزايدت بعد ذلك بنسبة الاصابة بعقم النساء وسرطان الرحم والثدي والولادات الناقصة للمشوهين خلقياً، حيث كان حجم ما القي على العراق من هذه القنابل يفوق بمقدار 23 مرة ما القي على البوسنة والهرسك في كل حربها الطويلة الامد، ومن المؤكد ان المرأة تكون هي الضحية الاولى باعتبار النسيج البيولوجي الخاص الذي تتمتع به والذي الحت الشريعة على احترامه ورعايته لأن المرأة هي حاضنة الشعوب ومدرسة الاجيال.

واذا كانت نماذج العنف السياسي تؤدي الى اضرار جسيمة واعاقات (طويلة وقصيرة الامد) تبدو واضحة في العمى والشلل وامراض التنفس، فإن الاضرار النفسية تكون قاسية واقسى بكثير من الاضرار الجسمية واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان قابلية التذكر عند المرأة تكون اعلى بكثير من الرجل وانها تتذكر حتى الجزئيات، وقوة التذكر هذه ترتبط مع الجهاز العاطفي الفياض الذي تتمتع به بان واضحاً حجم المعاناة التي عاشتها ومازالت، إذ تبقى نوبات الذعر والاضطراب والتوتر والقلق والخوف الاجتماعي (الفوبيا) وحصول نوبات اكتئاب حادة وواضحة اما مستمرة او متقطعة.

ولا ننسى ان غياب الزوج او المعيل يؤدي الى زيادة الضغط الاقتصادي على المرأة وعلى من كانوا في الاعالة من الاطفال والاخوة والاباء وغيرهم في ظل اجواء اجتماعية خانقة مهاجمة دائمة لهؤلاء الضحايا وتحاول ان تقصيهم عن الوجود الاجتماعي بكل اشكاله وهذا يعني وجود حرب نفسية عميقة وثقيلة تعيشها هؤلاء النساء مع الابناء والاتهامات تتزايد على الاسرة بكاملها مع تزايد الضغط السياسي فهم يصبحون ورقة تحوم حولها بعوضات الحكومات الظالمة كي تحقق اقصى استفادة.

كل هؤلاء النساء يبدون بحاجة الى رد الاعتبار الاجتماعي والوطني والسياسي بعد اندحار الدكتاتور وسقوطه، وبحاجة الى عملية تأهيل نفسي مدروسة تعتمد على التقنيات الحديثة التي يستفاد منها في توفير اجواء ايجابية يطغي عليها جانب الاحترام الانساني والاكرام والاجلال لهؤلاء اللائي عشن التضحيات وقدمن التضحيات. وهذه تبدو ليس مسؤولية فرد او جماعة انما هي مسؤولية الدولة بالدرجة الاولى التي ينبغي ان تضع في اولوياتها انشاء المؤسسات الراعية لشؤون هؤلاء ورد الاعتبار الانساني لهن امام المجتمع كله.

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com